مصر

الابتزاز الإلكتروني يؤرق نساء مصر

منار بحيري- القاهرة | تـشرين الثاني 30 , 2022

منتصف العام 2018 في إحدى قُرى مدينة بنها شمال العاصمة المصرية القاهرة، بدأت قصة حُب بين سارة (اسم مستعار)، الفتاة ابنة الستة عشر ربيعاً، وشاب يكبرها بـ 3 أعوام من سكان المدينة ذاتها، من خلال برامج المحادثات النصية والاتصالات الهاتفية، لتتطور بعدها إلى الالتقاء وتبادل الصور الخاصة، وذلك بعد أن وعدها بالتقدم إلى أسرتها للزواج منها، لكن كل تلك الوعود تبخرت بعد أشهر عندما بدأ يطلب منها الدخول في علاقة حميمة، وعندما رفضت طلباته، بدأ بتهديدها: إما أن ترضخ لطلباته، أو أنه سيبعث الصور الخاصة بها وتسجيلات المكالمات إلى أهلها، "هبعت صورك وكلامك لأهلك، وهما هيتصرفوا معاكي". تقول سارة "الموضوع فجأة كبر وكل يوم مجموعة من صحابه يكلموني يهددوني عبر فيسبوك أو يتصلوا على رقم هاتفي، كنت أموت من الخوف لما أسمع صوت موبايل أمي، أظن أن حد من المُبتزين بعث إليها حاجة".

لم تستطع سارة إخبار أهلها بالمشكلة خوفاً من رد فعلهم، وأيضاً لم تستطع التوجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضد المبتزين، ولا تعرف كيف تتصرف مع قصة الابتزاز حتى الآن، الأمر الذي أثر سلباً على حياتها الاجتماعية والتعليمية، حيث أصبحت خائفة من التعامل مع الناس، ولم تستطع الحصول على مجموع الثانوية العامة الذي طالما أرادت الوصول إليه. وبالرغم من دخولها الكلية وتغير حياتها بشكل كامل، إلا أن صديقها المُبتز وأصحابه لا يزالون يلاحقونها في كل مكان تذهب إليه، ويشتمونها حين تمر من أمامهم، ما جعلها تفكر بالانتحار للهروب من كل شيء، حسب ما تقول.

أساليب جديدة للابتزاز

ليست سارة سوى واحدة من مئات الفتيات اللاتي يتعرضن للابتزاز الإلكتروني في مصر، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فحسب استبيان أعد على مدى أسبوعين، لرصد أساليب الابتزاز المختلفة، بشكل خاص، واستهدف 37 فتاة مصرية عبر تطبيقي التواصل الاجتماعي (فيسبوك وواتس آب)، من خلال إرساله إليهن عبر المجموعات النسائية التي تضم المتعرضات للابتزاز الإلكتروني، في حين رفض عدد كبير منهن الحديث عن أي شيء تعرضن له، خوفاً من الوصم الاجتماعي؛ أظهر الاستبيان أن حوالي 25 فتاة من أصل 37 بدأن بالتعرض للابتزاز من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بينما 7 حالات من المستطلعة آراؤهن من خلال تطبيق المراسلة الفورية "واتس آب"، و5 مستطلعات من خلال الاتصالات الهاتفية.

يقول المحامي جمال محمود، إن المبتز يبدأ في ممارساته غير الأخلاقية بعدما يتمكن من الحصول على صور أو معلومات خاصة لشخص أو شركة، قائلاً إن أكثر المشاكل شيوعاً هي الابتزاز عن طريق الصور الشخصية أو المحادثات الخاصة التي تم الحصول عليها عن طريق اختراق حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق إرسال الصور إلى شخص غير موثوق بهدف التعارف، مؤكداً أن معظم ضحايا هذا النوع هم من المراهقات.

