سوريا

أطفال سوريون ضحايا للمخدرات وأدوات لترويجها!

إيمان السيد حسن | تشرين الثاني 11 , 2022

ضحايا الحرب المنسيون

سامي (اسم مستعار)، طفل سوري عمره 16 عاماً، يقيم في حي "الميسَّر" بمدينة حلب شمال سوريا، ويعمل كي يؤمّن مدخولاً يعيله بعدما ترك المدرسة بسبب وضعه المادي السيئ، واضطرّته الظروف القاهرة للعمل في مجال ترويج الحبوب المخدرة في المنطقة حيث يقيم.

يسرد سامي حكايته مع توزيع الحبوب المخدّرة، حيث يتم التوزيع، حسب روايته، من خلال رقم هاتف وهمي على الوتس آب، ويتم الاتفاق على مكان محدد "للاستلام والتسليم"، حيث يحصل على 20– 25 من الحبوب المخدرة من شخص اسمه أبو عرب من حي "النيرب"، ويقوم هو ببيعها لأشخاص أعمارهم بين 15 و 16 عاماً أو أكثر، وسعر الحبة الواحدة يُعادل (1 دولار أميركي)، وذلك حسب نوعها.

في بعض الأوقات، يتعاطى سامي المخدرات، ولا يتوقع أي مستقبل ينتظره سوى تجارة المخدرات، وهو يتمنى الخلاص من هذا الواقع، لكن حسب تعبيره، "خلاص علقت".

لا يختلف كثيراً حال الطفل مُعاذ (اسم مستعار)، عن حال سامي، مُعاذ من مواليد عام 2007، ويقيم في حي المرجة في مدينة حلب. يعيش حياة صعبة بسبب وضعه المادي السيئ، فهو المعيل الوحيد لعائلته بعد أن لقي والده حتفه في إحدى المعارك. فَقْرُه دفعه لترك المدرسة وهو لم يكمل الصف الثاني الابتدائي.

لم يكن لدى مُعاذ خيار آخر غير الانخراط في العمل مع معارف والده، وانتهى به الأمر عاملاً في توزيع وترويج المخدرات.

يتذكر مُعاذ بداية إدمانه على المخدرات عندما وضع له أشخاص المخدّر في كأس الشاي حتى يُدمن ويستمر في العمل بالترويج وبيع المخدرات.

ويتحدث عن عملية بيع المخدرات وتوزيعها في (حي المرجة وباب النيرب والشيخ لطفي). حيث يتراوح سعر الحبة التي يبيعها (بين 48 و 60 سنتاً أميركيّاً)، حسب النوعية.

الحيرة والضياع يرافقان مُعاذ، بين إمكانية ترك عمله في مجال المخدرات من عدمه، خصوصاً أنه يعي مضارها، لكنّه لا يستطيع ترك العمل إلى أن يجد عملاً أفضل منه، وغالباً لا يملك قراراً بذلك في الوقت الحالي.

بسبب صعوبة الوصول إلى الأطفال الضحايا، تم التواصل مع الوسطاء المتواجدين في الداخل السوري وتأمين تسجيلات صوتية للطفلين سامي ومُعاذ.

وفقاً لتصريح نشرته منظمة اليونيسيف في مايو/ أيار 2022، "يحتاج أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا إلى المساعدة الإنسانية، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية التي بدأت قبل 11 عاماً".

وبناءً على ما جاء في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1999، التي صادقت عليها الدولة السورية، حيث جاء في المادة رقم 32 أنه على الدول الأطراف الاعتراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يُرجّح أن يكون خطيراً، أو أن يكون ضارّاً بصحة الطفل أو بنموه العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.

كما نصّت المادة 33 من الاتفاقية على اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لوقاية الأطفال من الاستخدام غير المشروع للمواد المخدّرة والمواد المؤثرة على العقل، ولمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد بطريقة غير مشروعة والاتجار بها.

تجارة رابحة على حساب أرواح الشعب

تُظهر دراسة أجراها مركز COAR للتحليل والأبحاث في أبريل/ نيسان 2021 كيف تحولت سوريا إلى مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون، وأنها أصبحت أكثر تطوراً تقنيّاً في عمليات صناعة المخدرات، حيث بلغت قيمة صادرات سوريا من "الكبتاغون" فقط أكثر من 3.46 مليار دولار أميركي، حسب دراسة مركز “COAR”.

ويبدو أنه كان لهذه التجارة تأثير سلبي كبير على شرائح مختلفة من الشعب السوري، خصوصاً الأطفال، الأمر الذي تحدث عنه مدير مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية في دمشق غاندي فرح في حديث خاص لجريدة البعث السورية، وأشار فيه إلى تزايد حالات الإدمان بين المراهقين: "يراجع الأهالي المستشفى للاستفسار عن بعض الأمور التي باتوا يلاحظونها على أبنائهم، كما يراجع ما بين 30 إلى 100 حالة يوميّاً، هم مرضى نفسيون أو يعانون من الإدمان، عيادات المستشفى الخارجية".

