ARIJ Logo

مساعداتٌ على الورق

منظماتُ إغاثة دولية ومحلية تهدر ملايين الدولارات في اليمن

04/09/2022

أصيل سارية وعيسى الراجحي

"لم أكن أعلم أنّ هذه الحرب ستقلب حياتي رأساً على عقب"، بهذه الكلمات بدأ الحاج عبده بلال أحمد وصف معاناته. أحمد، أحد النازحين من منطقة الملاحيظ بصعدة (شمال اليمن وتخضع للحوثيين) إلى مديرية الزهرة بمحافظة الحديدة (على البحر الأحمر)، بسبب الغارات الجوية على المناطق الحدودية.

على مدى سبعة أشهر، تتبع مُعِدَّا التحقيق مجموعة مشاريع نفذتها منظمات دولية في اليمن. وقاما بتحليل وثائق وعقود أربعة عشر مشروعاً منفذاً من قبل منظمات أمريكية وبريطانية وأخرى تابعة للأمم المتحدة. أظهرت الوثائق أنّ الميزانيات التشغيلية لبعض المشاريع كانت أكبر من النسبة المخصصة لها من قبل وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية. مشاريع أخرى حدث فيها تلاعب في أسعار صرف العملات أو في تفاصيل العقود، ما فوّت المساعدات على مستحقيها.

فائدةٌ أقلّ وموازناتٌ أكبر

تلقّى حسن مبارك، نازح من محافظة حجة، مساعدة نقدية مرة واحدة من قبل مشروع "الاستجابة الإنسانية في محافظة حجة". بلغت ميزانية المشروع 1.079 مليون دولار، ونُفِّذَ من قبل المجلس النرويجي.

تكشف وثائق المشروع أنّ القائمين عليه لم يلتزموا بصرف المبالغ التي حددها العقد. 30% من الميزانية (353 ألف دولار)، صُرفت على أنشطة تحقق هدف المشروع وهو صرف مساعدات نقدية لمتضرري الحرب، فيما ذهبت الحصة الكبرى من المخصصات تحت بند مصاريف تشغيلية للمشروع ومكاتبه في حجة وعدن وصنعاء.

وثيقة تظهر حجم الموازنة التشغيلية مقارنة بالموازنة العامة للمشروع

وثيقة تظهر حجم الموازنة التشغيلية مقارنة بالموازنة العامة للمشروع

مشروع آخر خاص بالخدمة المجتمعية للنازحين والمجتمع المضيف نفذته منظمة "أدرا" الأمريكية في محافظات عدة بينها محافظة حجة خلال الفترة 2019-2020. كانت النفقات التشغيلية الخاصة بالمشروع 440 ألف دولار، أي ما نسبته 58% من موازنة المشروع البالغة 757 ألف دولار، وصُرف باقي المبلغ (317 ألف دولار) لتنفيذ أنشطة مرتبطة بالمشروع.

لم يصلنا حتى لحظة نشر التحقيق أيّ رد من مكتب المنظمة في اليمن لتوضيح سبب صرف تلك المبالغ كنفقات تشغيلية، في مخالفة لتعليمات وزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن.

تشترط الوزارة ألّا تتعدى نسبة الميزانية التشغيلية 30% من إجمالي ميزانية المشروع، وهو ما لم تلتزم به منظمات نفذت مشاريع إغاثية في اليمن. ورغم هذه المخالفات، إلّا أنّ وزارتيْ التخطيط في صنعاء وعدن صادقتا على تنفيذ تلك المشاريع المخالفة.

وزارة التخطيط والتعاون الدولي في صنعاء (الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله-الحوثيين)، تمّ تغيير اسمها إلى وزارة التخطيط والتنمية، وتمّ نقل صلاحيات التعاون الدولي إلى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، الذي أصبح مسؤولاً عن إدارة ملف المنظمات الدولية في اليمن.

