ARIJ Logo

منصة "نيوتن" للتعليم في زمن الكورونا

العراق يضحي بتعليم نصف طلابه

تحقيق: نور فرج

25/08/2021

قبل عاميْن، رسب محمد للمرة الثانية. كان عليه أن يبقى في الصف الخامس الابتدائي بينما ينتقل زملاؤه إلى المدرسة المتوسطة. مع بداية العام الماضي أخبره مدير المدرسة -على خلفية شجاراته الكثيرة ورسوبه المتكرر- أنّه "فاشل ولا حل ينفع معه"، واستدعى ولي أمره، فقرر والده تأديبه بحرمانه من المدرسة.

يقول محمد (12 عاماً):

لقد فرحت بداية الأمر لأنّي أردت ترك المدرسة، لكنّي أشاهد أصدقائي يذهبون إليها في الصباح، فلا يبقى أحد منهم في الشارع... شعرت أنّي وحدي

بعد ذلك، التزم محمد بالذهاب إلى المدرسة، ووعد بأنّه لن يتسلق السور للهرب كعادته، لكنّه فوجئ بعد أسابيع قليلة، هو و11 مليون طالب في المراحل الابتدائية والثانوية، بوقف الدروس وجاهياً بسبب إجراءات الوقاية من جائحة كورونا. كان ذلك في شباط/ فبراير 2021.

الوزارة أعقبت قرار إغلاق المدارس، بالدعوة إلى اعتماد التعليم الإلكتروني. كما أعلنت عن إطلاق منصة (نيوتن) التعليمية الإلكترونية لاستكمال المناهج الدراسية عن بعد. لكنّ محمداً لم يلتحق بالمنصة هو أو أخته، إذ يعمل والد محمد سائقاً لسيارة أجرة، وقد أدت فترات حظر التجوال إلى توقفه عن العمل، وتدهور حال الأسرة المعيشية، ما اضطره إلى فصل خدمة الإنترنت.

تقول إيلاف حيدر، شقيقة محمد الكبرى، وهي طالبة في الصف الخامس الإعدادي: "قالوا إنّ هناك منصة تعليمية، لكنّي لم أرها. ليس لدينا إنترنت".

قمنا بتتبع بيانات وزارة التخطيط، ووزارة الاتصالات، وبيانات صادرة عن وزارة التربية، وأخرى أصدرتها منظمات دولية حول التعليم في العراق. تحليل البيانات كشف عن تضرر الفئات الفقيرة والنساء نتيجة السياسات التعليمية المتعلقة بكوفيد-19، إذ صُمِّمت تلك السياسات لاستيعاب الأزمة لكنّها لم تشمل الجميع.

إيلاف ليست الوحيدة التي لم ترَ المنصة التعليمية المذكورة، ولن تكون هي ومحمد الوحيديْن اللذيْن سيعانيان في مواصلة دروسهما عن بعد خلال هذا العام الدراسي، فقد أكد لنا المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية حيدر فاروق (في مقابلة أواخر آذار/ مارس 2021) أنّ "نحو 6 ملايين طالب دخلوا إلى المنصات الإلكترونية، من أصل 11 مليون طالب في المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية".

الملايين الخمسة الأخرى من طلاب المدارس غير المسجلين في المنصة الرسمية، ليسوا كسالى، هم ببساطة لا يستطيعون التسجيل لعدم توفر خدمة الإنترنت لحوالي 40% من الأُسَر العراقية على الأقل، بحسب مسح الاتصالات الصادر عن وزارة الاتصالات لعام 2019، بينما تتراوح تقديرات الاتحاد الدولي للاتصالات والبنك الدولي للأفراد العراقيين غير المتصلين بالإنترنت بين 25% و50%.

التحليل الذي أجريناه لبيانات المسح العنقودي متعدد المؤشرات الصادر عن وزارة التخطيط عام 2018، أظهر أنّ 3 أُسَرٍ من كل 10 أُسَرٍ في إقليم كردستان لا تحصل على خدمة الإنترنت، فيما لا تحصل 6 أُسَرٍ من كل 10 في محافظات الغرب وبعض محافظات الوسط على الخدمة، ما يعني عدم وصول الطلاب إلى التعليم بشكل متساوٍ، فالوضع المادي أساساً، ومنطقة السكن، يحددان فرصهم في الحصول على التعليم.

