ARIJ Logo
tunisia map

كيف أدارت الحكومة التونسية "صفقات" الكوفيد-19؟

تحقيق: خولة بوكريم- تونس

24/09/2020
شاهد/ي خلاصة التحقيق

على الرغم من أنّ السلطات التونسية قد اتخذت قرار الرفع التدريجي للحجر الصحي الإجباري ابتداءً من 4 أيار/ مايو المنصرم، استناداً إلى خطة توفير 30 مليون كمامة لحماية جميع المواطنين و400 ألف من التحاليل السريعة لتقصي الإصابات بفيروس كوفيد-19، قبل تاريخ 4 أيار/ مايو، إلّا أنّ هذه الخطة لم يتم احترامها ما يعرض حياة المواطنين لخطر انتشار العدوى مع قدوم موجة ثانية من الفيروس.

تتبعت مُعِدَّة التحقيق صفقة شراء الحكومة التونسية للتحاليل السريعة وعاينت مسار إنتاج وتوزيع الكمامات ومدى توفرها أثناء الرفع التدريجي للحجر الصحي منذ 4 أيار/ مايو 2020. ووثقت تضارب معلومات وأدلة على اختلالات في تنفيذ صفقة التحاليل السريعة وعدم تطابق الكمامات المتوفرة في الأسواق مع المواصفات الحكومية.

الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة لمرصد الأمراض الجديدة والمستجدة أكدت لنا أنّ تونس لم تتلقَّ شحنة تحاليل سريعة من الصين وأنّها حصلت فقط على هبة صينية عبر المركز الإفريقي لمراقبة الأمراض، تمثلت في مجموعة من التحاليل المخبرية rt/pcr وليست تحاليل سريعة.

صفقة 400 ألف تحليل أحاط بها غموض ولم يتم الكشف عن تفاصيلها، خاصة فيما يتعلق بهوية الشركات التي فازت بالعرض وتواريخ وصول الشحنات. وعلى الرغم من إعلان مدير عام الصيدلية المركزية أنّ تونس ستتسلم الشحنة من شركتين إحداهما أوروبية، فرنسية-سويسرية، وأخرى كورية جنوبية، إلّا أنّ الصيدلية المركزية لم تنشر لا على موقعها الرسمي ولا على موقع الصفقات العمومية أسماء الشركات والأثمان.

يأتي هذا في مخالفة لما جاء في منشور رئيس الحكومة عدد 10 لسنة 2020 في 31 آذار/ مارس 2020 الذي وضع إجراءات "استثنائية" حول تنفيذ الصفقات العمومية خلال فترة الكورونا، إذ تمّ التأكيد على ضرورة نشر محاضر فتح الظروف فيما بعد، سواء على موقع مرصد الصفقات العمومية، أو الموقع الخاص بمنظومة الشراءات العمومية tuneps أو أيّ وسيلة إشهار أخرى. وبخصوص وصول شحنة 400 ألف تحليل من عدمها، تفيدنا الدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة بتاريخ 5 حزيران/ يونيو بأنّ "الشحنة وصلت تقريباً" من دون أن تعطي تفاصيل إضافية.
وبيّنت أنّ الشحنة تتكون من 200 ألف تحليل antigéniques وهي تحدد الجينات والمستضدات لكريات الدم البيضاء البشرية. و200 ألف تحليل anticorps وهي خاصة بالتحقق من وجود الأجسام المضادة للفيروسات. وعن أسماء الشركات التي تمّ شراء التحاليل منها، رفضت قرقني الرد.

المسار الزمني للصفقات الحكومية
28 آذار/ مارس 2020

نشرت الصيدلية المركزية التونسية طلب استشارة دولياً بخصوص شراء تحاليل سريعة لكوفيد-19، وحددت كميتها بـ 400 ألف تحليل، وآجال انتهاء الاستشارة بتاريخ 31 آذار/ مارس، أي أنّها فتحت العرض لمدة أربعة أيام فقط.

3 نيسان/ أبريل 2020

التضارب في التصريحات حول التحاليل السريعة برز أيضاً فيما يخص مصدرها، إذ أعلن وزير الصحة في ذلك الوقت، عبد اللطيف المكي أنّ تونس ستتسلم شحنة من التحاليل السريعة من الصين، في إشارة إلى الـ 400 ألف تحليل سريع المخطط الحصول عليها.

