ARIJ Logo
Logo

رجال البشير في قطاع الاتصالات

أحمد عاشور

في أيار/ مايو 2011، ساد في القاعة صخب بعدما احتدم النقاش بين المساهمين في مجموعة سوداتل للاتصالات المحدودة (أكبر شركة اتصالات عامة في السودان)، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام السودانية. يومها، كانت الشركة القابضة على استثمارات "سوداتل" في الخارج "إكسبرسو" قد باعت 30% من استثماراتها في نيجيريا بحسب القوائم الماليّة الصادرة في 2010، إلى شركة "لاري كوم" الخاصة، مجهولة الملكية حينها.

ومع نقل الملكية في العام ذاته ارتفع عجز سوداتل ليبلغ 189 مليون دولار، وفقاً لتقرير نشره أحد المساهمين، فحاصر المساهمون أعضاء مجلس إدارة الشركة وهم يرددون "لاري كوم بتاعة منو؟" (من يملك لاري كوم؟).

الصحف السودانية تناقلت الخبر وأطلقت على وقائع الحادثة صفة "فساد القرن".

يستند التحقيق إلى وثائق مسرّبة حصل عليها "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" ( ICIJ logo )، وشاركها مع "أريج" وعدد كبير من الناشرين حول العالم، ضمن مشروع أُطلق عليه اسم "أوراق باندورا". التسريبات هذه، يحقق فيها أكبر مشروع تعاون صحفي عابر للحدود في التاريخ، تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبيّة، وتكشف عن الأصول والصفقات السريّة والثروات الخفيّة لأثرياء -من بينهم أكثر من 130 مليارديراً- وأكثر من 30 من قادة العالم وعدد من الهاربين أو المدانين ومشاهير الرياضة وغيرهم، إضافة إلى قضاة ومسؤولي ضرائب وأجهزة مكافحة التجسس.

وتكشف هذه الوثائق عن تحالف ضمّ رئيس مجلس الإدارة الأسبق لشركة سوداتل عبدالعزيز عثمان مع رجل الأعمال عبد الباسط حمزة، المقرب من الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لنقل أسهم من شركة سوداتل العامة إلى شركة "لاري كوم" السودانية الخاصة عبر شركة "إكسبرسو القابضة". وتأسيس شركة أخرى تحمل نفس الاسم، "لاري كوم"، بشراكة الإثنين في جزر العذراء البريطانية، قبل إبرام الصفقات مباشرة، ما يُعد تضارباً في المصالح.

ويرتبط حمزة بعلاقة بالبشير، وترجع صداقتهما إلى أنّ الأول كان عضواً في الحركة الإسلامية التي خرج منها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، فيما كان عبدالعزيز عثمان قيادياً في الحزب نفسه.

لاري كوم.. من أين بدأت؟

بعد الثورة السودانية التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في 2019، أصدرت لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال السودانية القرار رقم (04/134) في نيسان/ أبريل 2020 لتجميد الأصول والحسابات البنكيّة لـ 16 شركة وشخصيّة، من بينها شركة الزوايا، التي تأسست في عام 2002، والشركات التي تملكها وهي لاري كوم للاستثمار المحدودة، المؤسسة في العام نفسه، وشركة رام للطاقة المحدودة، المؤسسة في عام 2003، وجميعها شركات مملوكة لرجل الأعمال عبد الباسط حمزة أو تدار من قبله.

وفقاً للّجنة في مؤتمرها الصحفي الذي عُقد في 23 نيسان/أبريل 2020، فإنّ عبدالباسط حمزة "بدأ ضابطاً صغيراً في القوات المسلحة، وهو ينتمي للحركة الإسلامية، في 1985 انضم لمنظومة العمل الخاص في التنظيم العسكري، وتمكن عبر عمله من الدخول في ملفات حساسة، وسيطر على أموال تقدر بأكثر ملياريْ دولار أمريكي... وتحوّل في ليلة وضحاها إلى رجل أعمال كبير جداً... وكان يعمل في إدارة العمليّات الخاصة، وفي عدة مرافق أخرى تتبع للقوات النظاميّة، ولجأ إلى قطاع الاتصالات وهو قطاع غني جداً".

بدأت علاقة حمزة بقطاع الاتصالات في 2002، عندما حصلت شركته المؤسسة حديثاً "لاري كوم" على رخصة إدارة ثاني شبكة اتصالات التي انتقلت فيما بعد لشركة "ام تي ان". وملكت لاري كوم 15% من شركة "ام تي ان" السودان، بينما ملكت "ام تي ان" باقي الأسهم.

