ARIJ Logo
ogo

ذهب كالوتي

ينقل الأموال بين لبنان وإفريقيا والإمارات

محمد كوماني

20/09/2020
تسريبات التحويلات البنكية التي شملت مجموعة كالوتي في الإمارات

"كالوتي جروب"، مجموعة من الشركات تسيطر عليها عائلة الكالوتي ويقع مقرها الرئيسي في دبي وتنشط في تجارة الذهب وتصفيته وتنقيته. تظهر التسريبات التي حصلت عليها شبكة (أريج) بالشراكة مع (ICIJ) و(Buzzfeed) التي غطت الفترة (2007-2015) أنّ وزارة العدل الأمريكية تابعت منذ العام 2011 معاملات مالية بقيمة أكثر من 9 مليارات دولار تابعة لمجموعة كالوتي.

نكشف في هذا التحقيق عن النشاط المصرفي الغامض لمجموعة كالوتي للمجوهرات، ونتساءل لماذا لم توقف البنوك والهيئات الرقابية هذه المعاملات على الرغم من تتبعها لتدفقات الأموال في بعض تقارير الأنشطة المشبوهة التي اشتبه في أنّها تعاملات لغسل الأموال. قد يكون هناك سبب وجيه لعدم اتخاذ أيّ إجراء لأنّ تقارير المعاملات المشبوهة من قبل البنك ليست إلا إشارة إلى وجود مخالفة محتملة.

من هو الكالوتي؟

منير الكالوتي، رجل أعمال ورئيس مجلس إدارة "مجموعة كالوتي للمجوهرات". بدأ مسيرته في تجارة المعادن في أبوظبي أواخر العام 1968، حيث كوّن مجموعة من الشركات التي كانت تعمل في التموين والاستثمارات. وبعد انتقاله إلى دبي في 1976، عمل في الذهب. في العام 1989، بدأ كالوتي في شراء الذهب بكميات صغيرة. وفي العام 2000 بدأ في تجارة سبائك الذهب. وأنشأ في العام 2004 مجموعة كالوتي العالمية للمجوهرات (DMCC)، بحسب الموقع الإلكتروني للمجموعة.

في العام 2012، سارعت بنوك عدة للتبليغ عن شبهات في تحويلات مجموعة كالوتي في دبي، وأنشطتها حول العالم وأسقطته بعض البنوك من قائمة عملائها. وكانت بعض تلك البنوك واضحة في اتخاذ إجراءات تمثلت في متابعة نشاط المجموعة وحساباتها والتحويلات والإبلاغ عنها لشبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN).

أصبحت المخاوف بخصوص كالوتي علنية بعد تحقيق أجرته صحيفة الجارديان البريطانية في فبراير/ شباط 2014، تبين فيه بعد تدقيق أجرته شركة المحاسبة العالمية Ernst& Young على أسامة الكالوتي أنّ هناك أدلة على تحويلات مالية مع مورّدي ذهب من السودان مرتبطين بنزاعات دموية.

في العام 2012، اشترى كالوتي الذهب نقداً وقُدِّرَت قيمة تلك العمليات بـ 5.2 مليار دولار فيما يطلق عليه مصطلح النقد مقابل الذهب. هذه الوسيلة قد تكون للتهرب من رقابة النظام المصرفي، بينما بلغت قيمة التحويلات المصرفية عبر البنوك للاتجار بالذهب 6.6 مليار دولار.

يعتقد المحققون أنّ كالوتي كان يدفع في كثير من الأحيان نقداً -لدرجة أنّه كان يجب نقله بعربات يدوية- وأرسل الأموال للعملاء المشتبه بهم إلى شركات أخرى. وفي عام 2014، أوصى فريق التحقيق بأن تصنف وزارة الخزانة كالوتي كمصدر قلق لغسل الأموال بموجب قانون باتريوت الأمريكي.