27 نيسان/ أبريل 2020

هذه الكميات لم تصل قبل بداية الرفع التدريجي للحجر، وفق ما صرح به عضو في لجنة مجابهة الكورونا لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية).

قبل 4 أيار/ مايو 2020

وقد أشار إلى أنّ ما تمّ استخدامه قبل 4أيار/ مايو، تمثل في كمية صغيرة من التحاليل استلمتها تونس على شكل هبة وذلك للشروع في تجربتها في إطار التقصي بشأن فيروس كورونا.

4 أيار/ مايو 2020

في حين صرّح خليل عموص، مدير عام الصيدلية المركزية في 4 أيار/ مايو (تاريخ اليوم الأول من الرفع التدريجي للحجر الصحي) بأنّ الشركتيْن اللتيْن اشترت منهما الصيدلية 400 ألف تحليل هما واحدة أوروبية "سويسرية-فرنسية" والثانية كورية جنوبية. ولم يأتِ على ذكر أيّ شركة صينية.

corona-img corona-img

في ظل غياب معلومة دقيقة، تقدمت مُعِدَّة التحقيق بمطالب نفاذ إلى المعلومة لكلٍّ من الصيدلية المركزية والهيئة الوطنية للطلب العمومي. لكنّها لم تتلقَّ ردوداً رغم انقضاء الآجال القانونية، ما جعلها تقوم برفع دعاوى ضد المؤسستيْن المذكورتيْن، في انتظار البت فيها.

قامت مُعِدَّة التحقيق بتقصّي مجموعة من التحاليل المستخدمة في 5 مستشفيات حكومية هي المستشفى العسكري وشارل نيكول وعبد الرحمن مامي في تونس العاصمة والحبيب بورقيبة في صفاقس، وفرحات حشاد في سوسة، للتعرف على نوعية التحاليل السريعة التي يتمّ استخدامها في المستشفيات.

وتبين وفق الصور التي مدتنا بها مصادر طبية نتحفظ على الكشف عن هويتها، لحساسية موقفها، أنّ وزارة الصحة استخدمت تحاليل مخبرية من نوعية PCR ولم تستخدم التحاليل السريعة في المستشفيات كما صرح المكي في 3 نيسان/ أبريل الماضي، حين قال إنّه سيتمّ استخدامها في المستشفيات في مرحلة أولى.
في الأسبوع الثالث من رفع الحجر الصحي، رصدت مُعِدَّة التحقيق مجموعة من التحاليل السريعة التي تمّ استخدامها بمناسبة عودة تلاميذ الباكالوريا (الثانوية العامة) إلى مقاعد الدراسة في 26 و27 أيار/ مايو المنصرم، تمّ استخدامها في مدارس كلٍّ من محافظات قفصة (الجنوب الغربي لتونس) والمنستير (الساحل التونسي)، واللافت للانتباه أنّها منتجات صينية من شركة Sinocare.

عند مواجهتنا لنصاف بن علية بخصوص التحاليل الصينية التي رصدناها، كان ردها أنّ "ذلك صحيح وأنّ التحاليل التي رصدتها مُعِدَّة التحقيق قد تكون صينية لكنّها أكّدت أنّ تونس لم تتسلمها بصورة مباشرة من دولة الصين، بل قد تكون أتت في شكل هبات من دول مختلفة".
وأضافت "أنّ التحاليل السريعة الصينية التي رصدتها مُعِدَّة التحقيق هي من المخزون السابق"، أي قبل الشروع في استخدام الكميات التي اشترتها تونس ضمن الـ 400 ألف تحليل.

تواصلت مُعِدَّة التحقيق مع شركة sinocare الصينية وسألتها عن الكميات التي زوّدت بها تونس من التحاليل السريعة وتواريخ وصولها ولكنّها لم تحصل منها على رد. كما تواصلت مع شركة NOBELEBIO الكورية الجنوبية فيما يخص التحاليل المخبرية، وأفادها أحد ممثلي الشركة بأنّه لم يتم التعامل مع الدولة التونسية بشكل مباشر ولم تكن هناك صفقة. وأنّ أحد الوسطاء ربما كان هو من باع للحكومة التونسية تحاليل PCR.

