English lang
logo

تعويضات مرفأ بيروت:

مساعدات محدودة وآليات مشبوهة

clock icon 07/02/2024

علي عواضة وفاطمة جمعة وجنى حيدر

ثلاث سنوات مرت على انفجار مرفأ بيروت، ولا يزال أصحاب آلاف المؤسسات المتضررة ينتظرون تعويضات وُعدوا بها من قبل جمعيات قامت بمعاينة الأضرار، بُعيد الانفجار مباشرة.

شكاوى عديدة، يُمكن سماعها خلال أيّ جولة تفقدية للمحال المتضررة في المناطق المحيطة بالمرفأ؛ من الكرنتينا، مروراً بزقاق البلاط والخندق الغميق، وصولاً إلى الأشرفية.

على باب محله المتواضع "للخياطة" (الحِياكة) بمنطقة الأشرفية، يقف عادل فهيم علي، متذكراً لحظات الانفجار الأولى، وكيف تحولت المحال في المنطقة إلى ركام. حاملاً صور محله المتواضع المُدمَّر، يتذكر الرجل الستيني اقتصار المساعدات وقتها على المنازل المُتضررة فقط، في حين حُرم أصحاب المحال التجارية من هذه المساعدات؛ ما دفعه إلى إغلاق محله ثلاثة أشهر، قبل أن يُصلّح جزءاً منه على نفقته الخاصة.

يقول فهيم: "ما حصلنا على أيّ تعويضات، ولا نعرف أن هناك منصة يُفترض أن نسجّل عليها، كي نحصل على تعويضات".

وكانت الدول المانحة قد اشترطت توزيع المساعدات على المُتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت عبر المؤسّسات غير الحكومية؛ تحسّباً لعدم قدرة المؤسّسات الرسمية على توزيعها بشكل "ملائم"، نظراً لاتهامات الفساد التي أثيرت حول المؤسّسات الحكومية.

يؤكد علي الأسعد، صاحب أحد الأفران في الشارع ذاته بالأشرفية، الموقف نفسه بالقول: "الجيش والقوى الأمنية وعدتنا بالتعويض ولكن لم نرَ ذلك". قدّم أسعد -الذي يُقدّر خسائره بنحو عشرة آلاف دولار أميركيّ- الأوراق والصور التي تُثبت حجم الأضرار إلى شركة "فيتاس" للتمويل الأصغر، من دون استجابة على الأرض.

وبسبب الانفجار وما نتج عنه من خسائر باهظة؛ اضطر علي إلى تسريح خمسة عمال، والإبقاء على عامل واحد يساعده في الفرن، كما اضطر إلى إغلاق محله الثاني الملاصق للأول. ومن محل إلى آخر، تجد عبارات وقصصاً تتكرر. ربيع أمين الأحمدية، صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية؛ تضرر محله جراء الانفجار، وقُدّرت الأضرار بنحو ثلاثة إلى أربعة آلاف دولار أميركيّ.

قدّم "أمين" عدة طلبات إلى جمعيات ومؤسسات مختلفة؛ للحصول على دعم مالي، لكن من دون جدوى حتى الآن. أخبر "أمين" مُعدَّ التحقيق، بأن مؤسسة "إبداع" المعنية بالتحقق من الأضرار، وعدته بإرسال فريق للكشف على المحل؛ لكن وبعد مرور عدة أشهر، ما زال بانتظار فريق الكشف، وفق قوله.

جمعيات وهمية

blode drop icon

مقابل متجر الـ"ABC" بالأشرفية، يستذكر جوزيف عون لحظات الانفجار الأولى، وكيف تحول متجره لبيع الملابس إلى ركام، حيث مزقتْ "واجهات محله الزجاجية" معظم الملابس الجديدة و"البدل الرسمية" نتيجة الانفجار؛ إذ قدّر حجم الأضرار بنحو 40 ألف دولار أميركيّ لأن معظم "البدل" مستوردة.

سألناه عن الجمعيات التي زارته بغرض تقديم الدعم الماليّ، فأجاب قائلاً: "زارتني العديد من الجمعيات، جميعها تعاطفت معي، ووعدت بتقديم المساعدات والتعويض، حتى أن بعضها طلب مبالغ مالية بهدف الانتساب إلى الجمعية، ولكن بعد مرور ثلاث سنوات، لم تصلني أيّ مساعدة".

