نداء والتعميم القضائي في الضفة الغربية
نداء الوحش؛ ثلاثينية من مدينة الخليل بالضفة الغربية في فلسطين، وأم لصبي (10 سنوات) وفتاة (13 سنة). تعمل ليل نهار؛ كي تعتاش هي وطفلاها بعد أن تمكنت من الحصول على طلاقها عام 2018، لتنهي معاناة استمرت 4 سنوات بالمحاكم، بعدها حصلت على حضانة الطفلين.
في السادسة صباحًا، تستيقظ نداء كالمعتاد، تعد الفطور لطفليها، وتجهز حقيبتيهما المدرسية، ثمّ تهرول مسرعة تصطحبهما إلى المدرسة. بعدها تستقل الحافلة للذهاب إلى عملها في صالون التجميل النسائي.
تصعد نداء إلى الحافلة، وتجلس على أحد المقاعد القريبة من الباب لتستطيع النزول بسرعة، كي لا تتأخر. خلال نصف ساعة، هي مدة رحلتها إلى العمل، تطاردها ذكريات عشر سنوات؛ وكأنها شريط سينمائي يُعرض على زجاج الحافلة الأمامي.
تذكرت نداء أول محطة بحياتها؛ يوم زواجها عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها، وتمتمت بهذه الكلمات:"ثماني سنوات من الزواج، لا أعرف كيف تحملتها، كانت عبارة عن ضرب وإهانات وطرد من البيت". عانت نداء كثيرا، حتى قررت إنهاء هذا الزواج.
لحظة لم تستطع نداء نسيانها، وكأنها حدثت بالأمس؛ حين طلبت من القاضي أن يعرضها على طبيب نفسي؛ ليقر بأهليتها في احتضان طفليها، بعد اتهامها بالجنون من قبل والد الطفلين، في إحدى جلسات الطلاق بالمحكمة.
بحسب المادة 155 من قانون الأحوال الشخصية، يُشترط في الحاضنة أن تكون "بالغة عاقلة أمينة، لا يضيع الولد عندها لانشغالها عنه، قادرة على تربيته وصيانته، وأن لا تكون مرتدة ولا متزوجة بغير محرم للصغير، وأن لا تمسكه في بيت مُبغضيه".
توضح المحامية في مركز الإرشاد النفسي والاجتماعي للمرأة في الضفة الغربية، روان أبو غزة أن الأم عندما تطالب بحضانة أطفالها؛ يجب أن تقدم إثباتات للمحكمة تؤكد فيها أنها "راشدة، وعاقلة، وبالغة، وغير مرتدة، وأنها مستقيمة الخلق، وقادرة على تربية الأطفال، وغير منشغلة عنهم".
وأكدت أبو غزة أن كل هذه الإجراءات تشير إلى تدني المنظومة المجتمعية، وعدم مساعدة وإنصاف قوانين الأحوال الشخصية للنساء، مشيرة إلى أن ما تمر به المرأة في المحاكم أثناء الفترات الأولى للطلاق، يمثل جزءًا كبيرًا من معاناتها؛ وخصوصًا إذا لم يكن معها محامي/ ة للترافع عنها منذ البداية.
جمعت معدة التقرير من محرك البحث القانوني "قسطاس" 32 قضية بمحاكم الضفة الغربية؛ موزعة من ناحية الحكم عليها بين عامي 2010 و2021، تتعلق جميعها بقضايا الطلاق والحضانة والنفقة والملكية.
وبالنظر إلى هذه القضايا، تبين أن الزوج هو أكثر من قدم استئنافات وطعونًا على الأحكام لنقض قرارات المحكمة؛ إما في النفقة أو نزع ملكية أو قضايا الحضانة، بعدد (19) استئنافًا وطعنًا من أصل (32) تم تقديمها خلال العينة.
حالة قرار المحكمة/ (قبول - رفض) الاستئناف أو الطعن
مُقدم الاستئناف أو الطعن
ظنت نداء أن طليقها قد استسلم للأمر الواقع، ولن يتعرض لها أو لطفليها؛ لكن بعد فترة من حصولها على الحضانة، أخذ طليقها الطفلين يزيد ونادين عنوة، ومن دون علمها.
اضطرت نداء إلى التوجه للقضاء مرة أخرى؛ لاستعادة طفليها. بعد أربعة أشهر من هذه الحادثة، تمكنت نداء من استعادة نادين، بعد فترة صعبة قضتها بين المحاكم ومخافر الشرطة؛ إلا أنها لم تستطع استعادة يزيد الذي بقي ستة أشهر عند والده، ولم يُسمح لها برؤيته. ليتبين بعدها أن طفلها يزيد قد تعرض لحادث سير -خلال تلك الفترة- من دون أن تعلم.
تقول نداء: "أذكرُ كم كانت نفسية نادين مدمرة ومتعبة بسبب ما حصل، افتقدتْ أخوها وكانت دائمًا حزينة، وتبكي بشكل متواصل. وبعد عودة يزيد؛ تغير كثيرًا وما زلت لغاية اليوم أعاني معه بسبب طباعه العنيفة".
تمكنت نداء -منذ عام 2021- من الحصول على نفقة لطفليها عن طريق صندوق النفقة. لم تحصل نداء على حقوقها كالمهر والنفقة؛ بالرغم من عدم تنازلها عنهم، كما أنها تمكنت من الحصول على حكمين ضد زوجها السابق؛ الأول نفقة صغار، وآخر بالحضانة؛ إلا أن الأول لم يتم تنفيذه.