PCR test
PCR test
PCR test
PCR test

رصدت مُعِدَّة التحقيق في نفس الفترة المذكورة نوعية تحاليل سريعة ثانية من شركة فرنسية تدعى Biosynex في محافظة قبلي (الجنوب الغربي لتونس)، استخدمت في تقضي الإصابة بالفيروس بالنسبة للطلبة الوافدين إلى المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بقبلي.
كما أنّ التلفزة التونسية (التلفزيون الرسمي) بثت تقريراً مصوراً، بتاريخ 2 حزيران/ يونيو يظهر استخدام تحاليل سريعة من شركة Biosynex لفائدة طلبة وأساتذة بمحافظة منوبة بالعاصمة التونسية.

PCR test
PCR test
PCR test

من الجدير بالذكر هنا هو أنّ رياض زيان، مدير عام شركة "GS santé" الممثل الرسمي لمخبر BIOSYNEX في تونس صرح يوم 25 آذار/ مارس، في إذاعة إكسبراس إف إم الخاصة بأنّ الدولة التونسية أُعجبت بهذا المنتوج بعد أن قامت الشركة بإطلاعها عليه وأنّها اختارته "مبدئياً" للتعامل به. وفق ما أدلى به في المقابلة الإذاعية.

جاء هذا التصريح قبل ثلاثة أيام فقط من نشر الصيدلية المركزية التونسية للعموم طلب استشارة العروض لشراء 400 ألف تحليل سريع بتاريخ 28 آذار/ مارس.

اتصلت مُعِدَّة التحقيق برياض زيان للحصول على معلومات إضافية حول هذا الموضوع، الذي أجاب "قمنا في بادئ الأمر بعرض منتوجنا على وزارة الصحة، وأبدينا استعدادنا للتعامل معها، ثمّ تلقينا دعوة في 20 آذار/ مارس، من اللجنة العلمية لمكافحة الكورونا، وكانت الدكتورة نصاف بن علية حاضرة فيها، وطلب منا أعضاء اللجنة أن نعطيهم فكرة عن منتوجنا الخاص بالتحاليل السريعة وطرحوا علينا بعض الأسئلة التقنية. كان في اللجنة أكثر من 20 شخصاً، وقد أعجبوا بمنتوجنا وأخبرونا أنّ بإمكانه أن يكون حلاً للأزمة".
بعدها، شاركت Biosynex، حسب زيان، في طلب العروض الذي نشرته الصيدلية المركزية و"كان عدد المشاركين 108 وكنا نحن آخرهم، حيث كان رقمنا 108. وقد قدمنا عرضاً بـ 200 ألف تحليل سريع يبلغ سعر الواحد منها 15 ديناراً (5 دولارات وربع تقريباً)، وربحنا العرض".

تصريح زيان لمُعِدَّة التحقيق يبيّن تضارباً واضحاً بين ما صرّح به مدير الصيدلية المركزية تحت قبة البرلمان بأنّ عدد المتقدمين للعرض هو 107 وليس 108. ليطرح هنا السؤال لماذا أخفت الصيدلية المركزية الرقم "108". تقدمنا بمطلب كتابي لمقابلة مدير الصيدلية المركزية لكنّنا لم نتلقَّ رداً.

وبمواجهة مُعِدَّة التحقيق لزيان بخصوص اتفاق مسبق مع الدولة لشراء منتجهم حتى قبل نشر طلب العروض. نفى ذلك وصرّح، أنّ الدولة التونسية كانت ترغب بعد صفقة الـ 200 ألف تحليل، بشراء 500 ألف تحليل سريع من هذا المنتوج، إذ قال: "تواصلت وزارة الصحة مع السيد توماس لامي Thomas Lamy، المدير العام لشركة Biosynex وقالت له إنّها تحتاج 500 ألف تحليل إضافي مع الإبقاء على نفس سعر الصفقة الأولى أي 15 ديناراً للتحليل الواحد". كما قالت أيضاً "إنّها من المحتمل أن تنشر قريباً طلب عروض بـ 500 ألف تحليل سريع لذلك (جهزوا أنفسكم)".

في نفس السياق، صرّح Thomas Lamy في الثالث من نيسان/ أبريل، في جريدة L'Opinion المغربية أنّ وزارة الصحة التونسية طلبت من شركته تصنيع 500 ألف تحليل سريع. ولكن وبحسب الزيان، فإنّ هذه الصفقة أُلغيت لأنّ الآجال التي أعطيت لهم للتسليم كانت قصيرة، مقارنة بالطلب الكبير على منتوجاتهم من عديد البلدان في العالم.

