ARIJ Logo
Logo

بزنس النفط اليمني يجمع بين "الحوثي" و"الشرعيّة"

محمد كوماني وسجى مرتضى

بينما كانت شركة النفط اليمنيّة الحكوميّة تتقدم بشكوى عند النائب العام ضدّ تاجر النفط توفيق عبد الرحيم بتهمة تخزين مادة البنزين والتسبب بأزمة في السوق المحليّة، كان تاجران آخران وهما أحمد صالح العيسي وحسين الحثيلي ينهيان معاملاتهما لتأسيس شركة أوف شور باسم (Red Sea Refinery Limited)، وبالشراكة مع رجل أعمال أميركي مولود في باكستان ومقيم في دبي، يدعى ظفار إكرام شيخ.

يصف العيسي الذي عُيّن نائباً لمدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصاديّة بداية العام 2020، نفسه بأنّه المؤهل لأن يكون الرئيس القادم لليمن، بينما يصفه منافسوه بـ "التمساح"، ونقلت تقارير إعلامية عن رئيس الحكومة اليمنيّة الحالية وصفه بـ "الفاسد".

في بداياته كان مشرفاً على محطة وقود تعود لوالده في محافظة الحديدة. كانت اللبنة الأولى التي أوصلته بسرعة الصاروخ ليكون المحتكر الوحيد والمتحكم في الوقود الذي يصل إلى ميناء عدن بحسب صحيفة لوموند الفرنسيّة. وهو ما لم يكن لولا علاقته التي بدأت برئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي عندما كان وزيراً للدفاع في التسعينيات.

العيسي وهادي ينتميان لمحافظة أبين جنوبي اليمن، وتربطهما علاقة قويّة ساعدت في تأسيس أسطول لنقل الوقود.

التحقيق يستند إلى وثائق مسرّبة حصل عليها "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" ( ICIJ logo )، وشاركها مع "أريج" وعدد كبير من الناشرين حول العالم، ضمن مشروع أطلق عليه أسم "أوراق باندورا". التسريبات التي يحقق فيها أكبر تعاون صحفي عابر للحدود في التاريخ، تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبية، وتكشف عن الأصول والصفقات السرية والثروات الخفية لأثرياء -من بينهم أكثر من 130 مليارديراً- وأكثر من 30 من قادة العالم وعدد من الهاربين أو المدانين ومشاهير الرياضة وغيرهم، إضافة إلى قضاة ومسؤولي ضرائب وأجهزة مكافحة التجسس.

تكشف الوثائق أنّ العيسي أسس شركة أوف شور مع الحثيلي وشيخ في جزر العذراء البريطانيّة في السابع من أيار/ مايو 2014. كان الغرض الأساسي منها هو الاستثمار والمشاركة في الشركات وفتح حساب بنكيّ.

"أتحدى أيّ شخص يثبت ذلك. منذ أول يوم من عملية عاصفة الحزم في مارس/ آذار 2015، ليس لديّ أي نشاط تجاري في المحافظات الخاضعة للحوثيين أبداً. تجارتي متوقفة إذ استولى الحوثيون على بعض الممتلكات مثل منازل وأراضٍ في صنعاء ومستشفى، كما أغلقوا مقر شركاتي ومصانعي وكليّة الشفاء الطبيّة في مدينة الحديدة. ما يوجد لديّ الآن هو عملي الخيري، ودفع رواتب الموظفين الباقين في منازلهم منذ 2015 حتى اليوم"، تصريحات للعيسي في آذار/ مارس 2021 حول نشاطاته في شمالي اليمن المسيطر عليه من قبل الحوثيين.

هذه التصريحات تتنافى مع شراكته مع الحثيلي، الذي ما زالت أعماله مستمرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ونقلُ النفط فيها ما زال مستمراً إلى الآن (تاريخ نشر التحقيق).

