This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
وائل شرحة
استكمال مثل هذا التحقيق كان أشبه بالمستحيل في بلد ممزق على وقع الحروب والانقسامات. ولهذا استمر العمل في التحقيق عاما وأربعة أشهر، تخلّلها العديد من الصعاب والتهديدات، وفوق ذلك غياب المعلومة أو حجبها.
مشاهد عديدة كانت تشكّل ضغوطاً ملحةً عند بناء الفرضية، واستمرت حتّى آخر يوم من جمع المعلومات وبناء النص النهائي.
بعد محاولات عديدة، تمكّنت من دخول سجن الحديدة المركزي في مايو/ أيّار 2018. هناك، أجريت مقابلات مع عدد من الحالات التي تؤكد الفرضية. على أن ذلك التقدم تحول إلى تهديد معاكس بعد التصوير بشهر، ذلك أن السجن شهد اضطرابات، كنت أنا المتهم الأول فيها بدعوى “إثارة مشاعر السجناء وعواطفهم”.
وحاولت أيضا زيارة مقار السجن المركزي في العاصمة صنعاء وثلاث محافظات أخرى. جهدت لستة أشهر ويزيد على استخراج تصاريح من رئاسة مصلحة السجون. وفي النهاية، سمح لي بدخول سجن صنعاء ومقابلة أربع حالات فقط وتحت رقابة مشدّدة.
“لن يكون خروجك منه كدخولك إليه، ستكون سجيناً لدينا ولن يتم الإفراج عنك. نرصد كل تحركاتك وأنت تعمل لمنظمة” أجنبية، عبارات قاسية أطلقها مسؤولون في السجن المركزي بصنعاء.
زرت محافظات ذمار وإب وحجة وقابلت مسؤولين عدّة هناك. لكن مصلحة السجون كانت قد سبقتني بقرار منع زيارات السجون هناك. ولم تكتف بذلك، بل حجبت عنّي المعلومات والبيانات ذات الصلة بنزلاء طال بقاؤهم ولا يزالون رهن التحقيق. وكذا حجبت عنّي أنواع التهم وسنوات المحاكمة وعدد جلساتها، لكنني حصلت على هذه البيانات من مؤسسات أهلية متخصصة.
وفي غمرة تلك المشاهد والصعوبات كانت رنا الصبّاغ، مديرة أريج التنفيذية السابقة، رفيقاً ملازماً لي في كل خطوة أخطوها في هذا التحقيق. وعكست ذلك في كلمتها الافتتاحية لورشة أساسيات صحافة الاستقصاء بعمّان في مارس/ آذار 2018. إذ قالع آنذاك: “ليس هناك قصة صحفية تستحق أن تخاطر بحياتك من أجلها”. كنت أتذكر تلك العبارة كلما تلقيت تهديدا من الأجهزة الأمنية، فأتوقف عن العمل مؤقتا ثم استأنف العمل. ولكن لا يفارقني الجزء الأهم من حديث الزميلة رنا: “إبحث عن الفتحة التي يتسلل منها الضوء إذا ضاقت المساحات أمامك ولا تتوقف”. وهكذا ظللت أعدو باحثا عن فتحات أخرى لأجد نفسي قد هدمت الجدار المرصوص أمامي، حسبما أوصت وتوصي رنا دائماً.
كانت نقطة النهاية للقصة عندما كُلف الأستاذ خالد الهروجي بالإشراف على التحقيق بعد جهود مشكورة بذلها الزميل محمد الكوماني.
الأستاذ الهروجي بثّ فيَّ روح الانطلاق من جديد. وما إن انتهى شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حتى كانت النسخة الأولى من التحقيق جاهزة لتزيد وتيرة الإنجاز بمشاركة ومتابعة وتوجيه الأستاذ سعد حتر في الإشراف العام على هرم القصة وإنتاج نسختها النهائية. وكان الأستاذ حتر بمثابة ضوء أهتدي به في مجاهيل وظلمات هذا العمل الاستقصائي المضني واللذيذ في الوقت عينه.
وحتى لحظة نشر التحقيق، بدوت وكأنني إحدى الحالات التي استحضرتها واستشهدت بها في القصة (سجيناً). ولم آخذ نفسا عميقا وأشعر بالتحرر إلا بعد إبلاغي بموعد ومكان النشر. وأعتقد أن هذا التحقيق من بين القصص الصحفية التي “تأسر” صاحبها رغم كونه حرا في ممارسة حياته.
ويبقى عزاؤنا تأخير النشر بأننا اشتغلنا بمهنية وحرفية عالية، على أمل أن تحقّق الغرض المنشود.