ومن منطقة الأشرفية إلى منطقة خندق الغميق، القريبة من المرفأ، يخبرنا "مختار منطقة المرفأ" بلال حمصي عن تضرر معظم المحال التجارية، وعن وصول المساعدات لخمسة في المئة فقط من أصحاب المحال المُتضررة. ورغم أنه -من موقعه الرسمي- سَجّل الأسماء، إلا أنه عند سؤاله عن منصة لتسجيل المتضررين، تفاجأ بوجودها قائلاً: "أنا مختار ولا أعلم بوجودها، والمنصة الوحيدة التي سَجّل عبرها الأهالي هي تابعة للجيش اللبناني، وساعدتْ المنازل المتضررة، لا المؤسسات ولا المحال التجارية، حتى مكتبي المتضرر من الانفجار قمت بإصلاحه على نفقتي".

محال عديدة بالقرب من مكتب المختار، يتحدث أصحابها عن حجم الأضرار وعن وعود الجمعيات، بتقديم المساعدات والتعويض بعد تسجيلها؛ لكن ومع مرور الوقت أصلح أصحاب المحال ما استطاعوا على نفقتهم.

أمّا الشاب علي عواضة، صاحب محل لبيع الأجبان والألبان بمنطقة خندق الغميق، أعاد فتح محله بصورة شكلية؛ نظراً لغياب أيّ نوع من المساعدة من قبل الجمعيات التي تولت تسجيل حجم الأضرار، التي قُدّرت بنحو خمسة آلاف و500 دولار. وعند سؤاله عن وجود منصة لتسجيل الأضرار، نفى عواضة علمه بوجودها.

أمّا إبراهيم غدار، صاحب فرن "برهوم"، فقد تولى إصلاح محله على نفقته الخاصة، مُقدّراً حجم خسائره بنحو سبعة آلاف دولار أميركيّ، وقد زارته قرابة خمس جمعيات، سجّلت بياناته وحجم الأضرار؛ لكنّه ما زال ينتظر تعويضه ولو بالقليل لإصلاح ما تبقى من محله.

في المقابل، حصل بعضهم على مساعدات مالية من قبل مؤسسة "كفالات"، كفريد كامل، صاحب معمل لتصنيع الصوف في منطقة "برج حمود"؛ إذ حصل على مبلغ 20 ألف دولار أميركيّ، وقد قدّرت شركة التأمين حجم الأضرار -بعد المسح الأولي- بنحو 300 ألف دولار أميركيّ، لكنّه لم يحصل إلا على نحو 60 ألف دولار من شركات التأمين. كانت وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الوحيدة، التي عرف من خلالها "كامل"عن التقديم لهذه المساعدات.

وفي منطقة الجميزة كانت الأضرار كبيرة جداً نظراً لقرب المنطقة من موقع الانفجار، وقدّر الرئيس التجاري لمطعم "mayrig" رامي نعمة حجم الأضرار في المطعم بين 500 ألف إلى 750 ألف دولار أميركيّ؛ نظراً لوجود أثاث أثري به. وكشف نعمة أن المطعم قد عاد إلى العمل تدريجياً -بعد مرور شهر فقط على الانفجار- بالجهود الذاتية فقط، في حين تكفّلت "جمعية نساند" ببعض المساعدات كالزجاج الخارجي.

ونفى "نعمة" علمه بوجود مساعدات رسمية مُقدّمة من قبل بعض الجمعيات، قائلاً: "إن المطاعم لم تكن على سلم أولويات المانحين". بعض أصحاب المتاجر الصغيرة والمتوسطة رفضوا مجرد الحديث عن المساعدات التي تلقّوها، وبعضهم قال إن الانفجار أصبح من الماضي.

عشرة آلاف مؤسسة متضررة

blode drop icon

قدّر البنك الدوليّ عدد المؤسسات المتضررة من انفجار المرفأ، بنحو عشرة آلاف مؤسسة صغيرة/ متوسطة؛ مبيناً أن نحو 17 في المئة من المؤسسات قد أغلقت أبوابها بشكل دائم أو مؤقت.

وأشار البنك الدوليّ إلى أن 79 في المئة من الشركات، شهدت تراجعاً في المبيعات بنسبة 69 في المئة، كمعدل وسطي، في حين أن نسبة 61 في المئة من الشركات اضطرت إلى تقليص عدد موظفيها الدائمين بمعدل 43 في المئة، وبذلك تصل النسبة التشغيلية إلى 57 في المئة، وبلغ حجم الأضرار الماديّة لهذه المؤسسات من 225 إلى 275 مليون دولار أميركيّ، وفق البنك الدوليّ.

