مصر

بدلاء الفنانين: حرفة مخلة بقواعد السلامة

مصطفى عبد الرؤوف- القاهرة | تـشرين الأول 20, 2022
سيارة تصدم شابّاً، ثم صوت يطالب باستكمال التصوير كأن شيئاً لم يحدث، ثم أصوات متداخلة مطالبة بالإسعاف

هذا كان محتوى فيديو سجل في كواليس تصوير عمل فني تناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي مثيراً غضبهم وتساؤلاتهم: ماذا حدث لهذا الشاب وأين حقه في الأمن والسلامة؟

لقطة مصورة للحادثة




لقطة مصورة للحادثة من زاوية آخرى ويتبعها لقطة بصرخات تطالب بالاسعاف




في اتصال هاتفي خلال حلقة تلفزيونية مع المخرج أحمد عبد العال، أكد وجود مشهد الحادثة ضمن مشاهد تصوير مسلسل "دنيا تانية": "حد من إحدى البلكونات صور المشهد ويمكن حرقهولي درامياً وهنشوف المشهد فى نهاية الحلقة الثامنة من المسلسل"، نافياً شائعة وفاة منفذ الحادثة، ولكنه لم يذكر شيئاً عن إصابته.

المداخلة الهاتفية للمخرج أحمد عبد العال

إصابات في الوجه وإجراء خياطة جروح تجميلية بعد تنقل شمل ثلاثة مستشفيات بحثاً عن طبيب متخصص، باقي الجسد كان سليماً نتيجة ارتداء ملابس واقية، هكذا وصف منفذ "الآكشن" لؤي جمال إصابته، لكنه ألقى باللوم على نفسه وليس على أعضاء فريقه: "الحادثة وقعت بسبب خطأ في حركتي، مطلعتش صح على العربية، وبالتالي، منزلتش صح على الأرض، ووقعت على وجهي".

مصدر رفض ذكر اسمه كان حاضراً في موقع التصوير قال إن السيارة القادمة بسرعة عالية صدمت لؤي، وأجزاء من السيارة تعرضت للتلف نتيجة لقوة الحادث، وبعد الإصابة، طلب المخرج أن تظل السيارة على حالها كما هي "متكسرة"، حتى يتم استخدامها في مشاهد تالية.

وعند الاقتراب من لؤي جمال، وجده يرتدي زيّاً واقياً تحت ملابسه، ولكن وجهه كان ملطخاً بالدماء بعد تعرضه لإصابات كثيرة.

خبير في تنفيذ المشاهد الخطرة رفض ذكر اسمه، أرجع سبب الحادثة إلى الخطأ في اختيار طريقة تنفيذ المشهد واختيار سيارة غير مناسبة لتنفيذ الحادث، مبدياً ذهوله من سرعة السيارة، واصفاً لؤي جمال بالضحية.

لؤي جمال لا ينتمي لنقابة فنية، وبالتالي، لا تأمين على حياته، ولكنه أكد أن مدير فريقه يتكفل بالمصاريف العلاجية في حال وقوع أي حادث. وبعد سؤاله عن حوادث كان قد تعرض لها مصممو المعارك، أجاب :"آه طبعاً شفت حوادث كتير، إحنا شغالين شغلانة خطر ومعرضين لده"، مضيفاً أن عائلته لم تكن تعلم مخاطر عمله، لكن بعد نشر فيديو الحادثة، أصبحت تشعر بالقلق على أمنه وسلامته وقت تأدية عمله.

ويستمر لؤي في عمله رغم الحادثة وعدم انتمائه لنقابة تحفظ له حقوقه، مؤكداً أنها ليست أول مرة يتعرض فيها لحادث خلال تنفيذ المشاهد التصويرية، بل إنه نفذ كثيراً من حوادث مشابهة دون أن يلحق به أي أذى، كمثل التي نفذها كبديل للفنان شريف منير في مسلسل "إجازة مفتوحة".

