المغرب

خُوذة السلامة السّيبرانية.. صحفيات مغربيات في مرمى رصاص العُنف الرقمي

ماجدة آيت لكتاوي | كانون الأول 13 , 2022

لم يدُر في خُلد الصحفية المغربية آمال كنين، أنها ستكون عُرضة للتّهديدات الرقمية بالاعتداء الجسدي حين قرَّرت أن تسلُك مسار صحافة التحقيقات، وتخوض غِمار جملة من المواضيع الشائكة في المجتمع المغربي.

ما إن نشرت الصحفية المغربية الحائزة على الجائزة المغربية الكبرى للصحافة، ريبورتاجاً تحت عنوان "من يستفيد من زراعة الكيف في المغرب؟" (الكيف هو الحشيش أو القنب الهندي)، متطرقة خلاله لموضوع شديد الحساسية، حتى انهالت عليها تعليقات تُهدِّدها بالانتقام والاعتداء عليها وتعريض حياتها للخطر، قبل أن يتم سحب هذه التعليقات لاحقاً.

تقول الصحفية المغربية: حين كنت أشتغل على تحقيق آخر تحت اسم "(أحفاد العبيد) يعيشون بالمغرب.. عنصرية ودونية وحرمان من الزواج" المنشور في جريدة "هسبريس" الإلكترونية، تمكَّنت من الهرب والنَّجاة بنفسي بعد تهديدات على أرض الميدان، وتعقُّب شخصين لسيارتي، أحدُهما كان يحمل بُندقية، كانت تجربة مريرة وصعبة، وكان المُهدِّدون أشخاصاً ماثلين أمامي، إلا أن ما يُخيف أكثر في التهديدات الرقمية أنني لم أكن أعرف هُويّة من يتوعّدُني ويَكيلُ لي التَّهديدات ولا ملامِحه.

قمع أنشطة حقوقية

استمرَّت الصحفية المغربية الشابة لأسابيع وهي تحت أثر الصَّدمة والخوف من أن تكون ضحيَّة اعتداءات عند خروجها من مقرِّ عملها، أو أن يتم تعقُّبُها إلى باب بيتها، وحكت آمال كيف أنها كانت حذِرة جدّاً، تراقبُ مَن حَولها في الشارع بعين الرِّيبة، وتحاول تضليل أي سيارة تشُك أَّنها ترصدها وتتبع سيارتها، وهو وضع استمر لمُدة من الوقت قبل أن يتَلاشى.

الصحفية مريم (اسم مستعار)، ذات الـ38 عاماً، لم تكُن أحسنَ حالاً من زميلتها آمال، فما جرَّه عليها ريبورتاج منشور في إحدى الجرائد الورقية اليومية، كان مريراً، وفق توصيفها، تعدَّى السبَّ والشَّتم والتَّهديد بالاغتصاب عبر رسائل خاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلى زعزعة استقرارها الأسري، وكاد يوقفها عن ممارسة عملها الصحفي.

تحكي الصحفية: "بدأ كل شيء حين نشرت ريبورتاجاً يحكي عن "عالم الملاهي الليلية" بإحدى كبريات المدن بالمغرب، قبل أن تصلني رسائل خاصة مُسيئة على حسابي الخاص بموقع "فيسبوك"، فيها كلام نابٍ وصُور أعضاء جنسية ذكورية مع تهديدات بالاغتصاب.

تقول الصحفية، وهي أم لطفلة: "أخبرت شخصين بما وقع، رئيس التحرير وزوجي، هذا الأخير الذي انتفَض في وجهي ولامَني على اختيار الموضوع وطلب أن أستقيل من عملي وأَن أُخصِّص كامل وقتي لتربية طفلتنا". رفضت الصحفية المغربية، غير الراغبة في الإفصاح عن هويتها خوفاً من ردة فعل زوجها، مغادرة عملها رغم المشاكل الأسرية الكبيرة التي واجهتها، وفضَّلت قضاء عطلة قسرية بالبيت لأربعة أسابيع قبل أن تستأنف عملها، وتعِد زوجها بالابتعاد عن هذا النوع من المواضيع.

ما خفي أعظم

الصحفيتان آمال ومريم، من بين كثيرات اخترن العمل الصحفي ورغبن في ممارسته بجدية وشغف قبل أن تصطدم أحلامُهنَّ بواقع رقمي جديد لم يعُد يُجْدِي معه التقليل من شأن الإساءة عبر الإنترنت والاستخفاف بها والتنقيص من شدتها.

