ARIJ Logo

آثار الحرب

تورّط أطراف الصراع في اليمن في سرقة آثار تعز

تحقيق: أحمد عاشور

25/09/2021

عندما دقت الساعة 11:00 من ظهر يوم السبت 13 آب/ أغسطس 2015، أكلت نيران المعركة بين أنصار الله (الحوثيين) ومقاتلي المقاومة الشعبية أركان المتحف الوطني للآثار بتعز (جنوب غربي اليمن)، مدمرة أجزاءً واسعة منه.

المتحف الذي افتُتح عام 1967، أضحى بين آذار/ مارس وآب/ أغسطس 2015 مخزناً لأسلحة الحوثيين، الذين تركوه لمقاتلي الجبهة الشرقية، قبل أن تستلمه هيئة الآثار عام 2017، وتبدأ عملية جرد الآثار.

وخلال هذه الفترة تعرضت كل محتويات متاحف تعز للسطو والنهب، وفقاً لتقرير رفعته وزارة الثقافة اليمنية إلى الأمم المتحدة، في أيار/ مايو 2018، وتقرير الحصر رقم (75) الذي رفعته هيئة آثار تعز إلى رئاسة الوزراء في أيلول/ سبتمبر 2018.

في هذا التحقيق نكشف من واقع مستندات حصلنا عليها توالي جماعات الصراع في تعز على سرقة آثار متاحف المدينة، في الوقت الذي لم تُجرِ فيه الحكومة المعترف بها دولياً تحقيقاً في وقائع ما جرى، ولم تقدّم المتورطين للمحاكمة.

وفقاً لتقرير أصدرته منظمة مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، حلّت مدينة تعز -العاصمة الثقافية لليمن- على رأس المدن التي دُمِّرَت معالمها الأثرية، إذ دُمِّرَت 8 معالم أثرية متنوعة داخل المدينة، بداية من عام 2014.

مخطوطات تعز

سيطر الحوثيون على تعز في آذار/ مارس 2015، واتخذوا المتحف الوطني المسمى باسم "قصر العرضي" قاعدة عسكرية لهم، قبل أن ينسحبوا بعد خمسة شهور من المتحف، ومن أجزاء أخرى من المدينة.

تقرير الحصر الصادر في أيلول/ سبتمبر 2018 من الهيئة العامة للآثار والمتاحف بتعز إلى مجلس الوزراء يشير إلى أنّ متحف الإمام أحمد بن يحيى تعرض "للسرقة والنهب خلال تواجد الحوثيين داخله".

مستند حصر

وقد كان المتحف، وفقاً للتقرير، يحتوي على قطع أثرية نادرة ومتنوعة، منها المخطوطات العربية والمخطوطات العبرية.

بعد انسحاب جماعة أنصار الله "الحوثيين" من المدينة سيطرت على المتحف كتائب الجبهة الشرقية، المعروفة باسم كتائب "أبي العباس"، ووفقاً لمستند حصلنا عليه من واقع تحقيق أجراه قسم شرطة الباب الكبير عام 2017 مع مسؤول تأمين المتحف، فإنّ بوابة مكتبة متحف الإمام كانت مكسورة بالرصاص قبل أن يستلمها.

وضمّ ملف المفقودات التي قدمته الحكومة اليمنية إلى الأمم المتحدة 147 مخطوطة، منها 124 مخطوطاً عبرياً وعربياً و14 مصحفاً، هي عينة فقط من مفقودات المخطوطات بمتاحف تعز.

وبلغ إجمالي المفقودات من متاحف تعز 321 قطعة

من إجمالي 1631 قطعة وثّق التقرير فقدها من متاحف تعز وعدن وزنجبار.

تسهيل سلب

يشير تقرير الحصر السابق ذكره إلى أنّه طوال عاميْ 2015 و2016 نُهبت جميع المقتنيات الأثرية من متحف الموروث الشعبي الكائن في منطقة العرضي، بجانب متحف صالة، ولا يحمّل المستند أيّاً من أطراف الصراع مسؤولية الاستيلاء عليها.

وفي تقرير منظمة "مواطنة" فإنّ منطقة العرضي وقعت -بعد انسحاب الحوثيين- تحت سيطرة كتائب "أبي العباس" ومسلحين من تنظيم "القاعدة"، وكانت المنطقة تخضع في ذلك الوقت، لسيطرة فصائل مختلفة من المقاومة الشعبية.

