لحوم "مهرمنة" يأكلها المصريون

تسمين مواشٍ مصرية بهرمونات محظورة دولياً.. ومجازر بلا تجهيزات لكشفها

تحقيق : رمضان حسن

31/05/2022

عربات نقل تنحدر على مدق ترابي، يتوسط أراضي زراعية، على أطراف قرية "دمو" بمحافظة الفيوم جنوب القاهرة. تعبر السيارة تلو الأخرى بوابة مزرعة للمواشي، تتوقف وسط ساحة ترسم حدودها 4 عنابر تضم 200 رأس "أبقار وجواميس". بمرور الوقت يتزايد الوافدون على المزرعة "تجار وجزارون"، في انتظار بدء عملية البيع.

تصطف العجول التي يخرجها العمال على الميزان، وتعلو صيحات "بسم الله ما شاء الله"، مع خروج كلّ عجل من العنبر، وبإعلان العامل عن الوزن: "العجل 550 كيلو، مين قال أنا شاري؟".

قبل 6 أشهر

دخلت هذه العجول إلى المزرعة بأوزان تتراوح ما بين 150 و200 كيلوغرام، وتجاوز حجمها نصف الطن بعد حقنها بعقار بيطري "محفز للنمو"، ما يعني أنّ حجمها تضاعف مرة ونصف المرة خلال هذه المدة.

ويشترك هذا العقار مع عدد من المستحضرات البيطرية في المادة الفعّالة، ورغم اختلاف الاسم التجاري لكلّ منها، إلّا أنّها تُعرف "بالهرمونات المحفّزة للنمو" في سوق الأدوية البيطرية وبين مربّي المواشي.

المشهدان السابقان تتكرر تفاصيلهما في عشرات المزارع المجاورة على أطراف القرية التي تبعد 10 كيلومترات شرق مدينة الفيوم، في هذا التوقيت من كلّ عام، مع اقتراب عيد الأضحى.

ويتراوح وزن العجل الطبيعي -غير المحقون بالهرمونات- خلال نفس المدة (6 أشهر) ما بين 350 و450 كيلوغراماً، وفقاً لتقديرات 10 من الأطباء البيطريين وأصحاب مزارع وجزارين التقى بهم معدّ التحقيق، كان أبرزهم نبيل ياسين، الرئيس السابق لقسم الرقابة الصحية على الأغذية في كلية الطب البيطري في جامعة القاهرة الذي أكد أنّه "لا توجد عجول تحقق أوزاناً كبيرة هكذا في هذه الفترة القصيرة".

ما حدث ويحدث داخل مزرعة قرية "دمو" بالفيوم، يتكرر في غيرها من القرى والنجوع المصرية. فعلى مدار عام، تتبعنا عمليات حقن العجول، بثلاث محافظات "الفيوم، والمنوفية، والقليوبية" داخل مزارع للماشية، ومعالف صغيرة، وزرائب فلاحين، وثقنا حقن أصحاب مزارع ومربين للعجول بمستحضرات بيطرية يحتوي بعضها على مادة الـ"بولدينون" الهرمونية المحظورة دولياً*، بطرق عشوائية ومنتظمة، في مخالفة للمواصفات القياسية والقرارات الوزارية في هذا الشأن. ويصعب اكتشافها في المجازر، بسبب ضعف الإمكانيات، ما يهدد صحة المستهلكين.

منظومة الثروة الحيوانية واستهلاك اللحوم في مصر

7.8
مليون رأس

%35
نسبةانخفاض

3.4
مليون رأس

2
مليون

رأس تمّ ذبحها

543
ألف طن

إجمالي الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء تمثل 55% من الاكتفاء الذاتي من اللحوم

900
ألف طن

إجمالي الاستهلاك السنوي من اللحوم الحمراء
المصدر: تقرير قطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة

490
ألف طن

لحوم منتجة من المذبوحات

7.2
كيلو جرام

متوسط نصيب الفرد سنوياً من اللحوم
المصدر: تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2019

28
ألفاً

عدد مزارع المواشي المرخصة

الأعداد التقديرية لرؤوس الأبقار والجواميس في محافظات

الفيوم
168,5
ألف رأس

المنوفية
360
ألف رأس

القليوبية
141,4
ألف رأس



المصدر: تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2019

بانتهاء عملية الشراء وتحميل السيارات يستعدّ التجار والجزارون لمغادرة مزرعة قرية "دمو"، بينما صاحب المزرعة إبراهيم حسان**، وهو طبيب بيطري أيضاً، يبدأ مع مساعديه في حقن دفعة جديدة من العجول استعداداً للموسم المقبل.