أظهرت دراسة استقصائية عالمية حول "العنف ضد الصحفيات عبر الإنترنت" الصادرة عن "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة/ اليونسكو" و"المركز الدولي للصحفيين"، أن 73% من المستجوبات (أجابت 625 من أصل 714) تعرَّضن للعنف على الإنترنت، فيما صرَّحت 20% من المجيبات (596 من أصل 714) أنهن تعرَّضن للاعتداء أو الإساءة خارج الإنترنت، المرتبطين بالعنف الذي تعرضن له عبر الإنترنت.

وكشفت معطيات التقرير المنجز عام 2020، الذي شهد مشاركة أزيد من 900 مشارك من 125 بلداً، أن 13% من المشاركات في الدراسة عزَّزن تدابير حماية أمْنهِنَّ الجسدي بسبب تعرُّضهن للعنف على الإنترنت، وأفادت 4% منهن بأنهن تغيَّبنَ عن العمل خشية التعرض للاعتداء خارج الإنترنت. فيما لم تقم سوى 25% من المُجيبات بإبلاغ أرباب عملهن بحوادث العنف التي تعرضن لها على الإنترنت.

وعلى مستوى المملكة المغربية، فمن بين 10 صحفيات مغربيات قُمنا باستِجوابِهنَّ، أكَّدت 90% منهن تعرُّضهن للتهديدات على الإنترنت، 60% منهن كشفنَ عن تعرضهن لتهديدات بالعنف الجسدي، و30% منهن وصلتهن تهديدات جنسية، و10% منهن تم تهديدهن بنشر معطياتهن الخاصة.

وقالت جميع الصحفيات إنهن تعرّضهن للتحرش بنسبة 100%، جُلُّه على مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة بلغت 80%.

وحول الأسباب الكامِنة وراء هذه التهديدات والمضايقات الرقمية، أكدت 70% من الصحفيات المستجوَبات أنها كانت بسبب آرائهن ومواقفهن، في حين أجابت 50% منهن أن التهديدات بسبب عملِهنَّ الصحفي.

وحين سألنا الصحفيات إن كُنَّ وصلهن محتوى يحمل تمييزاً بسبب النوع الاجتماعي أو خطاب عنصري أو ينطوي على الكراهية، أجبهن جميعهن بالإيجاب، وأكدت 40% منهن تعرُّضهن لحملة تشويه سمعة رقمية.

أجوبة العيِّنة أكدت تعرُّض حسابات وأجهزة 30% من الصحفيات للاختراق، في وقت كشفت جُلهن أنهن لم يخضعن لأي تدريب في الأمان السيبراني بواقع 80%، وأشارت الصحفيات المغربيات إلى أنهن يُواجهن العنف الذي يتعرضن له على الإنترنت، عبر التجاهل واللامبالاة وتمرير التهديد لمرة واثنتين قبل اتخاذ رد فعل ملموس، والتواصل مع خبير أمني أو تقني متخصص لإعادة الحسابات المخترقة.

الحماية.. إلزامية

ولأن خطوات بسيطة تُمكِّن الصحفيات من توفير الحماية اللازمة لصدِّ هجوم رقمي، وتساهم في كشف الهجمات والاختراقات مبكراً، أكد المدرب والمستشار في الأمن الرقمي، عبد الصمد لطفي، أن الحماية على الإنترنت تَتأتّى من جملة من السلوكيات وعبر الاستعانة بعدد من التقنيات.

ومن أولى الخطوات التي تُعتبَر مفتاح الأمان الرقمي بالنسبة للصحفيين والصحفيات، من أجل حماية الأجهزة، سواء كانت حواسيب أو هواتف ذكية أو لوحات إلكترونية، بالإضافة إلى البريد الإلكتروني وباقي الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي وتحصين الملفات المهنية الهامة، هي اختيار كلمة سر جيدة ومُعقَّدة وغير متوقعة، حسب لطفي.