لا توجد شعبة لمصممي المعارك والمشاهد الخطرة في نقابة المهن السينمائية أو التمثيلية، وبالتالي، لا توجد سلطة أو رقابة عليهم من جانب هذه النقابات.

ورغم عدم وجود شعبة لينضم لؤي إليها داخل النقابات الفنية، فإنه لا يمكنه الحصول على بطاقة عضوية أو تصريح مؤقت للعمل، وعمله يعد مخالفة تسجل ضد المنتج وفقاً للمادة 106 من القانون رقم 35 لسنة 1978 التي تنص على معاقبة صاحب العمل بالحبس وتغريمه ما لا يقل عن 500 جنيه (أي حوالي 26 دولاراً أميركيّاً) أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تعاقد مع أحد من غير الأعضاء العاملين أو من غير الحاصلين على تصاريح مؤقتة للعمل.

كما أنه لا يوجد مكان معتمد من جانب الحكومة المصرية لتدريس فن تصميم المعارك والمشاهد الخطرة. ويعتمد أفراد هذه المهنة على التعليم الذاتي وتعلم المهنة من شخص خبير يعملون معه، وبالتالي، لا توجد جهة رسمية تضمن تأهيلهم أو جاهزيتهم لتنفيذ مشاهد "الآكشن" في الأعمال الفنية.

لم يكن لؤى جمال هو المصاب الوحيد في مسلسل "دنيا تانية"، حيث نشرت ليلى علوي فيديو تعرض فيه إصابتها بجرح في كف يدها أثناء التصوير، وفي مداخلة هاتفية في برنامج تلفزيوني، قالت ليلى علوي إن الجرح استلزم عمل خياطة و"9 غرز"، والإصابة حدثت نتيجة ضرب البرواز الزجاجي بيدها "مطلبش مني أوي أكسر القزاز.. كان ممكن أمسك حاجة واكسر الإزاز بيها".

كان لا بد من الاستعانة بشخص متخصص في "التروكاج"، وهو الشخص الذي يغير زجاج البرواز بمادة أخرى كالبلاستيك حفاظاً على سلامة الفنانة ليلى علوي.

لم يكن مسلسل "دنيا تانية" العمل الفني الوحيد الذي يشهد أكثر من إصابة، حيث شهد إعلان "لعبة فري فاير" إصابتين أيضاً.

"حاطط القنبلة وعارف إنها هتعمل ده، بس مش فارق معاه الروح اللي موجودة فوق القنبلة، ليه نستهين بالأرواح ليه؟". هكذا كان اتهام الفنانة لبنى ونس لمنفذ "الآكشن" بعد إصابة نجلها يوسف عمر إثر تعرضه لانفجار "قنبلة ضغط هواء" أثناء تصوير أحد المشاهد في "إعلان فري فاير".

وفقاً لشهادة يوسف عمر في برنامج تلفزيوني، فقد تم استدعاؤه من جانب "مكتب كاستينج" للمشاركة مع الفنان محمد رمضان في إعلان "لعبة فري فاير"، دون استلام نص الإعلان ودون معرفة طبيعة المشاهد المصورة، وأثناء التصوير، طالبه منفذ الآكشن "ع. أ" بالقفز عند سماع كلمة "آكشن"، الذي تلاه انفجار القنبلة، وذلك دون تأمين أو ارتداء زي واقٍ. "منفذ الآكشن قال لي: هحط القنبلة تحتك، ولما أقولك آكشن هتنط وتقع على المرتبة".

"ستر ربنا إني نطيت متأخر. لو كنت نطيت زي ما قال لي، كنت مت"، هكذا أكمل يوسف شهادته عن الحادث.

حروق من الدرجة الأولى والتهاب شديد في جدار الخصيتين، كان هذا حجم إصابة يوسف عمر وفقاً لما جاء في التقرير الطبي.

تنص المادة رقم 208 من قانون العمل على التزام المنشأة وفروعها بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل في أماكن العمل بما يكفل الوقاية من المخاطر الفيزيائية، وعلى الأخص، الوطأة الحرارية، والبرودة، والضوضاء، والاهتزازات، والإضاءة، والإشعاعات الضارة والخطرة، وتغيرات الضغط الجوي، والكهرباء الإستاتيكية والديناميكية، ومخاطر الانفجار.