وشغل حمزة منصب رئيس مجلس إدارة شركة سوداتل المملوكة للقطاع العام السوداني، وعمل جنباً إلى جنب مع عبد العزيز عثمان، وهو الآخر إسلامي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، وخلال إدارتهما للشركة، بيعت شركة موبيتيل (شقيقة لسوداتل) العامة بقيمة 1.3 مليار دولار. ووفقاً للجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال فإنّ موبيتيل بيعت إلى شركة أجنبية (شركة زين الكويتية) بـ 10% من قيمتها الأصلية. وبحسب اللجنة فإنّ الشركة الأجنبية كانت تحقق أرباحاً بقيمة 5 ملايين دولار يومياً جراء هذا الاستحواذ. ووفقاً للّجنة فإنّ أموال الصفقة استخدمت في استثمارات خارجيّة في غرب إفريقيا.

إكسبرسو والاستثمار في غرب إفريقيا

تأسست شركة "إكسبرسو" في دولة الإمارات العربية المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007. وبلغ رأس مالها 50,000.00 دولار أمريكي، تملك سوداتل 75% من أسهمها، فيما يظهر تقرير لـ "مركز دبي المالي العالمي" أنّ "لاري كوم" هي الشريك الوحيد لسوداتل في إكسبرسو. وظلّ عبدالباسط حمزة حتى 16 أيلول/ سبتمبر 2012، ضمن مديري الشركة المؤسسة في الإمارات، وفقاً لمستندات تأسيس الشركة.

ووفقاً لتقرير سوداتل لعام 2010، فإنّ الغرض من إنشاء "إكسبرسو" تمثل بـ "إدارة واستثمار العمليات الدولية للمجموعة" التي تركزت غرب إفريقيا.

وبعد شهرين من إنشاء إكسبرسو، تولى عبدالعزيز عثمان، القيادي في حزب المؤتمر الوطني في السودان، رئاسة مجلس إدارة سوداتل. وبعد شهر واحد من توليه منصبه، في شباط/ فبراير 2008، تقدمت إكسبرسو، بحسب الوثائق المسربة، بطلب إلى مكتب المحاماة البنمي ALEMÁN, CORDERO, GALINDO & LEE لتسجيل شركة في جزر العذراء البريطانية تحمل الاسم ذاته لشركة لاري كوم المحدودة للاستثمار. وتوزعت أسهم هذه الشركة البالغة 50 ألف سهم بين حمزة وعثمان.

في الفترة ذاتها، تأسست في جزر العذراء البريطانية شبكة من الشركات المملوكة لسوداتل بشكل مباشر وغير مباشر، ويديرها مديرو سوداتل وإكسبرسو، خالد هاشم، وطارق حمزة زين العابدين، وطارق حمزة رحمة الله. وكانت لاري كوم هي الوحيدة في الشبكة المملوكة لأشخاص، هم عبدالباسط حمزة وعبدالعزيز عثمان، وليس لشركات.

قبل ذلك بعامين، أُدرجت شركة سوداتل العامة وشركة رام التي تملكها لاري كوم المملوكة لـ "الزوايا" على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية بدايةً من 2006 بناءً على القرار رقم (E.O. 13400) للمساهمة في الصراع في إقليم دارفور، بحسب القرار.

صفقة نيجيريا

بعدما تولى عثمان رئاسة مجلس إدارة سوداتل في 2008، اشترت المجموعة في مطلع 2009، 50% أسهماً إضافية من شركة "انترسيلولر نيجيريا العامة المحدودة"، وبالتالي أصبحت الشركة النيجيرية، وفقاً للتقرير المالي الصادر عن سوداتل في 2009، مملوكة لسوداتل بنسبة 70%، بصفقة بلغت قيمتها 60 مليون دولار.

إلّا أنّه ومع نهاية العام، وبالتحديد في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2009، باعت إكسبرسو التي تدير أصول سوداتل في الخارج 17.5% من أسهم سوداتل في الشركة النيجيرية إلى لاري كوم السودانيّة، لتنخفض حصة سوداتل إلى ما يقارب 52.5%.

واعتباراً من 7 كانون الثاني/ يناير 2010، باعت إكسبرسو 30% من حصة سوداتل في الشركة إلى لاري كوم مقابل 25.71 مليون دولار، وبربح 6.063 مليون دولار، وفقاً لتقرير الشركة المالي في 2010. وبهذا تراجعت حصة سوداتل في انترسيلولر نيجيريا إلى 30% فقط.

هذه الصفقة أثارت مساهمي شركة سوداتل، إذ نشر المساهم السابق في الشركة أمين سيد أحمد رسالة نقلتها صحيفة "الأحداث" السودانية في 18 أيار/ مايو 2011، بأنّ العجز العام لشركة سوداتل بلغ في القوائم المالية للشركة 189 مليون دولار عما كان عليه في 2009، وهذا يعني انخفاضاً في أموال المساهمين بلغ 264 مليون دولار في 2009 و2010.

