bg-intro
shadow
مجلات تفترس أخلاق الأكاديميين
طارق عبد الجليل

clock icon 01/03/2023

في خريف العام 2019، لاحظ الدكتور عبد الفتاح بدر، عالم النبات، وعميد كلية العلوم السابق بجامعة حلوان (مصر)، وعضو لجنة الترقيات العلمية بقطاع العلوم بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خطأ في الاسم العلمي لأحد أنواع النباتات على عنوان دراسة بحثية تقوم بعرضها باحثة في إحدى الجامعات المصرية الحكومية. سألها بدر -وأعضاء اللجنة- عن ذلك، فكانت إجابتها "لا أعلم"، رغم أنّها أستاذة جامعية كان يجدر بها ألّا تقع في خطأ أساسي كهذا.

quotes لا توجد مجلة علمية محترمة ترسل لك بريداً إلكترونياً لكي تنشر فيها

لم تدرك الباحثة -ولا زملاؤها في البحث– الخطأ، لأنّ هذا البحث المشترك –ببساطة– في غير تخصصها الدقيق، لكنّ ذلك لم يغير من الأمر شيئاً، إذ حصلت الباحثة على درجتها كاملة؛ لأنّ البحث منشور بالفعل في مجلة تدّعي أنّها علمية دولية تقييمها Q1 (أي من المجلات صاحبة أعلى معامل اقتباس والتي تقع في الربع الأول والأعلى في قاعدة بيانات سكوبس) ما يتعذر معه إعادة تحكيم البحث من قبل المحكمين في لجنة الترقيات العلمية.

لم تكن الباحثة -التي أنتجت في العام الأسبق للمناقشة (2017) عدة بحوث علمية كما يقول بدر، والمتقدمة للحصول على الترقية لدرجة أستاذ مساعد بالجامعة- حالة فردية، بل مثلها كثير من الباحثين في الجامعات والمراكز العلمية الحكومية، الذين يتضاعف إنتاجهم العلمي من الأبحاث المنشورة سنوياً في مجلات مفتوحة المصدر. ورغم ضعف معظم تلك الأبحاث، وعدم مشاركة الباحث فيها، إلّا أنّها تجد طريقها للنشر في مجلات علمية، تموّه بأنّها ذات تصنيف مرتفع، وذلك مقابل مبالغ مالية مرتفعة نسبياً.

يوثق هذا التحقيق تزايداً في نشر الباحثين في مصر أبحاثهم في مجلات غير محكمة، هدفها الربح، وذلك مقابل سداد نفقات مالية، دون مراعاة لقواعد النشر العلمي من مراجعة وتحكيم، في ظلّ غياب رقابة الجامعات، بما يؤدي إلى تلاعب في قواعد البحث العلمي، وخلل في أسس الترقي في مؤسسات التعليم العالي.

بدأت فكرة هذا النوع من المجلات المدّعية للعلمية، عندما استغل ناشرون مغامرون حاجة الباحثين للنشر؛ من أجل الترقي الأكاديمي. وبدأوا بإصدار مجلات تستقطب الباحثين، مقابل دفع مبالغ مالية لنشر أبحاثهم، دون مراجعتها وتحكيمها من قبل الأقران. وتعتمد هذه المجلات على إرسال البريد الإلكتروني للباحثين واستدراجهم للنشر فيها، ويُعتقد أنّ بعض الباحثين كانوا ضحايا لقلة خبرتهم، ولكنّ آخرين يعرفون جيداً أنّهم ينشرون في ما يسمى "المجلات المفترسة"؛ بسبب سرعة النشر وعدم المراجعة، وينفي أكاديميون مسألة قلّة الخبرة؛ لأنّه "لا توجد مجلة علمية محترمة ترسل لك بريداً إلكترونياً، لكي تنشر فيها" كما يجزم إسلام حسين، الأكاديمي المصري في إحدى الجامعات الأميركية.

كباحثة "النبات"، يتشارك أحمد مهران (اسم مستعار) -الأستاذ المساعد بكلية الطب بإحدى الجامعات الحكومية المصرية– كتابة الأبحاث مع مجموعة متنوعة الجنسيات من الباحثين، دون أن يدخل معملاً أو يجري تجربة. فالبحث العلمي اليوم في رأيه "صناعة لها متخصصون، والأبحاث المشتركة تعني تقسيم العمل، ومعظم الأبحاث تتمّ على الورق فقط، ودون الحاجة للدخول إلى المعمل". والوقت لديه يساوي المال، "ليست لدي رفاهية الوقت حالياً لإجرائها" (يقصد الأبحاث)، إذ يقضي وقته بين المستشفى الجامعي، وعيادته الخاصة، وقرابة ثمانية مراكز طبية متخصصة لإجراء العمليات الجراحية. فكيف يصل إلى مبتغاه في الترقي؟ "شاركت في إجراء الأبحاث بتحمل التكلفة المادية في بعضها، والبعض الآخر بالمشاركة في الكتابة"، هكذا يقول مهران.

