ARIJ Logo

في عام 2014، عاش حسن محمد (45 عاماً) في ظلام دامس داخل قريته "نجع جبران" التابعة لمدينة نصر النوبة بمحافظة أسوان جنوب مصر. لم تكن قرية حسن وقتها الوحيدة المحرومة من الكهرباء، فـ 2.3% من قرى محافظة أسوان البالغ عددها 133 قرية، كانت حينذاك محرومة من الكهرباء.

أقلّ من واحد بالمئة (0.4%) من قرى مصر شبيهة بحالة قرية حسن محمد، و(2.1%) من القرى من أصل 4655 قرية على مستوى الجمهورية منازلها متصلة جزئياً بالشبكة، وفقاً لمسح الريف الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في العام 2015، وهي البيانات الأحدث.

نسبة المنازل المتصلة جزئياً وغير المتصلة بالشبكة

2.1% من منازل الريف المصري متصلة جزئياً بالشبكة

icon

مرر/ي المؤشر على المحافظة لمشاهدة النسب

100% 0%
20% الوادي الجديد


المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – المسح الشامل لخصائص الريف المصري

كان إجمالي قدرات الطاقة الاسمية المملوكة للشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2014، يساوي 32 جيجاوات تقريباً، والحمل الأقصى (أقصى طلب على الكهرباء) يساوي 26 جيجاوات تقريباً. لتبدأ الحكومة المصرية ببناء محطات كهربائية لحلّ أزمة حسن وغيره من المصريين.

ضاعفت الحكومة القدرات الاسمية للطاقة خلال سبع سنوات لتصل إلى 59.5 جيجاوات تقريباً في منتصف حزيران/ يونيو 2020، رغم أنّ أقصى حمل (أقصى طلب على الكهرباء) خلال الفترة ذاتها لم يتجاوز 31 جيجاوات، لتحقق المحطات فائضاً كهربائياً يصل إلى أكثر من 24 جيجاوات.

رغم هذا الفائض، ما زال حسن محمد حتى هذه اللحظة، يقضي الليل مع بقية عائلات القرية البالغ عددها 120 أسرة على أنوار الفوانيس والكشافات. وفي النهار يذهب ليقدم شكوى جديدة لشركة مصر العليا لتوزيع الكهرباء، فتحفظ الشكوى بجانب الشكاوى القديمة، ويعود حسن خائباً مرة أخرى إلى قريته على حدّ قوله لمُعِدَّة التحقيق.

يوثق هذا التحقيق استمرار الحكومة المصرية في بناء محطات توليد كهرباء خلال الفترة من عام 2014 إلى حزيران/ يونيو 2020، بقروض خارجية ومحلية رغم تحقيق مصر فائضاً في الكهرباء، ما يهدر مليارات الجنيهات سنوياً بسبب عدم تشغيل المحطات بكامل طاقتها، لعدم وجود أسواق لبيع الكهرباء المُنتجة محلياً، مع استمرار حرمان قرى من التيار، إضافة إلى استمرار الانقطاع الكهربائي في المحافظات المصرية، بسبب عدم تطوير شبكات النقل بما يتلاءم مع وتيرة إنشاء محطات الإنتاج.

تضاعف المحطات

بدأت الحكومة في حزيران/ يونيو 2014 بتنفيذ خطة عاجلة لمدة ثمانية أشهر ونصف فقط، لمواجهة أزمات انقطاع التيار. وفقاً للتقرير السنوي الصادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر عام 2015، انتهت الخطة في صيف 2015، بإضافة 52 وحدة غازية متولدة من ثماني محطات إلى الشبكة العامة للكهرباء بإجمالي قدرات 3.632 جيجاوات، مقابل استثمارات وصلت إلى 20.8 مليار جنيه (1.1 مليار دولار).

