في مصر... ناجيات من العنف الجنسي ضحايا طب "غير" شرعي

تحقيق: إسرا صالح

" كان نفسي أتعامل بشكل أحسن من كده لأنّي كنت رايحة بالفعل موجوعة ومتضايقة وخايفة "

بهذه الكلمات تصف الناجية من العنف الجنسي نور عبد الله*، تجربتها داخل مصلحة الطب الشرعي في القاهرة، أثناء إجراء الكشف الطبي عليها، إذ مرّت بتجربة قاسية ما زالت تعاني من آثارها حتى الآن، رغم خضوعها للعلاج النفسي.

يوثق التحقيق بعض الانتهاكات التي تتعرض لها ناجيات من العنف الجنسي في مصر خلال الكشف الطبي الشرعي عليهنّ، بالإضافة إلى المخالفات المهنيّة التي يقوم بها أطباء شرعيون، والتي لا تتوافق مع المعايير الدوليّة الخاصة بالتعامل الطبي مع الناجيات، ولا مع اللوائح والتعليمات المحليّة.

تنويه: يُستخدم مصطلح ضحية/ ضحايا، في بعض أجزاء التحقيق، باعتباره المصطلح القانوني الذي يعبّر عن الناجيات -وهو المصطلح الحقوقي- كون التحقيق يركز على الانتهاكات التي تتعرض لها الناجيات خلال كشف الطب الشرعي، كإحدى الخطوات الأساسيّة في المسار القانوني لقضايا العنف الجنسي في مصر.

بين الاغتصاب وكشف الطب الشرعي... "أذى فوق أذى"

مرّ نحو 5 سنوات منذ أن تعرضت نور لواقعة الاغتصاب الشرجي (المسمّى قانوناً هتك عرض ) على يد أحد الأطباء داخل عيادته عام 2016، إلّا أنّها ما زالت تذكر تفاصيلها بالكامل، خاصةً بعد إجبارها على إعادة سردها أثناء الكشف الطبي الشرعي مطلع عام 2021.

هذا الطلب جاء بالمخالفة لخطاب النيابة الموجه للمصلحة -الذي اطّلعت عليه نور قبل التوجه للعيادة- وتشديد وكيل النيابة عليها بعدم الحاجة لذكر التفاصيل بالكامل، نظراً لمرور وقت طويل واختفاء معظم آثار الواقعة.

التأخر جاء نتيجة رفض المحامية التي لجأت إليها نور بعد الحادثة مباشرة تحريك الدعوى القضائيّة، "مشتني وقالتلي ما تفضحيش نفسك. معرفتش أعمل حاجة لأنّي كمان كنت صغيرة، وعارفة إن المحامين بياخدوا فلوس على قد خبرتي يعني هعمل ايه، ومقدرتش طبعاً أقول لأهلي".

"أذى فوق أذى"، تصف نور خلال مقابلتنا معها ما تعرضت له في مصلحة الطب الشرعي، متمنيةً ألّا يتكرر الأمر نفسه مع ناجيات أخريات، في حال قررن اتخاذ المسار القانوني في وقائع العنف الجنسي، كي لا يتعرضن لانتهاك مضاعف.

تماشياً مع الاستراتيجيّة الوطنّية لمناهضة العنف ضد المرأة 2015-2020، التي أطلقتها الدولة المصريّة بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، تمّ تنفيذ برنامج "تحسين استجابة العدالة الجنائيّة للعنف ضد المرأة"، بالتعاون مع "مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)"، خلال الفترة 2014-2018، وبميزانية بلغت 2,702,591 دولاراً أمريكياً.

البرنامج صُمّم خصيصاً لمساعدة مصر في ممارسة التزامها الدوليّ بالعناية الواجبة لمنع أعمال العنف ضد النساء والفتيات، من خلال وضع إجراءات عادلة وفعّالة للتعامل مع حالات العنف ضد النساء والفتيات في جميع مراحل إجراءات العدالة الجنائيّة، وضمان اتباع نهج يركّز على الناجيات/ الضحايا، بما في ذلك مساعدتهنّ وحمايتهنّ، وكذلك ضمان العدالة والإنصاف، ومعاقبة الجناة، بحسب التقرير النهائي للمشروع (أصدره المكتب عام 2019، عن تقييم الفترة من آذار/ مارس 2015 حتى نهاية 2018).

