جاري التحميل..
تابع
0
/ 30
أين اختفى البحر ؟

"شواطئ سود"

تسرّب نفطي يقوّض الحياة البحرية في رأس غارب ويهدّد صحة سكانها
وزارة البيئة المصرية عاجزة وشركات البترول تتنصل من المسؤولية
30/06/2020
شاهد/ي خلاصة التحقيق في أقلّ من دقيقتين

مع إشراقة الشمس، تقف فاطمة غريب (42 عاماً)، خلف نافذتها لعلّها تستنشق نسمات البحر قبل الذهاب إلى روضة الأطفال، مقر عملها في مدينة رأس غارب المُطلة على البحر الأحمر. إلّا أنّ تلوثاً نفطياً على امتداد الشاطئ يعكر صفو اللحظة، إذ يصبغ الرمال بلون داكن ويسوّد زرقة البحر.

حال هذا الشاطئ لا يختلف عن بقية سواحل المدينة، المتشحة بالسواد نتيجة "تسرّب نفطي" مزمن من حقول شركات البترول في عرض البحر. "كارثة بيئية"، تحاصر فاطمة وأطفال روضتها، إلى جانب عشرات الآلاف من سكان المنطقة، فتحيل الرمال إلى مكبّ لجِيَف أحياء برية، والبحر إلى مرتع أسماك ملوثة بمركّبات سميّة قد تجد طريقها إلى موائدهم. أما الشواطئ، فيغطّيها السواد حاجباً رمالها وحصاها.

التسرّب النفطي المتكرر يتغلغل أيضاً ويصل إلى الشعاب المرجانية -حاضنة الأحياء البحرية-، وسط ضعف هيئات حماية البيئة والبترول، وعدم التزام شركات نفط بقوانين حماية البيئة والتنقيب البحري. ويفاقم المشكلة تراشق الاتهامات بين وزارة البيئة وهيئاتها الرقابية وبين الشركة العامة للبترول، المتهم الرئيسي بتلويث البيئة هناك، بحسب ما يكشف هذا التحقيق.

التلوث يحاصر "فاطمة" وأطفال روضتها

التسرّب النفطي المتكرر يتغلغل أيضاً في الشعاب المرجانية -حاضنة الأحياء البحرية-، وسط ضعف هيئات حماية البيئة والبترول، وعدم التزام شركات نفط بقوانين حماية البيئة والتنقيب البحري. ويفاقم المشكلة تراشق الاتهامات بين وزارة البيئة وهيئاتها الرقابية وبين الشركة العامة للبترول، المتهم الرئيسي بتلويث البيئة هناك، بحسب ما يكشف هذا التحقيق.

petrol drop
25
واقعة تسرب بترولي
بين عامي 2015 - 2019

سجّل جهاز شؤون البيئة 25 واقعة تسرّب بترولي بمدينة رأس غارب بين عاميْ 2015 و2019. في 22 منها، حمّل الجهاز الشركة العامة للبترول مسؤولية التلوّث على امتداد الشاطئ، واتهمها بخرق قوانين صون البيئة البحرية. على أنّ الشركة خرجت من دون مساءلة في عدد من القضايا، مستفيدة من "شيوع الاتهام"، وفق قرارات المحاكم. إلى جانب طول أمد التقاضي، الذي تضمحل خلاله ملامح التلوّث فيصعب ربطه بالمتسبب.

بموازاة ذلك، أظهرت نتائج تحليل ثلاث عيّنات تطابق بصمة الزيت -المتسرّبة بين كانون الأول/ ديسمبر 2018 وشباط/ فبراير 2019- مع مخرجات حقول الشركة ذاتها وآبارها بنسبة تتعدّى 99 في المئة. تتناقض نتائج تلك التحاليل -التي حصلت مُعِدّة التحقيق على نسخة منها- مع دفوع الشركة في القضايا المرفوعة ضدّها، على قاعدة أنّ "بصمة" الزيت موضع الشكاوى تتماهى مع تسرّبات من شركات أخرى.

