في يناير/ كانون الثاني 2010
أعلن
وزير الثقافة السابق محمد أبوبكر المفلحي إطلاق مشاريع ثقافية بقيمة 500 مليون ريال يمني (مليونيْن و272 ألف دولار) ضمن حزم صندوق التراث والتنمية الثقافية التابع لوزارته. بيد أنّ أيّاً من تلك المشاريع لم ينفذ إلى اليوم، خصوصاً ترميم قصر دار الحمد العتيق ومنازل أثرية في صنعاء.
لم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة التي "يبشّر" فيها بمشاريع لا تبصر النور. ذلك أنّ بند ترميم دار الحمد ورد في موازنات الصندوق بين عاميْ 2005 و2015، وتصدّر تصريحات المسؤولين المشيدة باستكمال عشرات المشاريع المصنّفة ضمن "إنجازات" وزارة الثقافة. على أنّ خطاب الأخيرة يتناقض مع ما توصل إليه مُعِدُّ هذا التحقيق، الذي أثبت أنّ مشاريع "الثقافة" تشكّل باباً للاستحواذ على موارد الصندوق، المقدّرة بملايين الدولارات.
الأموال المخصّصة للمشاريع وغيرها من الأنشطة ذات الصلة بمهمة الصندوق تُحوّل إلى وفر لا يُرحّل إلى سنوات لاحقة، وإنّما يُصرف عبر أبواب وبنود غير تلك المخصّصة لها، وذلك لمنفعة موظفين في الصندوق والوزارة وموالين سياسياً للقيّمين عليهما، حسبما يكشف هذا التحقيق.
وفيما يرجع مسؤولو وزارة الثقافة اليمنية ضعف النشاط الثقافي والفكري إلى شحّ الأموال، يؤشر هذا التحقيق إلى ممارسات متوارثة التهمت مليارات الريالات، كانت تُجبى من المواطن اليمني، تحت مسمّى دعم "التنمية الثقافية"، وسط إهمال أو عجز الهيئات الرقابية المتمثلة بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارتيْ المالية والخدمة المدنية.
مشاريع الثقافة تشكّل باباً للاستحواذ على موارد الصندوق، المقدّرة بملايين الدولارات.
تأسس صندوق التراث والتنمية الثقافية بموجب القانون رقم (11) لسنة 2002 بهدف "الإسهام في تحقيق التنمية الثقافية، وإقامة البنى الأساسية للعمل الثقافي والحفاظ على المواقع الأثرية". على أنّ
الوثائق
التي حصل عليها مُعِدُّ التحقيق كشفت استيلاء موظفين رسميين على نحو 80% من أموال الصندوق، خلافاً للمادة (14) من قانونه، التي تنصّ على عدم جواز صرف الأموال خارج نطاق الأهداف المحدّدة لها.
وتشير بيانات الصندوق إلى تحويل 90% من إجمالي نفقات بابه الثالث -المصروفات المخصّصة للأنشطة الثقافية- إلى مساعدات وهبات لأشخاص، معظمهم موظفون في وزارة الثقافة. فمن بين 479 مليون ريال (نحو مليونيْن و150 ألف دولار)، خُصِّصَت للباب الثالث عام 2010، سُرِّب منها 429 مليوناً (مليون و900 ألف دولار آنذاك) إلى خانة المكافآت والهبات. وفي 2011، أنفق الصندوق 66 مليون ريال (330 ألف دولار آنذاك) على شكل هبات ومكافآت، أيْ ضعفيْ المرتّبات (المعاشات) الأساسية، على ما تظهر الحسابات الختامية للصندوق. يحدث ذلك في بلد مزقته الحروب ويصنّف الأفقر بين الدول العربية؛ إذ يحتل المرتبة 151 من بين 177 دولة على مؤشر التنمية البشرية (HDI).
بين عاميْ 2003 و2014، أهدر الصندوق 99% من ميزانيته السنوية على "تنفيعات" لموظفيه وموظفي الوزارة التابع لها. في المقابل أنفق على تشييد مبانٍ وتجهيزات مكتبية 16 مليون ريال و573 ألفاً و560 ريالاً فقط (أقل من 100 ألف دولار) من أصل مليار و711 مليوناً و251 ألف ريال (8.5 مليون دولار) كانت مرصودة للمشاريع الرأسمالية.
