الحكومة المصرية مستأجر أبدي ومالك العقار في المحاكم

كيف تُماطل الحكومة المصرية في إخلاء آلاف المباني التي تستأجرها من مواطنيها؟

تحقيق: محمد حميد

كفر الشيخ/ خريف 1977، بنك ناصر الاجتماعي المملوك للحكومة المصرية يوقّع عقداً مع المواطن أحمد مرسي، لاستئجار الطابقيْن الأول والأرضي من عقاره بشارع الخليفة المأمون وسط المدينة.

اتفق البنك على دفع إيجار قدره 110 جنيهات شهرياً، للطابقيْن اللذيْن تزيدُ مساحتهما على 650 متراً مربعاً. هذا الإيجار كان يُماثل نحو 275 دولاراً أمريكياً، وفقاً لسعر صرف الجنيه أمام الدولار نهاية سبعينيات القرن الماضي، وهو ما أصبح اليوم يساوي نحو سبعة دولارات فقط.

بعد نحو 22 عاماً من التاريخ السابق، طلب مرسي من البنك إخلاء الطابقيْن، رافضاً تجديد عقد الإيجار، إذ ينصّ القانون على أنّ "فترة الإِجارة هي خمسة أعوام قابلة للتجديد، في حال لم يُخطر أحد الطرفين برغبته في الإخلاء"؛ لكنّ المسؤولين الحكوميين امتنعوا عن تنفيذ طلبه.

في هذا الوقت، كانت الحكومة المصرية تُخطط للخروج من المباني التي تستأجرها من مواطنيها في غضون خمس سنوات، أو إعداد عقود جديدة للمباني التي يصعب عليها التخلي عنها، وذلك بحسب قرار أصدره رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري (1996-1999) أثناء ترؤسه جلسةً مصغّرةً لرئاسة مجلس الوزراء في نيسان/ أبريل 1997.

بعد هذا الرفض الحكومي، لم يكن أمام مرسي إلّا اللجوء إلى المحاكم، أقام دعوى قضائية أمام محكمة كفر الشيخ الابتدائية قُيّدت برقم 192 عام 2000، مطالباً فيها بطرد الحكومة من أملاكه.

مرسي واحد من بين آلاف المواطنين الذين يُؤجرون أملاكهم للحكومة المصرية، التي تستخدمها كجزء من مبانيها الرسمية سواء للعمل أو كاستراحات لموظفيها. وتُشير أقرب التقديرات التي حصلنا عليها من مصادر حكومية إلى أنّ عدد المباني التي تستأجرها الحكومة من مواطنيها تُقدر بنحو 190 ألف عقار، وذلك من بين 417 ألفاً و593 عقاراً هي إجمالي المباني الحكومية الرسمية في البلاد، وفقاً لنشرة التعداد السكاني الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2017.

يُوثق هذا التحقيق، مماطلة بعض الوزارات والشركات العامة والبنوك التابعة للحكومة المصرية في الخروج من المباني التي تستأجرها من المواطنين بمبالغ مالية أقلّ من القيمة السوقية حالياً، إذ تتراوح هذه المبالغ بين 12 جنيهاً و300 جنيهٍ (1-20 دولاراً)، وفقاً لسعر صرف الجنيه الحالي أمام الدولار؛ مخالفة بذلك أحكاماً قضائية صادرة عن المحكمة الدستورية العليا قضت بشكل نهائي بإعادة هذه الحقوق إلى أصحابها.

إيجار خارج الزمن

محمد، الابن الأكبر لأحمد مرسي، شاب في منتصف العقد الرابع، يقول :"كنت صغيراً في ذلك الوقت، لكنّي بعد مراجعة أوراق أبي وجدت أنّ إيجار بنك ناصر الحكومي لم يزد عن 310 جنيهات، على الرغم من انخفاض قيمة الجنيه، وتحرير سعر الصرف".
كان الجنيه المصري قد فقد نحو 50% من قيمته، بعدما قرر رئيس مجلس الوزراء الدكتور عاطف عبيد (1999-2004) تعويم الجنيه وفكّ ارتباطه بالدولار الأمريكي، وترك المعاملات المالية لسوق العرض والطلب، فيما عُرِفَ حينها بـ "التعويم المُدار".

