ما بعد الرحيل

14 يناير 2024

“التطوير الحكومي” يشرّد آلاف الأسر في مصر

 سارة سمير

خمس سنوات قضاها “طارق” مضطراً خارج منطقة إقامته بـ”مثلث ماسبيرو”، وسط العاصمة المصرية، بعدما شرعت الحكومة منتصف عام 2018 في هدم مبانيها تحت مسمى “التطوير”، وأجبرت قاطنيها على الرحيل. لكن أثناء عودته أواخر أيّار/مايو 2023؛ تفاجأ رب الأسرة بالمساحة الصغيرة لشقته البديلة (60 متراً)، التي وصفها بـ”غير المناسبة لطبيعة حياة أسرته”، ووجود أعباء مالية جديدة أصبح مجبراً على سدادها.

وفي خريف 2022، قطع موظفو مجلس المدينة المرافق (كهرباء، وغاز، ومياه) عن قاطني وملاك 150 عقاراً بمنطقة الخصوص بالقليوبية، شمال القاهرة؛ لإجبار قاطنيها على الخروج منها، كخطوة أخيرة قبل الشروع في هدم العقارات التي تعترض مسار تطوير الطريق الدائري، من دون توفير سكن مؤقت أو بديل أو صرف تعويضات مالية؛ وهو ما اعترضت عليه عائلة إبراهيم التي تمتلك عقاراً مكوناً من خمسة طوابق، مع غيرها من أهالي المنطقة.

إِجْبَار قاطني “ماسبيرو”بالقاهرة و”الخصوص” بالقليوبية، وغيرهما من المناطق الخاضعة للتطوير بإقليم القاهرة الكبرى، على ترك مساكنهم وإزالتها، وعدم تعويضهم التعويض العادل والفوري أو توفير بدائل لا تناسب نمط حياتهم؛ يخالف ما نص عليه الدستور وقانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة والاتفاقيات الدولية، ومخالفة الحكومة وأجهزتها التنفيذية لهذه الأطر القانونية والتشريعية تسبب في أزمات اقتصادية ومعاناة اجتماعية وآلام نفسية لأغلب سكان هذه المناطق.

وبالتزامن مع هذا التطوير الذي امتد من منطقة تلو الأخرى، وافق البرلمان المصري على إجراء تعديلات قدّمتها الحكومة على قانون نزع الملكية للمنفعة العامة مرتين؛ الأولى في نيسان/أبريل 2018، والثانية في أيلول/سبتمبر 2020، وسهّلت هذه التعديلات تنفيذ خطط التطوير، كما يروي يحيى شوكت، خبير سياسات وتشريعات الإسكان والعمران، الذي يرى القانون أحد أهم أدوات الحكومة فى تخطيط المشاريع العمرانية وتنفيذها.

أثناء إخلاء أهالي منطقة مثلث ماسبيرو، وضعت الحكومة، ممثلة في محافظة القاهرة، أمامهم ثلاثة بدائل للاختيار بينها؛ وهي التعويض المادي، أو شقق بديلة، أو العودة بعد التطوير، وكان طارق من ضمن 900 أسرة اختارت العودة؛ في حين تنوعت اختيارات باقي أهالي المنطقة، المقدر عددهم بــ 4 آلاف و600 أسرة، بين الحصول على تعويض مادي أو شقة سكنية بحي الأسمرات. كان اختيار طارق للعودة مرتبطاً بكونها المنطقة التي ولد وعاش فيها 30 عاماً، وتدور فيها وحولها تفاصيل حياة أسرته؛ رغم صعوبة الشروط التي وضعتها الحكومة، وتسببها في معاناته، التي وصفتها منال الطيبي مسؤولة مبادرة الحق في السكن، بـ”الصعبة والمعقدة”.

لم يعد خيار العودة إلى المنطقة بعد تطويرها، خاصة المناطق المميزة ذات الطابع الاستراتيجي، متاحاً من بين الخيارات التي وضعتها حكومة مدبولي، أمام سكان المناطق الخاضعة للتطوير، وهو ما حدث مع عائلة إبراهيم، التي كانت تمتلك عقاراً مكوناً من خمسة طوابق بمنطقة الخصوص، وانحصر اختيارها بين التعويض المادي أو استلام شقة بإحدى المدن الجديدة بنظام الإيجار التمليكي، فاختارت التعويض المادي؛ لكنّها تفاجأت بعد أيام، مع عائلات أخرى، بقطع المرافق عن عقاراتهم ومطالبتهم بالخروج منها لهدمها، وهو ما اعترضت عليه عائلة إبراهيم وغيرها، لعدم استلامهم التعويضات أو توفير سكن مؤقت حتى صرف التعويض المادي.