صندوق النفقة هو مؤسسة حكومية رسمية، تتبع رئيس مجلس وزراء دولة فلسطين، وتتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية والشخصية الاعتبارية. تأسس الصندوق بموجب قانون صندوق النفقة الصادر عام 2005، وبحسب المادة (4) من القانون فإنه يهدف إلى ضمان تنفيذ حكم النفقة الذي يتعذر تنفيذه؛ بسبب غياب المحكوم عليه، أو جهل محل إقامته، أو عدم وجود مال يُنفذ منه الحكم، أو لأي سبب آخر.
وصــل العــدد الإجمالي للفئات المستحقة للنفقــة مــن الصنــدوق 16,454 مستحقًا عام 2020 حسب التقرير السنوي للصندوق. وتشير البيانات إلى أن الأطفــال شكلوا النسبة الأكبر مــن مستحقي/ ات النفقة بنسبة وصلــت إلــى 74,84%.
في حالات كثيرة -تشبه حالة نداء تمت مقابلتها خلال إعداد هذا التقرير أو شاركن في تعبئة الاستبيان- تبين أن بعض النساء يواجهن تحديات في نفقة أطفالها. حيث بلغت نسبة النساء غير العاملات اللواتي شاركن في تعبئة الاستبيان 52%؛ أي أكثر من نصف المشاركات.
أجرت معدة التقرير مقابلة مع قاضي المحكمة العليا الشرعية بالضفة الغربية، عطا المحتسب، للحصول على رد، وعند سؤاله عن اضطرار بعض النساء إلى التنازل عن حقوقهن، مقابل الحصول على حضانة أطفالهن، أجاب القاضي بتساؤل انفعالي واضح: "مَن أخبر المرأة أنها لا يمكن أن تحضن أبناءها إلا إذا تنازلت عن حقوقها؟! عندما لا تراجع محامياً، ولا تسأل القاضي الشرعي، فإذا هي مَن تُقصر في حق نفسها، وتظلم نفسها قبل أن يظلمها الرجل. فعندما تقول الزوجة أمام القاضي قد اتفقت مع زوجي أو طليقي على هذه الأمور، ماذا أفعل؟! لا أستطيع فعل أي شيء، فالقاضي وظيفته أن ينهي الخصومة ولا يثيرها".
وخلال اللقاء، شدد المحتسب على ضرورة معرفة المرأة بحقوقها، التي من بينها أن تطلب الطلاق وتحضن أبناءها، وتلجأ إلى القضاء لأخذ حقوقها كاملة، سواء ابتزها الرجل أم لا. مشيرًا إلى أن بعض الحالات التي تأخذ مدة طويلة في التقاضي، ربما يكون من أسبابها قصور القانون الذي يُطالب بتطويره وتحسينه، حتى يحقق المصلحة الفضلى للأطفال.
15 قضية نزع ملكية من أصل 32، تشمل حقوقًا شخصية؛ مثل حق الاستقرار الزوجي، وحق العلاقة الجنسية السليمة، وحقوق مالية وممتلكات وأموال المهر، وحقوق الإعالة، وهي الأعلى من بين القضايا والأحكام، تليها قضايا حضانة الأطفال ثم النفقة.
وفيما يتعلق بموضوع النفقة أشار قاضي المحكمة العليا الشرعية، عطا المحتسب، إلى أنه يجب في الأصل أن تُدفع النفقات من دون اللجوء إلى القضاء، إلا في حال تعذر الأمر، وفي حال صدور الحكم وعدم تنفيذه، يكون الحكم حبراً على ورق.
تخشى نداء بعد أن أصبح عمر ابنتها نادين 13 عامًا، ويزيد 10 أعوام، فراق طفليها؛ بعد أن يبلغا السن القانونية لانتهاء حضانتها.
تنتهي حضانة غير الأم من النساء (أقارب الطفل من النساء؛ ممن لهن حق الحضانة) للصغير إذا أتم التاسعة، والصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة، وذلك حسب المادة (161)من قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 1976. بينما تمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية وحضانة أولادها إلى بلوغهم، حسب المادة (162)من القانون نفسه.
في 27 آب/أغسطس 2018 أصدر ديوان قاضي القضاة تعميمًا قضائيًا يحمل رقم 2018/34، بقرار من المحكمة العليا الشرعية رقم 2018/98، ينص على اعتماد سن البلوغ؛ وهي الخامسة عشرة هجرية للذكر والأنثى على حد سواء. وحسب المادة 162 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976 فإنها تنص على أنه تمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية وحضانة أولادها إلى بلوغهم.
بناءً على ذلك، توضح المحامية في مركز الإرشاد النفسي والاجتماعي للمرأة في الضفة الغربية، روان أبو غزة، أنه تم رفع سن الحضانة للأم في الضفة الغربية من سبع سنوات للصبي، وتسع سنوات للفتاة إلى فترة البلوغ (15 عامًا لكلا الجنسين)، بحسب التعميم القضائي. لكن ذلك دون تعديل دستوري أو قانوني؛ وذلك بسبب غياب المجلس التشريعي، ما يُفقد القرار طابع الإلزامية بالنسبة للقضاة.