كالوتي ولبنان

في أواخر العام 2010، بدأت فرقة عمل تقودها إدارة مكافحة المخدرات في وسط فلوريدا الأميركية بتلقي مكالمات من زملاء عملوا في تحقيق عن غسل أموال عبر تجارة السيارات المستعملة بين الولايات المتحدة وعدد من الدول في إفريقيا. كان مصدر بعض السيارات المشاركة في العمليات تجار سيارات مستعملة في وسط ولاية فلوريدا، لذا فتح مكتب فلوريدا تحقيقاً. بعد فترة وجيزة، أي في أوائل 2011، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية البنك اللبناني الكندي على أنّه "مصدر قلق رئيسي لغسل الأموال"، ما أخرجه من العمل فعليا.

قررت (FINCEN) توقيف البنك عن العمل داخل الأراضي الأميركية لاعتقادها أنّه كان يجري بشكل روتيني عمليات بنكية لمهرّبي مخدرات وعمليات غسل أموال في مناطق حول العالم بينها أميركا، وأوروبا، وإفريقيا، والشرق الأوسط. ومن بين عملاء البنك أفراد يدعمون حزب الله مادياً. كما وجدت (FINCEN) أسباباً تشير إلى تورط مدراء في البنك في عمليات غسل الأموال.

ونظرت فرقة عمل إدارة مكافحة المخدرات في سجلات البنك الكندي اللبناني المصرفية. وسرعان ما لاحظت أنّ الأموال المرسلة إلى بعض شركات السيارات المستعملة المتورطة في قضية البنك المذكور تبدو وكأنّها تمر عبر كالوتي.

وعلق ديفيد سود، رئيس قسم الأبحاث والتحليل في الشركة الاستشارية (I.R. Consilium) لـ ICIJ: "لا توجد آلية في العالم أفضل لغسل الأموال من الذهب".

أصبح كالوتي هدفاً لتحقيق جديد بعد إثارة قضية البنك الكندي اللبناني، وأُطلق على التحقيق اسم "عملية العسل بادجر"، وفق ستة من المسؤولين الحاليين والسابقين الذين تابعوا الملف وتحدثوا مع ICIJ. وبحسب أحد المسؤولين السابقين في مكافحة المخدرات في تصريح لـ ICIJ: "بين عشية وضحاها، تحوّلت التحويلات البنكية مع البنك اللبناني الكندي والشركات الأخرى إلى كالوتي، من هو كالوتي؟"

بدأ المحققون في رؤية التحويلات الكبيرة مرات عدة في اليوم الواحد، من كالوتي إلى شركة سالور للذهب. وفي إشارة إلى التحويلات، قالت مجموعة كالوتي إنّها كانت ترسل الأموال نيابة عن Trading Track ومقرها في دولة بنين، وإنّ "الغرض كان تداول الذهب". وغالباً ما قامت شركة "SALOR DMCC" للذهب في دبي بتحويل الأموال في اليوم ذاته إلى تجّار السيارات المستعملة، بما في ذلك بعض تلك المذكورة في الشكوى ضد البنك الكندي اللبناني التي تمّ الاطلاع عليها من قبل ICIJ.

وفي العام 2012، أرسل كالوتي مبلغ 414 مليون دولار نقداً مقابل الذهب، بحسب وثائق رسمية اطلع عليها ICIJ.

وعن مجموعة من الأسئلة لـ ICIJ عن تحقيق فرقة العمل بقيادة إدارة مكافحة المخدرات حول كالوتي، واكتشافها أنه دفع مبالغ نقدية كبيرة مقابل الذهب، قال المتحدث الرسمي باسم كالوتي إنّ "أيّ معاملات نقدية أجراها كالوتي كانت تتمّ منذ فترة طويلة ولم تكن بطريقة غير لائقة. كان النقد (وما يزال) طريقة دفع شائعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، في كل من المعاملات الشخصية والتجارية. ومع ذلك، اتخذت مجموعة كالوتي قراراً تجارياً منذ قرابة عقد من الزمن بوقف جميع المعاملات النقدية في جميع أعمالها".

تعاملات تجارية أخرى غامضة

بحسب وثائق اطّلعت عليها أريج، انطلقت تعاملات كالوتي إلى معظم دول العالم. المحققون الأميركيون يعتقدون أنّ معاملات كثيرة أجرتها مجموعة كالوتي التي كانت تشتري الذهب من مورّدين يشتبه في أنّهم ينشطون في عمليات غسل أموال لتجّار مخدّرات وآخرين مرتبطين بمجموعات إجرامية.

بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 وأبريل/ نيسان 2013، أرسلت مجموعة كالوتي ما مجموعه 44,343,467.00 دولار أمريكي إلى شركة مسجلة في أكرا، غانا. وذهبت بعض تلك الأموال إلى حساب تلك الشركة في مصرف فرنسبنك في بيروت، لبنان. والسؤال لماذا تمتلك شركة ذهب في غانا حساباً مصرفياً في لبنان؟

وبحسب التقرير ذاته، أرسلت شركة JLM أيضاً قرابة 400000 دولار أمريكي إلى شركة معادن في غينيا لديها حساب مصرفي في مصرف عودة، على دفعتيْن تمّ إرسالهما بتاريخ 25/04/2012 و16/05/2012.

وقال متحدث باسم كالوتي رداً على هذه الاتهامات إنّ كالوتي "ينفي بشدة أيّ مزاعم بسوء السلوك، سواء كانت هذه الادّعاءات نابعة من اليوم أو قبل عقد من الزمن".

وأضاف: "كما تسبق هذه الأنشطة موضع التساؤل تغييرات تنظيمية مهمة في الصناعة، لقد تطورت أعمال كالوتي لتتوافق مع هذه التغييرات وقد استوفت أو تجاوزت جميع المتطلبات التنظيمية المعمول بها، بما يتوافق مع أفضل الممارسات الصناعية".

كالوتي ما يزال يعمل

ما تزال مجموعة كالوتي تعمل إلى الآن رغم ما تمّ تناوله حول العمليات المالية التي تجريها بخصوص تجارة الذهب، ورغم التحقيقات التي تناولت نشاطاتها.

في عام 2015، أعلن مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) شطب مجموعة كالوتي للمجوهرات في الشارقة من قائمة الشركات التي تفي بمعايير التوريد. وأشار المركز إلى أنّه "تمّ حذف كالوتي من "قائمة دبي للتسليم الجيد"، وهي عبارة عن ختم الموافقة الممنوحة للشركات التي تمتثل للمعايير التي وضعتها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD). وتمّ تصميم المعايير المذكورة لضمان عدم الحصول على الذهب من مناطق الصراع وعدم استخدامه في غسل الأموال"، بحسب ما تمّ الرد به على ICIJ.

على الرغم من شطب مصفاته الأصلية، التي تمّ إغلاقها منذ ذلك الحين، من قائمة "التسليم الجيد" في عام 2015، سمح مركز دبي للسلع المتعددة للشركة بفتح مصفاة جديدة (MTM & O Gold Refinery DMCC) في عام 2017، وفقاً لتقرير Global Witness. وأخبر مركز دبي للسلع المتعددة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أنّ جميع طلبات تسجيل الشركات تخضع "لعملية امتثال قوية".

وفي سؤال لـ ICIJ حول إبلاغ وزارة الخزانة الأمريكية السلطات في الإمارات العربية المتحدة بتورّط كالوتي المزعوم في غسل الأموال خلال عاميْ 2015 و2016. وعما إذا كانت السلطات الإماراتية تواصلت مع شركة كالوتي بشأن تلك المزاعم أو اتخذت أيّ إجراء ضدها، ردّ المتحدث باسم كالوتي: "أنّ وزارة العدل الأميركية لم تتصل بهم مطلقاً. على أي حال، هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها كالوتي بهذه الادّعاءات. مرة أخرى، إذا كان المسؤولون الأمريكيون (أو الإماراتيون)، أو أيّ سلطة مختصة أخرى، قد قدموا لـكالوتي دليلاً على أنّ أيّاً من عملائه كان يسهل نشاطاً إجرامياً، لكان كالوتي انسحب على الفور من هذه العملية. علاوة على ذلك، لو كانت وزارة الخزانة الأمريكية تخشى بالفعل أن يكون كالوتي متورطاً بأيّ شكل من الأشكال في غسل الأموال، فعند إجراء تحقيق مناسب، إما عن طريق الاتصال بالسلطات الإماراتية أو كالوتي أو كليهما، فنحن على ثقة من أنّه كان من الممكن تهدئة مخاوف السلطات بسهولة".