icon

اضغط/ي على الصورة لإظهار الإحصائية

1980
-%5
حجم صغير
40 قرشاً
ما فقده الجنيه أمام الدولار
1990
-%375
حجم كبير
1.5 جنيه
ما فقده الجنيه أمام الدولار
2000
-%242
حجم كبير
3.40 جنيهات
ما فقده الجنيه أمام الدولار
2010
-%191
حجم متوسط
6.5 جنيهات
ما فقده الجنيه أمام الدولار
2020
-%248
حجم متوسط
16.16 جنيهاً
ما فقده الجنيه أمام الدولار
2000
5%
حجم صغير
40 قرشاً
ما فقده الجنيه أمام الدولار

ما فقده الجنيه أمام الدولار

يُواجه أشرف مصلح، 45 عاماً، أحد ملّاك العقارات في مدينة زفتى بمحافظة الغربية، نفس أزمة عائلة مرسي، يقول: "عندي ثلاث جهات حكومية مُستأجرة، الأولى هي الشركة القابضة للقطن والغزل والملابس التابعة لوزارة قطاع الأعمال بمبلغ شهري لا يزيد عن 135 جنيهاً (8.5 دولارات)". الجهة الثانية هي الشركة المصرية للاتصالات التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واصفاً إيجارها الشهري بـ "الملاليم". أما الجهة الثالثة، فهي مصلحة الشهر العقاري، وهي جهاز حكومي خاص بالتوثيق، يستأجر منه شقة منذ عام 1972، بقيمة 12 جنيهاً شهرياً (أقل من دولار).

ويقول مصلح إنّه رغم انتقال مصلحة الشهر العقاري إلى مقرّ آخر جديد، وتصفية أعمال شركة الغزل بمدينة زفتى، لكنّ تلك الجهات ما تزال تحتفظ بالمباني، رافضةً الخروج منها.

تتشابه هذه الأزمات مع أزمة ورثة صالح عبد الحفيظ الذي استأجرت منه وزارة العدل المصرية فيلا على النيل بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، لاستخدامها كاستراحة للمستشارين، عام 1950، بأجرة شهرية قُدِّرَت بـ 25 جنيهاً (ما يعادل دولاراً ونصف)، بحسب عقد الإيجار الذي حصلنا على نسخة منه.

ويُعاني محمد فتوح، أحد ملّاك العقارات بمدينة زفتى، المشكلة ذاتها، إذ تستأجر منه الجمعية التعاونية الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين ثلاثة محلات تزيد مساحتها عن 90 متراً مربعاً، بإيجار شهري يبلغ قرابة 120 جنيهاً (نحو 7.6 دولار).

ويقول فتوح لمُعِدِّ التحقيق، إنّ إيجار المحل الواحد في هذه المنطقة يتجاوز 7 آلاف جنيه شهرياً (450 دولاراً)، وإنّه رفع دعوى قضائية ضدّ الحكومة عام 2019، وينتظر الحكم.

عدد المباني المؤجرة بالإيجار القديم في المحافظات المصرية "السكن - العمل"

icon

اضغط/ي على المحافظات لإظهار البيانات

المصدر: التعداد السكاني المصري العام للعام 2017 - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

اشتراكية الرأسمالية

يُعاود محمد مرسي قائلاً : "أثناء نظر محكمة كفر الشيخ الابتدائية للقضية، عام 2001، طلب بنك ناصر رفضها، مستنداً إلى نص المادة (18) من القانون (136) لسنة 1981، التي قننت وضع المُستأجر بعدم الإخلاء، بل وبإمكانية مدِّها وتأبيدها".

وعليه اضطر لرفع دعوى قضائية أخرى أمام المحكمة الدستورية العليا، طالب فيها بإبطال دستورية المادة (18).

"المادة (18) هي نتاج للقوانين الاشتراكية التي صدرت خلال أنظمة حكم مختلفة"، هكذا يُؤرخ عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع الدكتور وليد جاب الله، مراحل تنظيم العلاقة الإيجارية في البلاد.