بعد إضافة المحطات الجديدة وصل إجمالي القدرات الكهربائية إلى 35.220 جيجاوات، وكانت نسبة الحمل الأقصى (أعلى استهلاك للكهرباء) في نفس العام (2015) 28.015 جيجاوات، لتحقق المحطات فائضاً كهربائياً يساوي 7.205 جيجاوات بنسبة 20% من إجمالي القدرات المُتاحة على مستوى الجمهورية.

وفقاً للهامش الاحتياطي أو الفائض المتعارف عليه عالمياً والمتّبع في معظم دول العالم وهو 15-20% من أقصى حمل للكهرباء طبقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، كان يجب أن تمتلك مصر فقط من 4.202 إلى 5.603 جيجاوات كهامش احتياطي (فائض) للكهرباء، ولكنها تجاوزت هذا الرقم بداية من عام 2015.

لم تتوقف الحكومة عن إنشاء المحطات بعد وصولها لهذا الفائض. فقامت بإضافة 38 محطة توليد كهرباء إلى الشبكة العامة للكهرباء خلال سبع سنوات (حزيران/ يونيو 2014 - حزيران/ يونيو 2020) بإجمالي قدرات بلغ 32.458 جيجاوات، بتكلفة وصلت 322.8 مليار جنيه (17.5 مليار دولار) ليصل إجمالي القدرات الكهربائية على مستوى الجمهورية إلى ما يقارب 60 جيجاوات، مُحققة بذلك فائض كهرباء وصل إلى أكثر من 24 جيجاوات عام 2020.

تزيد قدرات المحطات المنشأة خلال تلك السنوات (2014-2020) عن إجمالي قدرات المحطات المُنشأة على مستوى الجمهورية منذ بدايات إنتاج الكهرباء في مصر.

الفرق بين القدرات المضافة على الشبكة وبين أقصى حمل

عام 2020 يمثل أعلى فائض كهربائي في مصر

القدرة بالميجاوات

السنوات

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر بين 2014–2020
يتمّ حساب فائض الكهرباء عن طريق احتساب الفرق بين القدرات والحمل الأقصى، ثمّ طرح النتيجة من هامش الاحتياطي.

توقف إجباري

يتسبب هذا الفائض بخسائر ضخمة، كما تشرح عبلة جادو أستاذة هندسة القوى الكهربائية بجامعة المنوفية والمديرة العامة للدراسات والتطوير في شركة جنوب الدلتا لتوزيع الكهرباء سابقاً. "المحطات تعمل وفقاً للاحتياج الفعلي من الكهرباء خلال اليوم، ما يجعل المحطات المتبقية متوقفة وتستهلك وقوداً، لكنّها لا تعمل ولا تخرج منها كهرباء، ما يقلل من عمرها الافتراضي"، تروي جادو.

كما يوضح الباحث في قطاع الطاقة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، محمد يونس، أنّ كلّ محطة لها عمر افتراضي، وتمّ إنشاؤها للعمل بسعتها القصوى خلال هذا العمر، "وجود فائض يجبر هذه المحطات الجديدة على التوقف أو العمل بسعة أقلّ، ما يتسبب بهدرٍ في القيمة الاقتصادية للمحطة لأنّنا لا نحصل منها على أيّ عائد".

خالد العربي وهو اسم مستعار لمصدر مسؤول داخل الشركة القابضة لكهرباء مصر -أجرى حواراً مطولاً مع مُعِدَّة التحقيق بشرط عدم ذكر اسمه- يؤكد أنّ عدداً من المحطات توقف بالفعل بسبب الفائض، فيما تعمل المحطات الأخرى بسعة قليلة مقارنة بالسابق.

يثبت ما سبق تحليل البيانات الواردة في التقارير السنوية الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر خلال الفترة بين 2015-2020، إذ زاد عدد المحطات التي تعمل بأقلّ من نصف طاقتها خمس مرات.

فبينما بلغ عدد المحطات التي تعمل بأقل من نصف طاقتها في عام 2020 ما مجموعه 51 محطة من أصل 91 محطة مربوطة على الشبكة، كان عدد المحطات التي تعمل بنصف الطاقة في عام (2015) ما مجموعه 19 محطة فقط.