إلّا أنّ رئيس الشركة العامة نبيل عبد الصادق، يرفض نتائج الفحوص ويتهم جهاز شؤون البيئة، بالتخلي عن دوره في تدقيق البحث عن الآبار المسرّبة للنفط، والافتقار إلى أدوات قياس حديثة لتحديد المتسبب الحقيقي.

سجّل جهاز شؤون البيئة 25 واقعة تسرّب بترولي بمدينة رأس غارب بين عاميْ 2015 و2019. في 22 منها، حمّل الجهاز الشركة العامة للبترول مسؤولية التلوّث على امتداد الشاطئ، واتهمها بخرق قوانين صون البيئة البحرية. على أنّ الشركة خرجت من دون مساءلة في عدد من القضايا، مستفيدة من "شيوع الاتهام"، وفق قرارات المحاكم. إلى جانب طول أمد التقاضي، الذي تضمحل خلاله ملامح التلوّث فيصعب ربطه بالمتسبب.

بموازاة ذلك، أظهرت نتائج تحليل ثلاث عيّنات تطابق بصمة الزيت -المتسرّبة بين كانون الأول/ ديسمبر 2018 وشباط/ فبراير 2019- مع مخرجات حقول الشركة ذاتها وآبارها بنسبة تتعدّى 99 في المئة. تتناقض نتائج تلك التحاليل -التي حصلت مُعِدّة التحقيق على نسخة منها- مع دفوع الشركة في القضايا المرفوعة ضدّها، على قاعدة أنّ "بصمة" الزيت موضع الشكاوى تتماهى مع تسرّبات من شركات أخرى.

إلّا أنّ رئيس الشركة العامة نبيل عبد الصادق، يرفض نتائج الفحوص ويتهم جهاز شؤون البيئة، بالتخلي عن دوره في تدقيق البحث عن الآبار المسرّبة للنفط، والافتقار إلى أدوات قياس حديثة لتحديد المتسبب الحقيقي.

لكن بينما ترى الشركة العامة أنّ جهاز شؤون البيئة "لا يملك سوى اتهامات" غير ثابتة، عاينت مُعِدّة التحقيق الإثباتات المسجّلة في محاضر موثقة. مع ذلك، تنتهي غالبية القضايا المرفوعة ببراءة الشركة الحكومية الوحيدة بين 35 شركة متعاقدة مع الحكومة المصرية للتنقيب في تلك المنطقة. إذ تنجح الشركة في إثبات تشابه "بصمة" الزيت الخاصّة بحقولها مع شركات أخرى تعمل في ذات المنطقة، ما يرسّخ شيوع الاتهام بين الشركات، والتشكيك في تطابق بصمتها مع الزيت المسرّب على "الشواطئ السود".

فاطمة وجيرانها من أهل المدينة، اعتادوا مشهد الأحياء البحرية النافقة على الشواطئ المحيطة بمنازلهم.

مُعِدّة التحقيق جمعت كائنات بحرية عشوائياً وعيّنات من التربة والماء في مناطق عدّة، وأخضعتها للفحص المخبري، الذي وثّق ارتفاع مستويات التلوث عن المعايير الدولية، ما يهدّد البيئة البحرية وسكان المنطقة المحيطة.

كائنات بحرية نافقة وسط التسرّب البترولي

على مسافة 314 كيلومتراً جنوب شرقي القاهرة تقع مدينة رأس غارب، التي يقطنها 41 ألفاً و526 شخصاً حتى نهاية 2019.

وفق جهاز التعبئة والإحصاء. يخرج من هذه المنطقة 67 في المئة من مجمل إنتاج الزيت الخام والمتكثفات بمصر، المقدّر حالياً بـ 630 ألف برميل يومياً، بحسب وزير البترول طارق الملا.
وتنتج الشركة العامة للبترول وحدها 37 ألف برميل يومياً من حقول رأس غارب، بحسب تأكيد مديرها الحالي نبيل عبد الصادق.