ويبرر إبراهيم حسان (تجاوز 65 عاماً) استخدامه للهرمونات بتداولها في السوق من دون قيود "لو كانت ممنوعة كانت الحكومة حظرت بيعها وتداولها في الأسواق واستيرادها من الخارج أو منعت تصنيعها محلياً" ، ومن هذا المنطلق سمح لنا بالتواجد أثناء عملية الحقن.

وتأتي مرحلة الحقن داخل مزرعة قرية "دمو"، ضمن دورة تسمين العجول، وتحديداً قبل شهريْن أو ثلاثة أشهر من طرحها للبيع بحسب الوزن "بنحقن مرة، ولو العجل ما ظهرش عليه، بنحقن مرة تانية"، يقول مالك المزرعة.

بطريقة معتادة يحقن اثنان من عمال المزرعة العجول، كما تُظهر البيانات المدوّنة عليها، بمنتج يعرف تجارياً باسم "بولديجان"، يُباع بأسعار تتراوح ما بين 350 إلى 400 جنيه مصري (22-25 دولاراً) من خلال مندوبي شركات التوزيع، وفي بعض مراكز بيع الأدوية البيطرية وداخل صالات الجيم، وتكفي العبوة التي لا يتجاوز حجمها 50 مليلتراً لحقن 5 عجول، بواقع 10 مل للجرعة الواحدة.

تحدد جرعة الحقن بناءً على وزن العجل وعمره، طريقة أخرى يتبعها حسين الحنفي، الذي يحقن العجول للأهالي بإحدى قرى محافظة المنوفية، بناءً على شهرته التي اكتسبها من عمله السابق كمساعد طبيب بيطري لمدة 5 سنوات، "الحقنة ممكن تكون 7 أو 8 مل، على حسب وزن العجل، وبخبرتي أستطيع نصح الفلّاح بحقن العجل أم لا"، موضحاً أنّ أغلب العجول المحقونة تظهر عليها آثار الحقن بعد أسبوعيْن حيث "يتغير جسم العجل".

"بولدين- بلس" اسم تجاري آخر لنفس المادة الفعالة "بولدينون"، يستخدمه محمد خالد**، مزارع يمتلك ثلاثة عجول، في إحدى قرى مركز "أشمون" بالمنوفية. يقول المزارع الثلاثيني: "ابن عمي طلب منى عجليْن لفرحه بعد شهريْن، وأريد أن أهديه عجليْن ممتلئيْن باللحم"، ومن أجل ذلك لجأ إلى حقن عجوله "قبل ما أحقن العجل تكون شهيته ضعيفة، ولكن بعد الحقن يزيد، يومياً، مقدار الأكل الذي يتناوله العجل"، وقد يضطر المزارع إلى حقن العجل 3 مرات قبل بيعه.

استخدام الهرمونات لتسمين العجول مجرّم قانوناً؛ بحسب مدير مديرية الطب البيطري بالقاهرة، الدكتور صبري زينهم، لأنّ من يقوم بعملية الحقن يركتب جريمة غش وتدليس وفقاً للقانون، ولا يصرّح بذبح العجول إلا إذا ثبت عدم معاملتها هرمونياً حتى يتخلص جسم الحيوان من آثارها.


مادة فعّالة محظورة
"البولدينون" المادة الفعّالة في منتجات بولديجان، وأكواجان، وبولدين بلس، وغيرها من عائلات الهرمونات المستخدمة لزيادة وزن الحيوانات، مشتقة من هرمونات الذكورة التي تفرزها الخصية، وتعمل على نمو العضلات وزيادة نسبة تحويل البروتين في الجسم، ما يؤدي إلى زيادة الوزن.

المصدر: الدكتور نبيل ياسين، الرئيس السابق لقسم الرقابة الصحية على الأغذية في جامعة القاهرة.