ففي الثامن والعشرين من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015، أي بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على معظم محافظات الشمال، أرسل مدير شركة النفط اليمنيّة رسالة إلى القائم بأعمال وزير النفط يشكو من شركة الحثيلي التي تبيع النفط في السوق السوداء وباعت بسعر الدولار في السوق السوداء، واكتفت الشركة بحجز قاطرات النفط في منطقة الصباحة، حيث لا تملك الشركة أيّ صلاحيات في منطقة رأس عيسى في الحديدة التي يديرها العيسي، وفي هذه الفترة لم يكن الحوثي مسيطراً على "رأس عيسى" أو محافظة الحديدة.

نفس المذكرة اتهمت شركة الحثيلي التي فرغت النفط في منطقة رأس عيسى وتبيعه في السوق السوداء، بأنّها أسهمت في رفع سعر صرف الدولار من 215 إلى 280 ريالاً يمنياً في ذلك الوقت، وباعت خلال أسبوع واحد فقط في السوق السوداء بـ 48 مليون دولار.

ما قصة رأس عيسى والعيسي؟

في السادس عشر من تموز/ يوليو 2013، وقّعت شركة النفط اليمنية اتفاقية مع العيسي تقضي بإنشاء شركة باسم رأس عيسى النفطيّة، تقوم بتخزين وتجارة المشتقات النفطيّة في ميناء رأس عيسى بالحديدة لمدة خمسة وعشرين عاماً.

وبهذا الاتفاق يحتكر العيسي توزيع ونقل المشتقات النفطيّة عن طريق البحر عبر أسطول باخراته.

وبموجب الاتفاقيّة تدفع الحكومة اليمنية 13 دولاراً أمريكياً كإيجار عن كلّ طن من المشتقات النفطيّة لدى الشركة، سواء للتخزين أو التشغيل.

وعلّق عبد الله الضيعة الأمين العام للمجلس التنسيقي النقابي لعمال وموظفي شركة النفط في ذلك الوقت، أنّ "الاتفاقية تفرط في حقوق الدولة وتتضمن العديد من المخالفات القانونية"، مؤكداً عزم النقابة على التصعيد والإضراب في حال مُرِّرَ الاتفاق واعتُمِدَ من قبل الوزارة، بحسب تصريحات سابقة نُشرت على مدوّنة محمد العبسي.

الاتفاقيّة تشمل بنوداً مثل "توريث الحق" لورثة العيسي في استمرار الشراكة عند وفاته ولا يتمّ فسخ العقد حتى لو أعلن إفلاسه.

يقول الخبير في الشؤون النفطية اليمنية عبد الواحد العوبلي لـ "أريج"، إنّ "النفط في اليمن دائماً وأبداً ما كان مسيطراً عليه من قبل الهوامير (النافذين)"، "بالنسبة للعيسي، فكان طوال الأعوام الـ 30 الماضية يحتكر نقل النفط بحرياً عبر ميناء رأس عيسى الذي يصبّ فيه النفط من مأرب، وينقلها إلى مصافي عدن".

صراع الفساد بين الحكومة والعيسي

في مقابلة بتاريخ 16 آذار/ مارس 2021، أعلن العيسي الحرب على رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك بعد اتهامه له بأنّه فاسد: "عليه إثبات ما يقول. هو رئيس الحكومة، يقول إنّني فاسد وكل شيء في يدي، النفط في يدي. عليه أن يثبت ذلك. خلافنا مع معين ليس لأنّه رئيس حكومة أو لأنّه مقصِّر، ولكن لكونه تاجراً؛ لذا نحمّله مسؤولية جزء من الفساد". وأشار العيسي إلى أنّ رئيس الوزراء مرتبط بشركات ومجموعات تجاريّة كبيرة يسهل عملها ويسخر دعم الدولة لها وهذه الشركات تدفع ضرائبها للحوثيين.

فيما ردّ رئيس الوزراء اليمني بصرف مستحقات العيسي في نيسان/ أبريل من نفس العام بعد تصريحاته التي قال فيها إنّ الحكومة اليمنيّة مديونة له ولم تسدد ديونها.