أشار التقرير، إلى أنّه تمّ تقديم تدريب أساسي لجميع الأطباء الشرعيين في مصر (نحو 80 طبيباً) في مجال العنف ضد المرأة، وكيفيّة التعامل مع الناجيات/ الضحايا، بالإضافة إلى تقديم دورة "تدريب مدربين" لـ 15 طبيباً، مبرزاً أنّ مكافحة العنف ضد المرأة "لا تشكل أولويّة قصوى".

"أنا كنت حاسة اني بتعاكس بالشارع، ما كنتش حاسة اني في مكان طبي مهني، كنت حاسة ان أنا متوقعة يحصل اعتداء"

لا تملك مصلحة الطب الشرعي فروعاً في 6 محافظات من أصل 27، كما لا يتوفر قسم "المعامل الطبيّة الشرعيّة" في كل الفروع، وهو القسم الذي يضمّ معمل الحمض النووي المعني بإجراء مقارنة البصمة الوراثية لحل قضايا الاغتصاب.

المصدر: التعداد السكاني المصري للعام 2017 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
القاهرة
الوادي الجديد
مطروح
الجيزة
شمال سيناء
جنوب سيناء
الأقصر
لا توجد فروع
توجد فروع
الإدارة المركزية لمصلحة الطب الشرعي في منطقة زينهم بالقاهرة
icon

ميزانية الطب الشرعي

الميزانية الإجماليّة
بند تدريبات العاملين

كذلك، أكد المجلس القومي للمرأة في تقريره حول الاستراتيجيّة الوطنيّة، أنّه تمّ بالفعل "تدريب جميع الأطباء الشرعيين (الميدانيين وفي المعامل) على معايير التعامل مع جرائم العنف ضد المرأة، كما تمّ تدريب أعضاء القضاء والنيابة العامة على الأدلة الإجرائيّة، التي أُعدَّت خصيصاً لكل جهة من تلك الجهات حول كيفيّة التعامل مع حالات العنف الجنسي والجسدي".

لكن رغم خضوع الطاقم الطبي الشرعي في مصر للتدريب على التعاطي مع الناجيات/ ضحايا العنف، تعرضت نور لعدد من الانتهاكات على يد طبيبيْن شرعييْن، قبل أن يغادرا غرفة الكشف بناءً على طلبها الشخصي.

منظومة إحالة هشة

سنويّاً، يتمّ الإبلاغ تقريباً عن 20 ألف حالة اغتصاب في مصر، بحسب تقرير لوزارة الداخليّة البريطانيّة عام 2017. ويشير إلى أنّ الأعداد الفعليّة تقدّر بأكثر من ذلك بكثير.

ولا تتوفر أيّ إحصائيّات رسميّة عن العنف الجنسي في مصر، إذ توقفت وزارة الداخليّة عن نشر تقرير الأمن العام الخاص -الذي كان يُنشر سنوياً ويتضمن كافة الجرائم الجنائيّة التي وقعت في البلاد وتوزيعها الجغرافي- واكتفت بتداوله داخلياً باعتبار أنّ هذه المعلومات لا تخص إلا القائمين على الوضع الأمني، بحسب المحامي والمدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونيّة، رضا الدنبوقي.

يُعلّل الدنبوقي ذلك برغبة الحكومة المصريّة في "إعفاء نفسها من الحرج وتقديم دليل إدانة يفيد بالتخاذل في تطبيق الأمن وحماية المواطنات/ين"، ما يراه كنوع من غياب الشفافيّة وعدم إتاحة المعلومات المحميّة بنص الدستور والاتفاقيّات الدولية.

