بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على قاعدة العند الجوية وزحفها نحو عدن في الخامس والعشرين من آذار/ مارس 2015، وانتقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من عدن إلى الرياض، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية عملية "عاصفة الحزم" لدعم "الشرعيّة" في اليمن.
خلال أعوام الحرب الستة، لم يتغيّر الوضع كثيراً. الرئيس ما زال في الرياض، والحكومة اليمنيّة لا تسيطر فعلياً، حتى على المدن المحررة في الجنوب، مقابل توسع نفوذ "الميليشيات" داخل تلك المدن، مع انتشار السلاح المنفلت شمالاً وجنوباً.
في الأول من أيلول/ سبتمبر 2020، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز
أمراً ملكياً
بإعفاء الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز من منصبه كقائد لقوات التحالف في اليمن، وإعفاء نجله عبد العزيز، نائب أمير منطقة الجوف، وإحالتهما للتحقيق بتهمة تعاملات ماليّة مشبوهة، بعد بلاغ مقدم ضدهما من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
كان من بين الأسماء الذين شملهم الأمر الملكي أربعة سعوديين في وزارة الدفاع السعوديّة، من بينهم
محمد بن عبد الكريم الحسن
ويوسف بن راكان بن هندي العتيبي.
ظهر اسم الحسن والعتيبي مع متعاقد أميركي يُدعى ويليام مايكل سومرينديكي، وآخر كندي من مواليد مدينة طرابلس في لبنان يدعى
شادي شعراني
ضمن وثائق مسربة حصل عليها "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"
(
)،
وشاركها مع أريج وعدد كبير من الناشرين حول العالم، ضمن مشروع أُطلق عليه اسم "أوراق باندورا Pandora Papers". التسريبات -يحقق فيها أكبر تعاون صحفي عابر للحدود في التاريخ- تضمّ ملايين الوثائق من مكاتب محاماة، حول الملاذات الضريبية، وتكشف عن الأصول والصفقات السرية والثروات الخفية لأثرياء -من بينهم أكثر من 130 مليارديراً- وأكثر من 30 من قادة العالم، وعدد من الهاربين أو المدانين ومشاهير الرياضة وغيرهم، إضافة إلى قضاة ومسؤولي ضرائب وأجهزة مكافحة التجسس.
تشير الوثائق إلى أنّ الحسن سُجِّلَ كمدير لشركة Larkmont Holdings Limited في "جزر العذراء البريطانيّة" في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2016، أي بعد أقلّ من عام واحد من شنّ التحالف العربي "عاصفة الحزم" ضدّ جماعة "أنصار الله" في اليمن.
كان من أنشطة الشركة، شراء أسلحة من شركة "GIM" الصربية المملوكة لوالد وزير الدفاع الصربي نيبويسا ستيفانوفيتش، لكنّ مجموعة من تلك الأسلحة وصلت إلى يد تنظيم "داعش" الإرهابي في اليمن.
تشير الوثائق إلى أنّ الحسن عندما سُجِّلَ كمدير لشركة Larkmont Holdings Limited سجل عنواناً له، اتضح عند التأكد منه، أنّه عنوان شركة عسكريّة سعوديّة تدعى
"ريناد الجزيرة Rinad Al Jazeera LLC"
ومقرها الرياض. تمّ إيقاف موقع الشركة خلال فترة العمل على التحقيق.
جاء في إحدى وثائق شركة "Larkmont Holdings Limited" الصادرة في الأول من آذار/ مارس 2017، أنّ الحسن "مصرّح له بتمثيل الشركة بجميع الطرق مع وزارة الدفاع بالمملكة العربية السعوديّة".
أعطى مايكل الصلاحيات لـ "الحسن" لتمثيل الشركة أمام وزارة الدفاع السعودية، بينما منح شعراني الصلاحيات لـ "مايكل". وبين لعبة الصلاحيّات، كانت وفود من ضباط سعوديين ومتعاقدين أميركيين ورومانيين وبلغاريين تتجهز لزيارة صربيا لمعاينة أسلحة في مصنع "كروسيك" الصربي.
لم يكن الحسن السعودي الوحيد الذي شمله قرار الملك السعودي بالتحقيق في شبهات فساد، والذي وجدنا أنّه أسس شركات "أوف شور" ارتبطت بعقود التسليح في حرب اليمن.
الاسم الثاني، يوسف بن راكان بن هندي العتيبي، يدير شركة Milvards التي تشارك شركة Larkmont Holdings Limited في إدارتها، وتأسست في 23 حزيران/ يونيو 2017، أي بعد 6 أشهر من تأسيس Larkmont، ولا تظهر بيانات تسجيل الشركة من مالكها.