يتمتع البحر الأحمر وخليج السويس الذي تطل عليه رأس غارب بتنوع بيولوجي، إذ يؤوي:

1,000
نوع من الأسماك
250
نوعاً من المرجان الصخري
4
أنواع من السلاحف
300
نوع من الطيور
200
نوع من الحيوانات اللافقارية
500
نوع من الطحالب
المصدر: وزارة البيئة المصرية

مُعِدّة التحقيق أجرت حصراً لحجم التسرّبات البترولية في خمس سنوات -من 2015 حتى 2019- بالاستناد إلى بيانات وزارة البيئة المصرية ووزارة البترول.

التسريبات البترولية والبلاغات ضد الشركة العامة للبترول

2015
2016
2017
2018
2019
التسريبات
6
4
3
4
8
البلاغات
4
3
3
4
8

تقدّم جهاز شؤون البيئة المصري بـ 15 بلاغاً إلى النيابة العامة في السنوات الثلاث الأخيرة، يتهم فيها الشركة العامة للبترول بالتسبب في تسرّب زيت خام إلى مياه البحر. شاطئ رأس غارب الممتد على خليج السويس على مسافة 75 كيلومتراً هو الأكثر عرضة للتسرّب النفطي.

المادة (52) من قانون البيئة المصري تحظر على الشركات المصرّح لها باستكشاف واستخراج البترول البحري، تصريف أي مادة ملوثة ناتجة عن الحفر أو الاستكشاف أو اختبار الآبار أو الإنتاج في البحر، وتلزمها باستخدام الوسائل الآمنة، التي لا يترتب عليها الإضرار بالبيئة المائية.
كما تفرض المادة (90) من القانون غرامة لا تقل عن مائة وخمسين ألف جنيه (3175 دولاراً) ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه (14,174 دولاراً) على من يخالف ذلك.

في الثالث من كانون الثاني/ يناير 2017، قدّم رئيس لجنة الطاقة والبيئة في مجلس النواب حمادة غلاب، طلب إحاطة إلى وزراء البيئة والبترول والسياحة، بشأن التسرّبات البترولية في منطقة رأس غارب وخليج السويس. وبعد عامين ونصف في آب/ أغسطس 2019، تكرّر طلب الإحاطة من النائب طارق متولي عقب تسجيل 5 حوادث جديدة.

للاطّلاع على نتائج لجنة التحقيق:

"الأمر صار عاديّاً"، هكذا تصف "فاطمة" التعاطي السلبي للجهات المسؤولة عن التلوث في المدينة. يؤثر التلوث في حياة سكان المنازل القريبة من البحر بقدر ما يؤثر في حياة من ترتبط أرزاقهم بما يجود به البحر من أسماك، وهم الصيادون.

شباك خاوية

يعمل سمير صبري في البحر منذ 15 عاماً، حين كان في الثامنة عشرة من عمره. لا حرفة له الآن غير صيد الأسماك. إلّا أنّ تلوث الشواطئ حرمه جني ما يكفي من قوت يومه، بل وقضى على أنواع بعينها من الأسماك، كما أتلف الشباك ومعدات الصيد، حسبما يقول.

شكوى سمير تؤكدها تقارير معاينة البيئة لأحد مواقع التسرّب في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، "بعد كل تسرّب جديد، تتجمع أجزاء من النفط على هيئة كرات صغيرة سوداء تسمى (كرات القار)، تعوق حركة الزوارق والصيد بالشباك، وتفسد جمال الشواطئ الرملية".

شح الأسماك في ساحل رأس غارب يعود إلى خمس سنوات مع زيادة وتيرة التسرّب البترولي، بحسب مقابلات مع ستة صيادين مخضرمين. يُقدر رئيس الجمعية التعاونية لصائدي الأسماك في رأس غارب، علي حسين، عدد الصيادين بنحو ألف يتوزعون على 43 مركباً، ترتبط لقمة عيشهم بما يجود به البحر .

