تجثم المعاناة على صدور كل اليمنيين منذ آذار /مارس 2015..توقيت اندلاع الحرب التي خلفت جروحا غائرة وواقع بالغ السوء..استمر حتى اليوم ..
قتل يومي بالتجزئة والجملة ومن كتبت له النجاة في مناطق المواجهات قذفت به الأقدار إلى التشرد ..والأكثر مرارة انقطاع الدواء المنقذ للحياة الذي كانت الدولة توفره مجانا لزراعي الكلى .
لقد كانوا الأكثر تأثرا بمشهد الحرب وتداعياتها فانقطاع الدواء بالنسبة لهم مثل انتكاسة كبرى وصاروا كمن دخل مطاردة مع الموت..بعد توقف برنامج الإمداد الدوائي بوزارة الصحة النافذة الوحيدة لصرف الدواء عن توريد الأدوية التي يحتاجونها بسبب خفض ميزانيته إلى الصفر بسبب الحرب التي عطلت أوعية الإيرادات المالية الحكومية .
لقد كان من المهم تناول مشكلة زارعي الكلى الذين يتجاوز عددهم الــــــ1700مريض بعد أن تقطعت بهم السبل وهم يبحثون عن دواء باهض الثمن ولا يستطيعون شراءه أصلا من الصيدليات التجارية..وأقصى ما يفعلونه هو التجمهر اسبوعيا أمام مكتب الأمم المتحدة بصنعاء طلبا للمساعدة وإنقاذ حياتهم..وكان كل همنا أن نسهم في تغيير واقع هؤلاء المرضى وتوصيل صوتهم ليصبح حالهم أفضل.
في الوقت ذاته كان شيء من حولهم يردد صدى الإحساس بالموت..في ظل تردي الواقع..الذي تشابكت فيه خيوط المشهد..وبالنسبة لمعد التحقيق كانت الصعوبة الأكثر تكمن في عدم الوصول السريع للمرضى بعد أن أغلقت الصيدلية المركزية الوحيدة للدواء المجاني أبوابها أمامهم ..وأيضا تحفظ المصادر على الإدلاء بالمعلومات المتعلقة بموازنة الدواء وكميات الأدوية التي تصلهم من المنظمات المانحة ..لكن مع الإصرار والمثابرة وتعاون الزميل المشرف خالد الهروجي كنا نكسر موانع الوصول إلى المعلومات المطلوبة بعد طول انتظار.
إلى جانب تلك الصعوبات كان تشتت مواقع المصادر بعدا آخر للمعاناة .. فبعض المواقع في أطراف صنعاء العاصمة وصاحب ذلك شحة في المشتقات النفطية مما قلل من حركة المواصلات إلى تلك الأماكن..لكن رغم ذلك كله كان يكبر بداخلي شعور التعاطف مع أولائك المرضى الذين قد تصعد أرواحهم إلى الرفيق الأعلى قسرا في أية لحظة .
بقى الإحساس بالمعاناة بالغة السوء..شعور يحركنا نحو توجيه رسالة من خلال التحقيق إلى أطراف الصراع الذين غلبوا أهدافهم الحربية على الجوانب الإنسانية .. وللجهات المعنية والمنظمات الفاعلة كي تتحرك وتتفاعل من اجل إنقاذ هؤلاء المرضى الذين توفي عددا منهم قبل انجاز التحقيق وتدهورت حالات البعض..ولاتزال معاناتهم قائمة حتى نشر التحقيق.
وقبل أن اختم ..علمتني الحرب.. أنها دائمًا صانعة الأخبار خاصةً المصيرية منها..ومرضى الكلى احد عناوينها البارزة في اليمن.