من ناحية أخرى، يعتبر الدنبوقي أنّ توجه المشرّع إلى تغليظ العقوبات في بعض جرائم العنف مؤخراً وتحويلها من جنحة إلى جناية مثل التحرش الجنسي وتشويه الأعضاء الأنثوية ما هو إلّا نوع من "المغازلة" للمجتمع الدولي، بلا اهتمام حقيقي بتفعيل ذلك على أرض الواقع.

توجهنا إلى المركز القومي للبحوث الاجتماعيّة والجنائيّة، الذي تضمّ مكتبته آخر أعداد متاحة للجمهور من تقرير الأمن العام، لنجد أنّ العدد الأخير المتاح هو الصادر في عام 2012، والذي أفاد بوقوع 180 جريمة اعتداء جنسي.

كذلك راجعت مُعِدَّة التحقيق آخر الدراسات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الخاصة بالنوع الاجتماعي والعنف ضد المرأة في مصر، لكنّ أيّاً منها لم يتضمن بيانات عن العنف الجنسي.

ووفق بوابة الوطن الإلكترونيّة المصريّة أعلنت وزارة الداخليّة عن جانب من تقرير الأمن العام لسنة 2017، كشفت فيه عن ضبط مرتكبي 2824 جريمة جنائية خلال العام 2016، ذكرت الجريدة تفاصيل بعض منها، لكن لم يكن من بينها جرائم العنف الجنسي.

تُرجع ورقة بحثية نشرها مشروع "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركيّة في مصر عام 2020، عدم إتاحة هذه البيانات إلى "غياب منظومة معلومات وطنيّة موحّدة في المرافق الصحيّة والدراسات الوطنيّة حول العنف الجنسي".

كما تشير الورقة البحثيّة إلى غياب "إجراء تشغيلي موحّد وواضح لنظام الإحالة بين الإدارات المختلفة في مصر، مثل قسم الطوارئ، والأمراض النسائيّة والتوليد، والطب النفسي، والطب الشرعي"، الذي يضمّ عدداً محدوداً من الأطباء، ما يؤخر عمليّة جمع الأدلة، فضلاً عن عدم الاهتمام بالرعاية النفسيّة الأساسيّة التي ينبغي تقديمها لضحايا العنف، وعدم إدراج ذلك في مناهج كليّات الطب، الأمر الذي يجعل التعامل مع هذه الحالات خاضعاً للمواقف الشخصيّة لمقدم الرعاية الصحيّة.

والإحالة، بحسب الدليل الذي أصدرته مؤسسة نظرة للدراسات النسويّة عام 2019، هي "العمليّة التي يتمّ من خلالها تحديد احتياجات الناجية من العنف، ومساعدتها للوصول لأشكال الدعم التي تحتاجها من مقدمي الخدمة". بينما يُقصد بنظام الإحالة "الإطار المؤسسي الحاضن لجميع الجهات التي تقدم الدعم للناجيات من العنف، والذي يضمن التواصل والتعاون فيما بينها، لحماية الناجية ومساندتها في عملية إعادة تأهيلها وتمكينها".

خطوات إحالة الناجية إلى الطب الشرعي في مصر

الهدف من خطوة إجراء الكشف الطبي الشرعي -وهي جهة تابعة لوزارة العدل المصريّة- على الناجيات من الاعتداءات الجنسيّة، هو جمع الأدلة الجنائيّة في الجرائم الجنسيّة، التي قد تصل عقوبتها في القانون المصري إلى الإعدام في حال ثبوت الاغتصاب.

يُذكر أنّ المشرّع المصري يُدرج بعض أنواع الاغتصاب تحت مسمى "هتك العرض"، وهو جريمة تقلّ عقوبتها عن جريمة الاغتصاب، فضلاً عن أنّ الاغتصاب نفسه يُعبَّر عنه في قانون العقوبات تحت مصطلح "المواقعة بالإكراه".

المواد الخاصة بالعنف الجنسي في قانون العقوبات المصري

المادة (267)

من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد.
ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة.

المادة (268)

كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالسجن المشدد.
وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد.