وينقل التقرير عن شهود عيان أنّ كتائب أبي العباس "نهبت المتحف" بعد أن أخرجت ثلاث حقائب من العملات والمقتنيات الفضية، وثلاث حقائب أخرى من المقتنيات النحاسية.

ويكشف مستند مؤرخ بـ 8 أيار/ مايو 2017، أنّ مقتنيات من المتحف نُقلت إلى مقرّ كتائب أبي العباس، قبل أن تشكل لجنة من هيئة الآثار في تعز، وحتى بعد تشكيل اللجنة، استمر نقل هذه المقتنيات.

إلّا أنّ هيئة الآثار طلبت من المحافظة في نيسان/ أبريل 2018 بأن يتمّ نقل القطع الأثرية الموجودة في مقرّ الجبهة، التي أُدرج مؤسسها، عادل عبده فارع (أبو العباس) على قوائم الإرهاب الأمريكية في عام 2017، بشكل عاجل إلى "البنك اليمني للإنشاء والتعمير" بعد أن تعرض مقر الجبهة للقصف.

صورة عن المستند

فيما وراء أسوار المتحف

بعد ذلك، أصدر وزير الثقافة القرار رقم (13) لتشكيل لجنة جرد واستلام مقتنيات المتحف الموجودة في مقر الكتائب في بداية عام 2019، والتي أنهت عملها في أول آذار/ مارس 2019.

بعدها بشهر أعلنت "الكتائب" عن وجود مقتنيات أخرى داخل مقرها، ثم أعلنت إخلاء مسؤوليتها عن أيّ سرقات للمقتنيات، متهمة بذلك، في بيان أصدرته في 29 نيسان/ أبريل على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قوات الحشد الشعبي (قوات الحوثيين) التي اقتحمت المقر في آذار/ مارس 2019، أي بعد انتهاء لجنة الحصر من عملها.

إلّا أنّ التحقيق مع المسؤول عن تأمين متحف تعز، وهو جندي في كتائب أبي العباس، كشف تورط عناصر من الكتائب في سرقة المقتنيات.

وبحسب أقواله في التحقيق الذي أُجري معه في 13 شباط/ فبراير 2017، فقد سمحَ لصاحب محل تحف في السوق الشعبية بتعز بالحصول على ساعتيْن ذهبيتيْن، وأربعة شمعدانات من قصر البدر الملحق بالمتحف الوطني. وبعد بيعها حصل على 300 ألف ريال يمني (1200 دولار تقريباً/ وفقاً لسعر الصرف وقتها) كعمولة عن بيع الساعتيْن، و40 ألف ريال (160 دولاراً تقريباً/ وفقاً لسعر الصرف وقتها) عمولة عن بيع الشمعدانات.

فضلاً عن عددٍ من المجوهرات المتنوعة التي وصف الجندي حجمها بأنّها "ملء اليد"، وتمّ بيعها بـ 150 ألف ريال (600 دولار تقريباً/ وفقاً لسعر الصرف وقتها).

عدد المقتنيات الأثرية التي تورّط جندي بكتائب أبي العباس في بيعها

icon

اضغط/ي لإظهار عدد المقتنيات الأثرية

icon

ساعات ذهبية

العدد: 2
المتحف: البدر
icon

شمعدانات

العدد: 4
المتحف: البدر
icon

أسلحة

العدد: 4 سيوف و22 خنجراً
المتحف: الإمام أحمد
icon

مجوهرات

العدد: 3 عقود، وخاتمان نسائيان من الذهب
المتحف: الإمام أحمد والبدر
icon

ساعات

العدد: 200
المتحف: الإمام أحمد
icon

أقلام

العدد: 55 ذهب وفضة وعادية
المتحف: الإمام أحمد
icon

مسابح

العدد: 7
المتحف: الإمام أحمد

وسمح الجندي لصاحب المحل، بالدخول إلى المتحف مرة ثانية، حينها حصل تاجر التحف على أربعة سيوف. وفي مرة ثالثة حصل على 200 ساعة من متحف الإمام أحمد، منها 50 ساعة جيب معدنية وفضية وذهبية. بالإضافة إلى 7 خناجر، و35 طقم أقلام فضية وذهبية. إلى جانب سرقات أخرى لمقتنيات لا يعرف الجندي عنها شيئاً.

ويضم ملف مفقودات الآثار صوراً لـ 27 ساعة فضية وذهبية، حائط وجيب. فضلاً عن 8 سيوف وخناجر، كعينة من الساعات والأسلحة التي فقدت. إلى جانب عشرات المجوهرات.