حظرت إدارة الغذاء والدواء العالمية (FDA) استخدام مادة "بولدينون" في اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية منذ كانون الثاني/ يناير من عام 2015.

وقبل هذا الحظر العالمي بـ 34 عاماً، حظرت الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء (EFSA) استخدام الهرمونات المحفّزة للنمو في تسمين حيوانات المزرعة داخل دول الاتحاد الأوروبي.

واستند القرار الأوروبي رقم (602/81)، على المخاطر التي تتعرض لها صحة الإنسان من مخلّفات الهرمونات في لحوم الأبقار ومنتجات اللحوم، بحسب نتائج الدراسات التي أجرتها اللجنة العلمية للتدابير البيطرية المتعلقة بالصحة العامة (SCVPH)، أواخر يوليو 1981.

وخلصت الهيئة الاستشارية العلمية المستقلة في عام 1999 -استناداً لنتائج 17 دراسة عملية- إلى تسبّب هرمونات النموّ في زيادة نسبة إصابة الإنسان بأمراض مزمنة، إذ تزيد أغلب هرمونات النمو من فرصة إصابة الإنسان بأمراض جنسية ومناعية. واعتبرت الهيئة أحد هذه الهرمونات ضمن المواد المسرطنة، ما يرفع من احتمالية الإصابة بسرطان الثدي، نتيجة زيادة التعرض للّحوم المحقونة بالهرمونات.

وفي الوقت الذي يرى فيه الطبيب البيطري صاحب مزرعة الفيوم أنّ استخدام الهرمونات لا يسبب أيّة أضرار، ما دام ملتزماً بتعليمات الاستخدام، لا يدرك المزارع الذي يمتلك ثلاثة عجول هذه التعليمات ولا يعي ضرورة الالتزام بها. والاثنان يخالفان ما نصّ عليه التعديل الجزئي رقم (1) للمواصفات القياسية المصرية الخاصة باللحوم المجمدة.

الهرمونات لها متبقيات في اللحوم حتى إذا التزم المربّي بفترة السحب، يجزم نبيل ياسين، الرئيس السابق لقسم الرقابة الصحية على الأغذية في جامعة القاهرة، بوجود هذه المتبقيات ويؤكد على خطورتها، موضحاً أنّها تسبب العديد من الأمراض، أهمها حدوث خلل هرموني، وأمراض سرطانية، كما أثبتت دراسات وأبحاث علمية عالمية.

المادة الفعّالة في هرمونات التحويل "بولدينون"، لها تأثير سلبيّ على وظائف الكلى والكبد والدم في العجول، وفقاً لدارسة أعدّها أحمد نعمت الله، الباحث في كلية الطب البيطري في جامعة الزقازيق.

وبحسب الدراسة، فإنّ الزيادة الكبيرة في "Hb وPCV"، والتي يُقصد بها قياس نسبة الدم، تؤدي إلى زيادة معدّل نشاطه، وبالتالي يحدث خلل في صفاته الطبيعية، ما يجعل الجسم أكثر قابلية للإصابة بأمراض الدم والقلب. ويرى نبيل ياسين، أنّ انخفاض مجموعة "leucocytic"، التي يُقصد بها نقص عدد كريات الدم البيضاء، يزيد من خطر تعرّض الشخص للعدوى، خاصة لدى تناوله كميات كبيرة من اللحوم المحقونة لفترة طويلة.

أهم الدراسات والأبحاث التي أجريت على مادة "البولدينون"

  1. تأثير المادة على أمراض الدم في عجول البتلو

    أُجريَت على
    21 عجلاً سليمة الذكورة مقسمة على 3 مجموعات.

    أظهرت
    1- زيادة استجابة الكسب اليومي للعجل ووزن الجسم النهائي.
    2- نقص عدد كرات الدم البيضاء، ما يزيد من خطر التعرّض للعدوى.
    3- ارتفاع مستويات الكرياتينين، ما يشير إلى أنّ الكبد والكليتين لا يعملان بالشكل المطلوب.

    أوصت
    بعدم حقن عجول البتلو بهذه المادة.

