جزائر

هميسي والمرابط.. وجهان لقيود الأزمة الجزائرية المغربية على العمل الصحفي

عبد القادر بن مسعود- الجزائر | شباط 5 , 2023

في 30 يونيو/ حزيران 2022، وفي ذروة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي عُقدت بمدينة وهران الجزائرية، أعلن بيان لوزارة الاتصال الجزائرية إقالة الصحفي مصطفى الهميسي من منصبه، كمدير عام جريدة "الشعب" لارتكابه خطأً فادحاً. عقوبة الفصل التي لحقت بالهميسي سببها نشر جريدة "الشعب" التي يرأس تحريرها صورةً على صفحتها الأولى للاعبي المنتخب المغربي المشارك في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، بدلًا من صورة المنتخب الجزائري، عند الحديث عن المباراة التي تجمع منتخب الجزائر مع منتخب فرنسا في الجولة الثالثة من دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط.

وفي المناسبة الرياضية المتوسطية ذاتها، رفضت السلطات الجزائرية السماح لتسعة صحفيين من الجنسية المغربية بالدخول ضمن البعثة الرياضية المغربية المشاركة في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022، وذلك بسبب عدم حصولهم على الاعتماد اللازم لتغطية الحدث الرياضي، بحسب السلطات الجزائرية، قبل أن ترحّلهم إلى تونس، ومنها إلى المغرب. فيما أدانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الحادثة، مؤكدةً أن الصحفيين المغاربة التسعة حاصلون على بطاقة الصحافة المهنية. ونشرت بياناً تدين فيه تصرف السلطات الجزائرية إزاء الوفد الإعلامي المغربي، وأكدت فيه اتخاذ أعضاء الوفد "جميع الترتيبات الإدارية والتقنية المطلوبة في مثل هذه التظاهرات".

الإجراءات الجزائرية لا تختلف كثيراً عن إجراءات مغربية مماثلة بحق جزائريين. فقبل خمس سنوات، قام المغرب بترحيل الصحفي الجزائري في جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية جمال عليلات، أثناء تغطيته للتظاهرات التي شهدتها منطقة الريف شمال المغرب عام 2017.

وقبل ذلك، تعرّض الصحفي المغربي الشهير علي المرابط للتوقيف عن ممارسة مهنة الصحافة سنة 2005، بعد أن حُكم عليه بمنعه من ممارسة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات، لأنه كتب في تقرير لصحيفة "الموندو El Mundo" الإسبانية أن السكان الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف بالجزائر كانوا "لاجئين" وليسوا "مختطفين"، وهو خطاب يتعارض مع السردية الرسمية المغربية حيال ذلك.

حاولنا التواصل مع الصحفي المغربي المرابط من أجل أخذ تفسيرات وحقائق حول تلك القصة، لكن لأسباب غير واضحة، رفض المرابط التعليق.

حرية التعبير في الجزائر والمغرب في مراتب متأخرة

واقع الصحافة في الجزائر لا يبدو بأحسن حال، فرغم تقدّم الجزائر بـ 12 درجة في تصنيف حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، وحلولها في المرتبة 134 عالميّاً من أصل 180 دولة شملها تقرير سنة 2022، إلا أنّ التقرير وصف واقع الصحافة الجزائرية بأنها لا تزال تواجه العديد من "الخطوط الحمراء".

تلك الخطوط الحمراء، تتمثل في الأساس بالضغوط الكبيرة المفروضة على قطاع الإعلام، الأمر الذي يُصعّب من قيام الصحفيين بعملهم بطريقة حرة ومستقلة.

ولا يختلف الأمر كثيراً عن المغرب الذي حلّ بعد الجزائر مباشرة في تصنيف "مراسلون بلا حدود"، إذ جاء في المرتبة 135 عالميّاً بعد أن قفز مرتبة واحدة عن تصنيف 2021. ويصف تقرير المنظمة واقع الصحافة في المغرب، بأنّ الصحفيين المستقلين فيه يتعرضون لضغوط مستمرة، بينما تحاول الحكومة المغربية إحكام السيطرة على الحقل الإعلامي.

في استبيانٍ لمعدّ هذا التقرير، قام بمشاركته مع مجموعةٍ من الصحفيين في البلدين، بلغ عددهم 25 صحفيّاً، رأى 48 في المئة من المستطلعين أنّ حرية التعبير في الجزائر والمغرب ضعيفة للغاية، فيما يتعلق بتغطية المواضيع التي لها علاقة بالأزمة الدبلوماسية بين البلدين. ورأى 40 في المئة، أنّ الكتابة وتغطية مواضيع على صلة بالعلاقات بين المغرب والجزائر من الأمور التي تشكل تهديداً على أمن وسلامة الصحفي.

تتنوّع الأخطار المهددة لسلامة الصحفيين المغاربة والجزائريين أثناء عملهم على مواضيع صحفية لها علاقة بالأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب، غير أنّ 48 في المئة من المستطلعين أجمعوا على أنّ التضييق على الصحفي أو طرده من العمل، هو من أبرز الأخطار المهددة لصحفيي البلدين، يأتي بعده التهديد بالاعتقال بنسبة 28 في المئة، ثمّ حجب العمل الصحفي من الإنترنت بنسبة 20 في المئة، وتهديد عائلة الصحفي بنسبة 4 في المئة.