بحثت مُعِدَّة التحقيق أيضاً عن أصول شركة Biosynex وتبيّن أنّها فرنسية مسجلة بستراسبورغ ولها فرع أيضاً في سويسرا وألمانيا وفق الوثائق التي تحصلت عليها.

وتعليقاً على تصريحات رياض زيان، يبين الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي أنّه بما أنّ هناك 108 مشاركين في طلب العروض العمومي للتحاليل السريعة، وجب التساؤل حول جدوى اختيار شركة Biosynex دون غيرها.

"لأن هذا الرقم المهم يدل على أنّ التحاليل السريعة متوفرة في السوق وقتها وغير شحيحة" حسب قوله لمعدة التحقيق. لذلك فالأمر الوحيد الذي يعلل اختيار الصيدلية المركزية لـ biosynex دون سواها، هو مقارنة المعايير التقنية لمنتوج الشركة مع شركات أخرى، فإن كانت المعايير التي وُضعت في الشروط الأولية لا تتوفر إلا في منتوج Biosynex، وقتها يمكن الجزم أنّ الصفقة "مفصلة" على مقاس شركة بعينها. كما استغرب اليعقوبي إبرام الصيدلية المركزية التونسية صفقة في أوائل نسيان/ أبريل الماضي مع شركة لم تتحصل حتى على موافقة البلد الذي تصنع فيه، وهو حال Biosynex. إذ صرّح ممثلها زيان بأنّ منتوج Biosynex الخاص بالتحاليل السريعة يُباع داخل التراب الفرنسي في شهر آذار/ مارس، في حين أنّ وزارة الصحة الفرنسية لم تصادق على ترويجه في فرنسا إلّا في 22 أيار/ مايو 2020.

صفقة التحاليل السريعة المذكورة حامت حولها "شبهة فساد" لا سيما فيما يخص الآجال التي نشر فيها طلب الاستشارة لاقتناء 400 ألف تحليل سريع وطريقة تعاطي الصيدلية المركزية مع الموضوع بعد الامتناع عن نشر نتائج الصفقة والتعريف بهوية الشركات التي فازت بها.
تلقت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتاريخ 20 نيسان/ أبريل إشعاراً عن شبهة تلاعب في صفقة شراء التحاليل السريعة.

تفيدنا ألفة الشهبي، المديرة العامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أنّه حسبما جاء في الإشعار فإنّ الآجال التي فُتح فيها طلب عروض استشارة دولية هي 4 أيام فقط، تضمنت يوما عطلة وهما السبت والأحد. وبالتالي لم يتسنَّ لكل الشركات تحضير الوثائق الإدارية والمالية المطلوبة لعروضها والاطّلاع بشكل معمق على فحوى الاستشارة. وتشير الشهبي كذلك إلى أنّ طلب العروض المذكور جاء وكأنّه موجّه لشركة بعينها، كانت تملك معلومة ممتازة عن الصفقة. كما أنّ عدم نشر نتيجة طلب العروض وإشهار أسماء الشركات الفائزة به يزيد من الشكوك حوله.

يفيدنا الخبير في الصفقات الحكومية، شرف الدين اليعقوبي، أنّ طلب عروض الاستشارات الحكومية، عادة ما يتمّ في حال طلب كميات ومبالغ صغيرة لا تتجاوز 70 ألف دينار تونسي (24 ألف دولار أمريكي)، وفق الفصل (39) من الأمر عدد 2551 لسنة 2004 المتعلق بالصفقات الحكومية التونسية. في حين أنّ الاستشارة المذكورة تضمنت طلب عروض لـ 400 ألف تحليل سريع، وهو عدد ضخم يثير عدة تساؤلات حول طريقة التعاطي مع هذه الصفقة.

corona-img corona-img

غموض حول "صفقة" ثانية للتحاليل السريعة

الغموض بشأن التحاليل السريعة ومدى صحة خبر وصولها من عدمه لم يتوقف عند صفقة الـ 400 ألف تحليل بل تكرر في صفقة ثانية لم تنشر تفاصيلها الكاملة للعموم، إذ صرح وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي في 19 نيسان/ أبريل عن "طلبية بمليونيْ تحليل سريع سوف تكون على ذمة التونسيين في ظرف يومين"، إلّا أنّها لم تصل.