الأضرار في قطاع التجارة والصناعة: 105 - 125 مليون دولار أميركيّ

الخسائر:  285 إلى 345 مليون دولار أميركيّ

احتياجات التعافي وإعادة الإعمار:   165 إلى 205 ملايين دولار أميركيّ

بحسب أرقام البنك الدوليّ، تضرر نحو 56 في المئة من المرافق التجارية والصناعية؛ أي مئة في المئة من المنشآت المملوكة للقطاع الخاص، بما في ذلك الشركات والمتاجر التي تبيع الأغذية والمشروبات والملابس، ومواد البناء والخدمات والأثاث، والسيارات والبنزين، والبلاستيك والمواد الكيميائية، والورق والمواد المصنعة.

وتُشكّل متاجر الملابس والأثاث والإكسسورات المنزلية، ما نسبته 52 في المئة من جميع المنشآت المتضررة، وتكبدت هذه المتاجر أعلى التكاليف "بالقيمة المطلقة". ومن منظور نسبي، تضررت أكثر من 90 في المئة من جميع شركات الصناعات التحويلية المتوسطة إلى الكبيرة، العاملة في دائرة نصف قطرها خمسة كيلومترات من موقع الانفجار.

بُعيد الانفجار، أجرى الجيش اللبناني مسحاً تفصيلياً للأضرار الشاملة؛ لكنّه اعتمد معايير ضيقة أحصى خلالها الأعمال الصغيرة (خياطة مثلاً)، منها غير المسجّلة رسمياً، أو تلك التي لا تملك أوراقاً قانونية للملكية، فسُجّلت -ضمن مسح الجيش الأولي، الذي أجراه على نطاق خمسة كيلومترات مربعة- 19 ألف مؤسسة متضررة (Business Unit). واعتمدت الجهات الدوليّة والجمعيات المحليّة مسح الجيش اللبناني للشروع في مساعدة المتضررين وإعادة الإعمار.

في الذكرى السنوية الأولى للانفجار (آب/أغسطس 2021)، تحرك مكتب الأمم المتحدة في بيروت لتنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية، وعقد مؤتمراً دوليّاً افتراضيّاً، أعلن خلاله البنك الدوليّ عن توقيع اتفاقية المنحة الخاصة بصندوق إعادة بناء مؤسسات الأعمال في بيروت "B5"، تتضمن تخصيص مبلغ ماليّ بقيمة 25 مليون دولار أميركيّ، مستحق للمؤسسات المتضررة، يتمّ توزيعه بالتعاون مع مؤسسة "كفالات" وشركائها.

Dot 1 Dot 2 Dot 3

لكن بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على وقوع الانفجار، لم تحصل المؤسسات الصغيرة/ المتوسطة (SMEs) على أموالها المستحقة من مشروع B5؛ إذ صرفت مؤسسة كفالات -التي استلمت المشروع- عشرة ملايين وأربعمئة ألف دولار أميركيّ حتى نشر هذا التحقيق، من أصل 25 مليون دولار، رصدها البنك الدوليّ.

"عملية معقدة ينفذها مشروع B5 لتقديم المستحقات المالية للمؤسسات المتضررة"

مشروع B5، هو منحة مُموّلة من "الصندوق الائتمانيّ المُخصَّص للبنان"، وهو صندوق ائتمانيّ متعدد المانحين، أُنشئ في كانون الأول/ديسمبر 2020، ويديره البنك الدوليّ للجمع والتنسيق بين الهبات والموارد، التي تقدّمها الجهات المانحة؛ بهدف دعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي للفئات الأشد حاجة، ومؤسسات الأعمال التي تضررت من انفجار مرفأ بيروت، في الرابع من آب/أغسطس 2020.

ويهدف هذا الدعم إلى الحفاظ على الوظائف في القطاع الخاص، والحد من عمليات إغلاق المؤسسات وحالات تسريح العمال. ويقدّم "صندوق B5" منحاً إلى نحو أربعة آلاف و300 مؤسسة من مؤسسات "الأعمال الميكروية والصغيرة"؛ لتغطية نفقات تتصل برأس المال العامل، والخدمات الفنية، والمعدّات، وأعمال الترميم. وتشكّل المؤسسات التي تمتلكها أو تقودها نساء نحو 30 في المئة من مجموع المؤسسات المستفيدة، وتحظى بالدعم الماديّ والفنيّ؛ لمساعدتها على إعادة بنائها بشكل أفضل.

