7/12/2020
بكمامة مثبتة بين أعلى الأنف والذقن دخل السيد محمد المحسناوي، الممرض بمستشفى النجيلة بمرسى مطروح (غربي مصر)، معركته مع فيروس كورونا المستجد، ظناً منه أنّه متسلح بدرع وقاية طبي قادر على صد هجمات الفيروس.
وما هي إلّا أيام قليلة حتى كانت دعوات الرحمة تُتلى على صورته التي وضعها محمد علام نائب رئيس مستشفى العزل الأول في مصر، بتاريخ 27 نيسان/ أبريل 2020، ناعياً الممرض الذي رحل نتيجة إصابته بكوفيد-19.
يكشف هذا التحقيق أنّ الكمامة التي ارتداها المحسناوي والتي تحمل المواصفات القياسية الأمريكية N95 ليست معتمدة من قبل المعهد الوطني الأمريكي للصحة والسلامة المهنية NIOSH، وهو المعهد المختص بجانب مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية باعتماد أدوات الوقاية المهنية. وأنّها استقدمت إلى وزارة الصحة المصرية عام 2007 لمواجهة أنفلونزا الطيور في إطار برنامج إصلاح القطاع الصحي الممول من البنك الدولي.
وعندما ضربت جائحة كورونا مصر والعالم نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي، أخرجتها الوزارة من داخل مستودع التموين الطبي بالعباسية، ووزعتها على المستشفيات الحكومية ليتمّ استخدامها من قبل الطواقم الطبية العاملة هناك وتحديداً داخل مشافي العزل بما فيها النجيلة.
لم يكن المحسناوي الأول بين طاقم عمل مستشفى النجيلة الذي توفى إثر الإصابة بفايروس كورونا، ففي نفس المكان الذي يبعد 440 كيلومتراً عن القاهرة، سبقه أمين المخازن ناجي صالح الجراري، قبل أن تتسع دائرة الإصابة بالمستشفى الذي نشرت صفحته الرسمية في 7 أيار/ مايو أخباراً عن شفاء ثلاثة أطباء من كادره من كورونا.
من بين هؤلاء الدكتور محمد علام الذي أرجع، في حديثه لمُعِدِّ التحقيق، الإصابات إلى الاحتكاك المباشر بين المرضى والعاملين بالقطاع الصحي، ولكنّه أكد أيضاً على توفير المستشفى لكافة أدوات الوقاية المنصوص عليها في بروتوكول مكافحة العدوى، وعلى رأسها الكمامة الأمريكية N95.
ويؤكد هذه الأقوال الدكتور مصعب البدراوي، الذي أُصيب بدوره أثناء عمله بقسم الطوارئ بمستشفى دار الشفاء بالقاهرة الذي يُعد واحداً من 320 مستشفى تمّ تخصيصها لاستقبال مصابي كورونا، لافتاً إلى أنّه تلقى كمامته منذ اليوم الأول من التعامل مع الحالات المشتبه بإصابتها، ويقول إنها كانت متوفرة داخل مخزن المستشفى ولم ترد حديثاً، وظلّ يرتديها أثناء تقديم الخدمة الصحية، دون أن يتسلل إليه الشك بشأن أصالتها.
في مصر، وصلت أعداد الأطباء الذين توفوا إثر أصابتهم بفيروس كورونا إلى 194 طبيباً، وفقاً لآخر إحصاء لنقابة الأطباء التي سبق لها في 25 مايو/ أيار أن طالبت وزارة الصحة بتوفير وسائل الوقاية الشخصية كاملة.
المحسناوي مرتدياً الكمامة
البدراوي مرتدياً الكمامة
ومثلما جمعت بين كل من المحسناوي وعلام والبدراوي والجراري الإصابة بالفيروس، جمعت بينهم الكمامة TY 0424، التي كان يفترض أن تكون واحدة من وسائل الوقاية التي احتمى بها هؤلاء ضد الفيروس.
تأتي الكمامات N95 على رأس قائمة تشمل 7 أدوات وقاية منصوص عليها في البروتوكول المصري لمكافحة العدوى، فضلاً عن توصية منظمة الصحة العالمية باستخدامها عند التعامل مع حاملي فيروس كورونا، ما يعني أنّ عدم استخدامها أو أي قصور في أدائها لدى الاستخدام يرفع مخاطر انتقال العدوى بشكل كبير.