كما أنّ عدد المحطات التي تعمل بأقلّ من ربع طاقتها زاد أكثر من خمسة أضعاف في نفس الفترة، إذ وصل في عام 2020 إلى 32 محطة، في حين كان عددها 6 محطات فقط في عام 2014.


"يظهر تحليل بيانات الشركة القابضة لكهرباء مصر، أنّ هناك عشر محطات مربوطة على الشبكة لا تعمل تماماً في عام 2020".

المحطات المتوقفة


المحطة الشركة نوع المحطة سنة التشغيل
وادي حوف القاهرة غازي 1985
هليوبولس القاهرة غازي 2016
البساتين القاهرة غازي 2016
شرم الشيخ شرق الدلتا غازي 1997
المساعيد الغازية شرق الدلتا غازي 2018
المحمودية الجديدة وسط الدلتا غازي 2016
كفر الدوار غرب الدلتا بخاري 1986
دمنهور البخارية غرب الدلتا بخاري 1969
دمنهور المركبة غرب الدلتا دورة مركبة 1995
أبوقير الغازية غرب الدلتا غازي 1983

محطات الكهرباء التي تعمل جزئياً


المحطات

السنوات

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر بين 2010-2020

يعتبر محمد يونس عدم استغلال المحطات الجديدة التي دخلت منظومة الكهرباء بعد عام 2014، هدراً كبيراً لأنّ الحكومة لم تُشغل أو تستغل هذه المحطات في الوقت الذي كانت فيه بأعلى جودة لها، وكان من الأفضل التمهل في إنشاء المحطات حتى تتوافر أسواق لبيع الفائض.

أرباح مُهدَرة

بعملية حسابية تقديرية شملت متوسط سعر بيع الكهرباء للمواطن في الشرائح السبع، وفائض الكهرباء غير المستغل على مدار السنوات السبع، نجد أنّ الفائض أدى إلى أرباح مُهدرة كان من الممكن تحقيقها في حال تشغيل المحطات بكامل طاقتها وبيع التيار. تصل تلك الأرباح الضائعة في حال بيع الكهرباء في ساعة واحدة من السنة إلى ما يقارب 3 مليون جنيه (حوالي 163 ألف دولار) في عام 2020.

الأرباح المُهدرة نتيجة الفائض غير المستغل


icon

اضغط/ي على السنة لمشاهدة التفاصيل



ملحوظة: تمّ حساب الأرباح المهدرة عن طريق ضرب متوسط أسعار الشرائح السبع لأسعار الكهرباء في مقدار فائض الكهرباء السنوي، وهي أرقام تقديرية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. يقول خالد العربي، إنّ الشركة القابضة للكهرباء مجبرة حالياً على تسديد ديون وفوائد القروض التي استدانتها لإنشاء تلك المحطات.

ويشير ديفيد باتر، محلل السياسة والاقتصاد والأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس (Chatham House) لمُعِدَّة التحقيق إلى أنّ تمويل المحطات يشكل عبئاً إضافياً على الميزانية العامة لوزارة المالية من خلال الضمانات التي قدمتها للتمويل النموذجي +EPC (عقد الهندسة والمشتريات والبناء) لمدة عشر سنوات.

وفقاً لتحليل قوائم المركز المالي الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر، خلال الفترة بين 2014 و2020 زاد معدل اقتراض الشركة القابضة لكهرباء مصر، بنسبة 242%. كان إجمالي القروض في 2014 حوالي 82 مليار جنيه (4.5 مليار دولار) ووصل إلى 282 ملياراً (15.3 مليار دولار) في 2020، ما تسبب في زيادة أعباء التمويل (الفوائد) في نفس الفترة بنسبة 231%. في عام 2014 خلفت القروض فوائد وصلت 15 مليار جنيه (816 مليون دولار)، بينما وصلت في 2020 إلى 51 مليار جنيه (2.8 مليار دولار).

