الجزائر

نسويات الجزائر…
نضال من أجل الحقوق وسط أمل في التغيير

ماجدة زوين- الجزائر | تـشرين الأول 26 , 2022
أول اعتداء عليّ كان من طرف أبي، عندما وجد بيانات وكتباً حول النسوية، مزقها وضربني. استفزه كثيراً كتاب حول تاريخ النسوية في العالم

أعاد الحراك الجزائري الذي انطلق في شباط/ فبراير 2019 الحديث عن النسوية وحقوق المرأة إلى الواجهة، حيث أصبحت بوابة الجامعة المركزية وسط الجزائر العاصمة، كل يوم جمعة، نقطة تجمع مناضلات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، يمثلن أنحاء البلاد كافة، أو ما يسمى المربع النسوي، الذي أعاد الأمل للعديد منهن في طرح انشغالات وقضايا النساء الجزائريات ضمن مسار ديمقراطي دون سماع جملة "ماشي وقتها"، التي تعني ليس الوقت مناسباً حالياً للحديث عن قضايا المرأة.

وسعت الحركة النسوية في الجزائر إلى احتلال موقع مهم في الحراك، حيث رفضن العودة القسرية إلى المنازل كما حصل في الستينيات والتسعينيات، وطرحن مطالب المساواة في الحقوق، واتسع دورهن في الفضاء العام.

رغم ذلك، ينظر كثيرون إلى الحركة النسوية في الجزائر على أنها حركة أقلية تسعى إلى تخريب المجتمع ونشر الانحلال الأخلاقي، حيث تجد النسويات أنفسهن هدفاً للافتراء والاتهامات، وكنّ عرضة للاعتداءات الجسدية واللفظية والرقمية.

مسيرة نسوية خلال الحراك الجزائري

صورة: سمير سيد

آمال حجاج… وجه نسوي ثائر

تعتبر آمال حجاج من النسويات الجزائريات اللواتي يُعرفن بنضالهن من أجل الدفاع عن حقوق المرأة منذ سنوات. أسست ابنة مدينة قسنطينة الجريدة النسوية من أجل المساواة وتكريس الحريات.

تعرضت حجاج للاعتداء الجسدي واللفظي بسبب نشاطها النسوي خلال الحراك. "أول مرة خرجنا للتظاهر كانت في 8 آذار/ مارس 2019، الأمور سارت بشكل جيد، لكن بعد ثلاثة أسابيع، اعتدى علينا متظاهرون انتزعوا منا اللافتات والأعلام، واعتدوا علينا بالضرب، والبصق، والدفع".

تأسس المربع النسوي في الجزائر العاصمة يوم 22 آذار/ مارس 2019، حيث جمع الناشطات النسويات تحت راية واحدة. شاركت في تأسيسه مبادرة "نساء جزائريات من أجل التغيير والمساواة" (FACE)، وبعض أعضاء الوسط الجمعوي، كشبكة وسيلة WASSILA، بالإضافة إلى مثقفات وناشطات وطالبات.

مسيرة الناشطات النسويات (المربع النسوي) خلال الحراك الجزائري. صورة_سمير سيد

صورة: سمير سيد

وتعود حجاج للحديث عن المرات التي تعرضت فيها للاعتداء: "أول اعتداء علي كان سنة 2008 في المنزل من طرف أبي، عندما وجد بيانات وكتباً حول النسوية، مزقها وضربني بعدما استفزه كثيراً كتاب حول تاريخ النسوية في العالم".

وتضيف حجاج: "تعرضت للاعتداء والاعتقال من طرف أفراد الأمن أيضاً سنة 2019. كنا قد تجمعنا من أجل مساندة زميل لنا كان سيمثُل أمام وكيل الجمهورية (المدعي العام). الشرطي لم يحتمل تواجد النساء بقوة أمام المحكمة، أدخلني في سيارة الشرطة وأبرحني ضرباً".

وتتابع: "خلال الاستجواب من طرف الشرطي المحقق، أظهرتُ آثار حذاء زميله على صدري، وعندما رأى آثار العنف، بدأ بالقول: لا، أنت مناضلة محترمة، وأنا فقط أشرح لك القانون، وهو يعلم أنني أعرف القانون جيداً والإجراءات". بالمقابل، ترى آمال أن عنف عناصر الشرطة غير مرتبط بالنسوية: "أنت مناضل في الميدان، إذاً أنت تقلق السلطات. لا يهم ناشطة نسوية أو غيره".