يتكئ وزراء الثقافة على منظومة قانونية وسياسية راسخة تحميهم من المساءلة القانونية، إلّا في حالات محصورة. فمحاكمة كبار المسؤولين من درجة نائب وزير أو أعلى مشروطة بقرارٍ مباشر من رئيس الجمهورية أو مقترح من خُمس أعضاء مجلس النواب ثمّ موافقة ثلثي الأعضاء، وفقاً للمادة (10) من القانون رقم (6) لسنة 1995م بشأن اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا. وفوق ذلك، تمنح المادة (128) من
الدستور اليمني
رئيس الجمهورية حصانة من المحاكمة إلّا في ثلاث حالات هي الخيانة العظمى، والخرق الدستوري أو المساس باستقلال البلاد وسيادتها.
وبحسب
الاستراتيجية
الوطنية لمكافحة الفساد، تصدرت المواد القانونية أعلاه الأسباب التي "شجعت الفساد على التمادي والانتشار رأسياً وأفقياً".
وتظهر السجلات الرسمية تحويل
جلّ مخصّصات المشاريع الرأسمالية إلى مكافآت على الرغم من استحواذ الأجور (الباب الأول) على 61% من إجمالي ميزانية وزارة الثقافة و19% من ميزانية الصندوق المقدّرة بمليار و250 مليون ريال (6 ملايين دولار).
ويحصل موظفو وزارة الثقافة والصندوق التابع لها على 200 مليون ريال (نحو مليون دولار) سنوياً من صندوق التراث الذي يخصّص أيضاً 111 مليون ريال (نصف مليون دولار)، على شكل مكافآت ونثريات لموظفيه وللوزير ومرافقيه. في المقابل، لا يزيد دعم المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية على 104 ملايين ريال (400 ألف دولار)، تصرف بأسماء منتفعين نقداً من دون المرور بالمصارف، وفق ما تظهر مستندات الصرف.
وتقلب إدارة الصندوق أبواب الميزانية وبنودها خلافاً للقانون المالي واللائحة التنفيذية لقانون
الأجور،
التي تحدّد تعويض العمل الإضافي والمكافآت بـ 40% إلى 80% من الراتب الأساسي، وتربطه بشروط وسقف لا يزيد على 25% من عدد الموظفين.
فمقابل المرتّبات الأساسية والتعاقدية، التي تشكّل 13% من إجمالي الباب الأول البالغ متوسطه السنوي 90 مليون ريال (450 ألف دولار)، شكّلت المكافآت أربعة أضعاف المبلغ المرصود (370%)، وفق تحليل البيانات المالية للصندوق خلال الفترة بين عاميْ 2003-2014، على يد محاسب قانوني مختص.
وفي السنوات التي ارتفعت فيها موارد الصندوق إلى أكثر من 700 مليون ريال، ظلّت الأجور والمستحقات الثابتة والمستلزمات الإدارية تستحوذ على 88% من موازنته، في حين لم تزد حصة الأنشطة ذات الصلة بوظيفة الصندوق الأساسية على 12%.
ومع ذلك، لا تعكس هذه النسبة نشاطاً حقيقياً للصندوق. فما يسمّى مثلاً مشروع حصر وترميم وتوثيق المخطوطات المستمر منذ 2007 -الذي تقدّر كلفته بـ 5 ملايين ريال شهرياً (20 ألف دولار بسعر الصرف الحالي)- اختُزِلَ على شكل أجور لموظفين غير رسميين في مكتبة المخطوطات بصنعاء، بحسب إقرار إدارة الصندوق لمُعِدِّ التحقيق ومقابلات مسجّلة مع موظفين.
تشكيلة مجلس الإدارة -التي يُفترض أن تؤلف وفق المادة (6) من قانون الصندوق- تعطي لممثلي وزارة الثقافة سلطة القرار. إلّا أنّ الصلاحيات ظلّت محصورة بيد الوزراء المتعاقبين فيما بقي الصندوق بلا مجلس إدارة أو لوائح، منذ تأسيسه وحتى لحظة كتابة هذا التحقيق.
"ليس من مصلحة الوزير تشكيل مجلس إدارة لأنّ ذلك سيقيد سلطته"، بحسب ما يشرح وليد دماج الذي شغل وظيفة مدير تنفيذي للصندوق لفترتيْن متباعدتيْن.