تعاون البنك الدوليّ في مشروعه هذا مع مؤسسة "كفالات" في لبنان لإدارة عملية توزيع المستحقات الماليّة للمؤسسات المتضررة، إلا أن المنحة المُقدّمة اتخذت شكل "الهبة"، مايعني أنه لا يمكن لجهة خاصة تولي هذه المهمة منفردة؛ ما استوجب إشراك الجيش اللبنانيّ بالمشروع، وقد تمّ ذلك عبر اعتماد الإحصاءات والبيانات والأرقام والأسماء، التي سجّلها الجيش في مسحه عن المتضررين.

بدورها، اشتركت مؤسسة كفالات مع مؤسسات التمويل الأصغر، في العمل على تسريع عملية توزيع المستحقات، والوصول لشريحة أكبر من المتضررين؛ استناداً إلى أن هذه المؤسسات الماليّة تملك شبكة علاقات مباشرة مع المؤسسات الخاصة، وتقع ضمن النطاق الجغرافيّ لمكان الانفجار. وأيضاً، قامت الـ MFIs (مؤسسات التمويل الصغيرة) بعمل ميدانيّ على الأرض، وتواصلت مباشرة مع المتضررين.

آلية اختيار مؤسسات التمويل الأصغر

blode drop icon

لجأت مؤسسة كفالات إلى ما يسمى "جمعية مؤسسات التمويل الصغيرة في لبنان"، التي تضمّ جميع الـ MFIs (مؤسسات التمويل الصغيرة)، وهي نوعان: منظمات غير حكومية NGOs، ومؤسسات تمويل تتبع مصرف لبنان، وتخضع لقواعده وأنظمته.

بعد الإعلان عن مشروع B5، تقدّمت ثماني مؤسسات ماليّة للشراكة في تنفيذه، واختيرت أربع وحدات استوفت شروط البنك الدوليّ، وهي: شركة إبداع وشركة فيتاس (مؤسسات تمويل صغرى)، وجمعية التضامن المهني AEP، والجمعية اللبنانية للتنمية – المجموعة (NGO).



مكونات وأنشطة مشروع B5

blode drop icon
المكون 1

منح المؤسسات الميكروية والصغيرة ( 18.5 مليون دولار): تقدّم منحاً للمؤسسات الميكروية والصغيرة المؤهلة، التي تضررت بشكل مباشر من انفجار مرفأ بيروت لدعم تعافيها. ويمكن استعمال هذه المنح لتغطية نفقات رأس المال العامل، والخدمات الفنية، والمعدّات، وأعمال الترميم. وستُعتمد آليتان للتنفيذ: الأولى، إما عبر شركة كفالات (آلية التجزئة)، أو عبر مؤسسات التمويل الصغير (آلية الجملة)، وذلك وفقاً لمعايير وإجراءات اختيار محددة. كما ستحدد أولوية المستفيدين المؤهلين، بحسب قربهم من موقع الانفجار.

المكون 2

منح مؤسسات التمويل الصغير (5 ملايين دولار): تقدّم منحاً إلى مؤسسات التمويل الصغير MFI، التي تمول بدورها المؤسسات الميكروية والصغيرة SMEs، والسكان من ذوي الدخل المنخفض، والقطاع غير الرسمي.

المكون 3

كلفة إدارة المشروع من قبل كفالات (1.5 مليون دولار): يهدف هذا المكون إلى تغطية تكاليف إدارة المشروع طوال فترة تنفيذه، ويدعم أنشطة التدريب، وبناء قدرات المؤسسات التي تمتلكها أو تقودها نساء، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع التركيز على التدريب على الإدارة المالية والمبيعات.

من جهتها، ترى "كفالات" أن من آليات صرف أموال مشروع B5، تأسيس LFF (إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار) بعد انفجار المرفأ؛ لأن هناك دولاً مانحة أرادت التأكد من أن مساعداتها لن تذهب عشوائيّاً، بل اشترطت وجود جهة واحدة تُنظّم توزيع المساعدات.

وبحسب يولا سريّ الدين، مديرة مشروع الـ B5: "فإن الدول المانحة اجتمعت، وأعطت أموال المساعدات للبنك الدوليّ، الذي بدوره أراد أن يتعامل مع جهة معروفة لتوزيعها، فتوصلوا إلى اتفاق مع كفالات لتولي تطبيق هذا المشروع".