ويشرح في افتتاحية ورقة مقترحة لتعديل قانون رقم (136)، حصلنا على نسخة منها، أنّ الأصل في تنظيم العلاقة الإيجارية هو القانون المدني رقم (131) الصادر سنة 1948، لكن مع إقرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر دستور 1956، تغيّر ذلك بعد نص المادة السابعة على تنظيم الاقتصاد القومي بخطط مرسومة تُراعي العدالة الاجتماعية.

وحتى بعد إتمام الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 1958، نصّ الدستور المؤقت على هذه المادة أيضاً، وكانت هذه المادة حجر الأساس لتدخل الدولة في توزيع السلع والخدمات، خاصة مع تبني حكومة عبد الناصر النُظمَ الاشتراكية بصدور قوانين 1961، بحسب عضو الجمعية المصرية للاقتصاد.

ويلفت جاب الله إلى أنّه مع تبني دستور 1971 نظام المزاوجة بين الاشتراكية والرأسمالية، صدر القانون رقم (49) لسنة 1977، والقانون رقم (136) لسنة 1981، اللذان مثّلا بداية قوانين الانفتاح الذي أقرّه رئيس الجمهورية الراحل أنور السادات.

إلى أن حُذف كل ما يخص الاشتراكية في دستور 1971، بعد نصّ المادة الرابعة منه على حرية النشاط الاقتصادي، وهي المعمول بها أيضاً في دستور 2014، وفقاً لعضو جمعية التشريع، الذي أضاف أنّه "رغم ذلك لم تتدخل الدولة لإعادة التوازن بين المُؤجّر والمُستأجر، وهو ما يُحتّم على المُشرِّع التدخل لتصحيح ذلك التشوه".

icon

اضغط/ي على الرقم لإظهار القانون

icon

اضغط/ي على الرقم لإظهار القانون

2001

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (14) بتعديل قيمة الزيادة السنوية على الوحدات المستغلة لغير السكنى بقيمة ثابتة 1-2%.

1958

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (55) بشأن خفض الأجور بنسبة 20% على الأماكن المنشأة من سبتمبر 1952 حتى يونيو 1958.

1952

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (199) بشأن خفض بنسبة 15% على القيمة الإيجارية للوحدات التي أُنشئت من يناير 1944 حتى سبتمبر 1952.

2006

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (137) الخاص بتوثيق العقود الإيجارية.

1997

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (6) بشأن زيادة الأجرة القانونية للوحدات المستغلة لغير السكنى بنسبة 10%.

1981

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (136) بشأن ضوابط تحديد قيمة الإيجار.

1962

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (46) بشأن تحديد القيمة الإيجارية وتشكيل لجان للتظلّم من القيم الإيجارية.

1961

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (168) بشأن خفض بنسبة 20% على إيجارات الأماكن المنشأة من يونيو 1958 حتى نوفمبر 1961.

1941

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (151) بشأن منع الملّاك من زيادة القيمة الإيجارية وامتداد العقود تلقائياً.

1977

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (49) بشأن إلغاء جميع قوانين الإيجارات السابقة له واستحداث أحكام جديدة بشأن الإيجار.

1920

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (11) الخاص بتقييد أجور المساكن.
القانون رقم (4) بشأن سريان تقييد الأجور على كلّ المساكن السكنية وغيرها.

1996

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (4) بشأن وقف التعامل بقوانين الإيجار القديم والعمل بالقانون المدني المصري بشأن الإيجار.

1965

رقم القانون ونصّه

القانون رقم (7) بشأن تخفيض إيجار الأماكن.

