سوريا

التمييز ضد مجتمع الميم في لبنان.. تكفله القوانين!

فالنتين نسر | تشرين الثاني 8 , 2022

تشكّل عدة مواد، من ضمنها المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، نموذجاً تقف وراءه السلطة لمحاولة قمع الاختلاف في لبنان، ما يشكل خطراً حقيقيّاً على الصحة النفسية والجسدية لأفراد مجتمع "الميم" الذين يتعرضون لمضايقات وانتهاكات متواصلة. وتتدخل القوى الأمنية اللبنانية باستمرار لقمع أنشطة حقوقية متعلقة بالجندر والجنسانية.

تشارك مريم سمير (اسم مستعار) قصتها، وهي فتاة في طور العبور الجندري، تبلغ من العمر 26 سنة، كانت تعمل نادلة في أحد المطاعم في بيروت، وتقول: "بسبب إني ما عملت ولا عملية تجميلية، بيتنمروا على شكلي، قال لأن مش مبينة شب أو بنت". وتضيف: "أتعرض للتنمر والنبذ رغم أنني لا أجاهر بذلك على الملأ. لكن بعض الناس يلاحظون أن تصرفاتي ليست أنثوية كما يجب بالنسبة للأفكار الشائعة في المجتمع، وهذا يجعلني أتحفظ أكثر وأكثر على عرض ميولي أو الإعلان عنها، كما أنني أعيش في خوف دائم من أن أتعرض لأكثر من مجرد السخرية التي تطالني دائماً في المجتمع، أي إمكانية أن أُلاحق قانونيّاً أيضاً أو يتم سجني".

هذا الضغط النفسي جعل مريم تشعر بالتهديد الدائم. وفي تجربة سابقة، تعرضت للتحرش من أحد الشبان، ما أصابها بصدمة كبيرة وإحساس عارم بالذنب راودها لسنوات. وعندما قررت أن تواجه هذا الشخص المعتدي بالذي حصل، كانت حجته أنه فعل ذلك ليصحح لها ميولها.

وتشير سمير إلى أنه عندما تشتدّ الأزمات في البلاد، تتجنّب أن تطرح رأيها وأن تظهر نفسها وتعبر بحرية عما تكتنزه من أفكار، وذلك ليقينها وإدراكها بأنها معرّضة للخطر، ويسهل استهدافها والاعتداء عليها، نتيجة التمييز والتهميش الذي يتعرّض له العابرون والعابرات جنسيّاً وغيرهم من أفراد المجتمع "الكويري"، ما يجعلها في عذاب نفسي متواصل.

قمع أنشطة حقوقية

ضوميط القزي دريبي هو أيضاً واحد من الذين تعرضوا للأذى المعنوي. يروي لنا دريبي تعرضه للكثير من حملات التنمر ورهاب المثلية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصلت إلى حد التهديد بالضرب والقتل، وذلك كان بعد الدعوة لمظاهرة ضد قرار وزير الداخلية منع تجمعات أفراد مجتمع الميم.

وتستمر هذه الممارسات في لبنان رغم أن الجمعية اللبنانية للطب النفسي أوضحت في حزيران 2022 في بيان لها أن المثلية لا يمكن اعتبارها مرضاً يتطلب العلاج. وهذا يتماشى مع الإجماع الدولي داخل مجتمع الطب والرعاية الصحية لعقود عدة، كما أنه يتفق مع بيان موقف الجمعية اللبنانية للطب النفسي المنشور عام 2013 حول الموضوع نفسه. ودعت الجمعية "الخبراء في مجال الصحة في لبنان إلى الاعتماد حصراً على العلم عندما يعبّرون عن آرائهم أو يصفون العلاج لهذه الحالة". وهذا جعل من لبنان أول دولة عربية تتوقف عن اعتبار المثلية الجنسية مرضاً.

قمع أنشطة حقوقية

وفي دراسة مفصلة عن منع التعذيب ورصده في لبنان أعدتها منظمة "ALEF من أجل حقوق الإنسان" ALEF - Act for human rights، يظهر التعذيب كأداة سلطوية تقلل من حماية القانون وحقوق الإنسان، وترجح كفة السلطة وفرض السيطرة وتنشر الخوف. ويطال ذلك تحديداً الفئات الضعيفة في المجتمع كمجتمع "الميم"، حيث برزت هذه الانتهاكات بحقهم بشدة في الفترة الأخيرة. وتشير الدراسة إلى أن المواقف المتساهلة تجاه العنف وخطاب الكراهية والتحريض والتجريد من الإنسانية، تساعد على التشجيع على اللجوء إلى هذه الممارسات وإفلات مرتكبي التعذيب من العقاب وتبرير أفعالهم.

وفي حديث مع المحامي والباحث في "المفكرة القانونية في لبنان" كريم نمور، يقول إن المادة 534 من قانون العقوبات تهدد سلامة المثليين الجسدية والنفسية وتعرضهم لشتى أنواع الانتهاكات.

المادة 534 تجرم المجامعة خلافاً للطبيعة. وتم استخدامها تاريخيّاً لملاحقة ومعاقبة المثليين. ويعاقب مخالفها بالسجن لمدة سنة. أما من الناحية العملية، فيشير نمور إلى أن تطبيق القانون متباين، وغالباً ما يحدث خلال اعتقالات الشرطة، وتقوم النيابات العامة بتوقيف أفراد من العابرين جنسيّاً، علماً أنهم، حسب القانون، غير مخالفين، لكن النظرة العامة إليهم من قبل المجتمع على أنهم لا يشبهون ما يعتبر مظاهر طبيعية، أي ميول "مغايرة"، تجعلهم أكثر عرضة لمصادرة حرياتهم.