ويقدّر حسين تراجع كمية الأسماك التجارية بنسبة 80 في المئة، لافتاً إلى اختفاء أنواع من الأسماك بالكامل مثل "الشعور والمرجان والحرير والكوشر". ويقول: "الأسماك قلّت بوجه عام، ولكن يصل الأمر في أيام التسريب إلى أن يكون العائد من الصيد أقل من كلفة التشغيل؛ إذ ينفق الصياد في رحلته 800 جنيه (50 دولاراً)، لكنّه يعود بعد يومين من العمل الشاق بأسماك لا يزيد ثمنها في السوق على 100 جنيه (6.5 دولار)، بسبب هروب الأسماك وموت الزريعة (السمك الصغير)".

النفط يتلف شباك "سمير" ويحرمه قوت يومه

يختلف مدى تأثير سُمِّية مكونات النفط، بحسب دورة حياة الأسماك. وتعدّ اليرقات الأضعف والأكثر تأثراً، فيما تكون الأسماك في دائرة الخطر إذا كانت في الأجزاء العلوية من الماء، بحسب كتاب صدر عام 2008 عن وزارة البيئة المصرية ووكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا).

الطبقة النفطية تحجب الضوء عن الأحياء المائية وتعوق عملية البناء الضوئي، كما أنّها تسبب خللاً في السلسلة الغذائية، وفقاً لما سجّله مسؤولو البيئة لدى معاينتهم قنافذ بحرية شوكية نافقة في منطقة التسرّب، في الثالث من آذار/ مارس 2019. ويؤشر تقرير المعاينة إلى أنّ التسرّب يتلف الأصداف البحرية، والشعاب المرجانية، والحشائش البحرية والطحالب.

أقدم من الأهرامات

على مدى أربعة أعوام وثّق محمد كمال وزملاؤه الصيادون بكاميرات هواتفهم المحمولة صوراً وفيديوهات لأسماك صغيرة نافقة معروفة بـ "الزريعة" بجوار قوارب الصيادين، ما يثبت تسرّب الزيت الخام. تلك اليرقات والأسماك الصغيرة تعيش في حضانة الشعاب المرجانية؛ وهي مستعمرات لكائنات حية تنمو وتلتصق بالقاع.

في نيسان/ أبريل 2014، قدّرت دراسة لباحثين بمعهد علوم البحار والمصائد الحكومي موت 61 في المئة من الغطاء المرجاني في رأس غارب. ووصفت الدراسة أثر التسرّب البترولي في البيئة البحرية في المدينة بأنّه "الأخطر" بين مدن البحر الأحمر كافّة.

"مدن داخل الماء (الشعاب المرجانية) تسكنها الأسماك الصغيرة"، هكذا يصفها منتصر الحمادي، المُشرف على دراسة حول تأثيرات التلوث النفطي في المنطقة. ويقول إنّ موت الشعاب -المقدر عمرها بـ 10 آلاف سنة -أي أنّها أقدم من الأهرامات- أدّى إلى تراجع عدد المصائد السمكية. وحتى مع انقطاع التسرّب البترولي، فإنّ هذه الشعاب تحتاج 50 عاماً لتنمو من جديد، بحسب ما يوضح الخبير.

بصمة الزيت

هناك بصمة زيتية مرتبطة بكل بئر، حسبما يجادل مدير عام فرع جهاز شؤون البيئة بالبحر الأحمر أبو الحجاج نصر الدين. ويردف نصر الدين: بمجرد تحليل عينات الزيت المتسرّب يكشف جهاز شؤون البيئة الشركة المتسببة، ويُكلفها بالمكافحة، أو يوكل المهمة إلى شركة بتروسيف (شركة الخدمات البترولية للسلامة والبيئة الحكومية). وتستمر عملية التنظيف من يوم إلى أربعة أيام، تبعاً لكمية التلوث.