كان رد موظفي الحي، الذين يتحركون برفقة قوة أمنية، على اعتراضات الأهالي “اتصرفوا”. وحتى لا يُتَّهم إبراهيم بمقاومة السلطات أو منعها من تنفيذ عملها، اضطر الشاب وعائلته إلى المكوث مع غيرهم من الأهالي في الشارع لمدة 33 يوماً؛ حتى تمكن من صرف التعويض الذي يراه ثمناً بخساً، ولن يمكّنه من شراء بيت آخر، كبيت أسرته الذي هُدم من أجل التطوير الحكومي.

إبراهيم وجيرانه في منطقة الخصوص، وطارق وأبناء منطقة ماسبيرو، كانوا أوفر حظاً من غيرهم؛ ففي بعض مناطق الجيزة وضواحيها تأخر صرف تعويضات نزع الملكية إلى ثلاثة أعوام، وهو ما دفع النائب إيهاب منصور، وكيل لجنة القوى العاملة بالبرلمان، لتقديم طلب استجواب لرئيس الحكومة.

ولم تقتصر “عمليات التطوير” على المناطق العشوائية وغير المخططة بإقليم القاهرة الكبرى، بل امتدت إلى مناطق مرخصة ومخططة؛ كشارع ترسا بجنوب الجيزة ومنطقة ألماظة شرقي القاهرة، والحي السادس بمدينة نصر.

حتى عوامات النيل الفاخرة، وما تمثله من قيمة تراثية كبيرة؛ حيث كانت سكناً للأثرياء من الفنانين، والسياسيين، والباشاوات منذ ثلاثينيات القرن الماضي، تعرضت للإزالة تحت مسمى “إعادة هيكلة المظهر الحضارى لنهر النيل”، كما حدث مع السيدة الخمسينية “نعمة”، التي قضت 27 عاماً داخل عوامتها المستقرة على ضفاف نهر النيل بالعجوزة. تصف نعمة حالها قائلة: “المكان ده بالنسبة لي كيان عشت نص عمري فيه، ذكرياتي وأحزاني كلها كانت هنا، هما بيشيلوا جزء من حياتي وبيرموه”.

يرى الباحث العمراني أحمد زعزع، أن موجة الإزالات والإخلاءات التي حدثت، خلال السنوات الأخيرة، لم تشهدها مصر في تاريخها خلال العقود الماضية، وأن تبعاتها مرعبة ومخيفة، حيث أُجبر 220 ألف مواطن على ترك منازلهم خلال الأعوام الستة الماضية في القاهرة فقط، وهؤلاء تأثروا اقتصادياً بسبب زيادة الإنفاق وانخفاض الدخل، واجتماعياً بسبب انفراط الترابط الأسري، وفق الباحث العمراني.

مادة 78 من الدستور المصري

“تكفل الدولة للمواطنين الحق في السكن الملائم والآمن والصحي بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية”

شتات بأمر حكومي.. السكن بالإيجار بدل التمليك

قبل رحيل طارق من منطقة مثلث ماسبيرو كان يعيش في منزل عائلته، رفقة والدته وزوجته وأشقائه، كل منهم مع أسرته (زوجته وأبنائه) في شقة، لكن بعد قرارات الإخلاء الحكومية؛ تفرق شمل العائلة، فمنهم من استأجر شقة بمنطقة الكيت كات، ومنهم من انتقل إلى أماكن أخرى داخل محافظة الجيزة أيضاً؛ في حين انتقلت أسرة طارق (زوجته وأطفاله) رفقة والدته إلى منزل آخر، يمتلكه والده في منطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة.

وبعد فترة وجيزة، لم تتأقلم الأسرة على السكن الجديد؛ بسبب بُعده عن مدرسة الأبناء ومكان العمل والأعباء المالية الجديدة، وهو ما اعترضت عليه زوجته؛ ليقرر طارق الانتقال إلى مسكن بالقرب من منطقة سكنه القديم، فاستأجر شقة صغيرة في وكالة البلح بمنطقة بولاق أبو العلا بالقاهرة، لكن ظلت والدته في منزل بولاق الدكرور بمفردها.