معدلات أرصدة القروض والأعباء التمويلية

بالمليار جنيه

السنوات

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة بين 2015–2020

زاد أيضاً رصيد القروض التي وفرتها وزارة المالية للشركة القابضة لكهرباء مصر من الموازنة العامة للدولة، من 34 مليار جنيه (1.8 مليار دولار) في 2016 إلى ما يقارب 143 مليار جنيه (7.8 مليار دولار) في 2019. وكذلك زاد رصيد الضمانات من 68 ملياراً إلى 154 مليار جنيه (3.7 مليار دولار إلى 8.4 مليار دولار) خلال نفس الفترة.

نظراً لعدم وجود بيانات تفصيلية فيما يخص قروض محطات الإنتاج، قامت مُعِدَّة التحقيق بتجميع قروض المحطات التي تمّ إنشاؤها في الفترة بين عاميْ 2014 و2020 من أرشيف الأخبار المحلية ومواقع البنوك. ووفقاً للبيانات المتاحة، فإنّ الحكومة حصلت بحد أدنى على 35 قرضاً لإنشاء محطات كهرباء خلال تلك الفترة، من بنوك محلية وإقليمية وأوروبية.

حصلت مصر خلال عام 2014 على 14 قرضاً، وفي عام 2015 على 9 قروض، مقابل 9 قروض أخرى في عام 2016، بحد أدنى. أبرزها قروض محطات شركة سيمنز الثلاث وهي البرلس وبني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة، البالغة قدراتها معاً 14.400 جيجاوات وتمّ تمويلها من تحالف من 17 بنكاً دولياً أبرزها: إتش إس بي سي (HSBC)، وكيه إف دبليو أيبكس (KfW IPEX) ودويتشه بنك (Deutsche Bank).

أما في عام 2017، فحصلت مصر على قرض واحد من تحالف مكون من تسعة بنوك لتمويل محطة كهرباء "بنبان" تقوده مؤسسة التمويل الدولية ويضم البنك الإفريقي للتنمية، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والبنك العربي في البحرين، ومجموعة سي دي سي (CDC Group)، والبنك العربي الأوروبي، وصندوق جرين فور جروث (Green for Growth Fund)، وفين فاند، والبنك الصناعي والتجاري الصيني.

كما حصلت مصر في عام 2018 على قرضيْن من الوكالة اليابانية (جايكا) لتمويل محطة جبل الزيت للرياح، ومحطة كهرباء "كوم أمبو" من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

لا تتوفر أيّ بيانات عن القروض التي حصلت عليها الشركة القابضة لكهرباء مصر خلال عاميْ 2019 و2020 رغم استمرار الحكومة في إنشاء محطات كهرباء جديدة.

كما لا تتوفر بيانات رسمية عن الشركات المصنعة والمُنفذة لمحطات الكهرباء الجديدة، ولكن وفقاً لقاعدة بيانات جمعتها مُعِدَّةُ التحقيق من أرشيف الأخبار المحلية وإفصاحات الشركات للبورصة، فإنّ شركة أوراسكوم للإنشاءات كان لها النصيب الأكبر من عدد مشاريع محطات الكهرباء الجديدة، إذ عملت كمقاول رئيسي في 8 محطات، تليها شركة السويدي إلكتريك للمكونات الكهربائية بواقع 5 محطات.

أما الشركات الأجنبية فتعددت جنسياتها، ولكن شركة جنرال إلكتريك الأمريكية، نفذت وصنعت وحدها 6 محطات خلال الفترة بين عاميْ 2014 و2020، وكذلك شركة سيمنز الألمانية التي نفذت وصنعت بمفردها 5 محطات في مصر وهي محطات سيمنز الثلاث (البرلس وبني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة) إضافة إلى محطة عتاقة الغازية ومحطة الرياح بجبل الزيت.

يقول عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنّ وجود قدرات لإنتاج الكهرباء أكثر من الطلب عليها هو استثمار مكلف لأنّه بلا عائد اقتصادي، خصوصاً أنّ إنشاء تلك المحطات كان قائماً على الاقتراض.