لا يتوقف الأمر عند الترقي الأكاديمي الفردي، بل يبتزّ بعض الأكاديميين أقرانهم بهذا الأسلوب في النشر غير المحكّم، ويحصلون على التكريم، كما حدث مع الأستاذ المساعد بكلية العلوم في إحدى الجامعات الحكومية المصرية، محمد عبد الوهاب (اسم مستعار)، الذي نشر أكثر من 70 بحثاً العام الماضي، كما يقول بدر، ليحصل على جائزة الدولة للتفوق العلمي. يشرح عبدالوهاب "لدي برامج لتحليل الفرضيات التي أضعها، فأتوصل إلى نتائج إحصائية أشاركها مع مجموعات بحثية على مستوى العالم".

القضية ليست محلية ولا إقليمية، بل عالمية، فوفقاً لدراسة نشرتها مجلة BMC التابعة لدار سبرنجر نيتشر، نشرت في العام 2015، زادت المجلات المفترسة من حجم منشوراتها بسرعة من 53,000 في عام 2010 إلى ما يقدر بـ 420,000 مقالة في عام 2014 أي بنسبة تتعدى الـ 800%.

جذور المسألة

تسببت قواعد الترقيات العلمية الجديدة في مصر، وزيادة مكافآت النشر العلمي، في زيادة رغبة الباحثين بإنتاج ونشر الأبحاث العلمية في مجلات دولية، وزاد على هذا، الرغبة المحمومة من قبل الكثير من الجامعات بالتقدم على منصات التصنيف الجامعية العالمية.

"قواعد الترقية المتعسفة" تعتبر واحدة من المفاتيح التي يرى البراء السعيد (أستاذ مساعد البيئة النباتية، بكلية العلوم في جامعة الأزهر) في منشور عبر فيسبوك، أنّها أخلّت بأصول إنتاج البحث العلمي، إذ "يتمّ التضييق على الباحثين بشكل مستمر بإنتاج قواعد متعسفة للترقية، تدّعي أنّها ضد الفساد وتسعى لتكريم المتميزين، ولكنّها تساعد على انتشار الفساد بشكل كبير"، ويعلل السعيد رأيه بالقول: "بعد أن كان مطلوباً نشر أبحاث تحكَّم من أعضاء اللجان الدائمة -التي يؤسَف لتدخل العلاقات والصراعات في تحديد مصير المتقدمين إليها، سواء بالسلب أو بالإيجاب- تطوّر الأمر وأصبح مطلوباً من الباحثين النشر في مجلات تتقاضى آلاف الدولارات لرفع ترتيب الجامعات والمراكز البحثية، مقابل رفع يد اللجان الدائمة عن الترقيات، وتحويلها إلى إدارة أمور الترقية، دون التدخل في المصائر، لكن عليك أن تجد طريقاً لتوفير الأموال".

من الأزهر إلى ميتشجان، حيث عالم الفيروسات الجزيئية، والباحث الرئيسي بإحدى شركات تطوير الأدوية المضادة للميكروبات بولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة، إسلام حسين، الذي يرى أنّ نظام الترقيات في السلك الأكاديمي، هو السبب الرئيسي في تزايد النشر في المجلات المفترسة، يقول حسين: "إذا كنت كباحث تحتاج النشر للترقي وأنت غير قادر على النشر في مجلات رصينة فقد تضطر إلى النشر في المجلات المفترسة، التي تملأ هذا الفراغ، حيث تطلب منك المال مقابل النشر دون أيّ مراجعة وبسرعة ملحوظة".

يتعلق الأمر باللوائح التي قد تمنع قبول المنشور في هذه المجلات، ولكن هذه اللوائح مفتقدة بحسب محمود عبد النعيم (اسم مستعار)، الأستاذ بكلية الطب بجامعة حكومية مصرية، وعضو بلجنة الترقيات العلمية في ذات الجامعة، الذي اعتاد العمل على تقييم الأبحاث المنشورة في مجلات مفترسة لباحثين يسعون إلى الترقي الأكاديمي، فيوضح قائلاً "يقدم الباحثون أحياناً أبحاثاً تمّ نشرها في مجلات مفترسة طلباً للترقية، وهم يعلمون ذلك تماماً". ويضيف أنّه "ليس هناك لوائح تمنع طالما أنّ المجلة حاصلة على تقييم Q1، ولكن تظلّ نتائج هذه الأبحاث وهمية؛ لأنّها تمّت دون مراجعة".

