"غرف المصادر" تزيد معاناة طلبة "صعوبات التعلم" بالأردن

13 مارس 2023

تتخذ آيات المقعد الخلفي مكانا لها، تحاول أن تنأى بنفسها عن باقي الطالبات اللائي وصفنها لي بأنها “مشكلجية، ومتمردة، وتيسة”. منذ البداية، لاحظتُ عدوانيتها مع باقي الطالبات، وأخذت على عاتقي مهمة التخفيف من افتعالها للمشكلات. كنت بين الفينة والأخرى، أمشي بين صفوف الطالبات؛ لأتفقد ما يكتبنه في دفاترهن. أذكر المرة الأولى التي وقعت فيها عيناي على دفتر آيات، الذي حاولتْ أن تخبئه بكلتا يديها. لفت انتباهي خطها، فالكلمات لم تبدُ مفهومة، بل بدت كرسم تخطيط للقلب. لم أعلم حينها أن ما تعانيه آيات، يندرج تحت صعوبات التعلم، أو “عسر الكتابة”.

لم تحظَ آيات بفرصة الالتحاق بغرفة المصادر (وهي الغرفة المخصصة لتقديم تعليم مساند لطلبة صعوبات التعلم). حاولتُ جاهدة إشراكها بالأنشطة؛ بهدف تغيير سلوكها؛ لتصبح أكثر هدوءًا وأكثر قدرة على التعامل مع زميلاتها، لكن لم أنجح في محاولاتي تلك. لا أعلم ما مصير آيات اليوم، إلا أن قصتها دفعتني وفريق التحقيق للكشف عن مدى جاهزية المدارس الحكومية في الأردن لتعليم “طلبة صعوبات التعلم”.

هذه ليست قصتي، بل قصة الآلاف ممن يعانون صعوبات التعلم؛ إعاقات خفية وصامتة، تجعل من قدرتهم على التقدم أكاديمياً مهمة مستحيلة؛ بسبب غياب التجهيزات اللازمة داخل المدارس.

تكشف بيانات وزارة التربية والتعليم، عدم جاهزية أغلب المدارس، لتعليم “طلبة صعوبات التعلم”. استطلاع شمل 90 مدرسة موزعة على أقاليم الأردن الثلاثة، يؤكد افتقار غرف المصادر الخاصة للتجهيزات اللازمة؛ ما يحرم فئة طلابية واسعة من الحق في تعليم مناسب. يكشف التحقيق أيضاً غياب التنسيق اللازم، وعدم تحديد المسؤوليات بين الجهات التعليمية المختلفة؛ ما أدى إلى حرمان بعض المدارس -لأكثر من ثلاث سنوات- من التجهيزات المطلوبة.

صعوبات مضاعفة

تشير أرقام وزارة التربية والتعليم إلى وجود 19735 طالبًا وطالبة، يعانون صعوبات التعلم، ويدرسون في 1070 مدرسة من أصل 4006 مدارس، وفق إحصائية العام الدراسي 2021 – 2022، إلا أن العدد الفعلي قد يفوق ذلك بكثير.

بحسب تقرير اليونيسيف، فإن نسبة الأطفال ذوي الإعاقة -الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 17 عاماً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا- تصل 17 في المئة. ووفق الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج 2019 – 2029، الصادرة عن وزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فقد بلغت نسبة الطلبة من ذوي الإعاقة، الملتحقين بمقاعد الدراسة في الأردن، 1.9 في المئة فقط.

وليد وياسمين وأرقم، أطفال قابلنا ذويهم. ولكل منهم حكاية تلخص معاناته في الحصول على تعليم مهيأ.

 غرف مصادر غير مجهزة

ذهبنا إلى قسم صعوبات التعلم بوزارة التربية والتعليم، والذي زودنا بجدول يُظهر احتياجات غرف المصادر في 42 مديرية؛ لمعرفة المستوى الذي وصلت إليه مدارس الأردن، من حيث التجهيزات الخاصة بغرف صعوبات التعلم.

كان الجدول الخيط الذي انطلقنا منه، لنبدأ بالتواصل مع معلمي التربية الخاصة، في أكثر من مدرسة.

وصلنا مدرسة حكومية على أطراف العاصمة، رافقنا إلى الداخل المعلم باسم محمد، إلى أن وصلنا غرفة صغيرة في نهاية ممر ضيق؛ غرفة مفصولة عن الممر بقاطع خشبي.