وفقاً للمشرّع المصري، لا تقع جريمة الاغتصاب، إلا بإيلاج العضو الذكري في العضو الأنثوي، أما ما دون ذلك مثل الاغتصاب بآلات حادة أو بالإصبع أو الاغتصاب الفموي أو الشرجي، جميعها تقع تحت نطاق "هتك العرض" وليس الاغتصاب.

"انتي اللي كنتي عايزة كدة"

في أحد المراكز التابعة لمحافظة الدقهلية تعرضت آمال أشرف* للاغتصاب على يد أحد زملاء الدراسة عام 2019، وحين قررت النيابة عرضها على الطب الشرعي، اضطرت للسفر لنحو ساعة ونصف إلى مدينة المنصورة، لعدم توفر فرع للطب الشرعي في المركز نفسه.

تواصلنا مع والدة آمال التي أكدت لنا أنّها تمنّت أن تقوم طبيبة بالكشف على ابنتها نظراً لحساسيّة الموقف، لكن بسبب عدم وجود طبيبات نساء في ذلك التوقيت، حضر الطبيب رافضاً أن ترافق الأم ابنتها داخل غرفة الكشف، بحجة أنّه سيسألها "أسئلة محرجة" قد ترفض الإجابة عنها بوجود الأم، كما أنّه أخبر الأم بأنّ الممرضة ستحضر الكشف بالكامل معهما، لذا لا داعي لوجودها.

الندم هو الشعور الذي استوطن والدة آمال، بعد أن خرجت ابنتها من الكشف باكية، تشكو معاملة الطبيب المهينة لها أثناء الفحص، إذ قام بتعنيفها لفظياً ووصمها أخلاقياً بالقول إنّها "كانت عايزة كدة"، وإنّ الممارسة الجنسيّة تمّت برضاها، رغم إقراره بوقوع الاغتصاب لاحقاً في التقرير النهائي.

"مش المفروض أكون معاها؟" تتساءل الأم، "مكنتش عارفة هو صح ولا غلط... لما قاللي كدة قلت جايز فعلاً يسألها أسئلة لمصلحتها هي تتحرج تقولها وفي نفس الوقت لما طلعت معيطة زعلت إني ما صممتش ع الدخول معاها".

ودّت الأم لو تمكنت من مرافقة ابنتها لتوفر لها بعض الأمان الذي لم تجده في ذلك المكان، خاصة وأنّ الممرضة لم تحضر الكشف بالكامل كما وعدها الطبيب، بل ظلت "تخرج وتدخل".

لم يأخذ الطبيب موافقة الناجية على الكشف، ولم يشرح لها ما يفعله، بل قام بكل الخطوات من دون إذنها. لمس جسدها، ولم يرتدِ غطاء الرأس أثناء إجراء الكشف.

نظر الطبيب إلى آمال كأنّها مذنبة، في حين أنّها المجني عليها. سبب ذلك بحسب والدتها أنّهم "حاطين في دماغهم أن البنات دي مش كويسة، وهي اللي مسلمة نفسها بإرداتها. بنتي قالتلي أنا حضرت موقف حسيت إني حقيرة. قالتلي مدانيش فرصة وحسسني إني بعمل كدة عادي لمزاجي". فضلاً عن سيل التعليقات التي وجهها الطبيب للناجية، والتي تحمل أحكاماً أخلاقية مثل: "انتي اللي كنتي عايزة كدة، انتي اللي عملتي كدة، طب ليه عملتي كدة؟".

تبكي الأم رافضةً توجيه اللوم إلى ابنتها الناجية من اعتداء لم تتعافَ منه بعد، "ميحسسهاش إنها حقيرة أو قذرة أو جاية من الشارع... يقولها هنجيبلك حقك يحسسها إن لها حق وهتاخده. كفاية نظرة المجتمع، الدكتور يبقى متعلم".