وحسب الضحايا، فإن هناك أساليب مختلفة يتخذها المُبتزون للإيقاع بالضحايا، فقد أوضح الاستبيان الذي أجابت عنه 37 ضحية ابتزاز، فقد تم تهديد 19 فتاة من أصل 37 من خلال الصور والفيديوهات والمعلومات الشخصية الحقيقية التي بحوزتهم، بينما أجابت 13 فتاة أن المبتزين عمدوا إلى استخدام صور مفبركة للابتزاز. ولمعرفة كيفية وصول الصور أو المعلومات الشخصية إلى المُبتز، أجابت 20 من الضحايا أنهن كنّ على معرفة سابقة بالمُبتزين، بينما 11 من الضحايا أجبن بأن معلوماتهن الخاصة والصور تم تسريبها للمبتزين من خلال اختراق الهواتف أو حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، و5 من الضحايا تم التقاط صور لهن من دون علمهن، وأجابت فتاة واحدة أن المعلومات الشخصية والصور تسربت من خلال أشخاص يقدمون خدمات الهاتف المحمول.

الوعي القانوني وضحايا الابتزاز

يعرّف المحامي بالاستئناف، جمال محمود، الابتزاز الإلكتروني، بأنه جريمة إلكترونية يقوم فيها شخص عبر الاحتفاظ بملفات إلكترونية خاصة بشخص آخر بغرض الحصول على مقابل مادي أو تنفيذ أمر غير أخلاقي، مُشيراً إلى أن عملية الابتزاز الإلكتروني قد تستهدف شخصاً أو مجموعة أو شركات، لكن هذا المصطلح ارتبط بالأشخاص، لأن النوع الموجه للشركات يسمى "الفدية".

يرى محمود أن قلة الوعي القانوني لدى المجتمع، خصوصاً المواد القانونية الخاصة بالابتزاز، هي ما تفاقم من مشكلة الابتزاز الإلكتروني، كما أن الخوف هو من أكبر أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع المصري. أما عقوبة الابتزاز، وفق قانون العقوبات في مصر، فهي حسب المادة 327 أن "كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف، يعاقب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوباً بطلب مادى".

أغلب الضحايا الذين قابلناهم كانوا لا يعرفون شيئاً عن قانون العقوبات المصري، ولا يعلمون بوجود قانون خاص بالابتزاز، وبعض الضحايا يعرفون أن هناك طرقاً قانونية للإبلاغ عن تعرضهم للابتزاز إلى مباحث الإنترنت، ولكن العادات والتقاليد والخوف من المجتمع، جعلتهن يتعاملن مع المُبتزين شخصياً أو من خلال وسطاء، وذلك كي لا تنتشر القصة، حيث تعتبرها بعض الأسر فضيحة.

وعند السؤال عن مصير الابتزاز وكيف تم حل المشكلة، أجابت 26 ضحية من أصل 37 أجبن عن استبيان إلكتروني، أن المشكلة تم حلها وديّاً مع المُبتزين، وانتهت تلك القصص دون أي خسائر، بينما 9 ضحايا قلن إن المشكلة لا تزال قائمة ولم تنتهِ حتى اللحظة، وأجابت ضحيتان أن المشكلة انتهت بإلقاء القبض على المُبتز من قبل الأمن والشرطة، وهذه النسبة تدل على جهل الضحايا والمُبتزين بالجانب القانوني لقضايا الابتزاز الإلكتروني.

من جهتها، ترى استشارية الطب النفسي والأسري الدكتورة إيمان عبد الله "أن الابتزاز الإلكتروني هو جريمة في حق كل إنسان يُجبر على فعل معين"، مشيرة إلى أن بعض المبتزين لا يشعرون بأن فعلهم "جريمة"، ويعتقدون أنهم لن يقعوا تحت طائلة القانون، موضحة أن على الضحية التي تتعرض للابتزاز، ألا ترضخ للمبتز أو تقوم بتنفيذ ما يطلب منها، وأن عليها اللجوء إلى مباحث الإنترنت، أو الاستعانة بمحامٍ لمتابعة القضية والإسراع في تأمين الحساب من خلال بعض التطبيقات المتاحة.

ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المادة 25 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته".

ضوء في نهاية النفق

في الآونة الأخيرة، برزت مبادرات إلكترونية يديرها مجموعة من الشباب للتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش، حيث لعبت مبادرة مثل "قاوم" دوراً كبيراً في التوسط بين الضحايا والمبتزين في حل معظم قضايا الابتزاز الإلكتروني، وذلك حسب ما أظهره الاستبيان، حيث لجأت معظم الضحايا إلى هذه المنصات وعددهن 15 فتاة من العينة المستطلعة، بينما لجأت 12 من الضحايا إلى الأمن والشرطة المتخصصة، و 10 فتيات منهن تعاملن مع المبتزين شخصيّاً أو من خلال الأهل.