ويرى عادلي أنّ القروض المحلية والخارجية لها تأثيرات ومخاطر مختلفة على الاقتصاد الكلي، فالدين الخارجي زاد بنسبة كبيرة جداً في آخر خمس سنوات، ووصل في عام 2021 إلى 138 مليار دولار، ما يعرض الاقتصاد لصدمات، أما الدين الداخلي فيرفع معدل التضخم والفائدة.

ويضيف عادلي أنّ محطات الكهرباء لها معدل إهلاك وعمر افتراضي، متسائلاً عن سبب تحميل الدولة نفسها عبء استثمار لن تأخذ العائد منه في السنوات الخمس أو العشر القادمة.

التضييق على الطاقات المتجددة

تتنوع أنواع محطات الكهرباء الجديدة المُضافة بعد عام 2014 إلى شبكة الكهرباء بين المحطات المركبة والطاقة الشمسية والرياح والغازية والبخارية والمائية.

النصيب الأكبر من قدرات المحطات الجديدة كان لمحطات الدورة المركبة، وهي المحطات العاملة بالغاز الطبيعي بشكل أساسي والسولار أو المازوت بشكل ثانوي بما يقارب ثلاثة أرباع (70%) القدرات الجديدة المضافة، تليها قدرات المحطات البخارية بنسبة 12%، ثمّ قدرات المحطات الغازية بنسبة 9% تقريباً.

أما قدرات المحطات المتجددة (الشمس والرياح والماء) فلا تتجاوز جميعها نسبة 8%، من قدرات المحطات المضافة بعد عام 2014 رغم أنّها مصدر غير مكلف ونظيف.

المحطات الكهربائية الجديدة المُضافة بعد عام 2014


icon

اضغط/ي على الشركة لمشاهدة التفاصيل



Made with Flourish

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر بين 2015-2020

تتفق عبلة جادو، ومحمد يونس على أنّ فائض الكهرباء الكبير أضاع فرص الاستثمار في محطات الطاقة المتجددة، سواء المحطات الشمسية أو محطات الرياح. تقول جادو إنّ تخمة فائض الكهرباء أبطأت عمليات الاستثمار في محطات الطاقة المتجددة من القطاع الخاص والحكومي.

يقول أحمد حمدي، رئيس شركة إفريقيا لخدمات الطاقة الشمسية، إنّ الحكومة ضيّقت على محطات الطاقة الشمسية في الوقت الراهن بسبب فائض الكهرباء الكبير، حيث أوقفت التعاقد مع المحطات الخاصة سواء المملوكة للمصانع أو الأهالي ولم تعد تسمح لهم بالربط على الشبكة العامة للكهرباء.

يؤكد كلام حمدي ما أصدره جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك في أيار/ مايو 2020 من ضوابط جديدة لنظام صافي القياس للمحطات الشمسية، من ضمنها ألّا تتجاوز قدرات المحطات المملوكة لأيّ جهة مرخصة أو أحد عملاء التوزيع 25 ميجاوات، وبحد أقصى 20 ميجاوات للمشروع الواحد.

تصدير طفيف

تسعى الحكومة المصرية لتصريف هذا الفائض الكبير من خلال تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة عن طريق الربط الكهربائي بين مصر وجيرانها، ولكن حافظ سلماوي، أستاذ هندسة الطاقة بكلية الهندسة في جامعة الزقازيق، والرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك السابق، يقول إنّ الغرض من خطوط الربط هو تبادل الطاقة بما يشمل الاستيراد والتصدير وليس فقط التصدير.

وفقاً للتقرير السنوي الأحدث الصادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر في عام 2021، تمتلك مصر ثلاثة خطوط ربط مع الدول المجاورة لها منذ عام 1998، وهي خط الربط الليبي الذي يخدم ليبيا فقط، وخط الربط الأردني الذي يخدم الأردن وسوريا ولبنان، وخط الربط السوداني المخصص للسودان فقط.