بعد كل تسرب، تصل الشكاوى إلى لجنة مشتركة من ممثلين عن هيئات تابعة لوزارة البيئة (جهاز شؤون البيئة، والمحميات الطبيعية، والإدارة العامة للبيئة وعضو من معمل القياسات البيئية بالسويس). تدرس اللجنة حيثيات الشكوى وتسحب عينات من الموقع وتجهّز تقريراً بمساحة الزيت وكميته.

بصمة الزيت سمة مميزة لكل نوع من أنواع النفط تحتوي على مزيج فريد من المواد التي تحدّد خواصه الفيزيائية والكيميائية؛ مثل اللون واللزوجة، نظراً إلى تنوع الظروف الجيولوجية والفترات الزمنية التي تسهم في تشكيله. تحدّد بصمة الزيت من خلال عملية معقدة، باستخدام كروماتوجرافيا الغاز للحفريات الجزيئية أو المؤشرات الحيوية للبترول الخام.

كوثر حفني، رئيس الإدارة المركزية للكوارث والأزمات حتى 2019، تجزم بأنّ المكافحة تنظف الشواطئ بالكامل. وترى حفني -كبيرة مستشاري وزارة البيئة حالياً- أنّه حتى وإن ظهرت الشواطئ "مسوَدّة" فإنّ التلوث فيها "تاريخي/ تراكمي".

على النقيض من طرح "حفني"، يؤكد منسق الخطة الوطنية لمكافحة التلوث بالزيت، أيمن عبد الواحد، أنّ البيئة الملوثة بالنفط لا تعود إلى سابق عهدها، لأنّ المكافحة تستهدف التلوث الظاهري على الشاطئ. ويجادل عبد الواحد بأنّ "ما يتسرّب إلى البيئة البحرية لا مكافحة له، وهو يؤثر في الكائنات داخل الماء على المدى البعيد".

في الخامس من تموز/ يوليو 2019، رصدت مُعِدّة التحقيق تسرّباً جديداً، بدءاً من جنوبي الشركة العامة للبترول وصولاً إلى شاطئ ضي القمر والمنطقة الجنوبية. وفي الرابع عشر من الشهر ذاته، وجّه جهاز شؤون البيئة اتهاماً إلى الشركة العامة للبترول بالتسبب في ذلك.

بعد إنجاز عمليات المكافحة، سحبت مُعِدّة التحقيق في التاسع عشر من آب/ أغسطس 2019 عينات من الأسماك والمياه والقواقع والتربة من أماكن متفرقة على امتداد ساحل رأس غارب، لتحليلها لدى معمل معهد البحار والمحيطات - فرع السويس.

في التاسع من أيلول/ سبتمبر 2019، أظهرت نتائج التحاليل ارتفاع نسب المواد البترولية السمّية في الأسماك عن النسب والحدود المسموح بها للاستخدام الآدمي، بمعايير الوكالة الفرنسية لسلامة الأغذية، التي حدّدتها بـ 1 ميكروجرام/ جم.

sea img
عينة مياه 1
النتيجة
141.66 ميكروجراماً/ لتر
المسموح
100 ميكروجرام/ لتر
sea img
عينة مياه 2
النتيجة
120.48 ميكروجراماً/ لتر
المسموح
100 ميكروجرام/ لتر
sea img
عينة تربة 1
النتيجة
2382 ميكروجراماً/ جم
المسموح
2000 ميكروجرام/ جم
sea img
عينة تربة 2
النتيجة
2740 ميكروجراماً/ جم
المسموح
2000 ميكروجرام/ جم
sea img
عينة أسماك 1
النتيجة
3.70 ميكروجرام/ جم
المسموح
1 ميكروجرام/ لتر
sea img
عينة أسماك 2
النتيجة
4.54 ميكروجرام/ جم
المسموح
1 ميكروجرام/ جم
sea img
عينة أسماك 3
النتيجة
5.46 ميكروجرام/ جم
المسموح
1 ميكروجرام/ جم
sea img
عينة قواقع 1
النتيجة
54.00 ميكروجراماً/ جم
المسموح
1 ميكروجرام/ جم

مصدر الحدود المسموح بها: USEPA وكالة حماية البيئة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض EGU، والوكالة الفرنسية لسلامة الأغذية.