يقول محمود اليماني، مؤسس مبادرة "قاوم"، التي تُعد من أكبر وأشهر المنصات الإلكترونية على مواقع التواصل، المعنية بالتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني في مصر، "حينما ظهرت مبادرة "قاوم"، وجدتها الكثير من الضحايا ملجأً لهن للتخفيف من مخاوفهن ومحاولة وقف نزيف "الابتزاز" الذي يتعرضن له، حيث تستقبل المبادرة أكثر من 500 رسالة يوميّاً من ضحايا الابتزاز الإلكتروني. ويؤكد اليماني أن فريقاً من السيدات يتلقى شكاوى الحالات التي ترد إلى الصفحة الرسمية للمبادرة، موضحاً أن الخطوة التالية بعد تلقي رسائل الحالات، تتمثل في البحث عن أنسب الحلول للضحايا، وآليات الحصول على حقوقهن ومتابعة المشكلة للنهاية".

وتسلك المبادرة عدة طرق لحل المشكلة، إحداها التواصل المباشر مع "المبتز" لإنهاء الأزمة بشكل ودّي، وأيضاً عبر إقناع أهل الضحية بضرورة مساعدتها وحمايتها وفتح مجال للحوار بين الضحية والعائلة. ويقول اليماني: هناك نوعية من "المبتزين" يتم التعامل معهم بشكل قانوني منذ البداية، ولا يقتصر دور "قاوم" على مساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش فقط، بل تقوم المبادرة بدور توعوي في تثقيف الأفراد حول حقوقهم القانونية وإكسابهم الشجاعة لمواجهة من يحاول ابتزازهم دون خوف من نظرة المجتمع.

وحسب مؤسس مبادرة "قاوم"، فإنهم يسلكون الطريقة القانونية، سواء تم التواصل مع "المبتز" لإنهاء الأزمة بشكل ودي أم لا وذلك لضمان حق الضحية، مؤكداً أن حوالي 70% من "المبتزين" يجهلون عقوبة هذه الجريمة.

قضايا أخرى..

شيماء ونساء كثيرات اتخذن من الصمت رفيقاً لدرب محزن لا ضوء فيه، لكن أخريات رفعن أصواتهن وقررن وضع حد لبؤسهن الذي لا ذنب لهن فيه.

نرجس، مصورة وتقنية مونتاج في إحدى شركات الإنتاج، تبلغ من العمر 28 سنة، تحكي لنا قصتها مع التحرش:

"كنت مسؤولة عن الكاميرا في مقابلة صحفية مع مدير إحدى الشركات، تعرضت للتحرش اللفظي من طرفه وكان زميلي الصحفي شاهداً على الواقعة. ليس هذا فقط، فبعد خروجي من الشركة، لحق بي وطلب الحصول على رقمي، صرخت في وجهه وقلت له إنني سأبلغ الشرطة بما حدث، لم يكترث لكلامي وانتقد لباسي ونعتني بكلمات نابية.. لم يقف عند هذا الحد، بل سبقني واشتكى لمديري وأخبره أنني أنا من تحرش به. مدير الشركة التي أشتغل بها لم يكترث لكلامه وقابلني ليسمع مني ما حدث وقام بإرسال إيميل لتلك الشركة لتبليغهم بالواقعة، كما أنه ألغى أي تعامل مع تلك الشركة".

على عكس قضية شيماء، قضية نرجس لقيت دعماً كبيراً من مديرها الذي لم يتغاضَ عن التحرش والإساءة اللذين تعرضت لهما، لتصبح من ضمن عدة قضايا انتهاكات جنسية تحولت إلى قضايا رأي عام وخلقت جدلاً كبيراً في المجتمع المغربي.