ويقول الناطق الرسمي باسم المجلس طلعت الشرجبي، إنّ "المجلس لا يتدخل في عمل المنظمات الدولية في اليمن، إلّا أنّه يعلن خطط الاستجابة بشكل رسمي، وتنفذها المنظمات وهي مشاريع معلومة التفاصيل، وهناك مشاريع تقدمها المنظمات تتمّ دراستها من قبل المجلس بما يتلاءم مع خطة الاستجابة واحتياجات المستهدفين". وعن الحالات التي يعترض فيها المجلس، يقول الشرجبي إنّ ذلك يكون إذا كانت هناك تكاليف مرتفعة وغير معقولة، مثل أن تكون الميزانية التشغيلية أكبر من الفائدة العائدة على المستفيدين. وبحسب قوله، فإنّ المجلس أوقف مشاريع من هذه النوع "وكأنّ المنظمات تريد من المجلس أن يعطي تلك النفقات الصفة القانونية".
وفي هذه الحالة يقول الشرجبي، إنّ المشاريع التي أُوقفت تذهب إلى مناطق الطرف الآخر، في إشارة إلى مناطق سيطرة "الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً".
لكنّ النفي من عدن (اتخذتها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة منذ العام 2015)، جاء على لسان مدير عام المنظمات في وزارة التخطيط والتعاون الدولي زهير حامد.
ويقول حامد إنّ الوزارة تشترط في الموازنات التشغيلية للمشاريع التنموية ألّا تتجاوز 30% من إجمالي الموازنة، دون شروط مسبقة في تنفيذ المشاريع سوى أن تخدم الإنسان وتحقق شروط التنمية التي تتبناها الحكومة اليمنية.
لكنّ الوثائق التي حصلنا عليها تخالف ردود الأطراف في صنعاء وعدن، فأكثر من 11 مشروعاً (تمّ توثيقها خلال الفترة بين عاميْ 2016-2021) تتجاوز ميزانياتها التشغيلية أكثر من 30% وتصل إلى 40% و50% من إجمالي ميزانية المشروع.

تلاعبٌ آخر

لم يقتصر الأمر على الميزانيات التشغيلية في تبديد مساعدات كان يفترض أن تصل المحتاجين. بعض المنظمات المحلية اتجهت للاستفادة من تضارب أسعار صرف الدولار، إذ إنّه مسجل في نشرة البنك المركزي بصنعاء بـ 250 ريالاً، في حين وصل سعره منذ أكثر من عاميْن إلى 600 ريال في السوق الموازية خلال الفترة 2019-2020 دون أن يتغير في الأنظمة المحاسبية للمنظمات.

يثبت ذلك، حسين الفضلي "اسم مستعار"، الذي عمل مسؤول احتياجات في منظمة محلية خلال الفترة 2019-2020، وتوصل من خلال عمله إلى أنّ المنظمات تعتمد سعر الصرف الرسمي، "وهو ما يوفر فوارق كبيرة أثناء تنفيذ الأنشطة".

وأورد الفضلي مثالاً "في مشروع صغير وهو تركيب خزانات مياه في محافظة حجة، نفذته المنظمة بدعم من صندوق التمويل الإنساني التابع للأمم المتحدة، بلغ سعر الخزانات 55 ألف ريال يمني، أي ما يعادل 92 دولاراً بسعر السوق الموازية. أما بسعر البنك المركزي فبلغ 220 دولاراً، أي أنّ هناك 128 دولاراً فارق سعر في كلّ خزان".

وفي وثيقة أصدرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في العام 2020، تظهر ثلاثة أسعار للدولار، الرسمي بـ 250 ريالاً، وسعر الأسواق الموازية 600 ريال، وسعر جديد 666 ريالاً.

