كل صباح، يجتمع توفيق رحيمي (45 سنة) في أحد مقاهي مدينة القصرين (وسط غربي تونس)، مع عدد من زملائه من مالكي الأراضي، التي يمر عبرها خط أنابيب الغاز، القادم من الجزائر باتجاه إيطاليا؛ يناقشون الخطوات المقبلة التي سيقومون بها؛ بهدف الضغط على شركة "خدمات أنبوب الغاز العابر للبلاد التونسية" (السيرغاز)، لزيادة سعر إيجار (كِراء) أراضيهم، التي يمر عبرها خط الأنابيب.
تابعنا على مدى أكثر من سنة، مساعي الفلاحين وملاك الأراضي بمحافظة القصرين؛ لإقناع شركة "السيرغاز" برفع سعر إيجار الأراضي، التي يمر عبرها أنبوب الغاز، العابر للأراضي التونسية، والحصول على مستحقاتهم المالية، الواجب الحصول عليها منذ عام 2020، حسب السعر الذي يطالبون به.
يكشف هذا التحقيق عدم استجابة شركة السيرغاز، الممثلة لشركة إيني الإيطالية، لمطالب الفلاحين بزيادة سعر إيجار الأراضي، إلى جانب عدم التزامها بوعودها، فيما يخص بعض مشاريع التنمية بمنطقة القصرين، في إطار مسؤوليتها الاجتماعية.
يمتد أنبوب نقل الغاز، العابر للأراضي التونسية المكون من خطين، إلى 370 كيلومتراً، انطلاقا من منطقة أولاد مرزوق بمحافظة القصرين، على الحدود التونسية الجزائرية، وصولاً إلى منطقة الهوارية، التابعة لمحافظة نابل الساحلية. ويضم الأنبوب خمس محطات ضغط للغاز، موجودة في مناطق "فريانة " و"سبيطلة" بمحافظة القصرين، ومنطقة السبيخة بمحافظة القيروان، ومنطقتي "قربة" و"الهوارية" بمحافظة نابل.
ويمثل أنبوب نقل الغاز جزءاً من خط الأنابيب "ترانسميد"، الذي ينطلق من حقل الغاز "حاسي الرمل" بصحراء الجزائر، ليصل إلى شمال إيطاليا. ويبلغ طوله الإجمالي 2500 كيلومتر، ويشقّ بذلك مئات الكيلومترات من الأراضي التونسية، تحت إشراف شركة "إيني" الإيطالية؛ وتبلغ سعة النقل في تونس 34 مليار متر مكعب سنوياً. ويقوم هذا الخط بتزويد إيطاليا من الغاز الجزائري بنحو 30 بالمائة من حاجياتها.
أُنشئت شركة "سيرغاز" عام 1980، وهي شركة خفية الاسم، رأس مالها 99 ألف دينار (32 ألف دولار). جاء ذلك تطبيقاً للاتفاقية المبرمة بتاريخ 25 تشرين أول/أكتوبر عام 1977، بين الحكومة التونسية والمجمع الإيطالي للمحروقات "إيني"؛ بغرض التسيير الفني، والتعهد بصيانة أنبوب الغاز، الذي تعود ملكيته إلى الدولة التونسية، وتشرف عليه "الشركة التونسية لأنبوب الغاز العابر للبلاد التونسية" (سوتيغات SOTUGAT)، التابعة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية. وتبلغ حصة "إيني" من شركة "سيرغاز" 67 بالمئة؛ في حين تبلغ حصة الحكومة التونسية 33 بالمئة.
تملك الشركة التونسية للأنشطة البترولية "إيتاب"، ثلث رأس مال شركة "سيرغاز". وقد كلّفتْ "سوتيغات" شركة "سيرغاز"، في إطار عقد معها، بالإشراف على مشروع إيجار الأراضي، إضافة إلى مهمتها في التسيير الفني لعملية نقل الغاز، وصيانة المحطات والأنابيب.
عقدت شركة إيني اتفاقية نقل الغاز مع الجانب التونسي؛ لنقل الغاز عبر الأنبوب الأول عام 1977، وقد أُبرم عقد مع الفلاحين لفترة تمتد إلى 30 عاماً بداية من سنة 1979، وجُدد الاتفاق عام 2009، بين شركة "سوتيقات" ومالكي الأراضي لمدة 30 عاماً إضافياً، حتى عام 2039.
في عام 1991، عُقدت اتفاقية حول مرور أنبوب ثانٍ، عبر الأراضي التونسية، في مسار الأنبوب الأول نفسه. وقبيل انتهاء المدة؛ جُددت الاتفاقية عام 2019، ولمدة 10 سنوات إضافية، حتى عام 2029.
في الثاني من تموز/يوليو 2019، أصدرت الحكومة التونسية، برئاسة يوسف الشاهد، بلاغاً مفاده تجديد الاتفاقية، المتعلقة بالأنبوب الثاني للغاز، العابر للأراضي التونسية.
وتمكّن هذه الاتفاقية -التي تأتي مواصلة للاتفاقيتين السابقتين، المبرمتين عامي 1977 و1991، اللتين تمّ انتهاء العمل بهما- من توظيف نسبة على الغاز المنقول، تقدر بـ 5.25%، لفائدة "البلاد التونسية"، تبلغ سنوياً نحو 500 مليون دينار (نحو 162 مليون دولار)؛ أي بإضافة 41 مليون دينار (نحو 13.3 مليون دولار) لمعدل المعلوم السنوي (الرسوم السنوية)، المدفوع للدولة التونسية؛ مقابل استغلال مجمع "إيني" لسعة نقل الأنبوب.
ويتكفل الجانب الإيطالي، بصيانة، وتطوير، وتأهيل التجهيزات والمعدّات الخاصة بالأنبوب، بتكلفة تقدر بنحو 160 مليون دولار، أي ما يقارب 490 مليون دينار، على امتداد 10 سنوات؛ بالإضافة إلى تزويد الأراضي التونسية بالغاز الطبيعي بـ 3.8 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 65% من الاستهلاك السنوي للغاز في تونس، وفق البلاغ نفسه، الذي نشرته رئاسة الحكومة. وبلغ الاستهلاك التونسي للغاز الطبيعي 5634 ألف طن مقابل نفط عام 2021.
وعبر هذا الأنبوب، يتمّ تزويد الشركة التونسية للكهرباء والغاز (الشركة الحكومية الوحيدة المزودِة للكهرباء والغاز في تونس) بجزء مهم من حاجياتها من الغاز الطبيعي؛ ما يسهم بصفة حيوية، في تأمين استمرارية تزويد الأراضي التونسية بالكهرباء.
انطلاقاً من هذا التجديد للاتفاقية، وزيادة مقدار "الإتاوة" التي تدفعها شركة "إيني" للدولة التونسية؛ أبدى الفلاحون -الذين يمرّ خط الأنابيب بأراضيهم- رغبتهم في رفع رسوم إيجار الأراضي.