كذلك خشيت الأم على ابنتها من التعرض لصدمة نفسيّة أكبر، خاصة أنّها حاولت الانتحار بعد الواقعة، "ممكن تطلع من تحت إيده هو بالإحساس ده ومكتئبة كدة ممكن تعمل في نفسها حاجة. ممكن تاخد حاجة تموت نفسها".

"العيب في السيستم"

بعض الناشطات والعاملات في المجموعات والمؤسسات النسويّة المصريّة، يعتقدن أنّ المشكلة تبدأ من لحظة الإحالة وليس فقط في مرحلة الطب الشرعي.

ترى المحامية بالنقض ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة مبادرة المحاميات المصريّات لحقوق المرأة، هبة عادل، أنّ قضايا العنف تحتاج إلى وجود مختصات/ين مدربات/ين بدايةً من أقسام الشرطة والنيابات وجهات التحقيق، وخلال كل عمليّة الإحالة وصولاً إلى المحكمة. وهو ما دعا "قوّة العمل" المؤلفة من 9 منظمات حقوقيّة ونسويّة لإعداد مقترح قانون موحّد لمناهضة العنف ضد المرأة، يتضمن باباً كاملاً يخص إجراءات التقاضي، ويشدد على الإسراع في إحالة ضحيّة العنف، خاصة في الجرائم الجنسيّة، خشية ضياع الأدلة.

بالفعل تبنّت النائبة نادية هنري، المقترح في الدورة البرلمانيّة السابقة (الفصل التشريعي 2016-2021)، ووقّع عليه نحو 60 نائباً/ة، لكنّه لم يُعرض على اللجنة التشريعيّة ولم يناقَش بعد.

علاوة على ذلك، كانت هناك ضغوط، بحسب هبة، لتعديل مواد معينة وإلغاء بعضها الآخر، كمادة الاغتصاب الزوجي. وبانتهاء الدورة، عاد المقترح إلى "الأدراج"، رغم المحاولات المستمرة لعرضه ومناقشته خلال الدورة الحالية.

المواد الخاصة بإجراءات التقاضي في مقترح القانون الموحّد لمناهضة العنف ضد النساء

المادة (3)

تنشأ لدى دائرة الشرطة وحدة متخصصة تتولى تلقي الشكاوى ومهام البحث والتحقيق في جرائم العنف ضد المرأة وفق أحكام هذا القانون. یجب أن تضمّ هذه الوحدة عناصر من النساء مدربات على قضايا العنف ضد المرأة على أن یتمّ اعتماد التحقیق المسجل بالصوت والصورة. ولا يجري هذا التحقيق إلّا بحضور محامٍ مع الضحیة وأخصائيّة اجتماعيّة.

المادة (5)

تقوم وحدة الشرطة المختصة عند تلقي الشكاوى والبلاغات:
- الاستماع إلى شهود العنف بمن فیهم القاصرون بحضور المندوبة الاجتماعية.
- الإسراع في إحالة ضحیّة العنف على الكشف الطبي المجاني أو المختبر الجنائي وخاصة في الجرائم الجنسیّة.
- اعتماد الفیدیوهات والصور التي تُلتقط لواقعة العنف على سبيل الاستدلال.

المادة (8)

تُخصص دوائر بالمحاكم الابتدائية لنظر القضايا المتعلقة بجرائم العنف ضد المرأة ونيابات عامة لإجراء التحقيق في الشكوى المتعلقة بالعنف ضد المرأة.

ورغم وجود مطالبات بتعديل نظام الإحالة في مصر، ليصبح أكثر استجابة لحالات العنف، وخاصة فيما يتعلق بالجرائم الجنسيّة، إلّا أنّ هناك معايير دوليّة ومحليّة يجب اتّباعها خلال تقديم الرعاية الصحيّة وجمع الأدلة الجنائيّة لناجيات/ ضحايا العنف الجنسي، من خلال الاستعانة بالمصادر العالميّة والمحليّة.

من أبرز هذه المصادر، الأدلة الإرشاديّة للرعاية الطبيّة الشرعيّة لضحايا العنف الجنسي (صادرة عن منظمة الصحة العالميّة عام 2011)، والبروتوكول الطبي للتعامل مع ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، متضمناً العنف الجنسي (صادر عن صندوق الأمم المتحدة بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان).

