شبكة إريكسون وأبراج داعش

مع دخول تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مدينة الموصل العراقية في حزيران/ يونيو 2014، ومع طلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي آنذاك من البرلمان إعلان حالة الطوارئ في البلاد، كانت شركات مقاولات من الباطن لشركة إريكسون السويدية تواصل العمل في الموصل.

واصلت إريكسون أعمالها في العراق، رغم سيطرة تنظيم الدولة على الموصل، وضغطت من أجل مواصلة العمل لإنجاز مشاريعها، وسعت فيما بعد إلى طلب موافقة من داعش لمواصلة العمل هناك. وهو ما يتنافى مع المعايير التي تعلن عنها إريكسون. يتمثل أحدها في الحفاظ على سلامة الفرق العاملة للشركة، وعدم تعريض حياتهم للخطر، وحظر التعامل مع منظمة مصنفة على أنّها إرهابية.

إصرار إريكسون على مواصلة العمل هناك، عرّض موظفين عراقيين للخطر، إذ اختُطف بعضهم من قبل التنظيم.

تشير وثائق مسرّبة من تحقيق داخلي أجرته إريكسون في العام 2019 إلى أنّ موظفين من الشركة، اقترحوا وقف العمليات في العراق، لكنّ اقتراحهم قوبل بالرفض من قبل المسؤولين التنفيذيين الإقليميين، الذين اعتبروا أنّ المغادرة "ستدمر أعمال الشركة".

وبعد أقلّ من شهر من ذلك الاجتماع، طلبت إريكسون من شريكها في العراق (آسياسيل للاتصالات)، الحصول على تصريح للعمل من داعش، لمواصلة العمل في الموصل، وفقاً لما ذكره التحقيق الداخلي.

عفان، موظف مع شركة أوربيتال العراقية -متعاقدة من الباطن مع إريكسون- تمّ الضغط عليه وعلى فريقه لمواصلة العمل في الموصل. رضخ للضغوط للحفاظ على لقمة عيشه، وعدم خسارته عمله، بعد تهديده بالاستغناء عنه إذا لم يواصل العمل.

عفان كان يعمل مع فريقه لتحسين وفحص أداء شبكة الاتصالات في الموصل بشكل اعتيادي ضمن خمسة فرق عمل، لم يكن يخطر بباله بأنّه سيكون في قبضة داعش.

أوقف عفان العمل ليوميْن بعد دخول داعش المدينة، لعدم معرفته ماذا سيحدث بعد ذلك.

يفتح هذا التحقيق العابر للحدود، والمستند إلى وثائق شاركها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) مع أريج ومع أكثر من 110 صحفيين/ات من 30 مؤسسة إعلامية حول العالم، ضمن مشروع "قائمة إريكسون" الباب حول الدور الذي لعبته شركة إريكسون في العراق. ويكشف كثيراً من التفاصيل والكواليس التي عملت الشركة على إخفائها عن الجميع بما في ذلك وزارة العدل الأمريكية.

تشير الوثائق إلى أنّ إريكسون لم ترغب في إيقاف العمل، وتنصّلت من مسؤوليتها تجاه عفان، واختارت التعامل مع قضية الخطف على مساريْن، الأول علني، وهو أن تتنصل إريسكون من هذه القضية، باعتبار أنّ الموظف المختطف لا يعمل لديها حتى لا تتحمل مسؤولية العمل في الموصل الواقعة تحت سيطرة داعش. والمسار الثاني، هو المتابعة الداخلية لهذه القضية، عبر المراسلات بالبريد الإلكتروني بين موظفيها وموظفي شركة أوربيتال.

في 11 حزيران/ يونيو 2014، وبعد يوم واحد من استيلاء داعش على الموصل، ووفقاً لتحقيقات إريكسون، كانت الشركة تتعامل مع مزوّدي الخدمة المعتمدين لديها، وتتابع العمل في الموصل وتكريت. يقول أحد موظفي إريكسون إنّه لا يتذكر الأمر، لكنّه يعتقد أنّه حدث تقييم للوضع لمعرفة ما إذا كان من الممكن الاستمرار في العمل.

وفي 13 تموز/ يوليو، شاركت رفيعة إبراهيم -عُيّنت في الشهر نفسه كبيرة مسؤولي إريكسون التنفيذيين للشرق الأوسط- في اجتماع إقليمي لمناقشة عمليات الاختطاف في العراق، والتي "تؤثر على المشاريع".

وردّ عليها طارق السعدي، رئيس شركة إريكسون بمنطقة شمال الشرق الأوسط قائلاً إنّه "في الوقت الحالي، لا توجد تغييرات". وهو ما يتنافى مع تصريحات إريكسون عن وقف جميع العمليات في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.

ويؤكد ذلك ما ذكره طارق السعدي في مقابلة له في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 نشرتها مجلة "جلف تك نيوز". أشار فيها إلى أنّ إريكسون أعدت خطط طوارئ في أعقاب هجوم داعش المفاجئ في أغسطس/ آب.

يقول أحد العاملين في قسم الحراسات بشركة "الفجر البديع"، والذي أخفى هويته خوفاً على سلامته، إنّ تفجير الأبراج كان مستمراً في أوقات كثيرة، إلى أن استلمت شركة الفجر البديع المهمة في الموصل بعقد مع شركة آسياسيل.

ورغم صعوبة الوضع في الموصل، إلّا أنّ ذلك لم يوقف نشاط شركة الفجر البديع عن العمل في المدينة.

يشرح صلاح الدين صالح، مالك شركة الفجر البديع أنّ خدمات شركته لشركات الاتصالات هي عبارة عن تزويد خزانات المولّدات الكهربائية بالوقود، وصيانة أجهزة الاتصالات، وحراسة مباني ومواقع شركات الاتصالات.

ويقول "بالتأكيد، كانت الأبراج تتعرض للتفجير والتهديد والتخريب، إضافة إلى تهديد سائقي صهاريج الوقود بالاتصال الهاتفي والرسائل النصية". وعن سبل الحماية التي توفرها شركته، يقول صالح "كنا نعطي دعماً معنوياً، يعني أنا شخصياً كنت أسير بسيارتي الشخصية ومعي سلاحي، أسوق السيارة مع سيارة الوقود". بينما يعلّق مهندس سابق لدى شركة إريكسون بأنّ "أيّ شخص يريد حماية نفسه من شرّ المسلحين أثناء سيطرة داعش على الموصل، كان يجب عليه أن يدفع".

وفي تصريح لإريكسون حول ما إذا كانت قد دفعت أموالاً لداعش، ردّ الرئيس التنفيذي للشركة بأنّ "تمويل الإرهاب غير مقبول تماماً وهو أمر لا نسمح به على الإطلاق. ما نراه هو الدفع (دفع الأموال) في طرق النقل عبر المناطق التي تسيطر عليها المنظمات الإرهابية، بما في ذلك داعش. لم نتمكن من تحديد المتلقي النهائي لهذه المدفوعات من خلال الاحتمالات المتوفرة لدينا".