جهاز شؤون البيئة حذّر في البلاغ رقم 40 بأن الأسماك الملوثة بالنفط غير صالحة للاستخدام البشري. وأورد الجهاز أنّ المركّبات النفطية الأكثر استدامة تنتقل عن طريق السلسلة الغذائية وتخزّن في كبد ودهون الحيوانات البحرية، تاركة آثاراً بعيدة المدى لا تظهر على الإنسان إلا بعد سنوات.
أستاذ علوم البحار بكلية العلوم في جامعة الأزهر ولاء شعبان، أشرف على دراسة رصدت تأثير هذا التلوث النفطي في التربة وبطينات الأقدام على ساحل البحر الأحمر. ويشرح شعبان بأنّ الإنسان يشعر بالخمول والتعب إذا تناول أسماكاً تحتوي على مركّبات أروماتية، بالإضافة إلى ضيق التنفس والتحسّس في الأعصاب والنخاع الشوكي.

تناول المركبات الهيدروكربونية مثل البنزين والكيروسين يؤدي إلى تهيج الحلق والمعدة والالتهاب الرئوي وصعوبة التنفس، كما يؤثر في الجهاز العصبي المركزي. وتؤثر المركبات الأخرى داخل المواد البترولية في الجهاز المناعي، والكبد، والطحال، والكلى والرئتين، فضلاً عن نمو الجنين. كما يسبب "البنزين والبنزو أ بايرن" سرطان الدم (اللوكيميا).
المصدر: وكالة المواد السمّية وسجل الأمراض - الولايات المتحدة الأمريكية.

واجهنا منسق الخطة الوطنية لمكافحة التلوث بالزيت المنبثقة عن وزارة البيئة أيمن عبد الواحد، الذي يرفض فرضية انتقال التلوث إلى البشر في رأس غارب. ويقول عبد الواحد إنّ "المدينة منطقة أنشطة بترولية، ليس في شواطئها الملوثة أيّ أنشطة للصيد أو السياحة".

لكن على النقيض من كلامه، حصلت مُعِدّة التحقيق على تصاريح أمنية بالصيد في شواطئ تعرّضت لتسرّب بترولي متكرر، ومنها هذا الشاطئ.
تعرض شاطئ "ضي القمر" إلى 7 حوادث تسرّب بترولي في آخر خمس سنوات

تعرض "كورنيش رأس غارب" إلى 13 تسرّباً بترولياً في آخر خمس سنوات

تعرّض شاطئ المنطقة الجنوبية إلى حادثتيْ تسرّب بترولي في آخر خمس سنوات.

مجهولة المصدر

المادة 55 من (قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994) تفرض على شركات استخراج النفط إبلاغ وزارة البيئة بمجرد رصد تسرّب جديد. ولكنّ هذا لا يحدث في مدينة رأس غارب، حيث يتكفل الأهالي، والصيادون وحرس الحدود بتلك المهمة، وفقاً لما وثقته المحاضر (رقم 34 و35 و279 إداري غارب).
حسام موسى، أحد القاطنين برأس غارب، أسس رابطة رقمية مع متضررين من سكان المدينة لنشر صور حية مع كل تلوث جديد، لينبّه جهات البيئة وأجهزة المكافحة.

المادة 55 من (قانون البيئة المصري رقم 4 لسنة 1994) تفرض على شركات استخراج النفط إبلاغ وزارة البيئة بمجرد رصد تسرّب جديد. ولكنّ هذا لا يحدث في مدينة رأس غارب، حيث يتكفل الأهالي، والصيادون وحرس الحدود بتلك المهمة، وفقاً لما وثقته المحاضر (رقم 34 و35 و279إداري غارب).
حسام موسى، أحد القاطنين برأس غارب، أسس رابطة رقمية مع متضررين من سكان المدينة لنشر صور حية مع كل تلوث جديد، لينبّه جهات البيئة وأجهزة المكافحة.