لم يقتصر الخطر على الصحفيين المهتمين بمواضيع لها علاقة بالأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب في أماكن عملهم فقط، بل تعداه حتى إلى مواقع التواصل الاجتماعي. فحسب الاستبيان، حذف نحو 20 في المئة من المستطلعين خبراً أو رأياً حول الأزمة من حساباتهم الشخصية خوفاً على سلامتهم.

تقول إحدى الصحفيات المغربيات التي شملها الاستبيان، إنها تعرضت لأذى نفسي كبير، جراء تغطيتها لموضوعٍ له علاقة بالأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب، جعلها لا تنام الليل، وذلك بعد نشرها استمارة استبيان يتعلق موضوعها بالمغرب والجزائر، لتجد نفسها وسط هجوم من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، متعرضةً للتنمر والتشكيك في نواياها، واتهامها بالعمالة، الأمر الذي دفعها إلى سحب الاستبيان.

كيف يحافظ الصحفيون المغاربة والجزائريون على سلامتهم أثناء العمل على مواضيع الأزمة بين البلدين؟

تُعتبر السلامة المهنية التحدي الأكبر للصحفيين في كلٍ من المغرب والجزائر، خصوصاً أثناء تغطية مواضيع أزمة البلدين الحساسة، التي جعلت بعضاً من صحفيي البلدين يعانون عدداً من المخاطر والتهديدات، التي أثرت على مسار عملهم الصحفي، سواء نفسيّاً أو جسديّاً أو رقميّاً.

في حالة تغطية المواضيع التي لها علاقة بالأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، كانت الأخطار الرقمية أحد هواجس الصحفيين، خصوصاً بعد الكشف عن استهداف صحفيين مغاربة ببرنامج التجسس الشهير "بيغاسوس" في 2021.

الخبير والمدرب في الأمن الرقمي الوليد شنوفي، يقول إنّ السلامة المهنية للصحفيين تختلف حسب نطاق التغطية وحساسية الموضوع الذي يعمل عليه الصحفي، وإنّ خطة السلامة التي يضعها الصحفي تكون حسب قدرات الجهات التي تخشى من هذه التغطية.

وفي جوابه عن سؤال حول التغطية الصحفية لمواضيع لها علاقة بالأزمة السياسية بين الجزائر والمغرب، أجاب المختص الرقمي الشنوفي بأنّه "في الجزائر لا توجد لديّ معطيات حول استهداف الصحفيين. أمّا بالنسبة إلى المغرب، فجميعنا يعلم أن هناك صحفيين ونشطاء تمّ التجسس عليهم ببرامج خبيثة متطورة يتم تحميلها على الجهاز باستعمال التصيّد الاحتيالي، أو عن طريق ثغرات موجودة في الجهاز، ثم بعدها يتم التنصت على الجهاز بأخذ معلومات منه".

أجمل محدثنا جملة من النصائح التي يجب على كل صحفيٍّ يعمل على مواضيع حساسة في الجزائر والمغرب أن يعرفها ويعمل بها، أبرزها أن يكون لدى الصحفي الذي يغطي هذه المواضيع الوعي الرقمي المناسب لحماية عمله، وأن يتجنب تثبيت برامج خبيثة على جهازه، وذلك من خلال تركيزه على نظام التشغيل، والبرامج التي يعمل بها، فإذا كان برنامج التشغيل الخاص به يحوي ثغرات، فهذا يفتح باباً كبيراً يسهل عملية اصطياد معلوماته الشخصية، ومن خلالها التجسس والاختراق لحساباته، بالإضافة إلى التعامل بانتباه مع الروابط والملفات التي تصله، والتي قد تكون محاولات تصيد، إذ يجب على الصحفي أن يكون على دراية بكيفية التعامل معها، بحسب الخبير الشنوفي.

ومنذ سنوات، شكلت التغطيات الصحفية أو حتى الحديث عن مواضيع حساسة في كلٍ من المغرب والجزائر، إحدى أكبر المهمات الصحفية التي تشكل تهديداً على سلامة الصحفيين، وأحد أكثر الملفات التي تشكّل هاجساً لصحفيي البلدين.

خلال إعداد هذا التقرير، لمسنا خشية العديد من الصحفيين في البلدين من التطرق لكلّ ما له علاقة بالأزمة بين الجزائر والمغرب، فرفض كل من الصحفي الجزائري مصطفى الهميسي، الذي تعرّض للفصل من منصبه بسبب خطأ مهني، الحديث مع معدّ التقرير، وإعطاء نفسه فرصة لتوضيح موقفه والدفاع عن نفسه. كما رفض الصحفي المغربي علي المرابط الرد على مراسلات معدّ التقرير، للحديث عن موقفه من التضييق الممارس عليه بسبب آرائه. ورفض كثير من الصحفيين من الجزائر والمغرب المشاركة في الاستبيان الذي أعدّه معدّ هذا التقرير.

ويبقى التعتيم والانغلاق الإعلامي الممارس من الحكومتين المغربية والجزائرية حول الملفات المشتركة، أحد أكثر الأسباب التي تزيد من تنامي تهديد سلامة صحفيي البلدين أثناء تناولهم مواضيع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حتى رياضية تهم البلدين، كما حدث مع الصحفي الجزائري الهميسي.


عبدالقادر بن مسعود
صحافي استقصائي ومدقق معلومات من الجزائر. عمل مع العديد من المواقع الصحافية العربية، أبرزها ساسة بوست وهافينغتون بوست والجزيرة مباشر ومسبار.