    أًعدّت في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق - 2014

    Check
  2. الآثار السلبية على الوظائف الإنجابية لذكور الأرانب

    أُجريَت على
    عينة من 60 أرنباً مقسمة على 3 مجموعات متساوية.

    أظهرت
    1- تضخماً ملحوظاً في حجم البروستاتا، وفقاً لعدد مرّات الحقن.
    2- قلة حركة وحيوية الحيوانات المنوية، وصغر حجمها.
    3- ضموراً في حجم الخصيتيْن، ما يعني حدوث خلل هرموني بنسبة كبيرة.

    أُعدّت في كلية الطب البيطري بجامعة الإسكندرية - 2012

    Check
  3. تأثير على وظائف وخلايا الكبد للأرانب

    أُجريَت على
    18 أرنباً حُقِنُوا بدرجات مختلفة من هرمون يحتوي على المادة.

    أظهرت
    1- وجود تغيّرات نسيجية مختلفة أدّت إلى موت بعض الخلايا في الكبد.
    2- زيادة مضادات الأكسدة، وبالتالي أصبح الجسم عرضة للأمراض.

    أُعدّت في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق - 2015

    Check
  4. تأثير إعطاء جرعة عالية على أرانب الذكور غير الناضجة والناضجة

    أُجريَت على
    40 أرنباً قُسِّمَت على 4 مجموعات.

    أظهرت
    1- زيادة في وزن الجسم لكلّ الأرانب المحقونة.
    2- زيادة كبيرة في هرمون التستوستيرون في الأرانب الناضجة.
    3- حدوث خلل هرموني في الجينات الوراثية، وبالتالي أصبحت نسبة حدوث تشوّهات للأجنة أكبر.

    أُعدَت في كلية الطب البيطري بجامعة بنها - 2016

    Check

إذا كان هناك تغير في لون اللحم أو طعمه أو رائحته نتيجة حالة مرضية أو غذائية، يتمّ الإعدام الكلّي للذبيحة، وفقاً للقرار الوزاري (رقم 517 لسنة 1986)، وهذا ما أثبتته الدراسات التي أظهرت نتائجها وجود تغيّر في الصفات الجوهرية للّحوم، بسبب تأثير الهرمون عليها، بحسب الرئيس السابق لقسم الرقابة الصحية على الأغذية في كلية الطب البيطري، الذي يرى أنّ "استخدام الهرمونات في تربية المواشي يجعل لحومها أقلّ أماناً من المستوردة".

الهرمون الأشهر

بالصدفة تعرّف صاحب مزرعة "دمو" ومزارع "أشمون" على "هرمونات النمو". فقبل 6 أعوام، لجأ كلٌّ منهما لاستخدامها للمرة الأولى، كحلٍّ مؤقت لانخفاض أوزان العجول التي اعتقدا وقتها أنّها نتيجة لحالة مرضية، واستخدم كلاهما الهرمون الأشهر آنذاك المعروف تجارياً بـ"الأكواجان".

"كان جديداً في السوق، وله شهرة كبيرة، وحقق نتائج جيدة"، يتذكر الطبيب البيطري، بينما استخدمه المزارع بناءً على توصية من أحد الأطباء البيطريين في قريته، "أنا ماكنتش أعرف هذه الهرمونات، حتى أخبرني الدكتور بأن أحقن بها مرة واحدة لأعاين بنفسي الفرق في الوزن، وفعلاً العجول وزنها زاد معايا". ليدخل هذا "الأكواجان" في كلّ دورة تسمين عجول جديدة.

اختفى "الأكواجان" من السوق المصرية أواخر عام 2016، وتضاعف سعره، بعدما فرضت وزارة الصحة قيوداً على بعض الدول باعتبارها "دولاً غير مرجعية في الأدوية"، وكانت المكسيك -تحمل الشركة المالكة للعلامة التجارية جنسيتها- واحدة منها، ما تسبب في وقف تسجيله، وبالتالي منع استيراده، من دون إبداء أيّة أسباب من قبل وزارة الصحة، وفق وليد الهوّاري مدير مبيعات شركة "AM Group " ووكيل شركة تورينال المكسيكية في مصر.