فيما تحصل 70% من الأُسَرِ الأعلى دخلاً على خدمة الإنترنت، فإنّ 15% فقط من الأُسَر الأشدّ فقراً تحصل على نفس الخدمة.

يؤكد المتحدث باسم وزارة التربية أنّ "المشكلة ليست مشكلة الوزارة، هي مشكلة بنى تحتية للدولة بشكل عام، ولهذا تمّ اللجوء إلى إنتاج ملخصات مطبوعة ينسخها الطلاب ويدرسونها بمفردهم".

سيناريو 2020 تكرر في 2021

في بداية عام 2020، (قبيل الوباء)، تعرف محمد على سليل وأقنعته بالعودة إلى المدرسة. تسكن سليل (20 عاماً) في المنزل المقابل لعائلة محمد. وتطوعت لتدريسه قبل فترة الحجر الصحي. تقول: "اكتشفت أنّه بارع في الرياضيات، لكنّه يعاني كثيراً في مادة اللغة العربية ويرسب في الدروس الأخرى بسبب عدم إتقانه الكتابة".

ساهمت دروس سليل في تحسين أداء محمد الدراسي، لكنّه انقطع عن التعليم بشكل كامل عندما توقفت المدارس ولم يتواصل مع أيٍّ من مدرّسيه. ولم تتمكن سليل هي الأخرى من الاستمرار في تدريسه، فيما لم يتمكن هو من الحصول على مدرس آخر. "قلقتُ من أن يخسر محمد ما تعلمه بسبب توقف المدارس، فقد كان بحاجة ماسة إلى اختبار ما تعلمه"، تقول سليل.

أحمد (10 سنوات)، كان يدرس منهجاً باللغة الإنجليزية وهو في الصف الرابع الابتدائي، يعمل والداه طبيبيْن في المدينة التي تعيش فيها أسرة محمد. الفرق أنّهما يدفعان حوالي 4000 دولار كرسوم سنوية لتعليم ابنهما في مدرسة خاصة. وأكدت والدة أحمد، د. ظفار هاشم، أنّه استمر في التواصل مع معلميه بعد إغلاق المدرسة العام الماضي.

لاحقاً في نيسان/ أبريل من العام الماضي، أعلنت وزارة التربية إنهاء السنة الدراسية مبكراً، واحتسبت نتائج الفصل الدراسي الأول كمعدلات نهائية لاجتياز الصف المحدد لكل المراحل الدراسية عدا طلبة الثانوية العامة. بهذا نجح محمد، لكنّه ما يزال يعاني ارتباكاً واضحاً في الكتابة.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أعلنت وزارة التربية أنّها ستسمح بفتح المدارس للعام الدراسي 2021 -الذي يشارف على نهايته الآن- كانت خطة الوزارة تقضي بأن يحظى الطلاب في كل مرحلة دراسية بيوم دراسي واحد في الأسبوع داخل المدرسة، فيما سيتم الاعتماد على التعليم الإلكتروني لتغطية الساعات الدراسية الأخرى.

ولكن بعد 10 أسابيع من بداية العام الدراسي، أعلنت مديريات صحية في أكثر من محافظة تفشي فيروس كورونا في مدارس عدة، وتزامن ذلك مع ارتفاع معدلات الإصابة في العراق. فيما أعلنت وزارة التربية عن معاودة إغلاق المدارس في 18 شباط/ فبراير 2021 وحتى إشعار آخر، وانقطع محمد كلياً عن المدرسة من جديد.

في هذه الأثناء أبرز لقاء متلفز لوزير الصحة العراقي حسن التميمي، وجود مخالفات مكّنت طلاب المدارس الخاصة من الدوام لأكثر من يوم واحد في الأسبوع. تحدث الوزير عن تأثير إهمال المدارس للتعليمات الصحية في ارتفاع معدلات الإصابات، مشيراً إلى أنّ المدارس الأهلية بشكل خاص لم تلتزم بالدوام ليوم واحد أسبوعياً بل كانت تستمر بالدوام 3-6 أيام أسبوعياً. وهذا ما كان يحدث بالفعل في مدرسة أحمد.