تحقيق هذا الأمر يتمثَّلُ في تطبيق خطوات بسيطة من شأنها تعزيز كلمة السر، وفق مستشار الأمن الرقمي، من بينها أن تكون طويلة (ما بين 10 و16 خانة)، وأن يتم استخدام العبارات بدلاً من كلمة واحدة وتُستخدم فيها الحروف والأرقام والرموز، مع تجنُّب استخدام نفس كلمة السر لفتح جميع الحسابات والتأكد من أن كلمة السر لم يتم نشرها عبر تسريبات، وأن يتم تغييرها بانتظام، مع تجنب العبارات الأكثر شيوعاً أو التي تحمل معلومات عن صاحبها كالأسماء وتواريخ أعياد الميلاد.

وأوصى المستشار الرقمي المغربي، بتجنب الربط على شبكات الإنترنت (واي فاي) المجانية بالأماكن العامة، وتفادي إدخال كلمة السر أمام أحدهم، وألا يجلس صاحب الهاتف أو الجهاز وخلفه مرايا أو زجاج عاكس، أو أن يكون في مرمى كاميرات المراقبة، وأن يتم التأكد من الروابط ومصادرها قبل أن يتم الولوج إليها.

لطفي لفت إلى ضرورة تعزيز أمان الهاتف المحمول عبر التحقق من إعدادات الأمان في المحمول، ومنع أي تطبيق من الوصول إلى المعلومات الخاصة عبر اختيار الخصوصية، ومنعِها من تحديد الموقع، وعدم استخدام البصمة أو صورة الوجه لفتح الهاتف.

المدرب في الأمان الرقمي، أوصى أن يكون في محيط الصحفيين والصحفيات وفي دائرة أصدقائهم أو معارفهم تقني متخصص، حتى يقوموا بالاستعانة به سريعاً في حال تعرضوا لأي اختراق أو أي نوع من أنواع التهديدات الرقمية.

معاقبة قانونية

سواء تعلق الأمر بآمال ومريم، أو بباقي الصحفيات المغربيات ممن لم يسلمن من الاختراق والتهديدات والمضايقات الرقمية والتمييز بسبب النوع والآراء وطبيعة المهنة وغيرها، فإن ما تعرَّضنَ له مُجرَّمٌ بقوة القانون ويوقِع مرتكبه تحت طائلة العقوبات الحبسية والغرامات المالية.

إذ يُجرِّم القانون المغربي التهديدات والمضايقات المذكورة، وحِرصاً على مزيد من الحماية ووضع حد لانتهاكات الخصوصية عبر نشر صور ومقاطع فيديو بدون إذن أصحابها أو بغرض الإساءة والتشهير، أُدخِلت التعديلات 1-447 و 2-447 و 3-447 بقانون محاربة العنف ضد النساء رقم 103.13، على الفصل 447 من القانون الجنائي المتعلق بالاعتداء على الشرف أو الاعتبار الشخصي وإفشاء الأسرار.

ويُعاقبُ الفصل 1-447 بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم مغربي (من 181.6 إلى 1816 دولاراً أميركيّاً) كل من قام عمداً، وبأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. ويعاقب بنفس العقوبة، من قام عمداً وبأي وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته. ونصَّ الفصل 2 – 447 على ما يلي: "يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم (من 181.6 إلى 1816 دولاراً أميركيّاً)، كل من قام بأي وسيلة، بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته، دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، بقصد المس بالحياة للأشخاص أو التشهير بهم".

أما الفصل 3 – 447، فيعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم (من 454.1 إلى 4541 دولاراً أميركيّاً)، إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في الفصلين 1-447 و 2 -447 في حالة العَود وفي حالة ارتكاب الجريمة من طرف الزوج أو الطليق أو الخاطب أو أحد الفروع أو أحد الأصول أو الكافل أو شخص له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايتها أو ضد امرأة بسبب جنسها أو ضد قاصر.

ما يَجدُرُ فعله

على الرغم من استهداف الصحفيات المغربيات على الإنترنت، إلا أن الكثير منهن لا يَملِكن المعلومات الكافية عن طرق القرصنة الرقمية ولا معرفة لديهن عن الهندسة الاجتماعية، ما يجعلُهن بعيدات عن توفير الحماية اللازمة لصد الهجوم الرقمي، ولا يُعرْن انتباهاً لأهمية الخضوع لتدريبات في الأمان السيبراني ولحماية معطياتهن ومصادرهن والأجهزة التي يشتغلن بها.