في غرة أيار/ مايو، أي قبل ثلاثة أيام من بدء الرفع التدريجي للحجر الصحي، نشرت الصيدلية المركزية طلب عروض جديداً لشراء كمية إضافية من التحاليل السريعة لم تحددها في الطلب، ولكنّها حددت تاريخ انتهاء آجاله بالخامس عشر من الشهر ذاته.

انتهت الآجال ولم يتم الإعلان عن نتيجة الصفقة على موقع الصفقات العمومية، لكنّ رئاسة الحكومة التونسية نشرت في نفس التاريخ بعضاً من المعلومات عن مقتنيات الصيدلية المركزية من معدات الوقاية في فترة مجابهة كوفيد-19 وكان فيها مبلغ طلب عروض متعلق بشراء مليون و600 ألف تحليل سريع، تُقدَّر قيمتها بـ 32 مليون دينار تونسي (ما يعادل 11 مليون دولار أمريكي).

توجهنا بتاريخ 5 حزيران/ يونيو إلى الدكتورة يسرى قرقني عن وزارة الصحة لسؤالها عن تفاصيل هذه الصفقة الجديدة، وأفادت بأنّ "الصيدلية المركزية نشرت طلب العروض، لكنّها ليست مستعجلة على دراسة العروض، ولم تفتحها بعد".

كما وجبت الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة منذ تاريخ الإعلان عن الفتح الشامل في 27 حزيران/ يونيو، لم تذكر أنّها استخدمت أيّ كمية من التحاليل السريعة التي اشترتها لا في بلاغاتها اليومية، ولا في تصريحات المسؤولين الحكوميين.

corona-img corona-img

فضيحة "صفقة الكمامات" أربكت مسار تصنيعها وتوزيعها

وعدت تونس أيضاً بتوفير الكمامات بالشكل الكافي قبل الرفع التدريجي للحجر، ولكنّ ذلك لم يتحقق على أرض الواقع وهو ما يرصده هذا التحقيق. كما كان هناك تضارب في التصريحات ومضامينها حول الكميات المتوفرة منها وأسعارها ومدى احترامها للمعايير التي وضعتها الدولة.

تضارب التصريحات الحكومية
6 نيسان/ أبريل 2020

صرّح خليل عموص، مدير عام الصيدلية المركزية التونسية، أنّه ﺳﻴﺘﻢّ ﺻﻨﺎﻋﺔ نحو 30 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻛﻤﺎﻣﺔ ستكون متوفرة ﻗﺒﻞ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﺼﺤﻲ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ.

11 نيسان/ أبريل 2020

كانت وزارتا الصحة والصناعة قد نشرتا بدورهما، بلاغاً مشتركاً حول شروط تصنيع "كمامات واقية معدّة للاستعمال غير الطبي من قبل المصنّعين والحرفيين". 
وعلى الرغم من تزايد الطلب على الكمامات مع بداية الرفع التدريجي للحجر الصحي، إلّا أنّها لم تكن متوفرة بالشكل الكافي.

1 أيار/ مايو 2020

قبل ثلاثة أيام من رفع الحجر، صرّح نائب رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، "أنّ 30 مليون كمامة غير موجودة في الأسواق" واستبعد توفّرها.

4 أيار/ مايو 2020

أكّد وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي، في اليوم الأول من رفع الحجر الصحي التدريجي، ضخّ 4 ملايين كمامة ذات الاستعمال الوحيد بسعر 500 مليم (أقل من ربع دولار) قادمة من الصين، ومدعومة من الدولة، إلّا أنّ هذه الكمية لم تصل إلى جل الصيدليات في العاصمة.

أنواع الكمامات

mask icon

جراحية

basket icon

3 ساعات

mony icon

ربع دولار للكمامة الواحدة

mask icon

FFP2

basket icon

3 إلى 4 ساعات

mony icon

مجاناً

mask icon

القماشية

basket icon

تستخدم حتى 10 مرات

mony icon

دولار

corona-img corona-img

في 20 أيار/ مايو، أي بعد 16 يوماً من انقضاء المدة الأولى من الرفع التدريجي للحجر الصحي (4-24 أيار/ مايو)، زارت مُعِدَّة التحقيق 5 صيدليات في العاصمة تونس وضواحيها لمعاينة مدى توفر الكمامات بشكل عام بنوعيْها الصينية "المدعومة" والقابلة للغسل "غير المدعومة". وكانت الإجابة من 5 صيدليات أنّ "الكميات المدعومة نفدت منذ الأسبوع الأول من الرفع التدريجي للحجر الصحي ولا نملك مخزوناً من الكمامات القماشية متعددة الاستعمالات".