ما حدث مع أسرة طارق، تكرر مع أسرة إبراهيم التي كانت تقيم بمنطقة الخصوص بالقليوبية شمال العاصمة المصرية، فلم يعد إبراهيم يسكن بجوار أشقائه، وهو المصير نفسه من فرقة وشتات الذي واجهه الآلاف غيرهم.

السكن اللائق لا يكون منقطعاً عن فرص العمل، ويراعي الاحتياجات الخاصة للفئات المحرومة والمهمشة.

لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

الحـق في السكن اللائق لا ينبغي أن يفسر تفسيراً ضيقاً، فهو أكثر من مجرد أربعة جدران وسقف، ويحترم الهوية الثقافية ويعبر عنها، وهو الحق في العيش في مكان ما بأمان وسلام وكرامة.

لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

كان ترك المدن الجديدة التي خصصتها الحكومة لآلاف العائلات، خيار 220 أسرة من ضمن الأهالي، الذين اضطروا إلى مغادرة ماسبيرو، واستقروا في حي الأسمرات الجديد بالمقطم. لكن بعد فترة لم يستطيعوا التأقلم مع مسكنهم الجديد؛ فقرروا الانتقال إلى “بشتيل”؛ وهو حي شعبي يشبه المنطقة التي جاءوا منها، ما يُعدّ نتيجة مباشرة لتعامل الحكومة وأجهزتها مع مسمى “السكن اللائق” بمفهومه الضيق.

ويرجع الباحث العمراني أحمد زعزع، الذي كان أحد العاملين في مشروع ماسبيرو في مراحله الأولى، سبب ترك الأهالي للأحياء السكنية الجديدة، إلى اختلاف أسلوب المعيشة فيها عمّ اعتادوا عليه؛ فمثلاً حي الأسمرات وغيره من المناطق السكنية الجديدة، يُمنع فيه ممارسة أي عمل تجاري بالأدوار الأرضية، وهو ما يُعدّ أحد مصادر الدخل الأساسية لهذه الطبقة الاجتماعية.

“المنفعة العامة لا تخص الدولة فقط لكنّها تخص السكان أيضاً”، وهو ما يفسره الباحث العمراني يحيى شوكت، خبير تحليل سياسات وتشريعات واستراتيجيات الإسكان والعمران بالقول: “هناك منفعة عامة يمكن أن يستفيد منها المواطنون بشكل كبير، وهنا يمكن نزع الملكية، بعد مناقشة هذا الأمر، من خلال مشاركة مجتمعية لتوضيح أنّ القرار سيعود بالنفع على الجميع”.

ويوضح شوكت أن نزع الملكية مرتبط بـ”ظرف طارئ عام”؛ مثل حالة الحرب أو كارثة طبيعية. لكن في إطار التخطيط الذي تضعه الحكومة؛ ينبغي أن توضع خطط لفترات طويلة من أجل إعطاء الوقت الكافي لممارسة كامل حقوق الملاك، وحصول المتضررين على التعويض الكامل والمناسب قبل نزع الوحدة السكنية.

الإخلاء القسري يجري لأسباب شتى؛ منها فسح المجال لمشاريع التنمية والبنية التحتية، وإعادة التطوير الحضري أو تجميل المدن.

وتُعدّ الحماية من الإخلاء القسري عنصراً أساسياً من عناصر الحق في السكن اللائق.

وكذلك حماية الفرد من عمليات الإخلاء القسري ومن تدمير وهدم مسكنه تعسفاً.

لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الإخلاء القسري هو نقل الأفراد والأسر أو المجتمعات المحليـة، بشكل دائم أو مؤقت رغم إرادتهم من المنازل أو الأراضي التي يشغلونها، دون إتاحة سُبل مناسبة من الحماية القانونية، كما يعرفه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل).

وفي هذا الشأن تقول منال الطيبي، الناشطة ومسؤولة مبادرة الحق في السكن: “لذا لا يمكن لأي مسؤول أو جهة تنفيذية إجلاء المواطنين أو إزالة منازلهم، من دون الدخول في مفاوضات معهم والتوصل إلى نتيجة أفضل تناسبهم، وتوفر احتياجاتهم الخاصة في مكانهم الجديد؛ وإلا يصبح الأمر إخلاءً قسريّاً، وهذا الأمر مجرّم في القانون الدولي”.