كما أكّد الدكتور غاندي فرح عبر إذاعة ميلودي أف أم ضمن برنامج "حوار على النار" أن حالات الإدمان وصلت لأطفال بعمر 14- 15 سنة، على مواد كالحشيش وبعض أصناف الأدوية التي يُساء استخدامها، مع ظهور أصناف جديدة كالكريستال ميث، مشيراً إلى أنه لا يوجد رقم واضح للنسبة التي ازدادت فيها حالات التعاطي والإدمان بسبب غياب الإحصائيات.

يقول الدكتور عبد العزيز العبدو، وهو طبيب نفسي يعمل في مستشفى أعزاز للأمراض النفسية في الشمال السوري، إن حالات إدمان الأطفال التي تصل لمركز الخدمة في أعزاز أقل بكثير من الحالات التي يتم إخفاؤها، وأن المتوافدين إلى المركز هم من الشباب، وكانوا قد بدأوا الإدمان بسن الطفولة.

وحسب الدكتور العبدو، فقد التقى بأطفال فكّروا في الانتحار بسبب عدم توفر المادة المخدرة، ومنهم من يلجأ للسرقة أو يعمل في هذا المجال، وبالتالي، سيؤدي به الحال للإدمان، هذا بالإضافة إلى الأمراض النفسية التي يصابون بها، مثل الاكتئاب والهوس والقلق وغيرها. ويضيف الدكتور العبدو أن أخباراً انتشرت مؤخراً في المنطقة تفيد بأن أحد الأطفال أقدم على الانتحار بعد ظهور أعراض انسحاب المخدر من جسمه، ولم يكن بمتناوله الحصول على المخدرات.

بين الاعتراف والنفي


ومع صعوبة الوصول إلى بيانات دقيقة عن عدد حالات الأطفال المدمنين في عموم سوريا، ومدى انتشار الظاهرة، أجرينا استبياناً نُشر في عدة محافظات سورية (دمشق وريفها– حلب وريفها- حمص- المنطقة الشرقية)، وشملت عينة المشاركين 96 شخصاً من داخل الأراضي السورية.

ورأى 41% من المستطلعين أن ظاهرة الإدمان حققت انتشاراً كبيراً في سوريا. فيما اعتبر 29% أن هناك حالات إدمان، ولكن ذلك غير منتشر على نطاق واسع، بينما نفى 29% من المشاركين في الاستبيان وجود أي إدمان على المخدرات في محيطهم.

وقال 17% من العينة إنهم لاحظوا مع الأطفال مواد يطلق عليها "الشعلة" و"باتكس" و"سلسيون"، وكلها مواد لاصقة يتم استنشاقها بعد وضعها في أكياس بلاستيكية، بالإضافة إلى رؤية حبوب مخدّرة متنوعة، منها الكبتاغون ومادة الحشيش.

وأشارت نتائج الاستبيان إلى أن 41% من المستطلعين أكدوا وجود حالات إدمان في مدارس مجاورة، فيما قال 23% من المشاركين إنهم غير متأكدين من وجود مثل تلك الحالات.











الاتجار وتعاطي المخدرات من التداعيات الخطيرة على المجتمعات التي تشهد نزاعات. يقول الدكتور في العلوم الجنائية ومدير سابق لمصح الإدمان في حلب، محمد كحيل، إن المخدرات منتشرة في كل مكان بسوريا وليس في منطقة محددة واحدة. ويضيف أن حالات الإدمان لدى الأطفال التي صادفها خلال عمله في محافظة حلب "المحرَّر" تتراوح أعمارها بين 8 و14 عاماً، أدمن معظمهم على شم مواد الشعلة والصمغ والبنزين وغيرها، ثم تطور بهم الحال لإدمان المخدرات على أنواعها.

سوريا دولة منتجة للمخدرات

حسب تقرير أعده مركز جسور للدراسات في إسطنبول، تبين أن هناك حوالي 50 موقعاً في سوريا تروج فيها زراعة وصناعة المخدرات وتنتشر بين حلب وريفها ودمشق وريفها وإدلب واللاذقية ودرعا والسويداء والحدود السورية اللبنانية. ويقول التقرير إن هناك حوالي أربعة عشر معملاً لإنتاج الكبتاغون، وثلاثة عشر مركزاً لإنتاج الكريستال ميث، وثلاثة وعشرين موقعاً لزراعة ومعالجة نبتة الحشيش.