المصدر: ورقة بحثية حول الإيجار القديم صادرة عن المجلس السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

الحكم التاريخي

إلى ذلك، يُوضح محمد مرسي، أنّه لا يستطيع تقدير حجم الأموال المصروفة على قضية إخراج بنك ناصر، مضيفاً: "اللي أقدر أقوله إنّها انتقلت من محكمة لأخرى، ومن دايرة للتانية من دون جدوى طوال سنوات".
ويُتابع: "سافرت السعودية لسنين اشتغل، وبعدين رجعت، لكن برده معرفتش أخد حقي"، مشيراً إلى أنّ ذلك دفعه لاستئجار محل للعمل في الشارع حيث البنك يستأجر عقاره، لكن "مش زي إيجار البنك، لأ بآلاف الجنيهات".
مهلة الـ 5 سنوات التي حددتها الحكومة المصرية للخروج من الوحدات التي تستأجرها من مواطنيها انتهت منذ عام 2002، بحسب قرار حكومة الجنزوري سنة 1997، إضافة إلى انتهاء العمل بقوانين الإيجار القديمة واعتماد القانون المدني المصري في تنظيم العلاقات الإيجارية.

عقود الإيجار القديمة، هي تلك التي وُقِّعَت قبل صدور القانون رقم (4) لسنة 1996، الذي أنهى العمل بالقانون رقم (49) لسنة 1977 والقانون رقم (136) لسنة 1981 اللذيْن يُنظمان العلاقة بين المُؤجِّر والمُستأجر، ونصّ على تطبيق نصوص القانون المدني المصري في شأن الإيجار.

وتكشف وثيقة مسرّبة ممنوعة من التداول، أنّ لجنة السياسات الاقتصادية بالحزب الوطني المنحلّ بأمر قضائي، اقترحت مشروع قانون لتنظيم العلاقة الإيجارية، عام 2007، طالبت فيه بإلغاء العمل بقوانين الإيجار القديمة، لما رأته فيها من ظلم لأصحاب العقارات.

وطالبت اللجنة في الوثيقة التي حصلنا على نسخة منها، بتطبيق أحكام القانون المدني المصري على كل الأماكن المُؤجرة، سواء تلك التي تستأجرها الحكومة أو أشخاص طبيعيون.

فضلاً عن سريان أحكام القانون المقترح على الأماكن المُؤجرة التي يحكمها كلٌّ من القانون رقم (49) لسنة 1977 والقانون رقم (136) لسنة 1981، مع إعطاء مهلة 5 سنوات أمام الجهات المُستأجرة منذ صدور القانون، لكنّ هذا المُقترح لم يرَ النور.

ويُشير محمد مرسي إلى أنّ والده توفي في العام 2015، فيما ظلّت حقوقهم عالقة في أروقة المحاكم حتى يئسوا من الحصول على أملاكهم التي تستولي عليها الحكومة، وتناسوها تماماً؛ لكنّ محاميهم محمد بدوي طلب في شباط/ فبراير 2018، تصحيح شكل الدعوى القضائية بأن يحلّوا كورثة بدلاً من والدهم الراحل.

ويُضيف، أنّه في أيار/ مايو 2018، أي بعد 18 سنة في المحاكم، قضت المحكمة الدستورية بطرد الحكومة، بعدما أصدرت حكمها بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم (136) لسنة 1981، التي تنصّ على أنّه لا يجوز للمُؤجر طلب إخلاء المكان ولو انتهت المُدة المُتفق عليها في العقد، لتشمل أيضاً عقود إيجار الأماكن المُؤجرة للأشخاص الاعتبارية التي تستعملها في غير أغراض السكن.

كما حددت المحكمة في متن الحكم، بدء تنفيذ وسريان الحكم في اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب الذي انتهى في تموز/ يوليو من نفس السنة.

وعن تفسير منطوق الحكم، يقول المحامي بالنقض والدستورية العليا ياسر زبادي، إنّ الحكومة أو الدولة كـ "كيان اعتباري" لا تموت وبالتالي فعقود الإيجار معها تعني "التأبيد والإلزام اللانهائي"، بعكس عقود إيجار الأشخاص الطبيعيين التي تنتهي إمّا بوفاة المُستأجر أو من يمتد له العقد.

الشخص الاعتباري هو كيان ذاتي مستقلّ يستهدف تحقيق غرض معين، بخلاف الشخص الطبيعي "الإنسان".