الدور المجتمعي تجاه قضايا الابتزاز الإلكتروني

ترى استشارية الطب النفسي والأسري الدكتورة إيمان عبد الله، أن الضحية تعتقد أن هذا الشخص الذي تربطها علاقة معه، هو شخص موثوق فيه وأنه أصبح صديقاً، الذي لا يشترط بالضرورة أن يكون من نفس الجنس، فقد يكون بين ذكر وذكر، أو أنثى وأنثى، فتتبادل معه الصور ومعلومات دقيقة حول حياتها، وتقول ناصحةً: "على الجميع الحذر من الأسئلة التي تقتحم الخصوصية، والحذر من نشر المعلومات الخاصة على الخاص والعام، فما لا ترضاه على العام، لا ترسله لأي شخص في الخاص".

وأوضحت الدكتورة عبد الله أن زيادة أعداد ضحايا الابتزاز الإلكتروني تأتي نتيجة لقلة الوعي والثقافة، وقالت إن "العلاقات والصداقات في العالم الافتراضي تعتبر (مجهولة)؛ لأنها غير متكاملة الأركان، فهنا تدخل علاقة مع شخص مُبهم ووهمي"، وتنصح ضحايا الابتزاز بضرورة التقرب من الأهل والأصدقاء الحقيقيين الذين يقدمون النصح والإرشاد، بالإضافة إلى طلب الدعم النفسي والاجتماعي عند الحاجة.

هذا ما يؤكده المحامي جمال محمود، ويقول: "يجب عدم التفاوض أو دفع أموال للمبتز، لأن ذلك قد يجعله يتمادى أكثر في طلب المزيد من الأموال، ويجب على ضحايا الابتزاز التوجه إلى مباحث الإنترنت وتحرير محضر بالواقعة.

أسلوب للكسب والتربح

الجدير بالذكر أن ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، تحولت من جريمة فردية إلى جماعات منظمة، تقوم بابتزاز الأشخاص من الجنسين بهدف الجنس أو الكسب المادي، يقول اليماني: "هناك حالات تعتمد على الابتزاز بدافع الكسب المادي أو الجنسي، وخصوصاً العصابات والنصابين وعصابات تجارة النيودز، ودي حاجات انتشرت بشكل مرعب وبتكون ممولة، علشان كده، الجهات الأمنية هي اللي تتولى هذه الحالات".

معلوم أنه في الآونة الأخيرة، ارتفعت مطالبات شعبية بتعديل قانون العقوبات المصري، خاصة المواد المتعلقة بخصوصية الأفراد، وذلك للحد من انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني. وتقول النائبة في مجلس النواب، وعضو لجنة حقوق الإنسان، الدكتورة أمل سلامة: "أنا طالبت بتغليظ العقوبة على من يبتز أي مواطن أو يخترق حياته الخاصة عبر المواقع الإلكترونية، أو وضع الصور في غير أماكنها الصحيحة، وتعديل المادتين 25 و26 لتصبح العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، وإن شاء الله عند اكتمال النصاب القانوني للتصويت على التعديل، سيتم إدراجه في التشريعات الجديدة".

حتى اللحظة، مرت 5 سنوات، ولا يزال سيناريو الابتزاز يتكرر كل يوم، الأمر الذي جعل سارة تعيش حبيسة دوامة من الخوف والقلق، لأن الأمر لم يقتصر على ابتزاز الشخص الذي أحبته ذات يوم، بل أصبح هناك أشخاص آخرون من أصدقائه يهددونها، بعد أن قام بمشاركة صورها الخاصة معهم، لتكون بعد ذلك ضحية ابتزازٍ جماعي.

الاستبيان أوضح أيضاً أن 15 شخصاً من المُبتزين كان هدفهم إرغام الضحايا على الدخول معهم بعلاقات خاصة، بينما 16 من المُبتزين كان هدفهم الانتقام من الضحايا، و6 منهم كان هدفهم الكسب المادي، وطلبوا من الضحايا تقديم أموال أو أغراض شخصية.

وأظهر الاستبيان أن أغلب المبتزين كانوا في الفئة العمرية من 25- 40 عاماً، فيما أجابت 13 فتاة بأن عمر المبتز كان من 16- 25، بينما أجابت 7 ضحايا ممن يتعرضن للابتزاز أنهن لا يعرفن عمر المبتز.


منار بحيري
باحثة ماجستير في مجال صحافة الذكاء الاصطناعي، وصحافية في جريدة الشروق، وتهتم بتدقيق المعلومات والتحقق من الأخبار الزائفة