في سعي هذه المجلات لإسباغ صفة العلمية على عملها، تتواصل مع أكاديميين متقدّمين للعمل معها بشروطها، فقد عُرض على محمد شعبان (أستاذ الهندسة الكهربائية بجامعة بورسعيد، ويعمل حالياً في جامعة مالايا الماليزية الشهيرة) أن يكون مراجعاً في إحدى دور النشر الشهيرة المدرجة ضمن قواعد جيفري بيل، يقول "أرسلت لي الدار بريداً إلكترونياً للمشاركة في مراجعة الأبحاث المقدّمة إليها وكنت متحمساً في البداية، لكنّهم طلبوا منّي مراجعة أكثر من ورقة بحثية في وقت قصير جداً".

لم يكن شعبان مطمئناً لعملية المراجعة، يضيف قائلاً "شعرت أنّ المال هو الاهتمام الوحيد للناشر، ولا تهمهم القيمة العلمية للبحث".

رفض شعبان العمل مع دار النشر. يقول "عملية المراجعة تستغرق من 4 إلى 6 أسابيع على الأقل، لكنّهم يريدون ذلك خلال أسبوع واحد".

بحسب شعبان فإنّ جودة النتائج التي تتمّ مراجعتها بحرفية هي الأساس، وهي التي يتوقف عليها النشر في المجلات الرصينة.

يشاركه عبدالفتاح بدر القلق نفسه، حين أشار إلى أنّ مجلة سويسرية عرضت عليه -قبل 15 عاماً- مراجعة أبحاث في غضون أسبوع، فرفض العمل معها، ويعلق بأنّ الأبحاث "تتطلب على الأقلّ من 3 إلى 6 أشهر للمراجعة والقبول لاتخاذ قرار النشر".

سمسرة وتبادل منافع

بحسب دراسة مصرية منشورة في مجلة ويلي أونلاين ليبراي عام 2018، عنوانها "أين يختار علماء العلوم الاجتماعية والإنسانية العرب النشر: الوقوع في فخ المجلات المفترسة"، عن الأسباب التي تدفع الباحثين المصريين والسعوديين للنشر في المجلات المفترسة، أظهرت البيانات أنّ العديد من هؤلاء يفضلون النشر في المجلات المفترسة؛ لأنّ هذه المجلات أسهل وأسرع. إذن هي "السهولة" و"السرعة" وراء إغراء النشر المتزايد في هذا النوع من المجلات.

قاعدة البيانات التي بناها مُعِدّ التحقيق، بيّنت مشاركة سعودية واسعة للباحثين من مصر، إذ شارك باحثون من جامعات سعودية في أكثر من 31% من الأبحاث التي أنتجتها الجامعات المصرية، ونُشرت في مجلات مفترسة، وتليها الولايات المتحدة التي شاركت في أكثر من 8% من الأبحاث، ثمّ الصين بنسبة 7%، فيما تتراوح نسب الدول الـأخرى بين 6% و1% فقط.

خاض مهران تجربة النشر الدولي مع باحثين آخرين من جنسيات مختلفة، إذ يقول إنّه نشر "في مجلات قيل عنها إنّها مفترسة، وبشراكة مع باحثين من باكستان، ومن الهند، ودول أخرى، ونشرت مع سعوديين قاموا بتحمّل تكلفة النشر كاملة، ولكن ما يهمني هو حصولي على درجة البحث كاملة للحصول الدرجة العلمية".

يفسر البراء السعيد هذا "التعاون" بظهور مجموعات "سمسرة" للأبحاث، يرأسها شخص للتنسيق بين مجموعات الباحثين لإنجاز الأبحاث المطلوبة. ولكنّ الفكرة ما لبثت أن تطورت لتظهر "مكاتب الأبحاث"، التي تقدم كلّ تلك الخدمات جملة واحدة "وهو أمر شديد الخطورة" برأي السعيد الذي يقول إنّه "حتى فكرة البحث أصبحت غير مهمة، فكل ما على الباحث هو دفع المبالغ المطلوبة واختيار التخصص المطلوب وسيحصل على ما يريد. تنتشر هذه المكاتب وتنشر إعلاناتها لمساعدة الباحثين في كلّ مكان للأسف. ليس هذا فحسب، بل إنّ هؤلاء يقومون بكل العمل، بداية من الفكرة، وصولاً للنشر في أقلّ وقت ممكن".