بين 2002 وحتى انهيار مؤسسات الدولة في ربيع عام 2015 على خلفية انقلاب الحوثيين وقوات موالية للنظام السابق، تولى حقيبة الثقافة خمسة وزراء هم، عبد الوهاب الروحاني (2001-2003)، وخالد الرويشان (2003-2006)، ومحمد أبو بكر المفلحي (2007-2011)، وعبد الله عوبل (2012-2014) وأخيراً أروى عثمان (نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 حتى يناير/ كانون الثاني 2015).
ويقول دماج الذي عمل مع الرويشان وعوبل "كنّا نبلغ الوزير (بشكل عام) بأنّ الأوامر التي يصدرها مخالفة للقانون فيرد علينا اصرفوا".
ورداً على أسئلة مُعِدِّ التحقيق، يقول وزير الثقافة الأسبق عوبل إنّه شكّل أربع لجان لتقييم أداء الصندوق بهدف إخراجه من وضعه. واكتفى عوبل بالدفاع عن صرف الأموال لمن أسماهم "المبدعين والفنانين"، واصفاً هذا الإجراء بأنّه أفضل من ذهاب تلك الأموال إلى "جيوب موظفي الصندوق". وحول سبب عدم تشكيل مجلس إدارة للصندوق، يوضح عوبل أنّه تواصل في 2012 مع رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة بهذا الشأن لكن من دون جدوى.
ويرجع الوزير السابق عدم صدور تشكيل مجلس الإدارة إلى انشغال الحكومة بقضايا إشكالية مثل قانون العدالة الانتقالية.
إلّا أنّ عوبل -الذي حملته "ثورة الشباب" إلى كرسي الوزارة- اتخذ تلك الخطوة الشكلية من دون أن يعمل بتوصيات اللجان التي شكّلها، ومنها إنفاق المال على أنشطة ثقافية وليس على أفراد، وفقاً للبيانات التي جمعها مُعِدُّ التحقيق.
كما اتصل مُعِدُّ التحقيق مرات عدّة بالوزير الرويشان وبعث له رسالة نصية وأخرى عبر تطبيق واتسآب لمنحه حق الرد، لكنّه لم يرد، فيما تعذر التواصل نهائياً مع الوزير المفلحي، وتردّد أنّه خارج البلاد.
وباستثناء تنظيم مئات الأنشطة الثقافية وطبع أكثر من 500 كتاب، لمناسبة صنعاء عاصمة الثقافة العربية (2004)، بفضل تخصيص ميزانية للمناسبة واستنفار جهات عدّة لإنجاحها، أبقى الصندوق على سلوكه القديم في هدر الموارد، وفق الوثائق المرفقة. وما أن شارفت تلك السنة على الانتهاء حتى عاد تردّي النشاط الثقافي إلى ما كان عليه سابقاً، حسب ما تظهر الإحصاءات الرسمية.
ولولا جهود مدير المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية في صنعاء جان لامبير، لما رأى النور مشروع توثيق الغناء الصنعاني الذي نفذّته اليونسكو عام 2006، على ما يقول المدير السابق للمركز اليمني للتراث الموسيقي جابر علي أحمد. ويشكو أحمد أنّ صندوق التراث لم يستجب لطلبات تمويل عدّة مشاريع ثقافية كان قد عرضها عليه.
ويكيّف الصندوق إنفاقه تبعاً للموارد الفعلية التي يحصلّها خلال السنة. فإذا بلغت مثلاً 700 مليون ريال (نحو مليونين و800 ألف دولار بالسعر الحالي)، فإنّه ينفقها في السنة ذاتها. لكنّه في مختلف حالات الزيادة والنقصان يعطي الأولوية للأبواب والبنود المتصلة بمصلحة موظفي الصندوق والوزارة، ما يفسّر تضخّم بند المكافآت والإضافي وبدل السفر، والضيافة والمساعدات.
في 2007، انخفضت موارد الصندوق إلى 300 مليون ريال (مليون و700 ألف دولار في ذلك الوقت)، أي أقل من نصف موارده في العام السابق، التي بلغت 787 مليون ريال (4 ملايين دولار آنذاك). ولمواجهة ذلك العجز، تحوّل مخصص دعم المنشآت الثقافية والأنشطة الثقافية إلى وفر أنفقته الوزارة على الأجور والمستلزمات الخدمية، اللذيْن قدّر التجاوز فيهما بنسبة 48.3% و107.9% على التوالي. كما وصل التجاوز نسبة 800% في بند التبرعات والإعانات من الباب الثالث. وفي 2013، ارتفعت إيرادات الصندوق بنسبة 3.8%، صرف جلّها في السنة ذاتها.