المناطق السكنية التي طالتها خطط التطوير الحكومية بإقليم القاهرة الكبرى، يتجاوز عددها مئة منطقة سكنية، وفق بيانات صندوق تطوير العشوائيات. ورغم التباين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بين منطقة وأخرى؛ لكن كل منطقة يسودها نسيج سكاني وعمراني خاص، وتربط أغلب قاطنيها روابط اجتماعية وعلاقات اقتصادية ونشأة ثقافية متشابهة.

وترى الطيبي أن الحكومة وأجهزتها التنفيذية تعاملت مع السكن في هذه المناطق، باعتباره “أربعة حيطان وسقفاً”؛ أي مجرد جماد، وليس المكان الذي تتمحور حوله الحياة بتشعباتها من عمل وتعليم وصحة وبيئة ووضع اجتماعي واقتصادي.

الحق في السكن اللائق لا يمنع قيام المشاريع الإنمائية. فهناك احتياجات لا سبيل إلى تفاديها لإعـادة تطـوير بعض المناطق في المدن المتنامية، وإنما يفرض شروطاً وقيوداً إجرائية.

فالمهمّ هو الطريقة التي توضع بها التصورات لهذه المشاريع وطريقة تصميمها وتنفيذها. فكثيراً ما تنفـذ بقليـل مـن التشاور أو دون التشاور مع المتضررين، وبذل الجهد الكافي لوضع حلول تقلّل إلى الحدّ الأقصى من حجم الإخلاء وما يتسبب فيـه من اضطراب.

لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

معاناة بأمر حكومي

تسببت السياسات الحكومية في إخلاء المناطق التي خضعت للتطوير في معاناة اقتصادية لقاطنيها، بسبب إجبارهم على الرحيل وحصولهم على تعويض مادي لم يمكّنهم من امتلاك شقة بالمواصفات نفسها التي تركوها، كما حدث مع عائلة إبراهيم بالخصوص؛ حيث اضطر إلى استئجار شقة، بمبلغ ألف و200 جنيه شهرياً ما يعادل ثلث راتبه الشهري (4 آلاف جنيه)، في حين واجه شقيقه الذي يعمل نقاشاً ظروفاً أكثر صعوبة؛ بسبب عدم وجود دخل ثابت، فلجأ إلى الإنفاق من قيمة التعويض، لدفع إيجار شقته وتوفير احتياجات أطفاله الثلاثة. أما ثالثهما الذي كان يستعد للزواج، فقرر العدول عن الفكرة بسبب الضائقة المالية.

مادة 35 من الدستور المصري

“الملكية الخاصة مصونة، ولا تُنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدماً وفقاً للقانون”

ويرى النائب إيهاب منصور، وكيل لجنة القوى العاملة بالبرلمان أن المشكلة ليست في القانون، لكن في الإجراءات واللجان القائمة على التنفيذ. وطبقاً للقانون، تُشكّل لجان لتقييم الوحدات، ويكون تقييمها غالباً “غير عادل”، كما حدث في بعض الحالات التي وثّقها النائب البرلماني في دائرته؛ حيث كان يتمّ احتساب الغرف وتجاهل الحمام والمطبخ، وفي حالات أخرى كانت تُقدر اللجنة مبلغ 40 ألف جنيه، تعويضاً للغرفة الواحدة. وإذا احتسبت تعويضاً عن المطبخ والحمام؛ فإنها وفي المقابل تُخفّض قيمة تعويض الغرفة إلى 25 ألف جنيه فقط، وفق النائب إيهاب منصور.

يضيف منصور: “بخلاف عدم تطبيق القانون الذي ينص على أن تُعلّق ورقة رسمية بالبيانات على العقار قبل نزع الملكية بشهر، موضح بها قيمة التعويض وتفاصيله، لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع”، وهو ما أكده مَن تحدثنا معهم في منطقة الخصوص.

انخفاض قيمة الجنيه والأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر، انعكست سلباً على المتضررين من عملية التطوير، خاصة أن بعضهم أُخطر بقيمة التعويض، لكنّه لم يتمكن من صرفه حتى الآن؛ وبالتالي أصبحت قيمة التعويض أقل مع تراجع قيمة الجنيه. وفي المقابل ارتفعت أسعار العقارات والشقق، لتزيد الأمر تعقيداً على المواطنين، وفق البرلماني إيهاب منصور.