وتتابع سريّ الدين بالقول: "إن العمل قد بدأ فعلياً مع بداية العام 2022، لوجود العديد من الجهات المنخرطة بالمشروع (نحن، والبنك الدوليّ، والجيش، ومؤسسات التمويل الصغيرة)، وكانت هناك مساعدات تمّ توزيعها بالفعل؛ لذا كان من الضروري معرفة مَن تلقوا المساعدات".

وتضيف سريّ الدين: "هناك مظلة تسمى جمعية مؤسسات التمويل الصغيرة في لبنان، تجمع كل مؤسسات التمويل الصغيرة، فلجأت "كفالات" إليها لمعرفة المؤسسات المُسجّلة، وأعلنت عن المشروع، وطلبت من المهتمين التواصل معها. من أصل تسع مؤسسات مسجّلة، أعربت ثماني مؤسسات عن رغبتها في المشاركة، واختيرت أربع مؤسسات تتوافق مع المعايير المطلوبة (إبداع، وفيتاس، وAEP، والمجموعة)".

بدورها، تشرح مديرة العملاء والمبيعات في "كفالات" سامنتا منسى، قائلة: "إن الآلية المُتّبعة تنقسم إلى قسمين، أولاً: المسح الميدانيّ لمعرفة المؤسسات المتضررة، التي بحاجة إلى المساعدة، وقد سُجّلت نحو سبعة آلاف مؤسسة. ثانياً: التأكد من أهلية هذه المؤسسات، والتأكد من عدم وجود أخطاء في المعلومات التي حصلت عليها كفالات".

وتتابع منسى بالقول: "على سبيل المثال، إذا كان هناك محل لبيع المعجنات يمتلكه رجل وزوجته، وقام الرجل بتعبئة طلب مساعدة مع إبداع، والزوجة قدّمت طلباً مع شركة فيتاس، فيأتي دورنا للتأكد بأن الطلبين يعودان للمؤسسة نفسها، هذا الجزء من العمل لا ينتهي وما زال مستمراً حتى اليوم، فهناك أخطاء كثيرة يمكن أن تقع سواء بطريقة كتابة أسماء الأشخاص، أو أسماء المناطق".

وتضيف منسى: "من ناحية أخرى، كانت الصعوبة تتمثّل في التأكد من وجود عمل فعليّ للمتضرر قبل الانفجار، في المرحلة الأولى تأكّدنا من وجود المؤسسة أو المستفيد الأول، وبعدها أُرسلت البيانات إلى الجيش للتأكيد، ثمّ يرسلها الجيش إلى الـ MFIs".

وتتابع منسى: "بعد وصول الموافقة من الجيش، نتواصل مع MFIs لاستكمال الملف، وهنا يأتي دورهم في التدقيق بالتفاصيل كلها، فيُطلب من المتضررين عروض أسعار على كل المشتريات، كما يُطلب منهم جميع الأوراق، كسند الإيجار والهوية، وتقدير الأضرار وحجم المشروع، وعلى أساسها يتمّ الاتفاق بين MFIs وكفالات على حجم التعويضات، التي يُفترض الحصول عليها للمتضررين".

وتقول منسى: "إنه بعد التقديم ووضع الملف على B5، ترسل الأسماء بمبلغ التعويض المُحدّد، وبعد التأكد من أن الملف صحيح، نعطي الموافقة، وبعدها ترسل لوائح الأسماء إلى OMT للتأكد من أن كل شي صحيح، فتُرسل رسالة إلى هاتف الشخص المُسجّل برقم سري، وبعدها يتوجه إلى OMT ويحصل على المبلغ من دون أيّ عمولة".

وتقول يولا سريّ الدين، مديرة مشروع الـ B5: "شُطب نحو ألفي اسم بسبب التكرار، وقد جال الجيش على كل وحدة متضررة، في حين لم تتمكن الجمعيات المعتمدة من قبل كفالات من ذلك، فلم تقم بمسح شامل".

هذه الأرقام والبيانات بحسب موقع B5 found، حتى تاريخ نشر هذا التحقيق:

الطلبات المستلمة: ألفان و989 طلباً

المنح المعتمدة: ألفان و675 منحة

المبلغ المعتمد: 13.2 مليون دولار أميركيّ

المبلغ المصروف:11.4 مليون دولار أميركيّ

الطلبات المستملة من خلال MFI: ألفان و535 طلباً

الطلبات المستلمة عبر كفالات:454 طلباً

الطلبات المجمّدة:253 طلباً

الطلبات الموافق عليها:ألفان و675 طلباً

الطلبات المرفوضة:79 طلباً

وفي محاولة للاستفسار عن طريقة تقديم المساعدات من قبل الجيش اللبنانيّ للمتضررين، رفض الجيش الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بانفجار المرفأ عبر البريد الإلكتروني، مؤكداً استعداده التعاون في مواضيع أخرى مستقبلية.