مزارع القرية التابعة لمركز "أشمون"، الذي كان يملك أربعة عجول وقتها، ويحقنها بـ"الأكواجان" كأغلب أهالي قريته كما يدّعي. تضرّر من استخدام المنتج المقلّد لمنتج الأكواجان الأصلي "أصبح الأكواجان بعد ذلك مزيفاً، ولم يعد له نفس التأثير السابق"، ليلجأ بعدها إلى استخدام منتج يُعرف باسم "بولدين- بلس" بعد توصية من طبيب بيطري في قريته.

بينما بدأ صاحب مزرعة "دمو" بعد معرفته بوقف استيراد "الأكواجان"، بالبحث عن بديل: "وجدت هرموناً محلياً يُسمّى بولديجان، حقّق لي أوزاناً جيدة وبسعر مناسب".

أشهر الهرمونات التي يستخدمها المربّون وأصحاب المزارع في مصر

تدخل مادة "البولدينون" المحظورة دولياً في تركيب أغلب الأسماء التجارية للهرمونات ومنها

Bold-gan
بولديجان

ظهر اسمه في الفترة الأخيرة بعد اختفاء "أكواجان" من السوق
سعر العبوة 400 جنيه مصري

Equi-gan
أكواجان

الهرمون الأشهر في مصر آخر 10 سنوات
بلد التصنيع: المكسكيك
تمّ إيقاف تسجيله في العام 2015\2016
يتمّ الترويج لعبوات مضروبة تحمل اسمه على "فيسبوك" بأسعار من 600-1000 جنيه مصري

Bold-mec
بولد ميك

منتج يحتوي على مادة البولدينون ويروّج له على مواقع التواصل الاجتماعي فقط
سعر العبوة 400 جنيه مصري

Equipoise
أكوابويز

أحد منتجات شركة "Veterinaria Del Ángel" المكسيكية، يحتوي على 50 مجم "بولدينون"
سعره 685 دولاراً أمريكياً
تروّج له إحدى الصفحات على فيسبوك بسعر 400 جنيه مصري بنفس شكل العبوة

Boldin-Plus
بولدين- بلس

متواجد في السوق المصرية بقوة وخاصة في الأرياف، ويستخدمه بعض الشباب في حقن عضلاتهم في صالات الجيم
سعر العبوة 100 جنيه مصري

لم يختلف المشهد داخل معلف عجول، بقرية "الشقر" بمحافظة القليوبية، عما يحدث بقرية "دمو" بالفيوم وإحدى قرى "أشمون" في المنوفية. بدأت رحلة مربٍّ، يمتلك 90 رأس ماشية، باستخدام "الأكواجان"، وبعد اختفائه من الأسواق، لجأ إلى استخدام هرمون "البولديجان"، الذي يعتمد عليه بشكل أساسي خلال دورة التسمين، ويتباهى أمام زبائنه بالاستعانة بمتخصصين للإشراف على تربية المواشي "الحقن يكون تحت إشراف طبيب بيطري ووفقاً لتعليماته"، في إشارة لالتزامه بفترة زمنية بعد الحقن وقبل البيع، حتى ينتهي أثر الهرمونات من لحوم العجول.

المعلف الصغير، الذي يقع على بُعد 14 كيلومتراً شرق المحافظة التي تنتمي لإقليم القاهرة الكبرى، يشتهر بين زبائنه بالأوزان الكبيرة "الأوزان عندي لا تقل عن 400 كيلو"، ولا يمانع صاحبه استخدام أو تجربة منتج أو اسم تجاري جديد يعرضه عليه مندوب المبيعات الذي يمر عليه بصفة دورية، ليعرض عليه الجديد أو لشراء كميات إضافية من منتج الهرمونات الذي يستخدمه.

مساء الأول من آب/ أغسطس من عام 2021، وصل مندوب المبيعات بناءً على تنسيق مسبق مع صاحب المعلف، ليسلمه 30 عبوة من هرمون "البولديجان". تكفي هذه الكمية وفقاً لصاحب المعلف لحقن الـ90 عجلاً، التي اشتراها مؤخراً، ليبدأ دورة تسمينها، وتصبح جاهزة للبيع بعد 6 أشهر، كما هو معتاد.