علاوة على عدم قانونيتها، تفتقر هذه الهبات إلى المعايير. إذ تُصرَف تبعاً للمحسوبية والولاء السياسي. فهذا ممثل مسرحي ثانوي ينال مكافأة قدرها 60 ألف ريال شهرياً (240 دولاراً) فوق راتبه في الوزارة. في المقابل، يصرف لشاعر معارض عاطل عن العمل 5000 ريال (20 دولاراً شهرياً)، حسب ما تظهر قوائم المستفيدين، التي تضم أيضاً 39 متوفياً. وظلّ اسم الكاتب المصري
عاطف عواد
-الذي أقام في اليمن ومات ودفن فيها سنة 2008- يرد ضمن مستندات الصرف لطاقم الإعلاميين الأحياء حتى نهاية سنة 2014.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد المؤسسات الثقافية غير الحكومية واتساع أنشطتها قياساً بعدد المؤسسات الحكومية، وفق الإحصاءات الرسمية والمستقلة، فإنّ الجهات الحكومية تستأثر بنصيب الأسد من "الفتات" الذي يتبقّى من دعم الصندوق السنوي. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2014، استفادت من دعم الصندوق 238 مؤسسة، من بينها 102 منظمة غير حكومية حصلت على 30 مليوناً و990 ألف ريال (144 ألف دولار). أما الجهات الحكومية، فاستحوذت على 70% من الدعم المقدّر سنوياً بـ 100 مليون ريال (أقل من نصف مليون دولار آنذاك)، وفق تقرير إدارة الصندوق.
ويقدّر المتوسط السنوي لإجمالي ميزانيات الصندوق ووزارة الثقافة والهيئات التابعة لها ثلاثة مليارات ريال (12 مليون دولار بسعر الصرف الحالي). بيد أنّ تلك المخصّصات لم تترك أثراً على صعيد التنمية الثقافية. فعدد
المشاريع
التي نفذتها وزارة الثقافة خلال 2003-2008، لم يزد على 12 مشروعاً -معظمها في خانة الأثاث- بقيمة 867 مليوناً و755 ألف ريال (أربعة ملايين و800 ألف دولار في عام 2005). في المقابل، صرف الصندوق مستحقات شهرية لموظفيه وموظفي الوزارة في ذات الفترة بقيمة مليار و200 مليون ريال (ستة ملايين و185 ألف دولار)، بحسب بيانات الصندوق.
في أيار/ مايو 2009، وضع الوزير المفلحي ومحافظ عدن عدنان الجفري حجر الأساس لمشروع
المجمع الثقافي
في مديرية الشيخ عثمان بمحافظة عدن بتكلفة مليار و500 مليون ريال، (سبعة ملايين و425 ألف دولار آنذاك). لكنّ ذلك المشروع بقي أيضاً مجرد أرضٍ خالية بسور، وفق ما يقول نائب وزير الثقافة عبد الله كدادة.
وعقب اندلاع الحرب الداخلية في ربيع 2015، استولى مسلحون على الأرض وبنوا عليها بيوتاً لهم، حسب ما يؤكد مدير مكتب الثقافة في مديرية الشيخ عثمان جمال الشاوش.
تدرج اليونسكو ثلاثة
مواقع
يمنية تراثية هي زبيد وصنعاء القديمة وشبام حضرموت ضمن المواقع المهدّدة. وسبق للمنظمة الأممية أن هدّدت بشطب زبيد من قائمة التراث العالمي، بسبب الاعتداءات على الأبنية العتيقة. في 2013، حذّر
تحقيق استقصائي
أُنجز بإشراف شبكة أريج من الاعتداءات الممنهجة على المواقع التراثية هناك.
وفي 2018 سجل جهاز الرقابة والمحاسبة الخاضع لسيطرة الحوثيين عملية
اختلاس
في الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بواقع 31 مليون ريال (124 ألف دولار)، اتُهمت فيها قيادات الهيئة والمختصون بالشؤون المالية للفترة الواقعة بين عاميْ 2009 و2016.