شراء الأسلحة كان عبر شركات وسيطة ومتعاقدين أميركيين. من الجانب السعودي كانت شركتا "لاركمونت" و"ريناد الجزيرة"، ومن الطرف الصربي كانت شركة "GIM".
زار الحسن وشعراني مصنع "كروسيك" الصربي في الثامن من أيار/ مايو 2017 لمعاينة الأسلحة. وفي العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2018، زارت مجموعةٌ من المتعاقدين الأمريكيين مصنع "كروسيك" مع أربعة ضباط سعوديين.
الضابط السعودي محمد الحسن، بحسب الوثائق، مثّل شركة ريناد الجزيرة وكان مخوّلاً بالتعامل مع وزارة الدفاع السعودية في كل التعاملات المالية والإدارية لشركة "لاركمونت"، وفيما بعد استغل الحسن هذه الصلاحيات المخوّلة له من طرف الشركة للتوسط في صفقات الأسلحة من صربيا إلى السعودية.
بحسب قول ما يُطلق عليه لقب أمير منطقة البيضاء (داعش) في ولاية اليمن: "قامت الشرعيّة (يقصد نظام الرئيس هادي) باستخدام عباءة القاعدة، فجعلت بعض أنصار القاعدة يتولّون الأمر، فكانت تدعمهم بالذخيرة والسلاح وترتب أمورهم وتهيئ لأن تجعل من بعضهم قادة للكتائب، وبعضهم يُظهر رُتبته العسكرية وبعضهم لا يُظهرها، وبفضل الله انكشف هذا المشروع ولم يفلح".
وتظهر صور مأخوذة من ملفات فيديو نشرها تنظيم الدولة في محافظة البيضاء صوراً لأسلحة صربية كانت من ضمن الصفقات التي اشترتها وزارة الدفاع السعوديّة من مصنع "كروسيك" الصربيّة، وغير معروف كيف وصلت تلك الأسلحة إلى التنظيم.
الصور تبيّن قذائف هاون علامات التعرف عليها واضحة، من خلال رقم القطعة مقارنة مع عقود الشراء التي وقعتها السعودية عبر الشركة الوسيطة GIM مع مصنع "كروسيك" الصربي.
تكشف الوثائق أنّ وزارة الدفاع السعودية كلّفت متعاقدين، تشير الوثائق إلى أنّ عناوينهم في الإمارات العربية المتحدة، لكنّ جنسياتهم توزعت بين رومانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية وبلغاريا، بشراء ونقل الأسلحة الصربية التي اشترتها.
كان من ضمن الصفقة، تسليم ما يزيد عن سبعة آلاف قطعة (عيار 82 ملم) من قذائف الهاون M74 (الفوسفور الأبيض) من مصنع كروسيك الصربي، بقيمة تتجاوز 217 مليون دولار.
في تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" ووسائل إعلام أخرى، فإنّ السعودية استخدمت الفوسفور الأبيض في عملياتها في اليمن، سواء ضدّ أهداف على الحدود قرب مدينة جيزان أو في العاصمة صنعاء. تلك التقارير أشارت إلى أنّ الولايات المتحدة هي من زوّدت السعودية بالفوسفور الأبيض. وعليه ربما استعانت السعودية بصربيا لتزويدها بالفوسفور، تحسباً لانتقادات إعلاميّة تستهدف توريد الولايات المتحدة لأسلحة محرمة دولياً إلى السعوديّة.
ويحظر
البروتوكول الثالث
بشأن حظر أو تقييد استخدام الأسلحة المحرقة، المعتمد في 10 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1980، جعل المدنيين هدفاً للهجوم بالأسلحة المحرقة، حيث يعتبر الفوسفور الأبيض من
الأسلحة المحرقة.
أسهمت صربيا وبلغاريا وأذربيجان وتركيا في تسهيل عمليات نقل الأسلحة من صربيا جواً إلى السعودية.
وكان الدور الأكبر لشركة "سيلك واي إيرلاينز" الأذربيجانية، التي نقلت الأسلحة الصربية التي اشترتها وزارة الدفاع السعوديّة في رحلات يتمّ التخليص الجمركي فيها وفقاً للبروتوكول الدبلوماسي.
ما زالت مجموعة من الأسلحة التي أسهم الحسن في شرائها عبر الشركات التي يديرها، بالإضافة إلى ضبّاط سعوديين آخرين، تُستخدم من قبل تنظيم داعش في اليمن. ويبقى السؤال الذي لم تُجب عنه وزارة الدفاع السعودية بعد التواصل معها: هل تهم الفساد التي يتمّ التحقيق فيها مع الأمير فهد بن تركي ونجله والسعوديين الأربعة -بما فيهم الحسن- هي بسبب شركات الــ "أوف شور" التي استخدمت في شراء الأسلحة خلال حرب اليمن؟