لذا، ترى منال الطيبي مسؤولة الحق في السكن، أن الإحلال والتجديد في المكان نفسه -مثل ما حدث في منطقة روضة السيدة زينب بالقاهرة- هو الحل الأمثل. لكنّ أغلب المشاريع التي أخلتها الحكومة منذ عام 2014، ظلمت سكانها، حتى مَن قرروا البقاء واجهتهم صعوبات دفعت بعضهم إلى الرحيل.

وتتساءل مسؤولة الحق في السكن: لماذا تبخل الدولة بالتعويضات المناسبة على السكان في مثل تلك المناطق؟! في حين أنها تستفيد منها بشكل كبير مادياً، خاصة أنها تستغل أراضي المناطق المميزة في مشاريع إسكان فاخر استثماري، وهو ما وصفته منال الطيبي بـ “الطمع الحكومي” في تحقيق مكاسب مادية على حساب قاطني هذه المناطق.

التخطيط لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو من البداية اعتمد على ارتفاع التقييم الاقتصادي لأرضها المطلة على كورنيش النيل، واعتبارها مصدر جذب للاستثمارات وأصحاب الأموال ممن يرغبون في السكن بتلك المنطقة المميزة.

مبادرة الحق في السكن

الحكومة كسمسار عمراني ومنافس عقاري

بعد مرور خمس سنوات، انتهت وزارة الإسكان بالتعاون مع شركات خاصة من تطوير منطقة مثلث ماسبيرو، التي يطلق عليها حالياً أبراج ماسبيرو، كمجتمع سكني مغلق “كمبوند”، باستثناء الجزء المخصص لأهالي المنطقة الذين اختاروا العودة إليها بعد التطوير.

طارق ووائل، من بين سكان ماسبيرو الذين اختاروا العودة إليها بعد التطوير، يحكي “وائل” أحد شباب المنطقة وعضو رابطتها، بأنّهم تفاجأوا بمواصفات غير التي كُتبت في العقود، وأن الوحدات لم يتمّ تجهيزها بالكامل، وهناك وحدات لم تدخلها المرافق، بالإضافة إلى عدم تركيب المصاعد في بعض العمارات؛ رغم ارتفاعها الذي يتجاوز الـ 15 طابقاً.

ويضيف وائل أنه بالرغم من كل هذا، اضطر هو وجيرانه إلى دفع 13 ألفاً و500 جنيه خدمات ومرافق، وباتوا يدفعون إيجاراً شهرياً ألف جنيه، دون الإقامة في هذه الوحدات منذ نيسان/أبريل 2023.

تقول منال الطيبي، قبل عام 2014، كان مركز الحق في السكن يتفاوض مع الحكومة بشأن الحالات المتضررة من السكان: “كنا نصل إلى حلول مرضية للطرفين سواء المواطن أو الحكومة، لكن حالياً السكان يتملكهم الخوف من مخالفة أي قرار تصدره الحكومة بشأن منازلهم، سواء بالإخلاء أو الإزالة، أو حتى رفض أو الاعتراض على مبالغ التعويض؛ بسبب الوضع السياسي الحالي”.

في الوقت الذي ما زالت الحكومة وأجهزتها التنفيذية مستمرة في تنفيذ خططها للتطوير، يترقب سكان مناطق أخرى -منها سكان الحي السادس والسابع بمدينة نصر شرقي القاهرة- هدم منازلهم وترحيلهم من أجل “تطويرها”.

وينتظر وائل وطارق أن تستكمل وزارة الإسكان إدخال المرافق إلى وحداتهم، ودفع المستحقات المالية المتبقية، في حين تترقب نعمة، سيدة العوامة، السماح لها بالعودة إلى عوامتها التي تدرس وزارة الري استقرارها في مكان آخر على ضفاف النيل، خارج حدود “نيل القاهرة الكبرى”، الذي أُجبرت على مغادرته بعد قرابة ثلاثة عقود من العيش على ضفافه، ولا تزال عائلة إبراهيم تتمنى امتلاك منزل آخر من خمسة طوابق يجمع أفرادها، كما كانوا قبل التطوير الذي حوّلهم من ملاك عقار إلى مستأجرين لشقة بمنطقتهم نفسها، التي تصنفها الحكومة عشوائية حتى اليوم.