أنواع المواد المخدّرة الأكثر انتشاراً



الكبتاغون - يقوم مصنّعو حبوب الكبتاغون في سوريا بإدخال تعديلات على المادة الأصلية التي تستخدم أصلاً في علاج الاضطرابات النفسية المتعلقة بنقص الانتباه، ويتم صنعه بإضافة مواد أخرى للمواد الأساسية المؤلف منها مركب الكبتاغون ليصبح مغشوشاً.
- من مضاعفاتها أنها تؤدي لتسمم في عضلة القلب.
الكريستال ميث - مادة مشتقة من الأمفيتامينات، ويتم تعاطيها عبر أنابيب زجاجية بعد تعريضها للحرارة ومن ثم استنشاق أو ابتلاع الدخان الناجم عن احتراقها
- يُطلق عليها محليّاً "الشبو" أو "الأتش بوز"، ويتراوح سعر الغرام الواحد بين 18 و22 دولاراً أميركيّاً.
- لها تأثير سلبي على الخلايا العصبية.
الحشيش - تنتشر في سوريا زراعة نوعين من الحشيش: القنّب الأفغاني والقنّب الهندي.
- يؤدي لتلف في أوعية الدماغ وفقدان التركيز



بتاريخ 19 أيلول 2022، نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تحقيقاً بعنوان (من سوريا إلى السعودية.. على طريق الكبتاغون.. المُخدّر الذي يُهدد الشباب)، يكشف من خلاله كاتب التحقيق (جورج مالبرونو) أن "سوريا هي أكبر منتج للكبتاغون، والسعودية أول مستهلك له، والأردن ولبنان ممراته"، ويشير مالبرونو إلى أن "آفة الكبتاغون تخطت منطقة الشرق الأوسط"، وأنه تم ضبط 250 مليون حبة منه منذ بداية العام الحالي، لافتاً إلى أن التهريب عبر الحدود الشمالية للأردن ازداد منذ استعادة الحكومة السورية سيطرتها على جنوب سوريا عام 2018، وأن "الجيش الأردني بات يُحبط يوميّاً 13 عملية تهريب" خلال هذا العام.

وتندرج تجارة المخدرات ضمن الأعمال التي يقوم عليها الاقتصاد الأسود في سوريا، بالإضافة لغيرها من الأعمال خلال عام 2021، حسب دراسة مركز جسور للدراسات في إسطنبول، وهي:

تجارة السلاح- الفدية والإتاوات والرِّشا- تجارة البشر- استغلال النفوذ والسلطة للحصول على الأوراق الرسمية- تجارة المخدرات والدخان- التهريب الداخلي والخارجي للسلع- الغنائم- تجارة المواد المستعملة الخارجة من منازل المهجّرين- تجارة النفط والثروات الباطنية السورية.

وتقدَّر كلفة حبة المواد المخدرة الواحدة بما يُعادل (10 سنتات أميركية) لتُباع بسعر يبدأ من (1 دولار أميركي)، حسب نوعها، إن كانت كبتاغون– بروكسيمول– بالتان– زولان، ويطلقون عليها اسماً عاميّاً بدل الكبتاغون (الكابتن رابح) للتمويه.

ومعلوم أن تجنيد الأطفال للعمل في هذه التجارة هو حماية للعصابات من أي مساءلة أو اعتقال بتهمة الترويج، إذ بالإمكان إطلاق سراح الأطفال القاصرين بعد أسبوع أو أسبوعين في حال تم اعتقالهم.

تقول الباحثة والأكاديمية في علم النفس الاجتماعي ومديرة مركز المستشارة للصحة النفسية، الدكتورة دعوة عبد الحميد الأحدب، إنه عندما يتواجد "مثلث الرعب"، ويُقصد به المرض والفقر والجهل، في أي مجتمع، فلا بدّ من انتشار ظواهر الإدمان.

إيجاد الحلول لظواهر إدمان الأطفال لا يتم بسهولة، حيث إن كبرى الدول عجزت عن الوقوف بوجهها، ولكن يمكن عن طريق توفر القرار والإرادة والعمل على التوعية، تحصين الطفل نفسيّاً ضد أي متغيرات أو ظواهر اجتماعية غريبة، حيث إن للأهل الدور الأكبر في توعية طفلهم وعدم ترهيبه، ومتابعته في المدرسة أو مع أصدقائه أو في موقع العمل إذا اضطر للانخراط باكراً في العمل بسبب الوضع المادي للعائلة، كما يجب أن نزرع في عقل الطفل قول كلمة لا لأي شيء يؤذي صحته ويهدد حياته حتى لا يسقط في فخ الإدمان.

وعلاج مشكلة الإدمان، حسب الأخصائيين الذين تحدثنا معهم، يبدأ بالعمل على قطع سلاسل الإنتاج والإمداد والتوزيع، بالتوازي مع معالجة المدمنين. وكل ذلك بحاجة إلى أوضاع مستقرة وفرق مختصة في مجال العناية النفسية، محلية وأخرى دولية.


إيمان السيد حسن
صحافية اقتصادية، تدرس الاقتصاد في كلية العلوم السياسية بجامعة اسطنبول مدنيات، ودرست صحافة في جامعة كاستمونو - تركيا. تعمل إيمان في كتابة التقارير الاقتصادية ومهتمة بالأبحاث المتعلقة بالاقتصاد الرقمي.