ويوضح زبادي في مقابلة مع مُعِدِّ التحقيق، أنّ الخلل هنا هو إعطاء مزية للشخص الطبيعي عن الاعتباري، بالمخالفة للدستور المصري الصادر في 2014، الذي نصّ على المساواة في المراكز القانونية، وحماية الملكية الشخصية. ويُضيف، أنّ هذه الفقرة من القانون، سلَبت المالك حقّه في طلب إخلاء الوحدة المُؤجرة، حتى بعد انتهاء مدة الإيجار المُتفق عليها في العقد.

عدد المباني الحكومية (السكن - العمل)

icon

اضغط/ي على المحافظات لإظهار البيانات

المصدر: التعداد السكاني المصري العام للعام 2017 - الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

أحكام أخرى

في أعقاب هذا الحكم الذي وُصف بـ "التاريخي"، انهالت الدعاوى القضائية المُطالِبة بطرد الحكومة من أملاك مقدّميها، اكتفينا في هذا التحقيق بتوثيق 5 منها، حكم فيها القضاء المصري بإنهاء عقود الإيجار مع الحكومة.

البداية من الحكم الصادر في عام 2021، من محكمة جنوبي القاهرة الابتدائية في الدعوى رقم 850، بإنهاء عقود الإيجار التي وقعتها شركة قها للأغذية المحفوظة التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، عاميْ 1962 و1963، مع المواطن أحمد رأفت عبد العظيم.

وفي نهاية العام 2020، صدر حكم ثانٍ من المحكمة الدستورية العليا بأحقية عبد الوهاب المدثر في استرداد عقاره الذي كان يُؤجره لمديرية أمن الإسكندرية منذ عام 1961، في الدعوى رقم 126 لسنة 37 قضائية.

حكم آخر، صدر في حزيران/ يونيو 2020، بعدما قضت محكمة جنوبي القاهرة بإنهاء عقد الإيجار الذي وقعته شركة عمر أفندي التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام عام 1940، مع عائلة محمد السيد غريب، وإعادة العقار لهم، بحسب نص الدعوى رقم 707.

وفي مطلع عام 2020، قضت محكمة النقض بإخلاء العقار الذي استأجرته الهيئة القومية للبريد في مدينة المحمودية بمحافظة البحيرة منذ عام 1963، وإعادته للمالك محمد عبد المحسن خاطر، وفقاً للدعوى رقم 13626 لسنة 82 قضائية.

ثم هناك الحكم الخامس، الذي أصدرته محكمة جنوبي القاهرة الابتدائية، بإخلاء عقارات محلات هانو وبنزايون والصالون الأخضر بوسط القاهرة التي تتبع شركة بيوت الأزياء الراقية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، وإعادتها إلى مالكها علي القيسي، وفقاً للدعوى رقم 821 لسنة 2019.

مماطلة حكومية

"كان المحامي الخاص بنا قد تُوفي، ومضى عامان على صدور حكم الدستورية العليا، لكنّ بنك ناصر ما زال يُماطل في الخروج من الطابقيْن الأول والأرضي"، يروي محمد مرسي، مضيفاً أنّه لم يجد أيّ تعاون من جانب الجهات التي يُناط بها تنفيذ الأحكام القضائية.
ويتفق المحامي بالنقض والدستورية ياسر زبادي مع ذلك قائلاً إنّ "الحكومة تلجأ للمماطلة والتسويف في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، سواء بإطالة أمد الدعاوى القضائية أو بغيرها"، معتقداً أنّ ذلك قد يتسبب في فقدان ثقة المواطن بحكومته.

ليس هذا فقط ما تفعله الحكومة، لكنّ مُعِدَّ التحقيق رصد قيام الحكومة المصرية باستخدام قانون المنفعة العامة رقم (10) لسنة 1990 "لمصلحتها"، عبر إضفاء صفة "المنفعة العامة" خاصة على المدارس التي تستأجرها من المواطنين، إذ أحصى مُعِدُّ التحقيق -منذ صدور الحكم بعدم الدستورية في 2018- 32 قراراً حكومياً نُشرت في الجريدة الرسمية تقضي بإضفاء صفة "المنفعة العامة" على مدارس مؤجرة.