وتعليقاً على هذه الوثيقة، يقول الدكتور عبدالقادر الخراز عضو حملة "لن نصمت وين الفلوس"، التي بدأت في العام 2019 لكشف فساد المنظمات الدولية، إنّ "هذه الوثيقة تكشف فساداً في سعر اعتماد الدولار، خصوصاً بعد الاختلاف بين صنعاء وعدن، وهذا تلاعب كبير بالبيانات التي ما تزال كما هي في نشرات البنك المركزي خصوصاً في صنعاء". ويضيف أنّ "المنظمات تدخل بلعبة أكبر وهي عدم صرف الدولار بالبنك المركزي وبالتالي عدم دخول هذه التمويلات إلى البنك، ما يؤثر سلباً على الاقتصاد ككل إلى جانب أنّها تصرف للمحتاجين والمتضررين من الحرب بسعر صرف 250 ريالاً وتتلاعب بعملية المصارفة بين صنعاء وعدن".

ملياراتُ الدولارات وأزمةٌ إنسانية

مع دخول الحرب في اليمن عامها الثامن، أصبح 80% من السكان بحاجة ماسّة إلى المساعدات العاجلة، فيما بات 3.6 مليون يمني على حافة المجاعة، في وقت أرغمت الحرب قرابة أربعة ملايين شخص على النزوح من مناطقهم، والعيش في ظروف بالغة الصعوبة داخل عشرات المخيمات، وفق تقارير أممية.

بالنظر إلى المساعدات الدولية المقدّمة لليمن عبر منظمات الأمم المتحدة خلال السنوات الست الماضية، فقد وصلت إلى 17 مليار دولار، ضمن "خطة الاستجابة".

أموال كفيلة بسد حاجة اليمنيين من الحبوب بنظر الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي "نصف أموال تلك المساعدات ذهبت إلى برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، ومتوسط واردات اليمن السنوية من الحبوب يبلغ حوالي 4.2 مليون طن متري، وبضرب هذه الكمية في متوسط ​​سعر الحبوب البالغ حوالي 220 دولاراً أمريكياً، نجد أنّ الفاتورة السنوية للحبوب تكون حوالي مليار دولار سنوياً، فهذا يعني أنّه بمبلغ 17 مليار دولار نستطيع توفير الحبوب لثلاثين مليون يمني لمدة سبعة عشر عاماً".

راسلنا عبر البريد الإلكتروني المنظمات الدولية التي وردت أسماؤها في التحقيق حول ما توصلنا إليه، من دون أن يصلنا أيّ رد منهم (حتى تاريخ النشر)، في حين ينتظر كلٌّ من حسن وعبده حصتهم الثانية من المساعدات الإنسانية التي تمّ جمعها بأسمائهم. وبينما يضرب الفقر أطنابه في اليمن، تستمر المنظمات الدولية بالشراكة مع منظمات محلية، في إنفاق السواد الأعظم من المساعدات على مصاريف تشغيلية لمقراتها وعامليها.

وحول ما ورد في التحقيق، بيّن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في رسالة أرسلها لأريج بعد نشر التحقيق خطوات اعتماد المنظمات العاملة في المشاريع الإنسانية، التي يجب أن تأخذ تصاريح موافقة من قبل السلطات الحكومية. فبعد تقديم المنظمات المحلية مقترحاتها تخضع للمراجعة من قبل لجان مكونة من منظمات غير حكومية محلية ودولية ووكالات الأمم المتحدة.

وتلتزم كلُّ منظمة بتقديم تقارير مالية للمشاريع التي تنفذها، ويتمّ إجراء تدقيق مالي ومراقبة لتنفيذ تلك المشاريع. وبعد انتهاء المشروع، يتمّ تدقيقه من قبل شركة تدقيق خارجية ومستقلة ومعترفٍ بها دولياً قبل إغلاق المشروع.

وتقدم الأمم المتحدة وشركاؤها المساعدات الإنسانية بمختلف أنواعها إلى ما يقرب من 12 مليون شخص في اليمن شهرياً.

ويعاني اليمن صعوبات أثرت على حياة اليمنيين في شتى المجالات منذ اندلاع الحرب بين الحوثيين والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في سبتمبر 2014.