لذا، فإنّ استخدام الكمامات TY 0424 باعتبارها مدرجة ضمن كمامات N95 المعتمدة من قبل NIOSH داخل المستشفيات الحكومية وقت بدء جائحة كورونا، يأتي أولاً، مخالفاً للبروتوكول المصري للوقاية من العدوى في المستشفيات، الذي ينص على ضرورة ارتداء كمامات N95 وما يعادلها في الكفاءة عند التعامل المباشر بين أفراد الطاقم الطبي ومرضى يطلقون رذاذاً. وثانياً، فهو يخالف توصيات منظمة الصحة العالمية.
وهي المخالفات التي لم ترد عليها وزارة الصحة حتى تاريخ نشر التحقيق، ولم تخبرنا إذا ما كانت هناك مصادر أخرى لكمامات N95 تستخدمها داخل المشافي، أم أنّ الأمر يقتصر على الكمامات التي وثّق التحقيق مصدرها.
داخل 20 من الصروح الطبية المصرية، بينها 15 مستشفى عزل من أصل 27، اتخذها مُعِدُّ التحقيق عينة للبحث تكرر ظهور كمامة ذات شكل مميز، يرتسم في أسفلها مستطيل يؤطر نوعها ورقم الإنتاج، وفي أقصاها إشارة إلى أنّ الكمامة من نوع TY 0424 ترجع للمنتجات المطابقة للمواصفات القياسية N95 المعتمدة من قبل NIOSH.
النخيلة المركزي بمطروح
أبو خليفة بالإسماعيلية
مستشفى قها بمحافظة القليوبية
مستشفى العزل بأسوان
عزل العجمي بالإسكندرية
مستشفى دار الشفاء بالقاهرة
معامل الشؤون الصحية بأسيوط المختصة بتحليل عينات PCR
قسم العزل بجامعة أسيوط وداخل معامل الشؤون الصحية
مستشفى الأقصر الدولي
بدأنا البحث عبر موقع NIOSH، فلم نجد النوع 0424 TY ضمن الأنواع المدرجة في قائمة منتجاته المعتمدة.
تعقبنا مصدر الكمامة عبر محركات البحث لنتوصل إلى أنّها من منتجات شركة TEYIN الواقعة بمدينة Jiangsu الصينية التي تخصص على موقعها الإلكتروني قائمة فارغة للكمامات التي تزعم أنّها تحمل NIOSH N95.
وتمتلك الشركة مصنعاً مختصاً في إنتاج ملابس ومستلزمات الوقاية. ولكن بالعودة إلى موقع المعهد الأمريكي لم نجد المصنع مدرجاً في قائمة المصانع المعتمدة لديه بداية تفشي فيروس كورونا.
تظهر مقارنة الكمامة الصينية بالنموذج الأمريكي للكمامات الذي أورده معهد NIOSH على موقعه الإلكتروني للتمييز بين منتجاته الأصلية والمنتجات المزيفة اختلافات واضحة: أولها بشأن ترتيب وضع البيانات على الكمامة، وثانياً غياب الرقم الكودي TC الخاص باعتماد المنتج. وحذر المعهد من أنّ عدم لصق الرقم الكودي TC على صدر الكمامة يُعَدُّ من علامات تقليد المنتج.
الكمامة الأمريكية المعتمدة
صورة مقربة للكمامة
تواصلنا مع القسم الإعلامي بالمعهد الأمريكي عبر البريد الإلكتروني، وجاءنا الردّ من المعمل الوطني لتكنولوجيا الحماية الشخصية المختص بتقييم منتجات الوقاية التابع لـ NIOSH، أنّ رقم الاعتماد ورقم القطعة غير مثبتين على واجهة الكمامة 0424 TY، ما يعني "أنّه لا يمكن القول إنّها معتمدة من قبل المعهد".
وأحالنا المعهد الأمريكي إلى قائمة تحتوي على نماذج من أقنعة الوجه التي تقلّد العلامة التجارية N95 وتروّج لها باعتبارها حاصلة على اعتماد NIOSH. ويصاحب القائمة تحذير بأنّ هذه المنتجات التي انتشر الترويج لها مؤخراً لا توفر الحماية المنشودة من فيروس كورونا المستجد لمن يستخدمها.