معايير التعامل مع الناجية خلال كشف الطب الشرعي

غياب رقابي

تُعلّق أستاذة الطب الشرعي بجامعة القاهرة، د. دينا شكري، على غياب آليات المراقبة داخل مصلحة الطب الشرعي، مشيرةً إلى أنّ المشكلة ليست في القواعد والنصوص القانونيّة، بل في آليات تنفيذها ومراقبتها ومتابعة أثرها.

صدر البروتوكول الطبي للتعامل مع ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وهو يقدم دليلاً شاملاً للتعامل مع الناجيات من العنف بكل أشكاله، خلال جميع مراحل الإحالة، مع التركيز على الأبعاد النفسيّة والاجتماعيّة.

لكن رغم وجود هذا الدليل الإرشادي، الذي شاركت بنفسها في إعداده، وتعميمه على الكثير من مقدّمي الرعاية الصحيّة في مصر -ليس فقط الطب الشرعي- إلّا أنّ قواعده ما زالت غير ملزمة، والأمر يعتمد فقط على الالتزام الشخصي لكل من يمارس هذه المهنة، من دون وجود نظام مساءلة حقيقي يضمن اتّباع المعايير السليمة في التعامل مع الناجيات/ ضحايا العنف، بالإضافة إلى غياب أيّ ضمان للاستمراريّة على المدى البعيد.

أحكام مسبقة وتعامل "غير آدمي"

يصف المحامي رضا الدنبوقي، التعامل مع الناجيات داخل مراكز الطب الشرعي بأنّه "غير آدمي"، ويشعرهنّ بالإهانة وعدم الأمان، إذ يقوم الطبيب بفحص جسدها بلا موافقتها، بل أحياناً يطلب منها خلع ملابسها بالكامل، في حين أنّ خطاب النيابة يحدد جزءاً معيناً للكشف وفقاً لشكوى الناجية/ الضحية.

يشير الدنبوقي إلى أنّ أماكن انتظار الكشف لا تراعي معايير الخصوصية "إطلاقاً". والناجية في أغلب الأحوال لا يكون لديها وعي بما يحدث، ولا تعرف ما هو صحيح أو خاطئ، فتضطر -كما يقول- إلى الإذعان للطبيب من دون القدرة على الموافقة أو الرفض، لأنّه في النهاية "ما باليد حيلة"، مؤكداً أنّ بعض الناجيات يتراجعن عن مسار القضيّة بسبب ما يتعرضن له في الطب الشرعي.

المحامي الحقوقي مايكل رؤوف يتفق مع الدنبوقي، ويؤكد أنّ معاملة الناجيات في الطب الشرعي، أحياناً تكون "جافة وصدامية جداً"، وكأنّ الناجية هي "المتهمة وليست المجني عليها"، فضلاً عن التدخل المبالغ به في تفاصيل واقعة الاعتداء بلا داعٍ، وتوجيه اللوم للناجية.

ويشير رؤوف إلى أنّ فريق الطب الشرعي ما يزال غير مؤهل بالكامل للتعامل مع "ضحية اغتصاب"، ولذلك فإنّ خطوة الكشف تصبح "ثقيلة ومؤذية عليها". وفي حين أنّ توقيع الكشف هو إجراء اختياري نظرياً، لكن إذا رفضته الناجية سيضرّ ذلك بقضيتها، لذا هو إجباري بشكلٍ ما.

حاولنا التواصل أكثر من مرة مع الإدارة المركزيّة لمصلحة الطب الشرعي في القاهرة، من خلال كتاب رسميّ واتصالات عديدة، لكنّ رئيس المصلحة رفض إجراء أيّ مقابلات صحفية، طالباً من مُعِدَّة التحقيق التوجه إلى مساعد وزير العدل لقطاعيّ الخبراء والطب الشرعي للتعليق على الموضوع. ولم يجب الأخير بدوره على كتاب رسميّ أُرسل إليه.