وجاء في رسالة أمين أنّ عثمان وقّع على القوائم المالية في الشركة. ويرى أمين الذي يعد خبيراً مالياً ومصرفياً، أنّ توقيع القوائم المالية من مسؤولية الإدارة التنفيذية قبل مجلس الإدارة، وفقاً للمادة (265) الفقرة (2) من قانون الشركات لسنة 1925 التي تنص على أن "يكون المدير العام المسؤول التنفيذي الأول أمام المجلس ويتولى الاضطلاع بالنشاط المالي والإداري والفني للشركة وفق ما يحدده عقد تأسيسها وتوجيهات المجلس".

وأشار أمين إلى أنّ مدققي الحسابات التابعين لشركة "أرنست ويونغ" المستقلة في البحرين والذين سبق لهم تدقيق القوائم المالية للمجموعة في عام 2009، لم يقوموا بذلك عام 2010.

ولاحظ أمين ورود اسم لاري كوم في عدد من الإيضاحات المكملة للقوائم المالية في عمليات بيع وشراء لأسهم شركات تابعة للمجموعة (سوداتل)، ومعاملات أخرى بملايين الدولارات، وطرح سؤالاً "ما هي الجهة التي قامت بتقييم الأصول المباعة لشركة لاري كوم؟ ومن هم ملاك شركة لاري كوم؟ وما هو حجم رأس المال المدفوع لهذه الشركة؟ وهل صحيح ما نسمع أو نقرأ عن أنّ أحد هؤلاء الملاك شريك في مجموعة الزوايا التي يساهم فيها رئيس مجلس إدارة سوداتل؟".

يقول أمين في تصريح لـ "أريج" إنّ المستفيد النهائي من صفقات بيع أسهم سوداتل لـ "لاري كوم" هي شركة الزوايا التي أسستها مجموعة مقربة من الرئيس السابق عمر البشير، ومنهم عبدالباسط حمزة وعبدالعزيز عثمان.

لم نصل إلى أيّ معلومة توضح أنّ عثمان كان أحد المساهمين في شركة الزوايا، باستثناء حساب مجهول وغير مثبت على موقع السير الذاتية "لينكد إن"، يحمل اسم عثمان ووظيفته باعتباره مديراً للزوايا، فيما يشير الموقع القديم للزوايا بشكل صريح إلى أنّ حمزة كان يدير الشركة.

وبحسب لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد السودانيّة، كانت هناك علاقة بين الصفقات التي تمّت بين هذه الشركات (سوداتل وإكسبرسو ولاري كوم) والبشير. وذكرت في بيان لها أنّ "إكسبرسو كانت تسيطر على كل هذه الأموال، ولم يعد منها إلى السودان إلّا القليل جداً، وتمّ استثمارها خارج السودان لصالح عبدالباسط حمزة وآخرين وأسرة الرئيس المخلوع عمر البشير".

ويوضح أمين لـ "أريج" تعليقاً على الصفقات التي تمّت في عهد عبدالعزيز عثمان، أنّ شركة سوداتل شركة عامة، وكان على رئيس مجلس الإدارة أن يطرح الصفقات على الجمعية العمومية قبل إبرامها، وهو ما لم يحدث.

الوضع القانوني لسوداتل

وفقاً للتقارير المالية لشركة سوداتل، فإنّ الشركة تصنف شركة عامة، ووفقاً للمادة (262-2) (ب) المندرجة تحت قسم الشركات العامة من قانون الشركات لعام 1925، فإنّ مجلس الإدارة في الشركات العامة يبرم العقود والاتفاقيات نيابة عن شركة القطاع العام.

المؤسس المشارك في مؤسسة "مجتمع مدني من أجل استرداد الأموال" (Civil Forum for Assets Recovery) الألمانيّة، جاكسون أولدفيلد، يقول لـ "أريج" إنّ هذه الصفقات التي عُقِدَت بين سوداتل ولاري كوم المملوكة لعبد الباسط حمزة، الذي تجمعه شراكة برئيس شركة سوداتل عبد العزيز عثمان، "تبدو أنّها تضارب في المصالح".

يقضي حمزة الآن مدة عقوبته التي تبلغ 10 سنوات بعد إدانته بجرائم من ضمنها الكسب غير المشروع ومخالفة قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، بينما تستمر لجنة إزالة التمكين في محاولاتها لتتبع استثماراته الخارجية "التي لم يعد منها إلى السودان إلّا القليل".