ARIJ Logo

وزارة العمل الأردنية عاجزة عن التدخل والنصوص ضبابية

"شرط عدم المنافسة" سجن مؤبد

تحقيق: عبد المهدي العواجين

7/9/2020
شاهد/ي خلاصة التحقيق في أقلّ من دقيقتين

بعد ثماني سنوات من العمل كمندوب مبيعات في محل مجوهرات ترك عصام* وظيفته إثر خلاف مع صاحب العمل، والتحق بوظيفة جديدة في محل آخر يمارس النشاط التجاري ذاته، ليجد نفسه في مواجهة مطالبة قانونية لدفع 50 ألف دينار، هي قيمة الشرط الجزائي في عقد عمله السابق، الذي يمنعه من العمل في وظيفة مماثلة لمدة عشر سنوات. عندما غادر عصام عمله في محل المجوهرات لم يكن في نيته خرق الشرط الجزائي، لكنّ قلة فرص العمل والأوضاع الاقتصادية الصعبة لم تترك له "منفذاً آخر". يقول: "صيانة الفضة وبيعها هي المهنة الوحيدة التي أعرفها وأتقنها". وبسبب هذه المطالبة القانونية أمضى عصام أكثر من عام في إجراءات التقاضي، لكن لحسن حظه صدر قرار المحكمة باعتبار الشرط الجزائي مبالغاً فيه، ولا يتساوى مع الضرر. وألزمته المحكمة بدفع مبلغ 2372 ديناراً أردنياً، فقط، كتعويض عن مدة باقي عقد العمل محدد المدة، بموجب المادة (26) من قانون العمل.

عصام ليس حالة منفردة، إذ يخالف عديدٌ من الشركات الأردنية الدستور وقانون العمل، بإجبار موظفيها على توقيع عقود تمنعهم، بعد الاستقالة، من العمل لدى جهات منافسة لأجل طويل، في انتهاك واضح لحقوق العمال يجري في ظل رقابة ضعيفة لوزارة العمل، وتضارب في القوانين، ونقص في التشريعات الملائمة.

المحامي فيصل السرحان، الذي تولى قضية عصام، استند في دفاعه إلى المادة الرابعة من قانون العمل الأردني التي تبطل مفعول أيّ شرط في العقد يتنازل فيه العامل عن حقوقه، والمادة (819) من القانون المدني التي تعتبر أيّ شرط مبالغ فيه بهدف إبقاء العامل لدى صاحب العمل غير صحيح.

يقول السرحان إنّ الشرط الجزائي المذكور في عقد عصام باطل قانونياً بالرغم من توقيع العامل عليه بإرادته. ويؤكد ألّا مكان للإرادة في وجود نص القانون، لأنّ العمال يقبلون بمثل هذه الشروط تحت ضغط الحاجة للعمل.

شرط عدم المنافسة في عقد عصام

"اتفق الطرفان على أن يلتزم الفريق الثاني في حال ترك العمل و/أو فسخ عقد العمل و/أو لأيّ سبب آخر ترك بموجبه العمل لدى الفريق الأول، بعدم العمل لدى أيّ مؤسسة و/أو شركة و/أو محل لصياغة وبيع وشراء الذهب والمجوهرات والإكسسوارات في محافظة المفرق تحت أيّ مسمى وظيفي لمدة عشر سنوات من تاريخ قيام الفريق الثاني بترك العمل و/أو فسخ عقد العمل و/أو لأيّ سبب آخر ترك بموجبه العمل لدى الفريق الأول، وخلاف ذلك يلتزم الفريق الثاني بدفع غرامة مالية قدرها خمسون ألف دينار أردني للفريق الأول كشرط جزائي، ويبقى هذا الشرط نافذاً حتى وإن انتهى عقد العمل لأيّ سبب و/أو بالاستقالة و/أو بانتهاء مدة العمل، ولا ينتهي الشرط الجزائي إلّا بموجب اتفاق خطي مستقل عن العقد المبرم بين الطرفين".

في ظل أزمة بطالة تقترب من سقف 20% من القوى القادرة على العمل، وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة، فإنّ القبول بالشروط المجحفة مقابل فرصة عمل جيدة أمر لا خيار فيه. لذلك قبل رامي* شرطاً جزائياً في عقده مع شركة توزيع هواتف خلوية بمبلغ 10 آلاف دينار أردني. يقول: "فرصة العمل في ظل الأوضاع الراهنة كانت تساوي قبول هذا البند".