تواصلت مُعِدَّة التحقيق مع الدكتورة نادية قطب، أستاذة الطب الشرعي والسموم بقصر العيني، لتؤكد فعلياً أنّ ملابس الفتاة ومظهرها قد يكون إحدى القرائن التي يعتمد عليها الطبيب/ة الشرعي/ة في اتخاذ القرار بشأن الواقعة، بالإضافة إلى الشواهد الأخرى التي "توجه الطبيب/ة". تقول في حديثها معنا: "إحنا بالممارسة بنقدر نحكم على الكلام اللي بتقوله وطريقة انفعالاتها وطريقة تجاوبها معانا".

على سبيل المثال، الملابس والزينة تُعدُّ عوامل للحكم على الفتاة أنّها قد تكون "معتادة على المواقعة الجنسيّة، بالتالي يوجد احتمال أن ادعاءها كاذب". كذلك طريقة حديثها وانفعالاتها النفسيّة، إن كان بها "جرأة أو بجاحة أو كسوف أو خجل"، كلها عوامل تبيّن -بالنسبة لهم- إن كانت قد تعرضت بالفعل للاعتداء أم لا. ففي حال حدوث الاعتداء يجب عليها أن تشعر "بالخجل والعار" أو أن تأتي في حالة "ذهول وصدمة"، لكن إن كانت هادئة أو تبالغ في ثورتها يُحتمل أن تكون "تمثيليّة أكثر"، كما توضح أستاذة الطب الشرعي.

وأضافت كذلك أنّه في حال تجاوزت الفتاة الثامنة عشرة من عمرها، فإنّها تصبح مسؤولة عن نفسها، وبالتالي إن لم تظهر عليها أيّ آثار للمقاومة أثناء الكشف، يتمّ الحكم عليها بأنّها كانت تمارس الجنس بالرضا، ولا وجود للجريمة المزعومة.

والجدير بالذكر أنّ إجراء الكشف الطبي الشرعي على نور، تمّ في فرع المصلحة المركزيّة القائم بمنطقة "زينهم" في القاهرة، والذي شهد تأسيس عيادة مختصة في قضايا العنف الجنسي عام 2017، يفترض أنّها "مجهزة بإمكانيات وطاقم مدرب على التعامل مع هذا النوع من القضايا" بحسب الموقع الرسمي لمصلحة الطب الشرعي في مصر.

كذلك قامت مصلحة الطب الشرعي، من خلال مشروع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بتجهيز عيادات القاهرة والإسكندرية والمنصورة، لتصبح أكثر قدرة على اكتشاف وتوثيق الأدلة في حالات الاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى عيادة طنطا التي لم تكن جاهزة عند تقييم المشروع.

لا تقتصر ثقافة لوم الناجية التي ما زالت راسخة في المجتمع المصري على المجال الخاص، بل تمتد أيضاً إلى الأجهزة والمؤسسات الرسميّة المعنيّة بتحقيق العدالة. أمّا الأدلة الإرشاديّة والمجهودات المبذولة، فهي غالباً ما تزال حبراً على ورق، وإلى أن تصاحبها إرادة حقيقيّة لتغيير واقع العنف ضد النساء، وتحقيق العدالة والإنصاف لهنّ، يبقى الحال على ما هو عليه.

"نفسي لما بنت تقولي إنّها رايحة الطب الشرعي، أحس إنّ هي رايحة عشان تثبت إنّها اتأذت، مش راحت عشان تتأذى هناك"، تقول نور، التي ما تزال هي وغيرها من الناجيات، يدفعن أثماناً مضاعفة من أجسادهنّ وصحتهنّ النفسيّة ضريبة للعنف، في سياق مجتمعيّ ومؤسسي يجعل منهنّ "ضحايا" مرتين.

*اسم مستعار.
استخدم التحقيق أسماء مستعارة لحماية خصوصيّة الناجيات من العنف الجنسي والحفاظ على أمنهنّ الشخصي.