كم يجني أصحاب المزارع والمربّون من الهرمونات؟



4500

جنيه مصري متوسط أرباح صاحب المزرعة أو المربّي
نتيجة استخدام الهرمونات (للعجل الواحد)

62 - 65

جنيه مصري متوسط سعر
كيلو اللحمة في الأسواق

يبدأ تسمين العجول
بأوزان تتراوح بين 150-200 كجم

يحتاج العجل 5–6 أشهر
للوصول إلى 400 كيلوغرام بشكل طبيعي

يتراوح معدّل الزيادة
بين 900–1100 غرام يومياً

في حالة استخدام الهرمونات (الحقن)

يتخطى العجل حاجز
500 كيلوغرام بعد 6 أشهر

يتراوح معدل الزيادة
بين 1300–1500 غرام يومياً

80 جنيهاً مصرياً تكلفة حقن العجل
للمرة الواحدة (يُحقن مرتين)

75 كيلوغراماً أقلّ متوسط
للزيادة عن المعدل الطبيعي

المصدر: عدد من المربّين والجزارين

سوق الهرمونات في مصر

لا يسمح باستخدام الهرمونات المحفّزة للنمو أو تداولها في مصر نهائياً؛ سواء من خلال استيرادها أو تصنيعها، بهذا النفي يجزم الدكتور هشام عبد الحسيب، مدير الإرشاد في هيئة الخدمات البيطرية، ويطبَّق هذا المنع منذ عام 2015، باعتبارها محرّمة دولياً، رغم استخدامها في بعض الدول، لكن مصر من ضمن الدول التي تمنعها كما يؤكد عبد الحسيب.

لكنّ الأمر يختلف داخل بعض مراكز بيع الأدوية واللّقاحات البيطرية، وكذلك شركات الأدوية البيطرية وإضافات الأعلاف، التي تعلن عن بيع هذه المنتجات، من خلال مندوبين أو من خلال صفحات مجهولة على منصات التواصل الاجتماعي، وتتوافر داخل المزارع كما رصدنا ووثقنا، وكان أبرزها ما يعرف تجارياً بالـ "بولديجان" الذي تعتمد عليه الشريحة الأكبر مقارنة بنوع آخر يعرف باسم "بولدين - بلس"، بخلاف العديد من الأنواع الأخرى التي يتمّ الترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

"الهرمونات الممنوعة سعرها مرتفع جداً، وتكلف الحقنة الواحدة من 900 إلى 1000 جنيه مصري (60 إلى 70 دولاراً)"، بهذا يبرر مدير الإرشاد بهيئة الخدمات البيطرية، عدم رصد مخالفات لاستخدام الهرمونات خلال الحملات التفتيشية التي تشنها الهيئة، مؤكداً أنّ الهرمونات لا تسجّل في مصر، وإن وجدت فهي مهربة أو مغشوشة، "لما الواحد يحقن حيوان جرعة بـ 1000 جنيه مصري (63.6 دولاراً)، فما هو مقدار ما يكسبه؟" يتساءل عبد الحسيب.

"بولديجان" اسم العلامة التجارية لهرمون التحويل، الذي تعتمد تركيبته على مادة "البولدينون"، وهو الأكثر استخداماً بين أصحاب المزارع والمربّين الذين قابلناهم أثناء العمل على التحقيق في المحافظات الثلاث، هو ما دفعنا للبحث عن مصدره وكيفية تداوله وانتشاره في الأسواق.

كانت البداية بفحص البيانات المدوّنة على العبوة لهذا المنتج، والتي تشير إلى أنّه منتج محلي، لا يحمل أيّ تصريح للتداول من أيّ جهة داخل مصر، ومدوّن على العبوة اسم شركتيْن مختلفتيْن.


اسم الهرمون
BOLD-GAN


يحسّن من نمو العضلات
وزيادة الوزن للحيوانات


حجم العبوة 50 سم


يحقن 1 سم لكلّ 45 كليوجراماً
مرة أو مرتين على الأقل


لم يصدر له أي تصريح
للتداول في مصر


شركة الإنتاج
Plexo Pharm


شركة التوزيع
REXALL PHARMA GROUP


لا يستخدم للإناث المخصصة
للتربية أو إنتاج الحليب


لا ينبغي استخدام هذا المنتج لمدة 20 يوماً قبل
ذبح الحيوانات المخصصة للاستهلاك البشري

لم تحدد البيانات أيّ الشركتيْن المدونتيْن هي المصنعة وأيّهما الموزعة، ما دفعنا للتقصّي عنهما، لينفي مدير شركة "بليكسو فارم" للأدوية البيطرية وجوده ضمن منتجات الشركة، قائلاً: "ليس موجوداً في الشركة، وليست لي معرفة بمن يقوم بتوزيعه".

