شبكات اريكسون الملتوية في العراق

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لم يكن هناك حديث سوى عن إعادة إعمار البلد الذي أغرقته سنوات الحرب والحصار والدمار.

واحد من المشاريع التي تبنتها السلطات العراقية في ذلك الوقت، كان تطوير منظومة الاتصالات. وبالرغم من أن الوضع الأمني في البلاد كان يمثل تحدياً كبيراً، لدرجة أن شركات عملاقة كشركة "سيمنز" الألمانية، سحبت بعض موظفيها من العراق، إلا أن ذلك لم يمنع شركات أخرى من العمل في هذه البيئة الخطرة.

واحدة من تلك الشركات هي "إريكسون" السويدية، التي تعد من بين الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.

بعد 16 عاماً من عملها في السوق العراقية، أصدرت وزارة العدل الأمريكية في عام 2019، بياناً تقول فيه إن إريكسون وافقت على دفع أكثر من مليار دولار، كتسوية في قضية اتهام بدفع رشاوى، في دول في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط لتعزيز أعمالها.

بيان وزارة العدل أشار إلى أن إريكسون تآمرت مع آخرين، لانتهاك قانون مكافحة ممارسات الفساد الأجنبية بين عامى 2000 و2016 وأن الشركة قد استخدمت أطرافا ثالثة، لدفع رشاوى لمسؤولين حكوميين، وهو الأمر الذي أثار علامات استفهام حول الشركة السويدية.

الغريب أن بيان وزارة العدل الأمريكية أشار إلى دول عديدة في أسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، لكنه تجاهل تماماً مخالفات إريكسون على الأراضي العراقية.

يفتح هذا التحقيق العابر للحدود، والمستند إلى وثائق شاركها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) مع أريج، ومع أكثر من 110 صحفي/ة من (31) مؤسسة إعلامية حول العالم، ضمن مشروع "قائمة إريكسون" الباب حول الدور الذي لعبته شركة إريكسون في العراق. ويكشف كثيراً من التفاصيل والكواليس التي عملت الشركة على إخفائها عن الجميع، بما في ذلك وزارة العدل الأمريكية.

نوثق ونكشف كيف تحولت إريكسون من شركة عالمية تنشط في مجال تكنولوجيا الاتصالات وتلتزم بمعايير دولية في التعامل، إلى لاعب في المشهد العراقي بتعاملات وصفتها في تقاريرها السرية بأنها تتنافى مع معايير الشركة التي التزمت بها على مدى عشرات السنين، وذلك فقط من أجل كسب مزيد من الأموال، ونجاح مشاريعها، من دون أي اعتبارات أخلاقية أو معايير انضباط دولية.

في الخامس من شباط/ فبراير 2022، أصدرت إريكسون بيانا صحفيا جاء ردا على أسئلة تلقتها من الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) وشركائه في مشروع "قائمة إريكسون"، حول الوثائق والتحقيق الداخلي الذي أجرته في العام 2019. وجاء في الرد أن الشركة تتعامل بشفافية، وتتعامل مع أي ادعاء بارتكاب مخالفات على محمل الجد، وترحب بأي حقائق جديدة تظهر نتيجة لذلك، وأن الشركة ملتزمة بممارسة الأعمال التجارية بطريقة مسؤولة، وتطبيق المعايير الأخلاقية في مكافحة الفساد والشروط الإنسانية وحقوق الإنسان.

هذه الاختلالات والانتهاكات أجبرت الشركة على فتح تحقيق داخلي في العام 2019 لممارساتها في العراق تنوعت بين الرشاوى، والاختلاس، وتضارب المصالح.

بداية الحكاية

في الحادي والثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2003 استضافت العاصمة الأردنية عمان ندوة لإعادة إعمار العراق. وكانت شركة إريكسون تبحث عن طريق تدخل به إلى العراق.ووجدت الشركة ضالتها في شريك محلي لديه نفوذ وهو شركة "الأوسط" التي يملكها كل من جوهر السورشي ونوار نصيف.

كانت البداية في هذا الاجتماع الذي حضرته شركة إريكسون والتقى ممثلها مع جوهر السورشي، لتصبح فيما بعد واحدة من أهم الشركات المحلية المتعاونة مع إريكسون في العراق.

كانت شركة الأوسط، واحدة من الشركات الموردة لخدمات مشاريع الاتصالات التي تعمل فيها لشركات خاصة مثل "آسياسيل، وزين وكوريك"، ومؤسسات حكومية عراقية مثل وزارة الدفاع العراقية، وشركة الاتصالات والبريد العراقية، وبعض هذه المشاريع حصلت عليها إريكسون بفضل علاقة جوهر السورشي مع هذه الجهات بحسب السورشي، ووثائق إريكسون.

مزاعم رشاوى

تظهر وثائق التحقيق الداخلي ارتكاب إريكسون انتهاكات داخلية، وذلك ضمن تحقيقات ومحاضر استجواب داخلية حصلنا على نسخة منها.