تعود أسباب الصراع على استيراد وتوزيع النفط بين العيسي والحكومة إلى قرار رئيس الوزراء بوضع خطط مستقبليّة لفتح باب استيراد النفط للتجار وإيقاف الاحتكار.

فساد نفطي بدعم الرئاسة اليمنيّة

ترتبط تجارة النفط في اليمن بشخصيات لم تتغير منذ 25 عاماً بسبب ارتباطها بمراكز نفوذ داخل الدولة.

ويُتداول في أوساط يمنيّة أنّ حسين الحثيلي الذي يملك أسطولاً لنقل النفط، هو واجهة نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر. ونشرت وسائل إعلام يمنيّة توجيهات حكوميّة بتسهيل مهام مؤسسته وحمايتها.

وتربط أحمد العيسي علاقة قويّة برئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي وأولاده منذ بداية التسعينيات.

تقرير لجنة الخبراء المعيّنة من قبل الأمم المتحدة، أشار إلى أنّ اللجنة حصلت على فاتورة تبين مبالغ مستحقة الدفع بقيمة تزيد على ثلاثة ملايين دولار أصدرتها شركة مصافي عدن إلى شركة ASA Shipping Company FZCo، وهي شركة تابعة لشركة Overseas Shipping and stevedoring Company التابعة لمجموعة العيسي، عن استئجار ناقلة نفط خام إم اسبيرت (M Spirit). وتتساءل اللجنة عن أسباب التأخير الذي أدى إلى فرض غرامة تأخير.

وذكر التقرير أنّ اللجنة اجتمعت مع العيسي الذي نفى أيّ تهم أو أيّ تورّط في أيّ عمليّات فساد في إدارة ميناء عدن. العيسي الذي يعمل نائباً لمكتب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية يقول إنّه لا يستفيد أبداً من منصبه وإنّ الحكومة اليمنيّة مديونة ولا تستطيع دفع ما عليها من ديون.

وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 2019، احتج مواطنون من محافظة مأرب النفطية على إعطاء مؤسسة الحثيلي الحقوق الحصريّة لنقل النفط من مأرب إلى شبوة وتمّت مهاجمة ناقلات نفط مملوكة للحثيلي مطالبين بنقل عملية نقل النفط إلى شركات مملوكة لأبناء المنطقة. تكرر الأمر ذاته في العام 2021 في محافظة حضرموت عندما اعترضت مجموعة من أبناء المحافظة على نقل النفط من أراضيهم من قبل شركة الحثيلي.

وفي 2021 كان وزير النفط اليمني قد وجه رسالة لمحافظ حضرموت قائد المنطقة العسكريّة الثانية بحماية ناقلات النفط المملوكة لشركة الحثيلي.

تناقضات

أعلن العيسي أنّ الإمارات تحاربه، وتسعى لقتله بينما أعماله التجاريّة تنطلق من جبل علي (منطقة تبعد 30 كيلومتراً عن وسط مدينة دبي)، بالشراكة مع شريكه في شركة الأوف شور ظفار إكرام شيخ. يقول العيسي: "لا أموال لديّ في دبي. أنا أشتري من دبي فقط، وباسم شركتي وليس باسمي. أنا لا أدخل الإمارات، وإذا دخلتها، لن تجدني بعدها". ويضيف العيسي أنّه يشتري النفط من الإمارات لأنّها السوق الأفضل والأقرب، لكنّ الإمارات تضايقه وتتهمه بأنّه يشتري النفط من إيران.

إلّا أنّ فاتورة نشرها تقرير لجنة الخبراء المعيّنة من قبل الأمم المتحدة محدد فيها رقم حساب مجموعة العيسي في البنك الإسلامي في دبي، عندما قدم فاتورة للحكومة اليمنيّة بقيمة 3 ملايين دولار.

حتى لحظة نشر التحقيق لم يجب كلٌّ من أحمد صالح العيسي وحسين الحثيلي وظفار إكرام شيخ على استفساراتنا.