جاء الرد نفسه من مسؤول في الشركة الأخرى، "ريكسال فارما جروب" الذي قال: "رصدنا هذا المنتج في السوق وقمنا باتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك"، وعن علاقة شركته بالشركة الأولى المدوّنة على نفس العبوة، أكّد أنّ ملكية الشركتيْن تعود لشخص واحد .

وهو ما دفعنا للبحث عن أحد المندوبين الموزعين للهرمون، من خلال طبيب بيطري يمتلك مركزاً لبيع الأدوية البيطرية، طلبنا منه كمية كبيرة من الهرمون ولكن بشرط أن نتأكد من جودة المنتج وأنّ مصدره هو الشركة المصنعة المدوّنة على العبوة، ليفاجئنا المندوب بإصدار فاتورة بإذن استلام بضاعة، تحمل (رقم 9136) صادرة عن شركة "ريكسال فارما جروب" ومدوّن بها الكمية المطلوبة والسعر، لنتأكد من أنّها هي الشركة نفسها التي نفى صاحبها ومديرها علاقتها بالهرمون المتداول في الأسواق.

حاولنا إجراء تحليل لـ3 عبوات من منتجات (البولديجان، وبولدين بلس، وبروبولد) في أربع جهات حكومية متخصصة تابعة لوزارتيْ الزراعة والصحة، إلّا أنّنا تلقينا رداً من جهتيْن يفيد بعدم قدرتهما على تحليل هذه العقاقير لعدم توافر المواد العيارية، فيما لم يصلنا ردٌ من الجهتيْن الأخريين، حتى تاريخ نشر التحقيق.

الأكواجان الموجود حالياً في مصر مضروب، في مصانع "بير السلم"، بحسب الدكتور محمد عبد الله، المدير الإقليمي في الشرق الأوسط لشركة تورنال المكسيكية، المصنّعة للهرمون، "فمنذ عام 2016، لم يتواجد لدينا، وآخر شحنة دخلت إلى مصر كانت في عام 2011، وتوقفنا بسبب رفض وزارة الصحة تجديد التصريح للمنتج، بسبب تواجد مادة "البولدينون" ضمن مكوناته".

ومنذ وقف استيراد "الأكواجان" استغل بعض الأشخاص اسم المنتج وروجوا لمنتجات مقلّدة بالأسواق، وبأسعار مناسبة، وفقاً لمدير مبيعات شركة "AM Group"، الذي يطالب الجهات الرقابية بمحاصرة من يروّج لهذا المنتج المضروب ويحقّق من ورائه أرباحاً بالملايين.

حملات التفتيش مستمرة على منافذ بيع هذه المنتجات الممنوعة، يقول هشام عبد الحسيب، مدير الإرشاد في هيئة الخدمات البيطرية، ففي آخر 6 أشهر، رصدت الهيئة 587 مكاناً مخالفاً وتنوعت هذه المخالفات بين تسويق أدوية مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية والعمل من دون ترخيص، ويتمّ الإغلاق الفوري لمن يرتكب أيّاً من هذه المخالفات.

عدد تراخيص منشآت الثروة الحيوانية والداجنة في مصر




2017
1500 ترخيص


2021
102 ألف ترخيص



تشترط وزارة الزراعة وجود طبيب بيطري في مزرعة المواشي، لضمان ترخيصها وممارسة عملها، كما ينصّ القرار الوزاري (رقم 220 لسنة 2020). وتُناط بهذا الطبيب مسؤولية الإشراف على تربية المواشي، وتسجيل كافة ما يجري على الأرض من علاجات وتحصين واختبارات وذبح وخروج وإدخال ولادات جديدة، ويُعتبر المسؤول الأول في حالة وجود أيّة مخالفات، وفقاً لمدير إدارة الإرشاد في هيئة الخدمات البيطرية.