تظهر وثائق التحقيق كيفية فوز إريكسون في منتصف عام 2013 بصفقة مع آسياسيل (صفقة تطوير وتزويد أسياسيل بأحدث أجهزة شبكة النفاذ الراديوي RAN الخاصة بنظام راديو إريكسون).

وبحسب تحقيق إريكسون الداخلي، فإن الصفقة لم تكن لتتم، لو لم تدفع إريكسون رشوة للرئيس التنفيذي لشركة آسياسيل للفوز بالصفقة، وأن المدفوعات تم توجيهها عبر شركة الأوسط.

لكن أحد الموظفين في إريكسون -كان ضمن الموظفين الذين تمت مقابلتهم أثناء التحقيق الداخلي للشركة- عبّر عن اعتقاده بعدم وصول المبلغ إلى رئيس آسياسيل التنفيذي، وإنما أخذه رئيس شركة إريكسون بمنطقة شمال الشرق الأوسط طارق السعدي، وبقت مجرد مزاعم لانه لم يقدم دلائل على ذلك وفق ما ورد في التحقيق الداخلي.

لم يصلنا أي رد من قبل آسياسيل، لكن جوهر السورشي نفى الاتهامات "هذه اتهامات غير صحيحة وغير عادلة بحق رئيس مجلس إدارة آسياسيل". وتساءل: كيف يمكن رشوته وهو مليونير. قال السورشي إنه تم الحصول على هذا المشروع بفضل علاقاته الشخصية مع آسياسيل.

"وثائق إريكسون" تشرح كيف ساعد جوهر السورشي شركة إريكسون في الحصول على مشاريع عديدة في العراق، وهو ما يؤكده السورشي، حيث قال: "شركة الأوسط اعتنت واهتمت بشركة إريكسون منذ 15 عاما في العراق وقدمت لها الكثير من الخدمات". وأضاف "الأوسط عملت في أوقات عصيبة لدعم إريكسون، وساعدت في توقيع العقود دون حضور موظفيها. إريكسون لم تكن لتنجح في العراق دون دعم الأوسط".

وأشار التحقيق الداخلي أيضا إلى أن إريكسون خرقت قوانينها في مكافحة الفساد، وأنها استغلت نفوذها للحصول على مشاريع من خلال تقديم رشاوى عينية وتذاكر سفر ورحلات لمسؤولين عراقيين.

في الفترة بين 21 تشرين الأول/ أكتوبر و3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، زعم التحقيق الداخلى لإريكسون أن إريكسون تكفلت برحلة لعشرة أفراد من وزارة الدفاع العراقية. دفعت الشركة مصروف الجيب وتكاليف سفرهم إلى إسبانيا والسويد عبر العاصمة الأردنية عمان. بلغت مصاريف الرحلة 97.8 ألف دولار (بينها 20 ألفا مصروف جيب).

تضارب مصالح

يشير تحقيق إريكسون الداخلي الذي فُتح بعد عقوبات وزارة العدل الأمريكية، إلى أن موظفي إريكسون في العراق، انتهكوا المعايير الخاصة بتضارب المصالح فيما يخص الشركات التي كانت إريكسون تتعاقد معها، والتغاضي عن مدى كفاءة هذه الشركات.

خلال عملها في العراق، أحاطت إريكسون نفسها بشبكة من الشركات التي كانت تنفذ عقودا لها. يملك تلك الشركات غالبا، مقربون من إريكسون.

تعاقدت إريكسون مع شركة "توبا" المملوكة لشقيق زوجة نوار جاسم (مالك شركة الأوسط). وتعاقدت مع شركة "توباك"، المملوكة لشقيق زوجة نوار نصيف، ويملك حصصا فيها عون ضمرة شقيق مي ضمرة الموظفة في شركة إريكسون.

عبر أساليب وطرق مختلفة وعبر شبكات من الشركات المتعاونة حصلت إريكسون على العديد من العقود والمشاريع في العراق، متجاوزة المعايير الداخلية التي وضعتها، والمعايير العالمية التي تعلن التزامها بها.

هذه المخالفات وجدت الشركة نفسها مجبرة على مواجهتها، بعد عقوبات وزارة العدل الأمريكية.

بعد كل ما توصلنا إليه، تواصل فريق العمل مع شركة إريكسون للرد على ما لدينا من معلومات وشهادات، لكن الشركة اختارت الرد علينا في بيان نشرته، وهو الرد الذي لم يقدم جديداً .

لتظل هذه القصة مفتوحة، ويبقى السؤال: هل يمكن لوزارة العدل الأمريكية أن تفتح تحقيقاً جدياً مع شركة إريكسون وأن تضعها أمام مسؤوليتها القانونية والأخلاقية؟

تواصلنا مع وزارة العدل الأمريكية حول كل المعطيات، ولم يصلنا أي رد.