وتطال أذرع الفساد معظم النشاط الثقافي بما فيه مطبوعتان يتيمتان هما، مجلة "الثقافة" الشهرية وفصلية "الإكليل". فعلى الرغم من اعتماد وزارة المالية 22 مليون ريال سنوياً (قرابة 90 ألف دولار) للنشر، وتخصيص الصندوق 12 مليوناً سنوياً (50 ألف دولار) للمجلتين، إلّا أنّ صدورهما لم ينتظم أبداً.
وخلال سنتين مثلاً، صدر عدد واحد من "الإكليل"، وفقاً للوزير عوبل، الذي يوضح أنّه ورث ديوناً بالملايين بينها التزامات بالدولار الأمريكي لدار نشر لبنانية طبعت كتباً لمناسبة صنعاء عاصمة الثقافة العربية 2004.
فكرة تأسيس الصندوق تنبع من المادة (37) من القانون رقم (24) لسنة 1994 بشأن الآثار حول إيداع غرامات جرائم الآثار لمنفعة "صندوق دعم الآثار"، الذي لم يُنشأ أصلاً لكنّه يعد الأساس النظري لما بات يعرف حالياً باسم صندوق التراث والتنمية الثقافية. وكان يفترض بإدارة الصندوق تنفيذ مشاريع ملموسة مثل توثيق القطع الأثرية وتجهيز المتاحف بكاميرات مراقبة وأجهزة إنذار، إلّا أنّها عمدت إلى صرف مخصصات مالية شهرية لحراس وموظفي المتاحف بلا سند قانوني.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 استغل موظفو المتحف الوطني في صنعاء إجازة العيد لتنظيم حفل زفاف لزميل لهم داخل المتحف. لكنّ الحفلة انتهت بسرقة سبعة سيوف أثرية وأربع مخطوطات اتهم فيها موظف إداري في إدارة حماية الآثار، على ما يؤكد مدير عام الحماية في هيئة الآثار عبد الكريم البركاني لمُعِدِّ التحقيق.
"إذا لم تصرف لهم سيقتلونك"، يقول دماج، مشيراً إلى الصعوبات التي تواجه أيّ محاولة لوقف النمط السائد في صرف موارد الصندوق.
الفساد لا يعطل التنمية فحسب وإنّما يسهم أيضاً في زعزعة الأمن والاستقرار، وفق دراسة للمنظمة الدولية للشفافية بعنوان
"الطابور الخامس".
ورصدت الدراسة المنشورة في 2017 أحداث عنف ذات صلة بالفساد (مظاهرات مناهضة له أو قلب نظام الحكم أو حروب أهلية) شهدتها 20 دولة ومنها اليمن في الفترة بين 2008 و2016.
وينص
قانون مجلس الوزراء
رقم (20) لسنة 1991 على أنّ الوزير مسؤول مسؤولية فردية عن الأعمال التي تجري ضمن نطاق اختصاصه وعن القرارات التي يتخذها في هذا القطاع وكذلك الخطط والسياسات المطبقة داخل هذا القطاع.
ويُعرَّف الفساد وفقاً للقانون رقم (39) لسنة 2006 بشأن مكافحة
الفساد
بأنّه "استغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة سواء عبر مخالفة القانون، أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة".
ويقدم صندوق التراث ووزارة الثقافة نموذجاً لواقع الفساد داخل الجهاز المالي والإداري للبلد. فمن ستة موظفين هم إجمالي طاقم صندوق التراث عند تأسيسه، تضخم الجهاز الإداري للصندوق إلى أكثر من 130 موظفاً أواخر 2014، منهم 17 موظفاً مرتبطون بمكتب المدير التنفيذي وحده و11 حارساً لرئيس مجلس الإدارة.
ويعد الاختلاس المباشر أو المقترن بحيلة، ومثاله تبديد الموازنة وعدم إنفاقها بما يؤدي إلى المصلحة العامة من الجرائم الجسيمة التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تصل إلى 10سنوات، بموجب المادتين (162) و(163) من قانون
الجرائم والعقوبات.
فيما تعتبر المادة (19) من الدستور اليمني العبث بالأموال العامة "عملاً تخريبياً وعدواناً على المجتمع".