التعليم الإلكتروني ليس للجميع

كما هو الحال مع إيلاف وأخيها محمد، فإنّ السبب الرئيسي لعدم اشتراك الأُسَرِ في خدمة الإنترنت هو ارتفاع التكلفة. إذ قال 70% من غير المشتركين في خدمة الإنترنت إنّ ارتفاع تكلفة الاشتراك وارتفاع أسعار الأجهزة الذكية يمثلان عائقاً أساسياً أمام وصولهم إلى الخدمة، بحسب مسح الاتصالات لعام 2019.

أسعار خدمات الإنترنت لم تشهد تغيّراً ملموساً منذ العام الماضي، على الرغم من وعود وزارة الاتصالات بتوفير الإنترنت مجاناً للطلبة، وتحسين جودة الإنترنت لاستخدامه بشكل منتظم، إذ يبلغ متوسط التكلفة الشهرية 50 دولاراً لاشتراكٍ متوسط الجودة، وهي تكلفة تستطيع أسرة أحمد دفعها لضمان استمراره في الحصول على التعليم، على عكس أسرة محمد.

حتى لو كان محمد وإيلاف محظوظين، وتمكن والدهما من دفع أجور الإنترنت، فهذا لن يحلّ المشكلة تماماً، لأنّ محمد لا يمتلك جهازاً ذكياً خاصاً به يمكّنه من الالتحاق بالدروس الإلكترونية بانتظام، وسيضطر إلى انتظار عودة والده إلى المنزل ليستخدم هاتفه.

كشف التحليل الذي أجريناه على بيانات المسح العنقودي أنّ 8 من كل 10 أُسَرٍ عراقية لا تمتلك جهاز حاسوب، فيما بيّن تقرير وزارة التخطيط حول مؤشرات الفقر لعام 2018 أنّ واحدة من كل 10 أُسَرٍ لا تمتلك أيّ أجهزة ذكية على الإطلاق.

وكما هو الحال مع الوصول للإنترنت، يتفاوت الوصول إلى الأجهزة الذكية على أساس المنطقة والدخل. وأظهر التحليل الذي أجريناه لبيانات المسح العنقودي تفاوتاً في الوصول حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، إذ لا يتمّ توزيع هذه الأجهزة أو استخدامها بشكل متساوٍ داخل الأسرة.

ليست هناك ضمانات بأن يحصل الطلاب على أجهزة ذكية تسدّ احتياجاتهم طيلة الوقت، وخاصة الفتيات، إذ تقل نسبة وصول الإناث إلى أجهزة الهاتف المحمول بـ 20% عن الذكور، ويقل استعمالهن لأجهزة الحاسوب بمقدار 80% عن الذكور داخل الأسرة الواحدة.

المتحدث باسم الوزارة نفى وجود أيّ خطط لدى وزارته لتوزيع هذه الأجهزة على الطلبة، معلّلًا ذلك بأنّ الأمر "يحتاج إلى سيولة لا تملكها الوزارة لشراء هذه الأجهزة وتوزيعها على التلاميذ".

وتطرح الوزارة التلفزيون التربوي كحلٍّ بديل للإنترنت بحسب المتحدث: "التلفزيون الرسمي لوزارة التربية، شكّل نقطة جيدة في التعليم"، إذ يتمّ تسجيل الدروس وبثها عبر الفضائية التربوية. وعلى الرغم من أنّ 98% من الأُسَر العراقية تمتلك جهاز تلفزيون، إلّا أنّ عدم انتظام التيار الكهربائي وساعات الانقطاع الطويلة يشكلان تحدياً آخرَ أمام الأطفال، إذ يحضرون الدروس متقطعة ويفوتهم منها الكثير، فكيف لهم أن يفهموا الدرس نفسه الذي يتلقاه أحمد من أساتذته مباشرة؟

يشكك حازم إبراهيم، وهو مشرف تربوي سابق ومستشار سابق في لجنة التربية والتعليم بمجلس محافظة بغداد، في جدوى إجراءات وزارة التربية العراقية فيما يخص التعليم الإلكتروني: "الدول المجاورة مثل الأردن وتركيا بدأت تستعد لتبني التعليم الإلكتروني من خلال توزيع أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية على تلاميذها حتى يكون التلميذ جاهزاً لتلقي الدروس، بالإضافة إلى وجود الكهرباء المستقرة التي نفتقدها".