"حسام" وجروب "فنار رأس غارب" في مواجهة التلوث بكاميرا الهاتف

إهمال الصيانة

حسام موسى، أحد القاطنين برأس غارب، أسس رابطة رقمية مع متضررين من سكان المدينة لنشر صور حية مع كل تلوث جديد، لينبّه جهات البيئة وأجهزة المكافحة.

واستناداً إلى سجلّها في وزارة البيئة -حتى عام 2019- تتهم حفني "الشركة العامة للبترول بالإهمال في التعامل مع التسرّبات النفطية". وذكّرت بأنها حرّرت محاضر رسمية بالمخالفات ووصلت الشكاوى إلى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
حرر جهاز شؤون البيئة 22 بلاغاً رسمياً ضد الشركة العامة للبترول بين عاميْ 2015 و2019.

في المقابل، ينفي رئيس الشركة العامة نبيل عبد الصادق، فرضية الإهمال في الصيانة، ويؤكد أنّ شركته تحقن خطوط التوصيل بمواد كيميائية تمنع التآكل وتعزل المنصات الخارجية ضد مياه البحر.
محمد الألفي (اسم مستعار) لأحد العاملين في فرق مكافحة آثار التسربات البترولية التابعة لوزارة البترول، يصف الأنابيب بأنّها "تظهر عادةً صدئة ومتهالكة". ويطلب هذا المصدر حجب هويته حفاظاً على وظيفته، لافتاً إلى أنّه يشارك في مكافحة التسرّب منذ عامين.

ولكن حتى أثناء عمليات الصيانة الدورية ذاتها يحدث تسرّب بترولي، إذ رصدت جمعية الإنقاذ البحري في كانون الثاني/ يناير عام 2018 تلوثاً بتروليّاً غزيراً جنوبي رأس غارب، نجم عن استبدال أنابيب البترول القديمة.

العقوبة غائبة

مُعِدّة التحقيق حصلت على نتائج تحليل لثلاث عينات من بصمة الزيت تسرّبت بين 12 كانون الأول/ ديسمبر 2018 و7 آذار/ مارس عام 2019. وتشير جميع التحاليل إلى منصّة عامر البحرية التابعة للشركة العامة للبترول بنسب تطابق تعدّت 99 في المئة.

الأول: كانون الأول/ ديسمبر 2018
نسبة تطابق العينات
99.3% / 99.6%
الثاني: كانون الأول/ ديسمبر 2018
نسبة تطابق العينات
99.6% / 99.5%
الثالث: آذار/ مارس 2019
نسبة تطابق العينات
99.5% / 99.4% / 99.6% / 99.6%

رئيس الشركة العامة للبترول، نبيل عبد الصادق يقول -في معرض ردّه- إنّ التحاليل كافة لا تتطابق بنسبة 100 في المئة، وبذلك فهي ليست دليلاً كافياً على الشركة، ولم تحدد بدقة أيّ منصة من منصات الشركة تسببت في التسريب، وبالتالي فهي تحاليل خاطئة وتحتمل الشك.

ويشكّك عبدالصادق في صحة البصمة، لافتاً إلى أنّها متغيرة. إذ إنّ البئر الواحدة لا تنتج نفطاً ببصمة زيت ثابتة طوال مدّة تشغيلها. ويطالب جهاز شؤون البيئة بتحديث البصمة الخاصة بكل شركة كل ثلاثة أشهر على الأقل، لافتاً إلى أنّ بصمة زيت الشركة المسجلة حالياً لدى البيئة غير دقيقة.