ومن خلال الزيارات الميدانيّة، فإن مؤسسات عديدة أغلقت أبوابها بسبب الانفجار، في حين قامت أغلب المؤسسات بتصليح ما أمكن على نفقتها الخاصة؛ بسبب نقص الدعم الماليّ المُقدّم للمتضررين من انفجار المرفأ. فحجم الخسائر وصل إلى 580 مليون دولار أميركيّ، في حين قدّم البنك الدوليّ دعماً لا يتجاوز 25 مليون دولار، جزء منه قد خُصّص للجمعيات؛ إضافة إلى أن شريحة كبيرة من المتضررين لم تعلم بشأن هذه المساعدات أو لم تستطع الحصول عليها.

تواصلنا مع البنك الدوليّ للوقوف على ما لدينا من معلومات ووقائع خلُص إليها التحقيق. رد البنك الدوليّ بأن صندوق إعادة بناء الأعمال في بيروت وتحسينها (B5) صُمم في البداية بميزانية إجماليّة قدرها 70 مليون دولار أميركيّ لدعم تعافي غالبية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، التي تضررت من انفجار مرفأ بيروت.

ونظراً للتمويل المحدود المتاح في البداية، في إطار صندوق التمويل اللبناني (LFF)، وهو الصندوق الاستئمانيّ متعدد المانحين الذي يمول B5، خُفّض المبلغ إلى 25 مليون دولار أميركيّ، وفق رد البنك الدوليّ. إلا أن هذا المبلغ المرصود أقل بكثير من تقديرات سابقة للبنك الدوليّ، الذي قدّر حجم الأضرار الماديّة لهذه المؤسسات من 225 إلى 275 مليون دولار أميركيّ.

ورداً على ما توصل إليه التحقيق من أن شريحة كبيرة من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لم تعلم بشأن هذه التعويضات، قال البنك الدوليّ إنه تمّ إطلاق المشروع في حفل عام أقيم في السراي الحكوميّ وحظي "بتغطية واسعة النطاق من قبل وسائل الإعلام المحلية". مضيفاً أنه تمّ العمل على زيادة الوعي المباشر حول الصندوق من خلال قنوات متعددة، منها الزيارات الميدانيّة لمقدّمي الطلبات المحتملين، ومن خلال منصات التواصل الاجتماعيّ، كما قام المشروع أيضاً بتطوير موقع إلكتروني باللغتين الإنكليزية والعربية، يوفر معلومات مفصلة حول أهداف المشروع، ومعايير الأهلية، وعملية التقديم، بالإضافة إلى الوصول إلى الطلب عبر الإنترنت، وفق البنك الدوليّ.

لكنّ أغلب هذه المسارات لا تضمن الوصول إلى كل الشرائح المستهدفة، فأصحاب أغلب هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (كمحلات الخياطة مثلاً أو المطاعم والمقاهي الصغيرة) ليس لديهم أي اتصال بالإنترنت، خاصة وأن التقديم إما عبر الإنترنت أو من خلال الجمعيات المعتمدة لتسجيل الحالات، وهي الجمعيات التي اتهمها البعض بالاستغلال المالي مقابل التسجيل في البرنامج؛ لكن لم يعلق البنك الدوليّ على هذه الاتهامات.

ويقول البنك الدوليّ في رده -عبر الإيميل- إنه منذ إطلاق المشروع في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وحتى 22 آب/أغسطس 2023، بلغ إجماليّ التعهدات 19.1 مليون دولار أميركيّ (76% من إجماليّ 25 مليون دولار أميركيّ) ووصل إجماليّ الصرف إلى 14 مليون دولار أميركيّ (بما في ذلك 10.7 مليون دولار أميركيّ للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة و 2.4 مليون دولار أميركيّ للمؤسسات الماليّة المختارة). ويضيف البنك الدوليّ بالقول إنه حتى الآن (تاريخ نشر التحقيق): "تلقينا ألفين و870 طلباً للحصول على منحة، وتمّت الموافقة على صرف ألفين و574 منحة، ومن المتوقع صرف الأموال جميعها بحلول تاريخ إغلاق المشروع في 31 تموز/يوليو 2024".