من يتولى تعليم 11 مليون طالب؟

ترى هدى علاء وهي مدرّسة للمرحلة الابتدائية في مدرسة حكومية، أنّ نظام التعليم عن بعد يشكل تحدياً للمدرسين سواء من حيث ضغط العمل الإضافي، أو من حيث صعوبات التكيف مع الأسلوب التعليمي الجديد، إذ تأتي أزمة إغلاق المدارس في ظل تدنّي أعداد الكوادر التعليمية بشكل عام. تحليلنا لبيانات الوزارة كشف أنّ معدّل عدد المدرسين إلى الطلبة قد بلغ 1 إلى 25 في المدارس الابتدائية، و1 إلى 19 في المدارس الثانوية. وهذا أدنى من المعدل في الدول العربية، فبحسب بيانات البنك الدولي، يبلغ المعدّل العام لعدد المدرسين إلى الطلبة في العالم العربي 1 إلى 22 للمرحلة الابتدائية، و1 إلى 15 للمرحلة الثانوية.

أغلب المعلمين لم يتم تأهيلهم لمواجهة التحدي المفاجئ المتمثل بالتعليم عن بعد. إذ تشير بيانات وزارة التربية لعام 2018 إلى أنّ معلماً واحداً فقط من بين كل 4 معلمين في العراق، قد حصل على أيّ نوع من التدريب المنتظم. لهذا عانى المدرسون من التحول المفاجئ إلى التعليم الإلكتروني، خاصة أنّ الوزارة اكتفت بإرسال رابط إلى هواتف المعلمين يحتوي على تعليمات تتعلق بالتعليم الإلكتروني، "لم نتلق أيّ تدريب، نحن نعمل بمبدأ علّم نفسك بنفسك"، تقول هدى.

المتحدث باسم الوزارة قال إنّ منع التجمعات حال دون "إقامة دورات تدريبية وتطويرية بوجود جمع من الأشخاص المعلمين أو المدرسين، لذلك تمّ الاعتماد على إيصال رابط". وهو يرى مع ذلك أنّ التعليم الإلكتروني قد فك أزمة نقص الكوادر التعليمية وندرة بعض التخصصات، ومشكلة المدرسين غير المؤهلين.

مسؤولية أولياء الأمور؟

علي صادق مدرس رياضيات عنده تجربة في التدريس للمراحل الابتدائية عن بعد، ويتابع أكثرُ من مليون طالب وطالبة المحتوى التعليمي الذي يشاركه عبر منصة يوتيوب، يقول: "المسؤولية الكبرى تقع على عاتق أولياء الأمور لمتابعة تدريس أطفالهم منزلياً في هذا الظرف".

لكن لن يستطيع جميع الآباء تعليم أطفالهم، وخاصة الأمهات اللواتي يأخذن هذه المهمة على عاتقهنّ في العادة، فالفروق الطبقية والتعليمية تقفز مرة أخرى إلى الواجهة، إذ تؤكد الحسابات التي أجريناها على بيانات المسح العنقودي أنّ ثلث النساء في الفئة العمرية من 15 إلى 49 سنة لا يُجِدْن القراءة والكتابة.

وبيّن التحليل أنّ 2 من كل 10 من النساء الثريات يعانين الأمية، في حين تعاني 6 من كل 10 من النساء الأكثر فقراً الأمر نفسه.

مستوى تعليم الأمهات يؤثر بشكل مباشر على قدرة الأطفال على الالتحاق بالتعليم أو الاستمرار فيه، فعند تصنيفنا لبيانات الالتحاق بالاعتماد على مستوى الأم التعليمي في المسح العنقودي لعام 2018، تبين أنّ حظوظ الأطفال للالتحاق بالتعليم تنخفض كلما قلّ مستوى تعليم أمهاتهم.

الأطفال الذين لم تحصل أمهاتهم على أيّ تعليم على الإطلاق يلتحقون بالمدرسة الابتدائية بنسبة 77%. في حين ترتفع نسبة الالتحاق لتتجاوز 92% من أطفال النساء الحاصلات على تعليم إعدادي أو أعلى.