أكبر الخطوط جهداً هو خط الربط الأردني بـ 450 ميجاوات، فيما يتساوى خط الربط الليبي والسوداني من حيث الجهد بـ 220 كيلو فولت لكلٍّ منهما.

يوضح تحليل التقارير الصادرة عن الشركة القابضة لكهرباء مصر في الفترة بين عاميْ 2010 و2020، تراجع صادرات الشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهي الشركة المسؤولة عن نقل وتصدير التيار بين مصر ودول الربط عبر شبكتها.

وصل حجم الصادرات في عام 2011 إلى حوالي 1595 جيجاوات في الساعة بقيمة مالية وصلت 99 مليون دولار، بينما تراجعت الكهرباء المصدّرة إلى 885 جيجاوات بعائد مالي بلغ 48 مليون دولار في عام 2020.

لا تمثل الكهرباء المصدّرة إلى دول الجوار إلّا هامشاً طفيفاً من الكهرباء المولّدة على مستوى الجمهورية، إذ كانت نسبتها عام 2012 الأعلى خلال الأعوام 2010-2020، بما يساوي 1.1% من الطاقة المولّدة على مستوى مصر، أما في فترة توسع المشروعات (2014-2020)، فلم تتجاوز نسبة الصادرات 0.4%.

استوردت الشركة القابضة لكهرباء مصر أيضاً حوالي 95 جيجاوات في الساعة من الدول المجاورة، وهي القيمة الأكبر لحجم واردات مصر من الكهرباء خلال الفترة بين عاميْ 2014 و2020.

حجم الطاقة المولَّدة مقارنة بالطاقة المصدَّرة


إجمالي الطاقة المولَّدة (جيجاوات ساعة) إجمالي الطاقة المصدَّرة (جيجاوات ساعة)

2009
2010
2011
2012
2013
2014
2015
2016
2017
2018
2019
2020
2009
2010
2011
2012
2013
2014
2015
2016
2017
2018
2019
2020


تسعى الحكومة حالياً لإنشاء خطوط ربط بين مصر والدول المجاورة ودول جديدة في أوروبا وإفريقيا لبيع الكهرباء لها، مثل السعودية وقبرص واليونان والعراق وبعض الدول الإفريقية.

يرى حافظ سلماوي، أنّ الدول الوحيدة التي يمكننا بالفعل صرف أو بيع فائض الكهرباء لها هي السودان والعراق، أما الدول المتبقية فتمتلك هي الأخرى فائضاً من الكهرباء، وسيكون الربط معها قائماً على التبادل أكثر من التصدير.

الظلام مُستمر

كل هذه القدرات الفائضة لا تشفع في يوم شديد الحرارة أو البرودة في حياة محسن شلبي، الذي يعيش في قرية "بحطيط" التابعة لمركز أبو حماد في محافظة الشرقية. يقول محسن شلبي "أحياناً لا نرى النور لمدة 10 ساعات يومياً خلال شهور الصيف". يُرجع شلبي سبب ضعف وانقطاع التيار لعدم وجود محوّلات كافية في قريته. يحكي لمُعِدَّة التحقيق أنّ الشركة لم تقم ببناء محوّلات في القرية منذ إدخال الكهرباء لها.

يُرجع حافظ سلماوي أسباب الانقطاع إلى مشاكل في شبكات التوزيع لا في محطات الإنتاج، بسبب تقادم المحوّلات والأعمدة والخطوط وخصوصاً في القرى. بينما يرى محمد يونس، أنّ التوسع في إنشاء المحطات الكهربائية لم يقابله توسع مماثل في تطوير شبكات نقل الكهرباء.

ووفقاً لتحليل البيانات، زادت محولات التوزيع في الفترة بين عاميْ 2014 و2020 بنسبة 21%. كما زادت في نفس الفترة القدرات الاسمية للمحطات بنسبة 85.9%.