وحصلنا على محضر محرر ضد هذا التاجر لاتجاره بآثار المتحف، إلّا أنّنا وجدناه -عند زيارتنا له- يمارس عمله بحرية رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المحضر وورود اسمه في التحقيق.

وذكر الجندي المسؤول عن حماية المتحف في بداية التحقيق أنّ ما دفعه لتسهيل سرقة مقتنيات من المتحف أنّ أحد كتائب "لواء الصعاليك"، وهو لواء مدعوم من حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، حصل على سراج خيل أثري من المتحف. وأخبره أنّ أخذه بعض الأشياء من المتحف حلال "لأنّه حوثي".

وفي التحقيق الذي أُجري معه في 2 آذار/ مارس 2017، ذكر أنّه أرسل "عملات فضية من ضمن التي أُرسلت إلى الشيخ (أبو العباس)، وقد أحضرت للشيخ عملات في ثمانية أكياس".

ووفقاً لأحد المصادر في قسم الشرطة، رفض ذكر اسمه، فإنّ هذا آخر تحقيق أُجري مع الجندي، بعدها توقفت السلطات عن استكمال التحقيقات، لورود أسماء "أمراء الحروب" فيها.

ووفقاً لمصدر آخر متابع لعملية حصر الآثار الموجودة في مقر أبي العباس، فإنّ عمليات الحصر والتحقيقات توقفت لعدم تعاون المحافظ.

ضحية للصراع

في شباط/ فبراير 2018، ناشد جوستفو كوادرا، رئيس اللجنة المشكّلة من قبل مجلس الأمن طبقاً للقرار 2140 لسنة 2014 بشأن الأزمة اليمنية، منظمة اليونسكو بإخطار المتاحف ودور المزادات بأنّ تصدير وبيع الآثار اليمنية غير شرعي وأنّ الإجراءات يجب أن تُتَّخذ للتأكد من أنّ التداولات المتعلقة بالتجارة في التراث اليمني ليست من مصادر تمويل الجماعات المسلحة.

تنصّ المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، على أن "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة أيضاً بتحريم أيّ سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تحريم أيّ عمل تخريبي موجّه ضدّ هذه الممتلكات. كما تتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد آخر".

الدكتور ديرك فينشم، أستاذ القانون بجامعة ساوث تكساس، يرى أنّ هذه الاتفاقية لن تجدي نفعاً في حالة اليمن التي تصنف كحربٍ أهلية، تتشابك فيها عدة أطراف داخلية وخارجية.

ورغم أنّ اليمن وقع على هذه الاتفاقية، حصلنا على مستندات تتهم عناصر من الجيش اليمني بسرقة مخازن المتحف الوطني بتعز.

تسلل إلى مخازن

وجهت هيئة الآثار في تعز في شباط/ فبراير 2019 تقريراً إلى وزير الثقافة تخطره بأنّ المتحف الوطني في تعز ما زال يتعرض "للعبث والنهب رغم وجود أفراد الأمن الخاص داخله".

يوجه المستند اتهاماً إلى أفراد اللواء 22 ميكا التابعين للجيش اليمني، والذين يتواجدون في مقر قيادة الشرطة العسكرية بأنّهم تعدّوا على المخازن الخاصة بالمتحف والمجاورة لنادي الضباط، ونهبوا المخازن.

ويشير المستند إلى أنّه "سبق وأن تمّ الإبلاغ عن أعمال نهب وسرقة تمّت في المتحف أثناء وجود الأمن الخاص، وطلبنا منكم (وزير الثقافة) تشكيل لجنة والتحقيق في الحالة، وإحالة المتهمين إلى العدالة للتحقيق معهم إلّا أنّكم لم تعيرونا أيّ اهتمام".

ويشير مصدر من وزارة الثقافة إلى أنّه رغم مرور أكثر من عاميْن على هذه السرقات، إلّا أنّ التحقيق في الأمر لم يُفتح لأنّ المتورطين يقاتلون ضمن صفوف الجيش الوطني، بل إنّ المحبوسين بتهمة التورّط في سرقة آثار تعز خرجوا من السجون بلا محاكمة.

تواصلنا مع وزير الثقافة الحالي مروان دماج الذي يشغل منصبه منذ عام 2016، للرد عما يكشف عنه التحقيق، إلّا أنّنا لم نتلقّ منه أيّ ردّ حتى موعد نشر التحقيق.