على الخزانة، لوحة معلقة كُتب عليها “غرفة صعوبات التعلم”، لا يحب المُعلم وضعها في الخارج؛ كي لا يشعر الطلبة بالحرج.

بعد أن استطاع المعلم باسم محمد استحداث هذه الغرفة، وبمساعدات أهلية، فُوجئ -الفصل الدراسي الماضي- بقرار تبديل الغرفة بأخرى؛ بحجة اكتظاظ فصول المدرسة.

يقول: “أنا خرجت من غرفة صعوبات كاملة كانت 6 في 7 أمتار، إلى لا غرفة، التخطيط ألغى غرفة المصادر، وقال إذا تحب تلغي الشاغر، مع العلم أن الغرفة بها 25 طالب صعوبات تعلم”، يتابع: “أنت لا تستطيع أن تحضر الطالب من الغرفة الصفية إلى غرفة الصعوبات، بنفس الأدوات التقليدية، لأن طالب صعوبات التعلم يحتاج إلى أدوات وتقنيات خاصة، تُشعره بالاهتمام.” خاطب محمد المديرية التابع لها، للحصول على أثاث مناسب، لكن من دون جدوى.

حال غرفة المصادر بإحدى مدارس إقليم الجنوب، اختلف قليلا؛ حيث الغرفة -التي لا تتجاوز مساحتها 6 أمتار مربعة- زُينت جدرانها بأحرف وأشكال ملونة، وعلى أرضيتها رُسمت أقدام للقفز. تؤكد المعلمة جيهان المطارنة أن كل التجهيزات في الغرفة مجهود فردي، وتشاركها المدرسة بدعم قليل.

توضح المطارنة أن الأعداد المتزايدة لطلبة صعوبات التعلم؛ دفعت المديرة لاستحداث غرفة مصادر. تقول المطارنة: “بناء على طلب المديرة حينها، تم استحداث غرفة كانت سابقاً عبارة عن مخزن مقتطع من ممر.” قامت المطارنة بطلاء الغرفة بألوان زاهية، واستخدمت الشبابيك لتعليق اللوحات التعليمية، واستصلحت أثاثًا من رياض الأطفال، إضافة إلى ما قدمته المدرسة من طاولة مكتب، ورفوف، وخزانة مطبخ.

تؤكد المطارنة افتقار الغرفة للدعم والمساندة التربوية، المتمثلة في اللوازم والأدلة التشخيصية. تقول المطارنة: “استقبلت 30 طالبًا، حتى تم تقليص العدد على مدار سنوات متتالية لعشرين طالبًا؛ بسبب ضيق الغرفة، وعدم وجود غرف داخل المدرسة للانتقال إليها؛ بسبب الاكتظاظ، وعدد الطلاب المتزايد.” لم تكتفِ المطارنة بحدود الغرفة الضيقة، فخرجت إلى الساحة واستغلتها في عمل ألعاب تربوية؛ مثل: المتاهات والسلم والثعبان.

من جهة أخرى، تشكو المطارنة من نقص التدريب؛ إذ لا يتلقى معلمو التربية الخاصة تدريبات تطور من عملهم؛ ولهذا تأمل المطارنة أن يتلقوا تدريبات تشمل مهارات تشخيص الطلبة، واستخدام اختبارات قياس الذكاء.

الاستبانة التي شملت 90 مدرسة موزعة على الأقاليم الثلاثة في الشمال والوسط والجنوب، كشفت عقبات أمام معلمي المصادر والطلبة على حد سواء.

55 غرفة مصادر تفتقد تجهيزات أساسية، مثل: جهاز الحاسوب، والطابعة، واللوح الذكي، وخزائن للطلبة، معظمها في إقليم الجنوب. بالإضافة إلى مخالفة 16 غرفة من تلك الغرف للمواصفات الفنية، ما يزيد على النصف منها في محافظات إقليم الجنوب.

غرفة صعوبات التعلم -بحسب ضوابط وزارة التربية والتعليم- يجب أن تكون كأي غرفة صفية؛ آمنة، ومحفزة، وملحقة بالمدرسة. إضافة إلى تجهيزها بالأثاث والأدوات اللازمة، وألا تقل مساحتها عن 25 مترًا؛ حتى يتمكن الطلبة من القيام بالأنشطة الضرورية، للتغلب على الصعوبات النمائية والأكاديمية، واكتساب مهارات التواصل الاجتماعية.