وتيرة الزيادة في القدرات الكهربائية أسرع بالمقارنة بمعدّل الزيادة في عدد محولات التوزيع، أو معدّل الزيادة في الاستهلاك. ففي عام 2018 الذي شهد أعلى زيادة في القدرات الكهربائية مقارنة بالعام الذي سبقه بنسبة 23%، كانت الزيادة في الاستهلاك لا تتجاوز 5%، وكذلك لم يتجاوز معدل الزيادة في عدد المحولات ما نسبته 2%.

معدلات الزيادة في القدرات الكهربائية مقارنة بمعدلات الزيادة في المحولات الكهربائية

معدل الزيادة في القدرات الكهربائية معدل الزيادة في المحولات

Made with Flourish

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر بين 2014-2020

أما بالنسبة للخطوط والكابلات، ففي عام 2018 قامت الشركة بتدشين كابلات وخطوط على الجهد 22 ك.ف، بطول 21 كيلومتراً، أما بالنسبة لطول الخطوط والدوائر والكابلات على الجهد 33 ك.ف فتراجعت بنسبة 15%، وظلت ثابتة كما هي على الجهد 132 ك.ف، فيما زادت بنسبة 6% على الجهد 66 ك.ف، كما زادت بنسبة 7% على الجهد 220 ك.ف بين عاميْ 2014 و2019، وزادت بنسبة 81% على الجهد 400-500 ك.ف بين عاميْ 2014 و2019.

تراجع المبيع

رغم زيادة أعداد المشتركين في شركات التوزيع في آخر ثلاث سنوات بمعدل ثابت يمثل 4%، إلّا أنّ الكهرباء المبيعة لهؤلاء المشتركين تتراجع باستمرار، ففي عام 2020 تراجعت بنسبة 5% عن عام 2019. وتراجعت بنسبة 10% عن عام 2018.

معدلات الطاقة المبيعة مقارنة بعدد المشتركين

السنوات

المصدر: التقرير السنوي للشركة القابضة لكهرباء مصر 2020

يرجع خالد العربي أسباب التراجع إلى زيادة أسعار الكهرباء في المقام الأول، ما دفع جميع المواطنين إلى ترشيد استهلاكهم بسبب فاتورة الاستهلاك الضخمة نهاية كلّ شهر. إذ ارتفعت الفاتورة خمسة أضعاف قيمتها، في السنوات السبع الأخيرة.

لا يبدو أنّ وتيرة إنشاء محطات جديدة ستنخفض، فوفقاً لتقرير الشركة القابضة للكهرباء لعام 2020 وهو الأحدث، فإنّ الحكومة تخطط لإضافة 4760 ميجاوات جديدة خلال الخطة الخمسية التاسعة (2022-2027)، بخلاف قدرات محطة الضبعة النووية البالغة قدرتها 4.800 جيجاوات ليصل إجمالي القدرات إلى 70 ألف ميجاوات.

وبينما تخطط الشركة القابضة لكهرباء مصر الآن لإنشاء محطات جديدة، يقضي حسن محمد أيامه في البحث عن حلّ لأزمة الكهرباء في قريته نجع جبران. ويجري محسن شلبي اتصالاته ليعرف متى ستتوقف الكهرباء عن الانقطاع في منزله بقرية بحطيط بالشرقية، ليطفئ أنوار منزله حال وصول الكهرباء إليه حتى يرشّد استهلاكه خوفاً من فاتورة ضخمة في نهاية الشهر يضطر لدفعها.

توجهنا لوزارة الكهرباء عبر البريد الإلكتروني بأسئلتنا عن أسباب الاستمرار في إنشاء محطات الكهرباء رغم الفائض ولم يصلنا أي رد.

إذا كانت لديكم معلومات عن فساد في عقود الكهرباء أو أخبار عن توقف محطات عن العمل أو تراجع قدراتها أو أيّ خلل في الشبكة بالتوزيع أو الهدر، شاركونا المعلومات عبر منصة iarij.net. سنتقصى حولها ونتحقق منها قبل نشرها في تحقيق استقصائي مع ضمان السرية والخصوصية والأمان الكامل لمطلق الصفارة.

Whistleblowers