كما أصيب الفنان محمد رمضان بحروق في جسده في نفس العمل، حيث نشر أكثر من منشور عن تعرضه للإصابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد أكد مصدر رفض ذكر اسمه، شارك في صنع الإعلان، أن يوسف عمر تعرض بالفعل لقنبلة ضغط هواء، وأن الأرض الرملية في موقع التصوير كانت سبباً في زيادة حجم إصابته، أما السبب في إصابة محمد رمضان، فكان وضع مادة على جسده تظهره وكأنه "يتصبب عرقاً"، وهذه المادة سريعة الاشتعال، ولم يتم إخطار منفذي "الآكشن" بذلك الأمر، ما أدى إلى تفاعل هذه المادة مع الحرارة الناتجة عن المفرقعات والمتفجرات المستخدمة في التصوير وإصابة محمد رمضان بحروق في جسده.

حروق محمد رمضان

هذا المصدر يرجع السبب في الإخلال بمبادئ وقواعد الأمن والسلامة إلى شركات الإنتاج وليس فقط أخطاء منفذي "الآكشن"، فلا يوجد بند مخصص للأمن والسلامة في ميزانية الأعمال الفنية في مصر، وبالتالي، لا توجد شركات أو أفراد متخصصون في حفظ أمن وسلامة العاملين داخل مواقع التصوير.

ويؤكد المخرج أسامة غريب، عضو مجلس إدارة نقابة المهن السينمائية، أن إمكانيات النقابة لا تستطيع التعاقد مع شركات متخصصة في الرقابة، كما رفض البرلمان منح أحقية الضبطية القضائية للنقابات الفنية ومنعها من النزول ومراقبة مواقع التصوير ورصد أي مخالفات.

تبدو الإصابات في الحادثتين السابقتين بسيطة مقارنة بإصابات أخرى، كإصابة الفنانة سماح عبد العال في مسلسل "النهاية".

تصوير قبل أذان الفجر بساعة في صحراء "منطقة 15 مايو"، وهي منطقة صخرية مظلمة غير آمنة، وفيها ثعابين وبجوارها مدافن. لم يستطع فريق العمل دخولها إلا بعد الاستعانة بشخص من المنطقة يعرف مداخلها ومخارجها وتضاريسها. هكذا وصفت الفنانة سماح عبد العال أجواء التصوير.

أما عن الإصابة، فقالت: حدثت نتيجة ظلام المنطقة وارتطام سيارة "البيتش باجي" التي كنت على متنها بصخرة وسقوطي على صخرة أخرى، ونتيجة لعدم إمكانية وصول سيارة الإسعاف إلى موقع التصوير، تم تحويل أحد المستلزمات داخل موقع التصوير إلى نقالة، ووضعوني عليها حتى لا يتضاعف الكسر، وتم نقلي إلى أقرب مستشفى بواسطة مسؤولي الإنتاج و"الدليل" الذي أخرجنا من تلك المنطقة.

الحادث تطلب إجراء عملية جراحية للفنانة عبد العال وتركيب شريحة وتسعة مسامير بعد كسر في الكتف، إضافة إلى معاناتها التي دامت أشهراً، حيث من المنتظر إجراء جراحة ثانية من أجل نزع "الشريحة والمسامير التسعة" من كتفها.

لم يتم التواصل بين نقابة المهن التمثيلية والفنانة سماح عبد العال، لكن شركة الإنتاج تحملت تكاليف علاجها، ومن المنتظر تحمل تكاليف العملية الثانية نظراً لأنها إصابة عمل.

الإصابات المتكررة داخل مواقع التصوير، على ما يبدو، جزء من متاعب المهنة، لكن الإصابة الأقوى التي أحدثت ضجة في الوسط الفني، هي إصابة الفنان شريف دسوقي، الذي كان قد نشر فيديو له يكشف فيه عن جرح في قدمه قائلاً: "صور بقا وأنا بكشف الجرح، علشان معطلش التصوير، لكن أعطّل قدم مهددة بالغرغرينا والبتر".