كما ينصّ القانون على تعويض المالكين، طبقاً للسعر السائد في السوق وقت صدور قرار نزع الملكية، مضافاً إليه نسبة 20% من قيمة التقدير، وأن تدفع الجهة الحكومية كل المبلغ في غضون شهر واحد.

كما يُوضح زبادي، أنّ الحكومة المصرية تقدمت بمشروع قانون يخصّ الكيانات الاعتبارية فقط، بناءً على إلزام المحكمة الدستورية لها بذلك، تضمن إعطاء مهلة 5 سنوات للحكومة للانتقال، تزيد خلالها الأجرة 5 أمثال، إضافة لزيادة سنوية بنسبة 15%.

لكنّ مشروع القانون الحكومي تضمن خللاً دستورياً، كونه يُعطي مزية للشخص الاعتباري عن الشخص الطبيعي، باعتبار أنّ المصدر الرئيسي سواء للشخص الطبيعي أو الاعتباري واحد وهو عقد الإيجار، بحسب فتوى صادرة من مجلس الدولة المصري، حصلنا على نسخة منها.

وحتى الآن لا يوجد مشروع قانون رسمي تقدمت به الحكومة أو اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري، لتعديل قوانين الإيجارات، وفقاً لرئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري سعد حمودة.

إلى ذلك، رفض المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، هاني يونس، الردّ على اتصالاتنا سواء عبر الهاتف أو تطبيق الواتس آب.

قيمة الإيجارات المدفوعة من جانب الحكومة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة

2021/2020
الإجمالي السنوي
794.1 مليون جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
517.8 مليون جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
100.5 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
175.7 مليون جنيه
2020/2019
الإجمالي السنوي
686 مليون جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
458 مليون جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
34 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
194 مليون جنيه
2019/2018
الإجمالي السنوي
576 مليون جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
388 مليون جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
27 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
161 مليون جنيه
2018/2017
الإجمالي السنوي
550 مليون جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
385 مليون جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
23 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
143 مليون جنيه
2017/2016
الإجمالي السنوي
344.7 مليون جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
59.8 مليون جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
22.2 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
262.8 مليون جنيه

المصدر: البيان المالي التحليلي للموازنة العامة للدولة من 2016-2021.

الإجمالي
الإجمالي السنوي
2950.8 مليار جنيه
قيمة إيجارات الهيئات الخدمية
1808.6 مليار جنيه
قيمة إيجارات الإدارة المحلية
206.7 مليون جنيه
قيمة إيجارات الجهاز الإداري
936.5 مليون جنيه

خسارة للجميع

بعد تنهيدة طويلة ونصف ابتسامة كحلت وجهه الأسمر، يحكي محمد مرسي، أنّ يوم 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، كان آخر يوم لبنك ناصر. مضيفاً: "دلوقتي في ناس عايزة تستأجر مني الطابقين بـ 165 ألف جنيه في الشهر، يعني نحو 11 ألف دولار، قيس بقى حجم الخسارة والمرارة".

هذه الخسارة لا تتوقف على مرسي أو المواطنين، لكنّ الحكومة تخسر أيضاً، إذ تمنعها ضآلة مبالغ الإيجار القديم من تحصيل الضريبة العقارية على هذه المباني، طبقاً للمادة (18) من قانون الضريبة على العقارات المبنية رقم (196) لسنة 2008 وتعديلاته الصادرة في 2020.

كما تنصّ المادة السابقة، على إعفاء الوحدات العقارية السكنية التي يقلّ إيجارها السنوي عن 24 ألف جنيه، وإعفاء أيّ عقار يُستخدم للأغراض التجارية أو الصناعية أو الإدارية أو المهنية يقلّ إيجاره السنوي عن 12 ألف جنيه.

في النهاية يختم محمد مرسي حديثه قائلاً: "والله الإيجار اللي كانت بتدفعه الحكومة طيلة الـ 43 سنة كنا بنطلعه لله".