ويلفت نمور إلى أن "بعض القضاة طبّق بشكل موسع ومحافظ جدّاً، القانون الذي وضعته أيام الانتداب الفرنسي حكومة فيشي المقرّبة من النازيين"، ويعتبر أن عبارة "المجامعة على خلاف الطبيعة ليست سوى جملة مبهمة، ولا يمكن لنصّ في قانون العقوبات أن يكون مبهماً، وإن كان كذلك، فيفسّر لصالح المتهم. لذا، وبالحد الأدنى، يجب أن يتوفّر فعل المجامعة، لكن القضاة عاقبوا أشخاصاً لمجرد اتهامهم بهويتهم من دون قيامهم بالمجامعة".

اللافت أنه ومقابل التفسيرات المحافظة، أصدر بعض القضاة قرارات رفضت ملاحقة المثليين والمثليات، ورغم ذلك، قد يشكل القانون عائقاً أساسيّاً أمام انخراطهم "بالمعنى التقليدي" في الحياة السياسية، لذا، يؤكد المحامي نمور أهمية إبطال المادة 534 أو تفسيرها بالاجتهاد على نحو يحول دون ملاحقة ومعاقبة المثليين احتراماً للمبادئ المنصوص عليها في الدستور وفي المعاهدات الدولية الموقعة من لبنان.

معاقبة المثليين


وفيما يخص الآلية التي يمكن أن تحمي أفراد مجتمع الميم، يضيف نمور أنها تكمن بضرورة تصحيح القوانين وتشكيل إطار حمائي للأشخاص، يتحول إلى أداة لجعله سلاحاً بيدهم، لكن الأهم من ذلك هو تنفيذ هذه القوانين لكي يصبح لها الأثر الأكبر على المدى البعيد، لتستطيع من خلال ذلك تشكيل مجتمع أكثر أماناً.

ويتفق دريبي ومريم على ضرورة العمل لضمان حقوقهم وسلامتهم عبر تصحيح القوانين التي تضمن ذلك، لأنه بالنسبة للعديد منهم، يُشكل خطر الأذى الجسدي والاعتداء اللفظي تهديداً دائماً يرافقهم خلال معظم أنشطتهم اليومية العادية، ويشعرون بضرورة إخفاء هويتهم لمواصلة حياتهم اليومية.

وفي السياق نفسه، توضح المسؤولة في قسم التواصل في جمعية العناية الصحية (SIDC) نسام دغيم أن العمل الأساسي يكمن في وضع سياسات حمائية لوقاية مجتمع الميم في أماكن العمل، ومراكز الرعاية الصحية والاجتماعية، ويجب أن يتم ذلك بالتشبيك مع منظمات من المجتمع المدني، ورجال دين، وصانعي القرار، ورجال الشرطة، من أجل تطوير مهارات التعامل مع أفراد مجتمع الميم، وهذا ما يعملون عليه كجمعية لمنع كل ما يعرض السلامة الجسدية والنفسية للأذى. إن مجتمع "الميم"، الذي يرى كثيرون أن أفراده يزدادون عدداً في المجتمع اللبناني، قد بدأ في المطالبة بحقوقه بعدما بات هؤلاء منتشرين ويعبرون عن أنفسهم داخل المجتمع اللبناني. وتحتل الحاجة إلى مكافحة التعذيب وإساءة معاملة مجتمع "الميم" في لبنان موقعاً أساسيّاً في عدد من الاتفاقيات والمعاهدات والإعلانات الدولية، ولبنان ملزم باحترامها بموجب القانون الدولي، ومقيَّد بها بموجب مقدمة دستوره.

ويرى ناشطون حقوقيون، واجتماعيون، وأفراد من مجتمع الميم، أن ذلك ممكن إذا تخلت القوى الأمنية اللبنانية عن سياسة توقيف واحتجاز أفراد مجتمع "الميم"، كحادثة اعتقال امرأة مثلية في منطقة الروشة في العام 2017، حيث تعرّضت للابتزاز والاعتداء الجنسي داخل مركز الاحتجاز، بالإضافة إلى حوادث اعتقال أضيفت إلى السجّل العدلي حسب التقرير الأول لمرصد انتهاكات حقوق الإنسان" (SOGIE Monitor) الذي أطلق في 20 نيسان 2017. كما اقتحمت قوات الأمن الداخلي في 14 مايو/ أيار 2018 أمسية شعرية، واستدعت منسق بيروت برايد، هادي داميان إلى مخفر حبيش، حيث أمضى ليلته، حسب تقرير لهيومان رايتس ووتش. والأمر نفسه ينطبق على الدولة اللبنانية، حيث عليها وضع وتنفيذ تشريعات تحمي من التمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية، مروراً بضبط قوانين العمل وعدم التمييز الوظيفي، وغيرها من الأمور التي ما زالت عالقة. ولا يساهم الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يشهده لبنان من 2019 إلا بتأخير قيام مثل تلك الخطوات إن توافرت إرادة سياسية جامعة، رغم جدلية الموضوع، أقله من وجهة نظر دينية تقليدية متجذرة في لبنان كنظام ومجتمع.


فالنتين نسر
صحافية وناشطة بالشأن العام متخصصة بملفات البيئة والسياسة والفساد.