إمداد الفرق الطبية بكمامات صينية مقلّدة للكمامات الأمريكية، يعتبر خرقاً صريحاً للبروتوكول المصري لمكافحة انتقال العدوى، الصادر عن الإدارة المركزية للشؤون الوقائية، الذي ينص على ضرورة ارتداء القناع التنفسي N95 أو FFP2 (قناع التنفس المعتمد من قبل الإتحاد الأوروبي)، عند القيام بإجراء قد ينتج عنه تطاير رذاذ من المريض، مثل: (تركيب أنبوبة قصبة هوائية - عمل شفط للجهاز التنفسي - أخذ مسحة من الحلق).
يأتي البروتوكول المصري متوافقاً إلى حد كبير مع الدليل المؤقت الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية في 6 نيسان/ أبريل الماضي، للتوصية بضرورة توفر الكمامات N95 أو FFP2,3 للطواقم الطبية عند تعاملها المباشر مع مرضى يطلقون رذاذاً.
هناك إذاً حلقة مفقودة بين النصّ الورقي وما يجري تطبيقه على أرض الواقع في المستشفيات.
فإن لم يكن ممكناً تحديد عدد الكمامات التي وزعتها وزارة الصحة المصرية على المشافي الحكومية ومشافي العزل بدقة كبيرة، وهو الطلب الذي لم تستجب له الوزارة لدى سؤالها عنه، يبقى أنّ مجرد استخدام كمامة TY باعتبارها N95 هو مخالفة صريحة لنصّ البروتوكول.
استمدت الكمامات N95 اسمها من قدرتها على ترشيح الهواء بنسبة لا تقل عن 95%، بينما تتراوح معدلات تنقية الأقنعة الجراحية الأخرى، ما بين 10 إلى 90%، وفقاً لدراسة أجراها معهد NIOSH في 2009، للتوصية باستخدام الأطباء الكمامة N95 في تعاملهم مع مرضى فيروس H1N1.
يشرح جيم ميلي وهو دكتور الهندسة البيئية بجامعة نيو هامبشير الأمريكية والخبير في مكافحة الأوبئة، لمعد التحقيق عبر بريده الإلكتروني المتاح على موقع الجامعة، التقسيم الصناعي للكمامة N95 التي تتكون من ثلاث طبقات، الأولى لصد الرذاذ، والثانية من مواد كهروستاتيكية لاحتجاز جسيمات الفيروسات، والثالثة طبقة تلائم الوجه حيوياً.
ويوضح ميلي، أنّ حجم غبار الجو يتراوح بين 10 و2,5 ميكرون، وهو مضرٌّ بالرئتين، لذا فإنّ الكمامة N95 قادرة عبر طبقاتها الثلاث على تنقية الهواء من الجسيمات التي يتجاوز حجمها 0.3 ميكرون، وهي بدورها فعالة في الوقاية من الغبار.
أما الفيروسات من نوع كوفيد–19، فحجمها أصغر بكثير من غبار الجو ويصل إلى 0.12 ميكرون، وتصد الكمامة من نوع N95 ما نسبته 25% من الفيروس العالق بجسيمات أكبر، مثل الغبار أو الرذاذ عبر الطبقة الأولى، فيما تقوم الطبقة الكهروستاتيكية الثانية التي تحتوي ألياف البولي بروبلين ذات الشحنة الموجبة، بجذب الفيروس ذي الشحنة السالبة، وتمنعه من التسرب إلى مرتدي الكمامة N95.
أما الكمامة الصينية، فلا تعد بذلك بحسب دواعي الاستخدام التي نشرتها الشركة الصينية على المواقع التجارية التي تعلن بها.
وتعلن الشركة عن الكمامة TY 0424، عبر عدد من المنصات التجارية الإعلانية الصينية، مصحوبة بدواعي الاستعمال التي تقتصر على الوقاية من: "غبار الصنفرة والكنس وطحن الأدوية والأتربة الناتجة عن تفكيك المواد، ومن الأسمنت والزراعة وتربية الحيوانات، والتقطيع والتلوث الناتج عن المعادن الثقيلة". ولكنّها لا تأتي على ذكر استخدامها طبياً.
إمساك طرف الخيط في مصدر الكمامة 0424 TY، المستخدمة في المستشفيات التي رصدها التحقيق دفعنا إلى مواصلة البحث عن كيفية إدخالها إلى مصر.
وعليه، تواصلنا مع مكتب الاستيراد التابع للشركة الصينية TE YIN عبر البريد الإلكتروني باعتبارنا تجاراً نريد السؤال عن الكمية المتاحة من الكمامة TY 0424.
فلم تنفِ الشركة أنّ الكمامة من إنتاجها، مشيرة إلى أنّ الكمية نفدت تماماً. ثمّ تواصلنا معها بهويتنا الصحفية، فتغاضت عن الإجابة على أسئلتنا حول تقليدها للعلامة التجارية N95، والمطالبة بالكشف عن الجهات التي ورّدت لها الكمامات.
إلّا أنّ محركات البحث تحصر الانتشار الجغرافي للإعلانات التجارية للمنتج بين الصين ومصر. وتُرجع أول إعلان عن الكمامة في مصر إلى تاريخ 17 شباط/ فبراير 2020. تبع ذلك انتشار واسع لإعلانات بيع الكمامة، يروج لها أفراد لا شركات على مواقع التواصل الاجتماعي.
بفحص بيانات عبوة المنتج التي حصلنا على صور مقربة لها، اتضح أنّ المعلومات الواردة على الكمامة TY 0424 مغلوطة بداية من الشريط الأحمر الذي يتصدر العبوة، ليبرز أن الكمامة حاصلة على تصريح من معهد NIOSH، مرروًا بعدم ذكر نوع الكمامة أو طبع صورة واضحة لها، انتهاءً ببيانات المُصدر الذي، خلافًا لما رصدناه، جاء على العبوة باسم xiantao fushi protective products co. ltd. ولا يظهر الموقع الخاص بالشركة أن مصنعها ينتج هذا النوع من الكمامات، فضلًا عن أن هذه الجهة هي الأخرى ليست مدرجة في قائمة الجهات المعتمدة من قبل NIOSH.
فجاءنا الرد في مقطع مسجل بأنّ هذه الكمامة صينية الصنع، وغير مرفق بها مستندات، ولذلك تباع بسعر 65 جنيهاً (4.5 دولارات تقريباً)، بينما تُباع الكمامات الأمريكية المصحوبة بمستندات الاعتماد بـ 135 جنيهاً (9 دولارات تقريباً).
ما وجدناه من اختلافات بين بيانات المنتج الملصقة على العبوّات وحقيقة المنتج يُخالف ما تنصّ عليه اللائحة الاستيرادية الصادرة بقرار رقم (770) لسنة 2005 بوجوب إجراء الفحص المعملي للشحنات الوافدة، وفقًا للمادة (90)، وأن تلتزم هيئة الجمارك المصرية بنتائج الفحص التي تقوم بها معامل وزارة الصحة، قبل الإفراج النهائي عن الشحنة، وفقاً للمادة (108).
تنسب عبوة الكمامة TY 0424 استيراد المنتج إلى شركة "هاي تك" للمشروعات والتجارة المسجلة بكود EGS50591C014، ووفقاً لموقع الشركة، فإنّها تقدم بالإنابة أو بشكل مباشر خدمات التعاقد والتوريد. كما أنّها تقوم بخدمات التجهيزات الطبية والصيانة لصالح قطاعات واسعة بوزارة الصحة المصرية.
واصلنا البحث داخل مخازن المستشفيات المصرية، فوجدنا صورة من داخل أحد المخازن بمستشفى قها المركزي تظهر أنّ الكمامة 0424 TY مغلفة داخل نفس العبوة التي حصلنا عليها من السوق السوداء.
وحصلنا على صورة مقربة للكرتونة التي تحوي العبوات من أحد المستشفيات الذي طلب عدم ذكر اسمه، لنجد أنّ مشتري الكمامة هو وزارة الصحة نفسها، التي عهدت لشركة "هاي تك" مسؤولية استيراد المنتج.
وبالبحث في قاعدة بيانات التوريد الخاصة بالبنك الدولي، وجدنا أنّ البنك هو المموّل لهذه الصفقة التي أُبرمت بين شركة "هاي تك" ووزارة الصحة في تموز/ يوليو 2007، بمبلغ وصل إلى 1 مليون و185 ألف دولار.
ووفقاً للبيانات التي حصلنا عليها من قسم البيانات في شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"، فإنّ الكمامات استقدمت ضمن برنامج إصلاح القطاع الصحي في مصر الذي بدأ في 1998 وأنهى كافة أعماله في 2009.
ضمن البرنامج طلبت وزارة الصحة استيراد ما لا يقلّ عن 5 ملايين كمامة N95، لاستخدامها في مواجهة أنفلونزا الطيور بحسب نسخ أوراق العطاء التي قمنا بمراجعتها.
وبالرجوع إلى صور كرتونة المنتج المذكورة أعلاه، اكتشفنا أنّ تاريخ إنتاج الكمامات المستخدمة داخل المستشفيات المصرية الآن، يرجع إلى تموز/ يوليو 2007، بالتزامن مع وقت توقيع العقد، وقبل نحو 13 عاماً من تفشي فايروس كورونا.
ولم ترد على الكمامة أيّ معلومات عن مدة صلاحيتها، فيما تبلغ مدة صلاحية منتجات 3M N95 "الأصلية" ما بين 3 إلى 5 سنوات بحد أقصى، بحسب الشركة المصنعة.
عند هذه النقطة قررنا التوجه بما وثّقناه بشأن الكمامات المستخدمة في المستشفيات المصرية، إلى وزارة الصحة، وأرسلنا عبر البريد الرسمي للوزارة أسئلتنا طلباً للرد، وذلك بعد محاولات مكثفة للتواصل مع المتحدث باسم الوزارة الدكتور خالد مجاهد، باءت جميعها بالفشل. وحتى تاريخ النشر لم يصلنا أي رد من الوزارة على أسئلتنا.
تظهر قاعدة بيانات البنك الدولي أنّه يُطالب متلقي المنح و مقدمي العطاءات والوسطاء والمتعاقدين والاستشاريين بمراعاة أعلى معايير الشفافية أثناء عمليات التوريد وتنفيذ العقود.
عطاء استقدام الكمامات طُرِح وفقاً لمعايير العطاءات التنافسية الدولية التي يتبعها البنك الدولي ولا تتطلب معرفة أسماء المالكين الحقيقيين المنتفعين. تقدمت 11 جهة بعروض إلى وزارة الصحة والسكان المصرية. وتمّ إرساء العطاء على شركة "هاي تك" باعتبارها الشركة التي تقدمت بأقل سعر تمّ تقييمه، وقد حصل مُعِدُّ التحقيق على نسخة من العطاء الموقع بين البنك الدولي ووزارة الصحة.
وبحسب الوثائق المتاحة أبرمت شركة "هاي تك" عقداً مع وزارة الصحة في 5 تموز/ يوليو 2007 مقابل 948 ألف دولار.
ثمّ طلبت وزارة الصحة من البنك زيادة قيمة العقد بنسبة 25% نظراً للحاجة العاجلة لتوفير أكبر عدد من الكمامات، ووصلت قيمة العقد إلى مليون و185 ألف دولار مقابل مدّ الوزارة بـ 5 ملايين كمامة (23 سنت/ كمامة).
لم ترد وزارة الصحة المصرية على طلبنا معرفة عدد الكمامات التي استُخدمت في 2007 من إجمالي الإرسالية والكمية المتبقية في مخازن التموين الطبي بالعباسية، التي أُعيد استخدامها مع بداية جائحة كورونا علماً أنّ مخازن التموين المذكورة هي الجهة التي استلمت الشحنة كاملة.
وردّت شركة "هاي تك" على مُعِدِّ التحقيق بمراسلة إلكترونية قالت فيها إنّ دورها في الصفقة يقتصر على تمثيل الشركة الصينية وتوريد الكمامات للوزارة، وإنّ وزارة الصحة هي المنوط بها استخراج كافة التصاريح لإدخال المنتج وفحصه من خلال شركة فحص عالمية قبل إدخال البضاعة إلى مخازن التموين الطبي. وأضافت الشركة أنّه "نظراً لمرور سنوات طويلة على إنتاج الكمامات فمن المؤكد انتهاء مدة صلاحيتها".
الشركة الصينية المورّدة للمنتج xiantao fushi protective products co. ltd لم ترد على الأسئلة التي وجهناها إليها.
عدنا إلى المعهد الأمريكي NIOSH الذي شدد على أنّ الشركة الصينية ليس لها أيّ تصريح لإنتاج كمامات N95، وأنّه لا توجد في قائمة منتجاته المعتمدة كمامة من نوع TY 0424.
وبعدها، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، أدرج المعهد الأمريكي الكمامة TY 0424 ضمن قائمة الكمامات المزيّفة المحذّر من استخدامها.
في شهر آذار/ مارس الماضي وزعت الإدارة العامة لمكافحة العدوى على المشافي قائمة بالمستلزمات الطبية الواجب استخدامها عند التعامل مع مرضى فيروس كورونا المستجد، ومن ضمنها استخدام "ماسك تنفسي عالي الكفاءة" عند الاقتراب من مرضى يصدر منهم رذاذ.
مستند قائمة المستلزمات
تبع ذلك إصدار إدارة الطب الوقائي في بداية نيسان/ أبريل تشديدات بعدم السماح لأيّ مقدم خدمة طبية بالتعامل مع المرضى إلا بعد التأكد من ارتداء أدوات الوقاية الشخصية "المناسبة" المنصوص عليها في بروتوكول مكافحة العدوى.
وأعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد في بيان لها صدر يوم 25 أيار/ مايو أنّ فرق مكافحة العدوى، وفرت 274 ألفاً و840 كمامة N95، و37 ألفاً و500 كمامة طبية "عالية الكفاءة".
والكمامات عالية الكفاءة هي التي تُستخدم في المستشفيات، ولكن في الحالات التي لا تتطلب احتكاكاً مباشراً مع مرضى كورونا، ولا يزيد حجم الثقوب بها عن 5 ميكرون.
رئيس الشعبة العامة للمستلزمات الطبية في الغرف التجارية محمد إسماعيل عبده، يقول إنّ الكمامات N95 تُصنع في أمريكا وفي الصين، مشيراً إلى أنّ مصر تستورد احتياجاتها من المستلزمات الطبية بشكل أساسي من الأخيرة.
ويضيف أنّ وزارة الصحة اجتمعت بمصنّعي المستلزمات الطبية المصرية عند بداية أزمة كورونا في شباط/ فبراير الماضي وطلبت منهم توفير كميات من الكمامات، وأمدّتها الشركات بـ 20 مليون كمامة من إنتاج 15 مصنعاً محلياً.
مصدر من داخل أحد المستشفيات المصرية يحكي عن تجربته، قائلاً إنّه كان يعمل في مستشفييْن وقت بدء جائحة كورونا، وزّع أحدهما على العاملين فيه كميات من كمامة N95 يقتصر نوعها على 0424 TY، بينما وُزّعت في المستشفى الآخر كمامات جراحية، ما دفعه إلى تقديم استقالته من هذا المستشفى.
كلام مصدرنا تؤكده البيانات الرسمية التي تشير إلى أنّ 9 من الجهات الصحية طلبت توريد كمامات N95 بدايةً من منتصف شباط/ فبراير. إلّا أنّه وفقاً لقاعدة بيانات بوابة التعاقدات العامة المختصة بالمشتريات الحكومية، لم يبت في أمر التوريد الخاص بجميع الطلبات حتى نهاية أيار/ مايو، ولم يبت فيها حتى منتصف يونيو. بينما ظهرت الكمامة TY عوضاً عنها في بعض المستشفيات.
من ضمن هذه المشافي مستشفيات جامعة أسيوط التي طلبت شراء 20 ألف كمامة N95 في 13 شباط/ فبراير، قبل أن يتجدد الطلب في 27 نيسان/ أبريل، فيما شهدنا داخل مستشفى العزل بالمدينة الجامعية استخدام الكمامة 0424 TY يوم 8 أيار/ مايو، وبعدها بيوم أعلن رئيس جامعة أسيوط تلقّي 14 من الطواقم الطبية المنتمية للجامعة العلاج في مستشفى الراجحي الجامعي بعد إصابتهم بفيروس كورونا.
5 فبراير
مستشفيات جامعة طنطا
13 فبراير و27 أبريل
مستشفيات جامعة أسيوط
15 فبراير
مستشفى المطرية التعليمي
20 فبراير
مديرية الشؤون الصحية بالإسكندرية
23 فبراير
مستشفيات جامعة المنوفية
26 فبراير
مستشفى قليوب التخصصي
22 مارس
معهد الأورام
31 مارس
مستشفى الزرقا المركزي
مستشفى الأقصر الدولي
تعافى علّام والبدراوي من الفيروس، ليعودا إلى صفوف زملائهما في المستشفيات، تصاحبهما الكمامة 0424 TY التي لا تصلح للوقاية من فايروس كورونا، والمورّدة من الصين ببيانات غير مطابقة للمواصفات بعد 13 عاماً قضتها في المستودعات، إلى أن أفرجت عنها وزارة الصحة وجعلتها جزءاً من أدواتها للوقاية، حينما أعلنت منظمة الصحة حالة التأهب العالمي لمواجهة الفيروس المميت.
قاعدة بيانات تفاعلية توضح الإجراءات الاحترازية الرئيسية التي اتخذتها الحكومات العربية لمواجهة كوفيد-19، وأعداد الإصابات والوفيات بكورونا والمتعافين منها في الدول العربية. للاطلاع اضغط/ي هنا.