ترى مسؤولة مشاريع بالمركز الدولي للصحفيين ICFJ، فدوى كمال، أنه من الضروري توفر بيئة آمنة للصحفيين والصحفيات للقيام بمهامهم وضمان حريتهم واستقلالهم، حتى يُؤدّوا دورهم الحاسم كمصدر للمعلومات الموضوعية وغير المُتحيِّزة.

الخبيرة في التطبيقات والتواصل الاجتماعي، عدَّدت جملة من الإجراءات التي يجب اتِّخاذها في حال التعرض لاختراق أو هجوم إلكتروني أو التهديد الجنسي أو الجسدي أو الإساءة والكراهية وغيرها، وأهمها:


التدريب:
من المهم التسلح بالوعي والمهارات اللازمة لمواجهة الهجمات والتهديدات عبر الإنترنت، ويمكن فعل ذلك من خلال التدريب المستمر بشكل قبلي، فهناك مؤسسات تقدم هذا النوع من التأطير بشكل مجاني للصحفيين والصحفيات كمشروع "حلول وسائل التواصل الاجتماعي" المقدم من طرف "المركز الدولي للصحفيين" ومشروع "ميتا للصحافة".


جمع الأدلة:
المقصود هنا هو جمع أكبر عدد من الأدلة من خلال صور الشاشة، حيث إن بعض المتحرِّشين يحذفون تعليقاتهم أو يستخدمون خاصية تُمكِّن من إخفاء رسائلهم بعد مدة محددة. من الأفضل تجميع كل البيانات المتعلقة بواقعة التحرش أو التهديد في ملف خاص يتم تقديمه كدليل للسلطات أو الجهات المعنية عند الحاجة.

الإبلاغ:
تُوفِّر معظم منصات التواصل الاجتماعي سُبل الحظر أو الإبلاغ عن المحتويات المُسيئة، ومن الضروري استخدام هذه الخاصية بشكل دائم وعدم الانتظار إلى حين تفاقم أو ارتفاع عدد التعليقات أو الرسائل المُسيئة. كما يجب إبلاغ مؤسسة العمل بما تعرضت له الصحفية من تهديد.

الدعم المعنوي:
عند التعرض للتهديد عبر الإنترنت، من الضروري الاستعانة بصديق أو زميل مُقرَّب من أجل الحصول على الدعم المعنوي أولًا، وشاهِدٍ عند الضرورة. كما يمكن قطع الاتصال بالشبكات الاجتماعية لفترة وجيزة، فأغلب حملات الكراهية لا تدوم طويلاً.

اللجوء للمؤسسات المختصة:
قد لا تتوفر الصحفيات على الموارد وجهات الاتصال اللازمة للحصول على الدَّعم المناسب عند التعرض للتهديد أو العنف عبر الإنترنت، ما يتركهن في عُزلة أو غير قادرات على العمل. يتيح "مركز الاستجابة للعنف عبر الإنترنت" أحدث المعلومات حول الإساءة عبر الإنترنت وسبل الاستجابة للصدمات النفسية والاجتماعية، بالإضافة لأحدثِ المعلومات حول السَّلامة الرقمية في مكان واحد، ما يسمح للضحية بالتركيز على سلامتها دون الحاجة للبحث في عدة مصادر.
بالعودة إلى الصحفية آمال كنين، وحين سؤالها إن كانت ترغب في الخضوع لتدريب في الأمان السيبراني، أكدت أنها تأخرت في اتخاذ هذه الخطوة المهمة، معتبرة أن سلامتها الرقمية وحماية معطياتها الشخصية والمهنية جزء لا يتجزأ من سلامتها النفسية والجسدية، قبل أن تختم كلامها بالقول: "سأعمل على التسجيل في أول ورشة تدريبية حول السلامة الرقمية وحماية المعطيات". أما مريم (اسم مستعار)، فبعد أن أغلقت صفحتها الفيسبوكية القديمة مُستعيضة عنها بأخرى، أكدت أنها تفضل اللُّجوء للقضاء في حال تكرر معها هذا النوع من التهديدات.


ماجدة آيت لكتاوي
صحافية مغربية متخصصة في الصحافة الإنسانية. تكتب في السياسة وقضايا البيئة والمناخ. مدربة في "الأمان الرقمي"، ومدربة في مجال "التغطية الإعلامية لقضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي". تعمل ماجدة منذ 11 عاما في عدد من الصحف المغربية والدولية.