يسميهم البراء السعيد "سماسرة"، فيما يطلق عليهم عبد الفتاح بدر اسم "مقاولين"، والتسميتان لفعل واحد، إذ يلجأ الباحثون الذين اعتادوا النشر في المجلات المفترسة إلى طرف خليجي؛ لدفع كلفة النشر. يقول بدر إنّه "أصبح لدينا مقاولو أبحاث يقومون بعرض خدماتهم، فعندما لا يستطيع الباحث دفع تكلفة نشر تتجاوز الألفي دولار حالياً، يلجأ إلى طرف آخر، سواء كان من دولة خليجية أو معاراً مصرياً، بحيث يتحمل التكلفة، ويتمّ وضع اسمه واسم جامعته على البحث".

بحسب بدر، أدى ذلك إلى زيادة عدد المشاركين في الأبحاث، رغم اختلافهم في التخصصات، "ومن الواضح أنّ بعضهم ليست له مساهمات في ما ينشر، فأصبحت عملية تبادل منفعة، ضع اسمي على هذا البحث، وأضع اسمك على بحث آخر، خاصة في ذكر الباحث الرئيسي، والباحثين الآخرين، لأنّ الرئيسي يحصل على الدرجة كاملة".

في دراسة منشورة بمجلة نيتشر لعام 2021، بعنوان "النشر المفترس في Scopus: دليل على الاختلافات بين البلدان" تمّ رصد قائمة لأعلى وأقل عشرين دولة في العالم ينشر باحثوها في مجلات مفترسة، حسب النسبة المئوية للمقالات المنشورة، في الفترة من عام 2015 وحتى عام 2017، وتأتي مصر من بين قائمة الدول الأعلى، وفي المرتبة 14 عالمياً في هذا النوع من النشر.

تزايد الذاهبين للطرق المختصرة

ولعدم توفّر قواعد بيانات وإحصاءات جامعية محدَّثة بعدد الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة حتى الآن؛ لجأ مُعِدُّ التحقيق لبناء قاعدة بيانات على عيّنة من المجلات ودور النشر المفترسة، بلغت نحو 400 مجلة، صُنفت ضمن قائمة بيل، نشط فيها الباحثون المصريون في الفترة من يناير 2014 وحتى ديسمبر 2020، وهي الفترة التي تضم آلاف الدراسات المنشورة، بمشاركة معظم الجامعات الحكومية المصرية.

ووفقاً لتحليل البيانات، بلغ عدد الأبحاث التي نشرت من الجامعات المصرية الحكومية في عينة المجلات المفترسة أكثر من 6 ألاف دراسة بحثية. في الوقت الذي بلغ فيه إجمالي عدد الأبحاث الكلي الذي نُشر من الجامعات المصرية للفترة المذكورة نفسها نحو 104,537 بحثاً، وفقاً لقاعدة بيانات سكوباس، أي أنّ نسبة الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة، بلغت قرابة 6% من إجمالي الأبحاث المنشورة في تلك الفترة.

رجوعاً لقاعدة البيانات هذه، بلغت الزيادة في نشر الأبحاث الصادرة عن الجامعات المصرية في المجلات المفترسة 336 دراسة بحثية سنوياً، بما يعني زيادة نسبتها بـ 438% (نحو أربعة أضعاف) في عدد الأبحاث التي نُشرت في مجلات مفترسة سنوياً منذ سنة الرصد (2014)، ولكنّ هذا المعدّل لا يعكس الصورة كاملة؛ لأنّ الزيادة في عدد الأبحاث شهدت طفرات كبيرة في سنوات بعينها، مثل عام 2019 وعام 2020، إذ شهد عام 2019 نسبة زيادة في عدد الأبحاث المصرية المنشورة في مجلات مفترسة، بلغت 82.8% عمّا تمّ نشره في سنة 2018، واستمر العدد في الزيادة بشكل ملحوظ، حيث شهد العام 2020 زيادة بأكثر من 30%.

الزيادة السنوية في أعداد الدراسات

NA

721

62

-210

85

569

790

النسبة

0.5%

12.1%

13.1%

9.7%

11.1%

20.3%

33.1%

عدد الدراسات

29

750

812

602

687

1256

2046

السنوات

2014

2015

2016

2017

2018

2019

2020

336

6182

الإجمالي

وتأتي أغلب الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة من أربع جامعات أساسية، هي القاهرة (15.61%)، والزقازيق (10.3%)، وجامعة المنصورة (9.34%) وجامعة الإسكندرية (9%)، غير أنّ هذه النسب قد تكون مرتبطة بحجم المؤسسة البحثية أكثر مما يعتقد أنّ لها علاقة بنزعة باحثيها إلى النشر في المجلات غير الرصينة.