الناشطة النسوية آمال حجاج خلال وقفة المربع النسوي خلال الحراك. صورة _سمير سيد

صورة: سمير سيد

الحركة النسوية بين الأمس واليوم

وجدت الكفن أمام بيتي، تلقيت تهديدات بسبب مقالاتي حول حقوق المرأة، كنت أسعى من خلال مداخلاتي إلى دحر بعض من يعتنقون الفكر الإسلامي المتطرف

نفيسة لحرش، ناشطة نسوية وإعلامية وبرلمانية سابقة، رئيسة جمعية "المرأة في اتصال". ساهمت في سَن العديد من القوانين رفقة جمعيات نسوية في الجزائر، مثل تعديل قانون العقوبات بإضافة مواد تجرم العنف ضد المرأة في كانون الأول/ ديسمبر الأول 2015. كما أسست مجلة "أنوثة" في تسعينيات القرن الماضي. تقول لحرش: "كنت أتلقى تهديدات بسبب غلاف المجلة، لأن به نساء بدون حجاب".

وتضيف: "هناك نوعان من التهديدات: المتطرفون الذين يهددونك بالقتل بطريقة مباشرة، والمتعصبون الذين يتهمونني بأنني علمانية ولست مسلمة وليس لدي حق التحدث عن المرأة الجزائرية، لأنني لا أمثلها، حسب رأيهم".

الإعلامية والناشطة النسوية نفيسة لحرش في مقر اذاعة صوت المرأة.صورة_ سمير سيد

صورة: ماجدة زوين

"في سنوات التسعينيات، قمنا بحملة من أجل تعديل قانون الأسرة، وخرجنا للشارع وقمنا باحتجاجات. كانت هناك تعليقات أننا نريد أخذ النساء إلى الهاوية، قمنا بحملة جمع إمضاءات من أجل تعديل القانون، تنظيم إسلامي هددنا بجمع 3 ملايين توقيع ضدنا لإلغاء المبادرة. هذا هو نوع العنف الذي كنا نواجهه بنسبة كبيرة".

وتؤكد نفيسة لحرش: "مجتمعنا متعصب، وذلك بسبب مخلفات الاستعمار الفرنسي والإشكالات النفسية الناجمة عن الحرب، ورد الفعل على الاستعمار والحرب، كله تجمع داخل الفرد والمجتمع وأصبحت لديه ردة فعل ضد المرأة".

وترى لحرش أن التعصب والتطرف الموجود الآن ليس دينيّاً بقدر ما هو تطرف ذاتي بسبب الموروث المجتمعي.

بين مهنة الصحافة والنضال النسوي… آلام مشتركة

كنت في حالة نفسية رهيبة. قضيت أربعة أيام موقوفة في مركز الأمن. يوم تقديمي أمام وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق، كنت في حالة صعبة، صحتي كانت متدهورة. لم آكل شيئاً منذ الساعة السادسة صباحاً، وأغمي علي أثناء المحاكمة

كنزة خاطو صحفية جزائرية وناشطة نسوية، تعرضت للاعتداء الجسدي واللفظي مرات عدة أثناء عملها الصحفي أو بسبب نشاطها النسوي: "عُنفت عدة مرات بسبب نشاطي في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، تم لمسي من مناطق حساسة في جسمي خلال تغطيتي لبعض احتجاجات الحراك سنة 2019، كما تعرضت لعنف رقمي بسبب منشورات داعمة للنسوية".

تعرضت خاطو للاعتقال في أيار/ مايو 2021 من طرف قوات الأمن أثناء تغطية احتجاجات سلمية وسط الجزائر العاصمة، حيث تم تعنيفها أثناء أداء عملها الصحفي. وتوضح خاطو: "قضيت أربعة أيام قيد التوقيف في مركز للأمن، ويوم تقديمي أمام قاضي التحقيق، كنت في حالة صعبة، صحتي كانت متدهورة. لم آكل شيئاً منذ الساعة السادسة صباحاً وأغمي علي أثناء المحاكمة".

اتهمت خاطو بجنحة التحريض على التجمهر والمساس بالوحدة الوطنية، وتمت تبرئتها في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2021.

لحظة اعتقال الصحافية كنزة خاطو خلال تغطيتها مسيرة بالجزائر. صورة_ سامي خاروم

صورة: سامي خاروم

الحركة النسوية في الجزائر بين رفض المجتمع وغياب القوانين

لا تزال الحركة النسوية في الجزائر تعتبر أنها تيار أقلية، فلا مؤسسة الحكم الجزائرية ولا المعارضة ولا التيار الاسلامي تدعم الحركة، كما تتعرض المناصرات لقضايا المرأة للهجوم في كل مرة من أطراف مجهولين أو أفراد معادين للحركة في الجزائر. في 29 آذار/ مارس 2019، بدأ المربع النسوي يتعرض لاعتداءات جسدية ولفظية وحملات تشهير على الإنترنت. وبلغت حدة العنف ذروتها، عندما حرض أحد مستخدمي الإنترنت الجزائريين، وهو مقيم في لندن، متابعيه، على رش الناشطات النسويات خلال مسيرات الحراك بالأسيد.