إنفاق أكثر.. ومخرجات أقل.. وخسائر بعيدة الأمد

يتفوق إقليم كردستان على إقليم الوسط والجنوب في المؤشرات التعليمية بداية من معدلات الالتحاق والتسرّب، مروراً بمعدلات النجاح، وانتهاءً بمعدلات التكافؤ بين الجنسين، على الرغم من أنّ الحكومة العراقية تخصص حوالي 5.7% من إجمالي الموازنة لقطاع التعليم، فيما لا تخصص حكومة الإقليم إلا 2% من إجمالي موازنة الإقليم.

بحسب تقرير تكلفة ومنافع التعليم في العراق الصادر عن اليونيسيف عام 2016، فقد بلغ معدل الإنفاق في العـراق 3.1 مليـون دينـار عراقـي لـكل طالب. وجدنا أنّ هذا المعدل أعلى ب 24 ضعفاً من معدل إنفاق إقليم كردستان للطالب الواحد والبالغ 125 ألـف دينـار عراقـي لـكل طالب.

لقد تسبب النقص في المهارات الأساسية في رسوب محمد لسنتيْن متتاليتيْن خلال المرحلة الابتدائية. وقد أكد تحليلنا لبيانات المسح العنقودي أنّ هذا يحدث لـ 2 من كل 10 أطفال ممن هم في سن الدراسة المتوسطة، إذ يتأخرون عن الوصول إليها ويرسبون في المرحلة الابتدائية.

وتتهدد سياسات القطاع التعليمي في العراق الملايين من الطلبة بترك التعليم، وتقلل من الدخل السنوي المتوقع الذي سيحصلون عليه خلال سنوات حياتهم القادمة.

ولكن خسارة محمد وأقرانه لن تقف عند الرسوب المتكرر، فقد قابلنا بيانات المسح العنقودي المتعلقة بالرسوب بتلك المتعلقة بالتسرب، ليظهر التحليل، أنّ الفئات الأكثر عرضة للرسوب في المراحل الدراسية المختلفة هي ذاتها الأكثر عرضة لترك المدرسة والتعليم بشكل تام.

ولا يبدو أنّ لدى الوزارة حلولاً حقيقية للتعامل مع الفروق بين الأطفال الفقراء والأطفال الأغنياء في الوصول إلى التعليم الإلكتروني، فقد أجاب المتحدث باسم وزارة التربية عن ذلك بقوله إنّ "هذه تركيبة من الله سبحانه وتعالى، هناك غني، وهناك فقير، هناك شخص يأخذ كل شيء، وهناك شخص لا يأخذ شيئاً... فكيف ببلد يتعرض لكل هذه الأزمات؟".

الأطفال الذين يخسرون ساعاتهم الدراسية اليوم، سيخسرون حصة دائمة من دخلهم السنوي في المستقبل، لأنّ عدم تأهيلهم بشكل كافٍ سيؤدي إلى انخراطهم في أنشطة اقتصادية أقل نمواً واستدامة.

تذكر اليزابيك ساماك، محللة في البنك الدولي في مقال لها حول الخسائر المحتملة التي سيواجهها قطاع التعليم في العراق أنّ الأطفال العراقيين كانوا متخلفين عن المستوى التعليمي الذي يفترض به تأمين مواردهم الاقتصادية في مراحل عمرية لاحقة حتى قبل أزمة كوفيد-19.

"سيصل الطفل المولود في العراق اليوم، في المتوسط، إلى 41% فقط من إنتاجيته المحتملة عندما يكبر. ومن متوسط 7 سنوات يقضيها في المدرسة، فإنّ مقدار التعلم الذي يحصل عليه فعلياً هو 4 سنوات فقط". وتضيف: "سيؤدي إغلاق المدارس إلى المزيد من (فقدان التعلّم)".

محمد يخطط للعمل في الأيام التي سيكون فيها التعليم إلكترونياً. لقد سبق وأن اتفق مع صاحب ورشة الحدادة في الحي على العمل عنده في الأيام التي لن يذهب فيها إلى المدرسة. وعن الدروس غير المباشرة التي تفوته، يقول محمد "أدرس لاحقاً".

محمد سيربح بعض الدنانير في ورشة الحدادة، وسيخسر تعليمه، وحصة من دخله السنوي المتوقع مدى الحياة. ولكن في وقت ما في المستقبل قد يتوقف محمد لاحتساب حجم الخسائر التي ألحقها به نظام التعليم فهو -كما نعرف- ماهر في الرياضيات.