نشر الأبحاث الصادرة عن الجامعات المصرية الحكومية في المجلات المفترسة (2014-2020)

طفرة النشر في المجلات المفترسة في الأعوام الأخيرة

ورجوعاً إلى العيّنة نفسها، تمّ تحليل بيانات أكثر من 4 ألاف دراسة، توفّرت فيها البيانات الخاصة بمدة التحكيم والنشر. أظهرت نتائج التحليل أن 73% من الأبحاث في المجلات المفترسة، يجري تحكيمها في مدى زمني يصل إلى شهر واحد أو أقل، ولا تزيد نسبة الأبحاث التي يستغرق تحكيمها 3 أشهر أو أكثر عن 5%.

معدّل الفترة الزمنية التي يستغرقها تدقيق البحوث والموافقة عليها

حجم الأرباح

في العام 2014، حصدت المجلات المفترسة مبلغ 74 مليون دولار، جراء نشر خمسمئة ألف بحث علمي، تحوم الشكوك حول استيفائها شروط النشر في مجلات مشكوك في مصداقيتها على مستوى العالم، وفق دراسة نشرتها مجلة BMC المشار إليها سابقاً، إذ بلغ متوسط سعر النشر قرابة 178 دولاراً أميركياً حينها. ويستلزم نشر البحث حالياً في هذه المجلات، دفع مبلغ ألفيْ دولار، بحسب بدر.

التخصصات العلمية تفتح فمها

من خلال قاعدة البيانات، تبدو تخصصات العلوم والهندسة، والصيدلة، والزراعة، والطب صاحبة أعلى معدلات من الأبحاث المنشورة في المجلات المفترسة؛ إذ تحتل كليات العلوم المرتبة الأولى بنحو 40%، من عدد الأبحاث المنشورة في مجلات مفترسة عن هذه الفترة الزمنية.

يعتقد محمد شعبان، أنّه لا بدّ من وجود أنظمة أكثر قوة؛ لتشجيع الأكاديميين في مصر على زيادة إنتاجهم البحثي، من خلال القنوات الأخلاقية. قائلاً إنّ "النشر المفترس يغري العديد من الأكاديميين، للبحث عن طرق مختصرة للنشر بسرعة، وكسب الترقيات دون تدقيق صارم في عملهم".

بحسب شعبان، فإنّ مشاركة الأكاديميين في المجلات المفترسة بالنشر، تتفاقم بسبب الأكاديميين عديمي الخبرة، الذين يمكن أيضاً دفعهم إلى هذا الطريق، بسبب نقص الكفاءة البحثية، والرفض من قبل المجلات القياسية، والحاجة الملحّة للنشر بسرعة.

ويرى شعبان أنّ قضية النشر المفترس، يجب أن تكون ذات أولوية، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، التي أصبحت الآن الأهداف الرئيسية لهذه المجلات.

على من يقع الضرر؟

يطال ضرر النشر غير العلمي عدة مستويات، بدأً بـ "منظومة البحث العلمي"، كما يُطلق عليها إسلام حسين، وذلك عند نشر أبحاث غير مدعّمة النتائج، ويأتي تالياً من يعتمد عليها ويقتبس منها.

كما تتضرر سمعة الدولة المصرية، إذا شاعت عنها هذه السمعة، بحسب محمود عبد النعيم الذي يضيف قائلاً إنّ "مصر متقدمة في مجال النشر الدولي، لكنّ هناك استخداماً للحيلة، فهناك باحثون ينشرون في مجلات، لا تدقق في البحث العلمي".

ويتفق أكثر من عالم على أنّ هذا السلوك يصيب الباحث الجاد بالإحباط أحياناً، فلا يستطيع مجاراة زميله، إلّا إذا اتّبع السلوك ذاته، برأي عبد النعيم، ليحصل على مكانة علمية لا يستحقها.

منذ أشهر قليلة، نال مهران درجة الأستاذية، وقد نشر أكثر من 18 بحثاً في عام واحد، رغم ضيق الوقت. وينتظر حصوله على مكافأة النشر العلمي، والتميز في نشر الأبحاث، بينما تأخر العديد من زملائه في نفس الدفعة عن الترقي؛ بسبب عدم قدرتهم على استكمال الأبحاث المطلوبة، لالتزامهم بأخلاقيات البحث العلمي.