عقد رامي يمنعه من العمل لدى شركات منافسة لمدة سنتين من تاريخ انتهائه، ما جعله يتردد بالفعل في قبول عرض عمل جيد لصالح شركة منافسة، فبدأ رحلة استفسارات بين عدة جهات للتأكد من قانونية الشرط في عقده، أوصلته إلى مديرية العمل في محافظة الكرك، حيث يقيم، باعتبارها الجهة الرسمية المعنية بمتابعة الأمور العمالية، وهناك أيضاً لم يعثر على إجابة شافية. يقول: "احتاروا في الإجابة عن سؤالي، استخدموا الكمبيوترات التي أمامهم لنحو ساعتين، ثم استشاروا مكتب العاصمة، وردوا علي بالقول (للأسف الشديد لا نعرف)".

يستخدم رب العمل "شرط عدم المنافسة" في العقد استناداً إلى المادة (818) من القانون المدني الذي جاء ليحميه من إفشاء أسراره للمنافسين، ويُقبل إذا كان مقيداً بالزمان والمكان وطبيعة العمل، في حين يخلو قانون العمل تماماً من أيّ مادة يتمّ من خلالها تنظيم شرط عدم المنافسة في عقد العمل.

حمادة أبو نجمة، أمين عام وزارة العمل سابقاً ورئيس "مركز بيت العمال للدراسات"، يؤكد أنّ غالبية العقود التي تستخدم هذا الشرط تخالف القانون، إذ إنّ هناك فهماً خاطئاً لأهمية "شرط عدم المنافسة" وقانونية تطبيقه. ويشير أبو نجمة إلى أنّ استخدام "الشرط" بالشكل الحالي يؤدي فقط إلى منع العامل من الانتقال إلى عمل آخر، وليس حماية مصالح صاحب العمل وحماية أسراره.

المادة (818)

"إذا كان العامل يقوم بعمل يسمح له بالاطّلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة، جاز للطرفين أن يتفقا على ألّا يجوز للعامل أن ينافس صاحب العمل أو يشترك في عمل ينافسه بعد انتهاء العقد".

رفضت الشركات التي تستخدم هذا الشرط في عقودها التجاوب معنا، لكنّ أحد المحامين الذي يعمل لدى شركة اتصالات، رفض ذكر اسمه، وهو مختص في رفع قضايا للشركات تتعلق بهذا الشرط، تحدث إلينا ولخّص المسألة كلها على النحو الآتي: "العقد شريعة المتعاقدين وهو شرط غير جبري، والمحاكم هي صاحبة الاختصاص في أيّ دعوى يقيمها صاحب العمل على العامل بخصوص شرط عدم المنافسة، بينما لا صلاحية لوزارة العمل للبتّ في هذا الموضوع".

وفي ظل طبيعة النصوص القانونية في قانون العمل الحالي، يقر أبو نجمة أنّ الحكومة، ووزارة العمل بالتحديد، لا تملك صلاحية التدخل في أيّ نزاع من اختصاص القضاء، وهذا يعني أنّ كل النزاعات التي تقوم بين العامل و صاحب العمل خاصة بعد انتهاء خدمة العامل لديه هي من اختصاص القضاء، ولا يملك مفتش العمل ولا أيّ جهاز في وزارة العمل سلطة التدخل في حل النزاع.

لكي يكون "شرط عدم المنافسة" صحيحاً وقانونياً يجب أن يتضمن التالي:

01.
ضرورة أن تكون طبيعة عمل الموظف تقتضي الاطّلاع على أسرار العمل، وأن يكون إفشاء هذه الأسرار يشكل ضرراً لصاحب العمل إذا عرفها منافس.
02.
أن يكون الشرط محدداً بالزمان، بحيث يتمّ تحديد المدة الزمنية "لشرط عدم المنافسة" و لا يكون الزمن مطلقاً.
03.
أن يكون الشرط محدداً بالمكان، بحيث يتمّ تحديد المكان الذي يُحظر على العامل العمل فيه، ولا تكون مساحة جغرافية واسعة.
04.
أن يتمّ تحديد طبيعة العمل التي يُحظر على العامل العمل فيها، فإذا انتقل العامل إلى شركة منافسة بمسمى مختلف عن المذكور في الشرط لا يعتبر ذلك مخالفة لشرط عدم المنافسة.

عدد المخالفات

لا تملك وزارة العمل إحصائية بعدد مخالفات "شرط عدم المنافسة"، فقد أدرجته ضمن مخالفات "عدم الامتثال" في إطار العقود والموارد البشرية، التي بلغ عددها 494 مخالفة، مقابل المخالفات التي لم تصنف وضُمَّت إلى بند "أخرى" التي بلغ عددها 3132 مخالفة. وكانت وزارة العمل باشرت، لغايات إعداد تقريرها السنوي لعام 2019، بعملية تصنيف المخالفات لتحديد مخالفات عدم امتثال أصحاب العمل للمتطلبات القانونية لشرط عدم المنافسة، وفق ما هو منصوص عليه في قانون العمل والقانون المدني، إلّا أنّ التقرير لم يصدر حتى الآن نظراً إلى تعطيل الدوائر الرسمية بسبب جائحة كورونا.

من جهتنا، وثق هذا التحقيق 20 مخالفة قانونية لـ "شرط عدم المنافسة" تعامل معها القضاء، ونُظرت أمام المحاكم الأردنية خلال الأعوام 2009-2019. هذه الدعاوى رفعتها شركات للمطالبة بقيمة "شرط عدم المنافسة" من موظفيها الذين تركوا العمل لتأسيس مشروعهم الخاص أو انتقلوا إلى شركات منافسة.

icon book
20
قضية
الحكم
05 لصالح الشركة
15 لصالح الموظف
الإسناد القانوني
19 قضية للمادة (818)
03 لقانون العمل والدستور
المحكمة
06 محكمة أولى
08 محكمة استئناف
06 محكمة تمييز
icon papers
عنصر الاطّلاع على الأسرار
13
غير متوفر
06
متوفر
01 غير معروف
icon clock
عنصر الزمان
02
غير متوفر
07
متوفر
01 غير معروف
icon pin
عنصر المكان
09
غير متوفر
02
متوفر
09 مطلق
icon
عنصر نوع العمل
20
غير متوفر
00
متوفر
00 غير معروف

وبمقارنة إجراءات التقاضي في القضايا العشرين المرصودة نجد تفاوتاً واضحاً في تقدير قانونية "شرط عدم المنافسة" من قبل محاكم الدرجة الأولى(البداية)، ومحاكم الدرجة الثانية (الاستئناف). فقد ظهر في بعض القضايا أنّ محكمة الدرجة الأولى اعتمدت الشرط في العقد، ثمّ ردت محكمة الاستئناف الحكم واعتبرت الشرط مخالفاً للمادة (818) من القانون المدني، وحرماناً من العمل و اعتداءً على حرية العمل التي كفلها الدستور.

يظهر ملف قضية لسيدة في شركة توظيف توقيعها على شرط يلزمها بعدم العمل لدى شركة توظيف أخرى خلال سنة من تاريخ تركها للعمل لأيّ سبب، وبخلاف ذلك تلتزم بدفع خمسة آلاف دينار أردني كشرط جزائي. وبمتابعة إجراءات التقاضي تبيّن أنّ محكمة البداية اعتبرت الشرط الوارد في العقد صحيحاً وأصدرت قرارها بإلزام الموظفة بقيمة الشرط الجزائي. وصلت القضية إلى محكمة الاستئناف التي قررت فسخ الحكم وإعادة المحاكمة من جديد لأنّ محكمة البداية لم تناقش طبيعة عمل الموظفة في الشركة، ولم تثبت الضرر الواقع على الشركة.

أُعيدَت المحاكمة من جديد وأثبتت المحكمة أنّ طبيعة عمل الموظفة في الشركة الجديدة تختلف عن طبيعة عملها السابق، كما لم يثبت للمحكمة وقوع أيّ ضرر أو تسريب أسرار؛ فأصدرت المحكمة قراراً جديداً يتضمن رد الدعوى وعدم قبولها، والحكم لصالح الموظفة.

تعلق المحامية والناشطة الحقوقية هالة عاهد على هذه الحالة بالإشارة إلى أنّ النصوص القانونية عامة وغير محددة، فالمهن لا تخضع جميعها لشرط عدم المنافسة. وتلفت إلى أنّ هذا البند (الشرط) يثير كثيراً من التساؤلات بسبب تعارض النصوص القانونية بشأنه، وتضارب المصالح أيضاً، وبسبب غياب الموازنة في العلاقة بين صاحب العمل والعامل؛ فالقانون المدني أعلى من مصلحة صاحب العمل على حساب العامل، في حين نصّت المادة الرابعة من قانون العمل على عدم قانونية الشروط الواردة في عقد العمل التي تنتقص من حقّ العامل.

يؤيدها في ذلك محمد أبو بكر، عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة، ملقياً باللوم على المشرّع الأردني، الذي لم يعالج في قانون العمل حتى الآن شرط عدم المنافسة، ولم يعالج الأسباب الموجبة لوضع هذه الشروط، التي يعتبرها باطلة لأنّها تتنافى مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور الأردني ومع نصّ المادة الرابعة من قانون العمل.

يُناط بوزارة العمل تقديم استشارات قانونية للأفراد والمؤسسات، وإجراء تقييم دوري لمدى انسجام سياسات وتشريعات العمل مع احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومعايير العمل الدولية والعربية، لكنّ الوزارة تقف عاجزة حتى الآن عن حلّ هذه الإشكاليات، ولا يعرف موظفوها كيف يمكنهم تقديم إجابة شافية لمن يلجأ إليها بهذا الخصوص. ردّها الرسمي على تساؤلاتنا كان أنّ "للعامل ثلاثة خيارات في التظلّم؛ أولها الشكوى للنقابة التي ينتسب إليها، التي لا تملك سلطة قانونية، أو من خلال مديرية التفتيش بوزارة العمل، التي تجبر رب العمل على تعديل البند إذا اتضح أنّه مخالف، أو اللجوء إلى المحاكم".

icon quote

في ظلّ القوانين الحالية لا يمكن الاتفاق على نصّ للشرط يحقق التوازن بين مصلحة العامل ومصلحة صاحب العمل إلّا في حالة واحدة تكون على شكل تعهد بكتمان أسرار العمل فقط لا غير وليس شرطاً يدخل بتقييد حرية العامل بالعمل.

icon quote
المحامي طارق الحويطي
خبير تعويضات مادية ومعنوية/ محكّم ومفاوض دولي
icon quote

إنّ شرط عدم المنافسة المتعلق حصراً بمنع الموظف من العمل لدى صاحب عمل آخر في ذات المهنة، هو شرط باطل دستورياً كون الدستور الأردني قد أعطى العامل حرية العمل، واعتبرت المحاكم الأردنية ومن ضمنها محكمة التمييز في العديد من القرارات أنّ الشرط الوارد في عقد العمل حول عدم المنافسة هو قيد استثناء ورد على المادة (23) من الدستور الذي هو القانون الأعلى مرتبة، إذ كفلت هذه المادة حق العمل للجميع. إلّا إذا كان العمل الذي مارسه العامل قد أفشى من خلاله أسرار صاحب العمل القديم. وقام باستجلاب زبائنه لمصلحته.

icon quote
المحامي أيمن أبو شرخ
عضو اتحاد المحامين الإعلاميين الدوليين

ليس مستغرباً إذن، أن تستمر الشركات بوضع بند "عدم المنافسة"، الذي أقرّه القانون، في عقود موظفيها بطريقة غير قانونية؛ إذ تغيب عنه التفاصيل المحددة لطبيعة العمل، والأسرار التي يخشى تسريبها، أو الفترة الزمنية الملزمة للعامل، أو الأماكن التي لا يُسمح له بالعمل فيها. كل ذلك يضع الموظف الذي يقبل التوقيع على عقد يتضمن هذا البند أمام خيارين صعبين، فإما أن يجد نفسه مطالباً قضائياً بدفع قيمة شرط جزائي تتعدى قيمة راتبه الهزيل أضعافاً مضاعفة، إذا ترك وظيفته، أو أن يقبل الاستمرار في عمله قسراً.

* اسم مستعار.