نائب معهد علوم البحار فرع السويس، خالد المصلحي، يرفض هذا الطرح. ويبرر عدم تطابق عينات بصمة الزيت بنسبة 100 في المئة باحتمالية اختلاط العينات بمياه البحر ما يؤثر في مركباتها الكيميائية. لكنّه يؤكد أنّ نسبة 99 في المئة مطابقة للمصدر، وتكفي لإثبات تهمة تدمير البيئة على الشركات المتسببة.

ومن حيثيات قضايا حصلت مُعِدّة التحقيق على نسخ عنها، تظهر التحقيقات أنّ الطبقات التي تنتج منها الشركة العامة هي ذاتها التي تنتج منها شركة "جابكو". لذلك ربحت الشركة العامة للبترول ثلاث قضايا رفعها جهاز شؤون البيئة؛ وهي: (5478 لسنة 2018 جنح مستأنف الغردقة، و5652 لسنة 2018 جنح مستأنف الغردقة، و2494 جنح غارب والمستأنف برقم 4197 لسنة 2017)، بحسب تصريح رئيس الشركة.

شيوع الاتهام

في المحصلة، يصل "شيوع الاتهام" بالشركة العامة للبترول إلى البراءة بعد أن تفشل أجهزة البيئة في إثبات التهمة عليها، حسبما يظهر في القضية (رقم 2494 جنح غارب) التي أتُّهمت فيها الشركة بعد تسرّب وقع في 11 أيلول/ سبتمبر 2015. وجاء في حيثيات قرار براءة الشركة: "تقرير البيئة حدّد مسؤولية الشركة العامة للبترول على أساس أنّها أعلى نسبة تطابق بواقع 99.7 في المئة، إلّا أنّ ذلك لا ينفي التهمة عن بقية الشركات القريبة من موقع الشاطئ، الأمر الذي ترى معه المحكمة شيوع الاتهام بين تلك الشركات جميعا".

مدير الإدارة البيئية في جهاز شؤون البيئة فرع البحر الأحمر، ماهر رشوان، يرجع أحكام براءة الشركة إلى طول أمد التقاضي. إذ إنّ الخبير البيئي المنتدب من وزارة العدل يتجه لمعاينة موقع التسرّب بعد ستة أشهر أو سنة، وبذلك لا يجد أيّ آثار للتلوث المثبت في محاضر البيئة والنيابة العامة.

أكدت الشركة العامة للبترول في كتاب وجهتّه إلى النيابة العامّة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، رداً على اتهامها بالتسبب في التسرّب النفطي، أنّ "تحديد مصدر التلوث على نحو قاطع لا يعتمد فقط على بصمة الخام، ولكن يؤكده مدى متابعة حركة بقعة الخام، باستخدام برامج وتقنية التحليل الحركي للبقعة ذاتها، وهو ما لم تُجْرِه جهات البيئة".

الآن: يهجر سمير رأس غارب بحثاً عن رزق في شواطئ بعيدة، عسى أن تجني شباكه قوت أولاده. ويتحلق أطفال الروضة حول فاطمة التي تحذّرهم من الذهاب نحو الشاطئ الملوث، فيما يحاول حسام وزملاؤه تنبيه هيئات البيئة عبر الفضاء الإلكتروني إلى خطورة التلوث المتكرر.

وفي الأفق، صخور متشحة بالسواد، ورمال توارت خلف كتل متراكمة من النفط، وأسماك نافقة وأخرى هجرت شعاب البحر الأحمر. إنّه الخطر الأكبر الذي ينتظر سكان المنطقة في وجبة سمك طازجة قد ينقلها إليهم أحد الصيادين بعد تسرّب نفطي جديد.

فريق العمل
  • تحقيق
  • إيمان منير
  • إشراف
  • محمد أبو ضيف
  • فيديو
  • إسلام مصدق
  • فوتوغرافيا
  • علي زرعي
  • الإشراف العام
  • سعد حتر
  • تصميم وتطوير
  • فريق عمل أريج

أنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج).