صور "عمّال الوطن" في مخالفة لاحتياطات السلامة والوصف الوظيفي
تدق الساعةُ الخامسة مساءً، فيبدأ قاسم من محافظة إربد عمله وقوفاً على الجزء الخلفي المهترئ من شاحنةِ النفاياتِ بالوضعية ذاتها لمدة تزيد على 8 ساعات يومياً. ولم ينسَ خلالها تفاصيل حادثة سقوطه وتفتت ركبته اليسرى، ما أرقده في المستشفى لأسابيع، وما يزال تحت العلاج.
قاسم واحدٌ من بين ما يزيد على 15 ألف عامل نظافة في الأردن معرضين للحوادث الخطرة، بشكل مستمر دون توفير عناصر السلامة العامة والحماية، أو تلقيهم تدريباً كافياً وتعليمات واضحة، بحسب تحليل مقابلات وجاهية مع 30 منهم، ينقسمون بين عمّال أمانة عمّان الكبرى الذين يعملون ضمن حدود العاصمة، وعمّال البلديات الأخرى.
سقط قاسم عن كابسة نفايات لخلل في السلم الجانبي الذي يمسك به، ثمّ دهسته نفس الكابسة بغفلة عن السائق. أُسعف إلى مستشفى الأميرة بسمة الحكومي، وأجرى عملية تثبيت أسياخ بلاتين لرجله المصابة. وبعد أسبوعين من العلاج رفضت البلدية إعطاءه المغادرات لمتابعة العلاج الطبيعي، وأبلغته أنّ أيّ تغيّب سوف يقطع من راتبه البالغ 220 ديناراً أردنياً شهرياً (310 دولارات أمريكية).
رئيس بلدية إربد حسين بني هاني يقرّ بخطورة المهنة، وخصوصاً من يعملون على الآليات والكابسات، إذ إنّهم معرّضون لقطع أصابعهم أو سحبهم داخل الكابسة. ويقول "هُناك إصابة أو اثنتان كلّ شهر، وحالات وفاة نتيجةَ خطأ فردي".
ويؤكد بني هاني تلقّي العمال دورات تدريبية تمتد لأسبوعيْن بداية تعيينهم، ومن دورتيْن لثلاث سنوياً، وهذا ما نفاه العمال الثلاثون الذين قابلناهم ومنهم قاسم. وأكدوا أنّ تدريبهم بداية التعيين عبارة عن أيام عمل مع تشديد مراقب العمال، ولم يتلقوا خلالها أو بعدها أيّ تعليمات تتعلق بمخاطر الطريق أو الإسعافات الأولية.
توفي عاملان وأصيب 153 في عمّان خلال 2018. وترتفع الإصابات في البلديات إلى 336 مع ثلاث وفيات، بحسب مدير المركز الإعلامي لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، الذي اعتبر هذه الأعداد مؤشراً على ضعف احتياطات السلامة العامة التي يزوّد بها العامل أثناء تأدية عمله.
زادت الوفيات من عام 2015 حتى عام 2019 ووصلت إلى 10 عمال أردنيين وواحد من جنسية عربية. ووصل عدد الإصابات في العام الماضي إلى 213 إصابة، بحسب خلود غنيمات مديرة الإعلام بمؤسسة الضمان الاجتماعي.
إصابة عمل نتج عنها وفاة عامل
تقول العضو السابق لمجلس نقابة المحامين نور الإمام، إنّ عدم وجود احتياطاتٍ للسلامة لدى عمال النظافة وجعلهم معرضين للأمراض، انتهاكٌ واضِحٌ لقانون العمل وحقوقهم، إذ تنصّ أحكام المادة (78) من قانون العمل رقم (8) لعام 1996، على أن تكون معدات الوقاية الشخصية للعاملين قادرة على إزالة وتقليل الخطر أو الضرر والوقاية من الأمراض إلى الحدّ المأمون المسموح به، كالملابس والنظارات والقفازات والأحذية وغيرها، وإعلامهم قبل تشغيلهم بمخاطر مهنتهم وسبل الوقاية الواجب عليهم اتخاذها.
لا تتوقف المشكلات عند التعرض للإصابة، بل يليها حرمان من الإجازات، وخفض في الأجر، وتعقيدات أثناء فترة العلاج، والمطالبة بالتعويضات وخاصة لمن يعملون بنظاميّ المياومة والعقود.
رصدت كاميرا مُعِدِّ التحقيق على مدار عاميْ 2019 و2020 نقل البلديات وأمانة عمان عمال النظافة لأماكن عملهم التي تفتقر إلى أدوات السلامة.
الأربعينيُّ محمد، مثبَّت في بلدية السويمة التابعة لمحافظة البلقاء، براتب 300 دينار، من دون زيادات خلال عمله الذي استمر 14 عاماً. أُصيبَ بكسر نتيجة تحطم سلم الشاحنة إبان محاولته النزول عنها، ما استدعى ذهابه إلى المشفى بسيارةِ أحد أقاربه.
ينكر رئيس البلدية محمد الجعارات وجود إصابات "جادة" لعمال النظافة. وأشار إلى قطع أصبع أحد العمال بسبب كابسة النفايات، الأمرُ الذي نفاهُ محمد بتقديم تقارير طبية تؤكد إصابة قدمه بكسر، وإصابة زميله بمرضٍ معوي نتيجةَ عمله بين النفايات.
طبيب الأمراض الصدريّة نذير عبيدات يقول إنّ العمال معرضون لإصابات مثل الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي، نتيجة عملهم مع المكاره، ما يستوجب التشديد على توعية العمال صحياً، وضرورة أخذهم مطعوماً ضدّ الإنفلونزا بداية كلّ شتاء.
بعد 100 يوم من العمل المتواصل بلا إجازات. حاول العشرينيّ سامر تغيير طبيعة عمله، التي تقتضي التعشيب والدهان ونقل الصخور، لإصابته بدسكٍ في الرقبة والظهر، ولم يستطع خشية صرفه من الخدمة أو الخصم من أجره.
يقرّ رئيس بلدية الشفا إبراهيم غرايبة، بأنّ عمّال النظافة لا يحصلون على دورات تدريبية، لذا يتعرضون لإصاباتٍ طفيفة، بالمقابل فإنّ لهم مكافآت وإجازات سنويّة، وبدل عطلة.
ويشدد المدير التنفيذي للبيئة في أمانة عمان محمد الطيطي، على ضرورة حصول العامل على دورات وإرشادات السلامة العامة، مشيراً إلى أنّ عُمّال الأمانة يحصلون على ذَلك. بالإضافةِ إلى قيام المُراقبين بدوراتٍ تفقديَّةٍ للعمال، وفحصٍ شاملٍ لهم قبل قبولهم.
خلال فترةِ إعدادنا للتحقيق توفيَّ عاملٌ نتيجةَ عدم توفر شواخص ليلية تشير لتواجده ما أدى لدعسه. بالإضافةِ لبترِ قدمِ عاملٍ آخر إثر سقوطه بشكلٍ حادٍ أثناء العمل.
استحدثت أمانة عمان دائرة السلامة العامة عام 2015، وتتركز مهمتها الأساسية في توفير بيئة عمل آمنة للحفاظ على سلامة العاملين في الميدان، وتوفير كافة الوسائل والأدوات التي تحفظ سلامتهم. وتمّ استحداث هذه الدائرة بعد بلوغ عدد الوفيات الناتجة عن إصابات العمل 135 وفاة على مستوى المملكة في ذلك العام.
عجز كلي
عجز جزئي
وفاة
رغم ذلك استمرت الإصابات بين عمال النظافة ما دفعهم للاعتصام أمام مبنى وزارة البلديات عام 2018 للمطالبة بحقوقهم، المتمثلة بتحسين ظروفهم المعيشية، ووضع استراتيجيات تخفف من الظروف والممارسات الخطرة، وتطوير ثقافة السلامة لدى العاملين والمشرفين. واستجابت البلديات لهذه المطالب بزيادة أجور العمال جميعهم بـ 20 ديناراً أردنياً في الشهر من دون خصوصية لعامل النظافة، ولم تطبق أيّ من الوعود المتعلقة بالسلامة. وذلك بحسب رئيس اتحاد النقابات العمالية للعاملين في البلديات أحمد السعدي.
في 17 آذار/ مارس 2020 أعلنت الحكومة الأردنية تعطيل المؤسسات والدوائر الرسمية، وفرضت حجراً منزلياً على المواطنين، ومنعت التجمع لأكثر من 10 أشخاص للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، واستُثنيَ من القرار العاملون في القطاعات الخدمية الضرورية كعمال النظافة.
رصدت كاميرا مُعِدِّ التحقيق نقل بلدية السلط الكبرى في الجهة الخلفية لـ "بك أب" أكثر من 10 عمال بدون أبسط أدوات السلامة المهنية.
خطابات عديدة وجهتها شبكة أريج لأمانة عمان الكبرى ووزارة الإدارة المحلية بدأت في شهر شباط/ فبراير 2021، ولم نحصل على رد عليها حتى تاريخ نشر هذا التحقيق، للإجابة عن أسئلة تتعلق بالواقع الذي يعيشه عمال النظافة وطرق نقلهم وتوفير معدات السلامة لهم، بحجة الانشغال بـ "أزمة كورونا".