عاودت مُعِدَّة التحقيق الزيارة لنفس الصيدليات في اليوم التالي، لترى إذا ما تمّ تزويدها بالكمامات بنوعيْها، لكنّهم أبلغوها أنّهم ما زالوا في انتظار "مرور أعوان الصيدلية المركزية" أو أحد المزودين الخاصين للتزود بها، وأنّهم ربما، سيقومون بتوفيرها "بطريقتهم الخاصة" دون أن يشرحوا كيفية ذلك.

من جهته، أكد رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، مصطفي العروسي لمُعدَّة التحقيق أنّ الكمامات ذات الاستعمال الوحيد المسعّرة بـ 500 مليم (أقل من ربع دولار واحد) نفدت منذ 22 أيار/ مايو، عند المزوّدين بالجملة وفي جل الصيدليات.

إلى حدود 21 أيار/ مايو، بدا المشهد الخاص بعملية إنتاج الكمامات ومسالك توزيعها على الصيدليات الخاصة ضبابياً، إذ كان من المفروض أن تقوم الصيدلية المركزية التونسية بتزويدها بها ولكنّ ذلك لم يحصل.
في منطقة نهج المهرجان، في قلب العاصمة التونسية، تبعد صيدلية الدكتور علاء (اسم مستعار) أمتاراً قليلة عن المقر الرئيسي للصيدلية المركزية التونسية، في حين يبدو أنّ التواصل معها غير متاح. يقول الصيدلاني: "منذ منتصف نيسان/ أبريل لم تتواصل الصيدلية المركزية معنا ولم تخبرنا بما تنوي فعله، انتظرنا كل هذه المدة على أساس أنّها هي من تزوّدنا بالكمامات وفقاً لما صرَّح به مديرها، لكنّ هذا لم يحدث واضطررنا إلى التعامل مع المصنّعين مباشرة وليس حتى المزوّدين بالجملة، وشراء الكمامات منهم، نظراً إلى الطلب الكثيف عليها".

فضيحة "صفقة الكمامات" التي أثارت الرأي العام في تونس كانت لها انعكاساتها على سياسات الدولة فيما يخص إدارة ملف الكمامات فيما بعد. فقد كانت خطة الحكومة في البداية أن تشتري الصيدلية المركزية الكمامات متعددة الاستعمالات من المصنّعين الذين سيتحصلون على موافقة التصنيع، وتقوم هي بتوزيعها بصفة حصرية على الصيدليات الخاصة فيما بعد. لكنّ هذا لم يحدث. وفُتح الباب للخواص لصنع الكمامات وبيعها مباشرة للصيدليات والمحال التجارية، ما أحدث إرباكاً في مسالك التوزيع.

يُذكر أنّ وزير الصناعة، صالح بن يوسف اتصل هاتفياً يوم 7 نيسان/ أبريل بالنائب، جلال الزياتي، عن كتلة الإصلاح الوطني، وهو صاحب مصنع مستلزمات طبية، وطلب منه تصنيع مليونيْ كمامة حتى تشتريها منه الحكومة وتزود بها الصيدلية المركزية التي بدورها ستزود الصيدليات الخاصة، إلّا أنّه تمّ التفطن إلى مخالفة هذه العملية للقانون ووجود شبهة "تضارب مصالح" إذ تلقّت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد 11 تبليغاً بهذا الخصوص.

تفيدنا ألفة الشهبي، المديرة العامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأنّ الملف المُحال إلى القضاء لم يبت فيه حتى الآن.
في هذا الصدد، يُبيّن رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، مصطفى العروسي، أنّ الحكومة تراجعت عن اتفاقياتها السابقة مع نقابة الصيادلة والمصنعين.
ويعزو ذلك إلى أنّ "قضية الكمامات" جعلت الجميع خائفاً من الانخراط في منظومة قد تخلق لهم مشاكل شفافية وتهماً بشبهات فساد ومحاباة، ليتسبب ذلك في تأخر مسار التصنيع والتوزيع.

corona-img corona-img

كمامات غير مطابقة للمواصفات ولا رقابة عليها

إضافة إلى مشكلة الاضطراب في تزويد الصيدليات بالكمامات، كانت هناك إشكالية أخرى هي عدم تطابق الكمامات التي تُباع فيها مع المواصفات التي وضعتها وزارة الصناعة.