وفي لقاء في برنامج "الحكاية"، روى شريف دسوقي كيفية إصابته، قائلاً إنه أصيب في مسلسل لم يكمله، بجرح صغير في قدمه، وبعد ذلك، انتقل للعمل في فيلم "وقفة رجالة"، ومن دون حصوله على أي رعاية صحية بسبب ضغط العمل وضرورة مواصلة التصوير، تفاعل الجرح في قدمه والتهب بما هدد "بالغرغرينا والبتر"، ليكتشف الدسوقي بعد ذلك إصابته "بالقدم السكرية".

وسأله المذيع عمرو أديب: هل مطالبه تتمثل في حصوله على حقوقه ووقوف النقابة إلى جانبه ليحصل على تعويض بسبب إصابة العمل؟ فأجابه شريف: "بالضبط "، وخلال الحلقة، بكى شريف مؤكداً أنه ليس نصاباً ولا يدعي على أحد، ولكنه يطالب بحقه فقط لا غير.

وفيما بعد، أعلنت الفنانة بدرية طلبة عبر منشور لها على صفحتها في فيسبوك أنه تم بتر قدم الفنان شريف دسوقي.

وفي منشور آخر على فيسبوك، انتقد الفنان مصطفى درويش تبريرات نقابة المهن التمثيلية في التأخير والتقصير في علاج شريف دسوقي لأنه ليس عضواً داخل النقابة، واصفاً إصابة شريف دسوقي بالكارثة.

بوست الفنان مصطفى درويش

فى وقت الإصابة، لم يكن شريف دسوقي وسماح عبد العال أعضاء داخل نقابة المهن التمثيلية، بل كانا يعملان وفقاً لتصريح عمل من النقابة.

ووفقاً للمادة رقم 5 في الفصل الثاني من الباب الأول لإنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، "يجوز لمجلس النقابة التصريح بصفة مؤقتة لعمل محدد أو لفترة قابلة للتجديد لغير الأعضاء العاملين، وذلك تيسيراً لإظهار المواهب الكبيرة الواعية ولاستمرار المهارات المتميزة أو مراعاة لظروف الإنتاج المشترك أو تشجيعاً للتبادل الثقافي بين مصر والبلاد العربية، وغيرها، أو بسبب الندرة أو عدم وجود نظير، ولا يكسب هذا التصريح صاحبه أي حق من الحقوق أو أية ميزة من المميزات المكفولة للأعضاء العاملين وفق هذا القانون".

وبالتالي، قانوناً، فإن نقابة المهن التمثيلية ليست ملزمة بأي حق اتجاه شريف دسوقي وسماح عبد العال وقت إصابتهما، لكن الرعاية الصحية للفنان شريف دسوقي تم تقديمها لاحقاً بأمر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتم صرف معاش استثنائي له.

الإخلال بقواعد الأمن والسلامة ليس ظاهرة جديدة داخل المجال الفني، لكن غياب النظم والتعديلات لتتواءم مع طبيعة هذه المهن وإبعادها عن لارسمية التعامل مع حوادثها الخطيرة، قد يبدو للبعض بسبب غياب الوقاية والأمان الوظيفي.

حوادث كثيرة وإصابات متنوعة، وحال عاملين في صناعة الفن عبرت عنه تدوينة الكاتبة مريم نعوم: "أنا حزينة جداً جداً، حزينة على نفسي وعلى زمايلي، عشان اكتشفت إن سلامتنا مش من أولويات القائمين على الصناعة، اكتشفت إننا الفرخة اللي بتبيض ذهب، لكن يوم ما حياتنا هتكون مهددة، الذهب هيكون هو الأهم، حتى لو هيكون آخر ذهب هنقدر ننتجه".


مصطفى عبد الرؤوف
صحافي مصري، تخرج من كلية إعلام جامعة القاهرة، وعمل في الصحافة.