فيديو : جزائري مقيم في لندن يهدد نسويات جزائريات برش الأسيد عليهن


وترى آمال حجاج أن "الحركات النسوية مكروهة في عديد دول العالم، ففي فرنسا مثلاً، لا ترحب شرائح كثيرة من المجتمع هناك بالمدافعات عن حقوق المرأة، لكن المنظومة القانونية الفرنسية تحميهن".

وتقول كنزة خاطو: "الاعتداء على الناشطات النسويات يعود إلى المجتمع الذكوري والترسانة القانونية في آن واحد، فهي لا تحمي المرأة بشكل عام، وليس الناشطات النسويات على الخصوص. هناك قوانين تدّعي حماية المرأة من كل أشكال العنف ولا يتم تطبيقها على أرض الواقع، فالمجتمع الأبوي والعقليات والذهنيات الرجعية كلها تساهم في تعنيف المرأة، خصوصاً أن الأدوات القانونية تصاغ من طرف ذكوريين اعتادوا على هاته الذهنيات التي لا يصبّ أغلبها في صالح المرأة".

وترى لحرش أن المنظومة القانونية في الجزائر تطورت كثيراً مقارنة بالسنوات الماضية، لكن المجتمع يجافي القانون ولا يسعى إلى تطبيقه.

نسويات في مواجهة عنف رقمي

فقدت آمال حجاج عملها بسبب نشاطها في الحراك، كما تم تهديدها بنشر صورها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما "تمكنوا من إيجاد عنواني الشخصي وقاموا بنشره. أحسست بتهديد حقيقي حينها، كانت فترة صعبة ومفيدة في آن واحد، لأنها جعلتني أواجه الحملات الرقمية الموجهة ضدي".

كنزة خاطو أيضاً تعرضت للكثير من المضايقات على شبكات التواصل الاجتماعي. "أرسلوا لي رسائل صوتية فيها تهديد مباشر لشخصي. دائماً ما يربطون بين نشاطي في مجال حقوق المرأة وبين الدين، وكأني عدوة للإسلام أو كافرة أشجع على الانحراف. هذا ونشرت لي صور على فيسبوك على أساس أنني امرأة متحررة تشجع النساء على الانحراف والتمرد على أزواجهن وعائلاتهن، وهذا غير صحيح طبعاً، واعتبره تهديداً مباشراً".

مناضلات كثر ونسويات تعرضن للابتزاز والتشهير خلال فترة الحراك وجائحة كوفيد، حيث تتابع منصة "سلامات" للسلامة الرقمية حالاتهن.

ناشطة نسوية جزائرية خلال مسيرة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة.صورة_سمير سيد

صورة: سمير سيد

تقول فريال فاطمة الزهراء منور، الخبيرة الرقمية في المنصة بالجزائر، إنه "في إطار مشروع (سلامات)، عملنا على زيادة الوعي حول السلامة الرقمية وحماية البيانات الشخصية لناشطات نسويات يتبعن عدداً من الجمعيات، وأيضاً شارك في الحملات أفراد مستقلون، عبر تدريبات حول أساسيات ومبادئ السلامة الرقمية، وأيضاً عبر نموذج تحديد المخاطر، لتقديم تدريبات خاصة حسب احتياجات الناشطات".

وتضيف فريال: "بالإضافة للتدريبات، قمنا بعدة حملات توعية على وسائل التواصل الاجتماعي حول المخاطر المتكررة التي تستهدف المدافعات عن حقوق المرأة، مثل التصيد والاحتيال بكل طرقه، وانتحال الشخصية، والتشهير، والابتزاز".

"فيما يخص الدعم النفسي، تمت مساعدة عدة ناشطات لتجاوز آثار العنف الرقمي، مثل التشهير والابتزاز بشكل خاص. أما التوجيه القانوني، فكانت هناك متابعة لأربع قضايا مع ناشطات نسويات من الولايات الداخلية اتهمن بجريمتي ابتزاز وتشهير، وسب وقذف".

تحلم آمال حجاج وأخريات بقانون خاص يجرم العنف الرقمي مكمل للتعديلات على قانون العقوبات سنة 2015، الذي جاء نتيجة نضال وإرادة نسويات جزائريات، وهو قانون هدفه حماية النساء عامة، والمناضلات خاصة، وضمان حقهن في بيئة خالية من الانتهاكات القانونية والرقمية والنفسية والمهنية.


ماجدة زوين
صحفية ومعدة برامج بإذاعة صوت المرأة، عملت في قناة الجزائرية، وتعمل حاليا مع الموقع الإلكتروني الإخباري "قصبة تريبون".