وعلى عكس الوضع في المزارع، ينصّ القانون على فحص العجول والأبقار وغيرها من المواشي، قبل ذبحها داخل المجازر، التي يقدّر عددها على مستوى الجمهورية بـ 464 مجزراً، ويهدف هذا الفحص لمعرفة الحالة الصحية للذبيحة ومدى صلاحية لحومها.

ووفقاً للقرار الوزاري رقم (517 لسنة 1986)، تُعدَم الذبيحة إذا وُجدت بها آثار أو بقايا دواء أو هرمونات، ولمعرفة الكيفية التي يطبق بها القانون وعملية الفحص، اخترنا أحدث وأكبر المجازر الحكومية على مستوى الجمهورية، لرصد ما يدور داخله في موسم عيد الأضحى، الذي يذبح فيه خلال هذا الموسم حوالي 55 ألف رأس ماشية، بحسب تقديرات مدير المجزر في يوليو من عام 2019.

مجازر بلا تجهيزات

على بعد أمتار من البوابة الرئيسية لمجزر البساتين الذي يمتد على مساحة 25 فداناً، ويضمّ 4 صالات مجهزة للذبح، كانت إيمان صبري مديرة إدارة المعامل بالمجزر الآلي، تفحص عينات داخل المعمل الرئيسي، والمرسلة من "أطباء الصالات"، المنوط بهم الكشف على العجول والأبقار في صالات الذبح.

"المعمل غير مؤهل إطلاقاً للكشف عن الهرمونات الموجودة في لحوم الحيوانات، والمتخصص في ذلك هي مراكز البحوث في حي الدقي، ووزارة الصحة هي الأكفأ منّا في الكشف على الهرمونات عموماً" تقول صبري.

هناك حالة وحيدة يلجأ فيها أطباء الصالات للمعمل، وهي إذا شكّ أحدهم في صفات اللحوم أثناء الكشف الظاهري، "الدكتور الذي يجري الكشف يركز على أنّ اللحم سليم وليس مريضاً، وإن لم يتأكد، يلجأ للمعمل، وأنا أحلل العينات"، توضح صبري.

ينحصر دور الأطباء البيطريين والمتخصصين في المجزر، بالكشف الظاهري على العجول والأبقار، وفحصها معملياً للتأكد من خلوّها من الأمراض، بحسب مصطفي عبد السميع، مدير المجزر الآلي بالبساتين، لكن بخصوص الكشف المعملي للهرمون يقول: "ليس بمقدوري اكتشاف شيء مثل هذا، لأنّ هذا ما يسمى متبقيات اللحوم، وهي تحتاج لمعامل مركزية ومجهزة على أعلى مستوى".

لكن يمكن اكتشاف العجول المهرمنة من خلال شكلها الخارجي، ومعرفة إذا كان العجل معالجاً هرمونياً أم لا، "إذا كانت عضلات العجل مفصلة مثل لاعبي كمال الأجسام، يُعرَف أنّه محقون بالهرمونات"، ولكنّه يؤكد أنّ هذا لم يحدث طوال فترة تواجده في المجزر، أي ما يقارب 30 سنة على حدّ قوله.

بهذا، تمرّ اللحوم المحقونة في المزارع بالهرمونات المحظورة، إلى موائد المصريين، رغم مخالفتها للمواصفات القياسية والقرارات الوزارية، بعد أن أصبح حقن المواشي بالهرمونات هاجساً يلهث وراءه المربّون وأصحاب المزارع للحصول على أرباح أكبر، فالدكتور إبراهيم حسان** ومحمد خالد**، اختلفت ظروف كلٍّ منهما، الأول طبيب بيطري على المعاش، والثاني مزارع بسيط لا يجيد القراءة أو الكتابة، ولكنّهما استخدما نفس الهرمون رغبة منهما في زيادة أوزان العجول، الأول استخدمه بناءً على علمه ودراسته، والآخر استخدمه بجهل بعد توصية طبيب له، فهل يعرف كلٌّ منهما خطورة هذا الهرمون وما يسببه للإنسان؟

* وفقاً لبيانات ملصقة على عيّنات مجهولة المصدر يتمّ تداولها بين أصحاب المزارع والمربّين.
** اسم مستعار.