إلى جانب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، تختص وزارتا المالية والخدمة المدنية بمراقبة أداء الجهات الحكومية من الناحيتيْن المالية والإدارية. يمثّل هاتين الوزارتين في الصندوق أربعة موظفين، لكنّ هؤلاء "الرقباء" شاركوا في تمرير مخالفات الصندوق الجسيمة، على ما تظهر المستندات. ذلك أنّ عمليات الصرف تتمّ تحت نظر مديريْ الحسابات وشؤون الموظفين (ممثل المالية وممثل الخدمة المدنية)، ولا تصبح نافذة إلّا بعد توقيعهما.
يتشارك جهاز الرقابة والمحاسبة مع مجلس النواب والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في مهمة الرقابة على أداء الجهاز الحكومي. وترصد الحكومة لهذه الجهات الثلاث ميزانية سنوية تقدر بـ 14 مليار ريال (62 مليون دولار)، غير أنّ رقابتها ما تزال شكلية.
ولم تقف هيئة مكافحة الفساد عند الصمت إزاء فساد الصندوق بل شرعت في
تلميع
صورته من خلال ما سمي "الحلف الثقافي"، وهي مذكّرة وقعها الطرفان في فبراير/ شباط 2016 لإطلاق حملة توعية بمخاطر الفساد مطلع 2017 في صفوف تلاميذ وتلميذات مدارس في صنعاء.
وعند سؤالها عن سبب مشاركة هيئتها في أنشطة مع الصندوق عوضاً عن فتح تحقيق في فساده، ترد رئيس هيئة مكافحة الفساد القاضية أفراح بادويلان بأنّ "الهيئة تجري مثل هذه الأنشطة مع جهات عدة بصرف النظر عن وجود فساد". كما بعث مُعِدُّ التحقيق رسالة إلى إدارة جهاز الرقابة من خلال بريدها الإلكتروني، طالباً نسخاً من تقارير الجهاز حول الصناديق الخاصة. والتقى مُعِدُّ التحقيق أيضاً المسؤول الإعلامي في الجهاز الواقع حالياً تحت سيطرة الحوثيين، قيس ناصر، لكنّ أيّاً من المسؤولين لم يستجب للطلب.
ويقول عضو لجنة الإعلام والثقافة في مجلس النواب النائب عبد المعز دبوان، إنّ هيمنة حزب المؤتمر الشعبي الحاكم على مجلس النواب جعلت الأغلبية البرلمانية خاضعة لمزاج وأهواء فرد أو حزب. ويضيف "لذلك من الطبيعي أن تُعطل توصيات النواب بشأن قضايا الفساد لأنّ المخرج في السلطتين التشريعية والتنفيذية واحد".
ولا تظهر الوثائق تفاصيل ما يحصل عليه الوزير من الصندوق، لكنّ دماج يقر لمُعِدِّ التحقيق بمبلغ 320 ألف ريال شهرياً (1500 دولار بسعر صرف 2013) على شكل مستحقات ونثريات، و1200 دولار شهرياً مقابل إيجار مسكن الوزير، علماً أنً الأمانة العامة لمجلس الوزراء تمنح أعضاء الحكومة عدة مزايا من بينها إيجار مسكن وبدل حضور جلسات، على ما تظهر بياناتها.
يعاني اليمن تفشي الفساد بنوعيه الكبير والصغير، أي الفساد السياسي والإداري بحسب
مؤشرات البنك الدولي
حول جودة الحكم في الشرق الأوسط. ويُنظر إلى ثروة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، التي قدّرتها الأمم المتحدة بين 32 و60 مليار دولار، كمثال على تمادي الفساد وتعطل آليات مكافحته.
وخلال الفترة الواقعة بين عاميْ 2005 و2007، أُدين 165 موظفاً فقط بجرائم فساد من بين مليون موظف مدني وعسكري، ومع ذلك لم تتخذ ضدهم أيّ إجراءات إدارية في الوزارات المعنية، بما فيها وزارة الخدمة المدنية، وفق
وثيقة
للبنك الدولي رقم (PIDA2529) بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأول 2013.
ومن إجمالي 2400 شكوى تلقتها خلال الفترة 2007-2014، أحالت هيئة مكافحة الفساد إلى النيابة 71 قضية فقط.
ومنذ 2007 أصدر مجلس الوزراء ومجلس النواب
قرارات
وتوصيات
تشدّد على هيكلة الصناديق الخاصة وتشكيل مجالس إدارات لها ومنع إنفاق أموالها على دواوين الوزارات. لكنّ أيّاً من تلك القرارات لم يطبق.