قامت مُعِدَّة التحقيق بشراء 3 عينات من الكمامات من صيدلية علاء، بدت من الخارج مطابقة جزئياً للمواصفات التي أعلنتها وزارة الصناعة في بلاغ لها. وقد جاء فيه أنّ كل كمامة يجب أن تكون مغلفة بكيس بلاستيكي، يحمل ملصقاً يبين اسم الشركة المصنّعة والرمز الوحيد الخاص بتقرير المطابقة والتعريف بالمنتج "كمامة واقية مُعدَّة للاستعمال غير الطبي" وتركيبة مكونات الكمامة ومدة الاستعمال اليومي القصوى: 4 ساعات، وطريقة العناية بالمنتج بعد كل استعمال والعدد الأقصى لعمليات الغسيل المسموح بها.

لاحظنا أنّ الكمامات التي اشتريناها لم تكن تحمل سوى ملصق يوضح عنوان الشركة المصنّعة ورقم هاتفها.
أخذنا هذه العينات إلى صاحب شركة مصنّعة للكمامات، فهمي سكري، صاحب شركة "كاميليا"، الذي أفادنا بأنّ تلك العينات غير مطابقة للمواصفات من حيث طريقة تصنيعها، وأنّه بصدد تقديم شكوى بخصوصها للمركز الفني للنسيج، المسؤول عن إعطاء شهادات المطابقة للمعايير فيما يخص صنع الكمامات. وذلك لأنّ تلك العينات تُباع في صيدلية موجودة على بضعة أمتار من مقر الصيدلية المركزية التونسية، دون أن تحرك هذه الأخيرة ساكناً. يستنكر فهمي ذلك قائلاً: "هذه الكمامات غير مطابقة للمواصفات وأنا أشك في حصولها على شهادة المطابقة من المركز الفني للنسيج. يكفي مقارنتها مع الكمامات التي نصنعها. من غير المعقول أن تزاحمني شركة مصنّعة لا تحترم المواصفات وتبيع منتجاتها في الصيدليات الموجودة في نفس المنطقة التي توجد بها شركتي (منطقة المنزه وسط العاصمة). لذلك فقد قدمنا شكوى بهذا الصدد للمركز".

ولكنّ المدير العام للمركز الفني للنسيج، سليم جموسي، أكّد لنا أنّ "مهمة المركز تقف عند منح شهادات تطابق عينات الكمامات مع المواصفات من عدمها"، مبيّناً أنّه وعلى الرغم من تلقيه عدداً من الشكاوى بهذا الخصوص، إلّا أنّه لا يملك سلطة رقابية على المصنّعين ولا على البائعين من صيدليات ومحلات تجارية.

ويشير الجموسي إلى أنّ "على المُصنِّع أن يقدم عينات من الكمامات التي يرغب في تصنيعها حتى يتمّ تحليلها في مخابر المركز وتتمّ معاينة مدى تطابقها مع كراس الشروط. ويكون الردّ إما بتسليم تقرير مطابقة للمواصفات أو عدم مطابقة، وفي الحالة الثانية، من المفترض أنّه يُمنع من التصنيع"، على حد قوله.

أردنا التأكد من مدى انتشار ظاهرة عدم احترام المواصفات في مسألة تصنيع الكمامات فقررنا في 26 أيار/ مايو زيارة 5 صيدليات أخرى في وسط العاصمة، وذلك في كلٍّ من ألان سافاري والبلفيدير وشارع الحرية، ونهج فلسطين.
وقد وثقنا بيع كمامات غير مغلفة بأكياس بلاستيكية يتمّ لمسها من دون وقاية اليدين من قبل العاملين بالصيدليات، وأخرى مغلفة لكن من دون ملصقات توضح اسم المُصنِّع ورقم شهادة المطابقة وعنوان المصنع أو هاتفه. علاوة على ذلك، لاحظت مُعِدَّة التحقيق أنّ هناك كمامات متعددة الاستعمالات تُباع بـ 2300 مليم أي بسعر أعلى من الثمن المحدد من وزارة التجارة بـ 1850 مليماً، في البلاغ الصادر عنها في 28 نيسان/ أبريل. وتوثق الفاتورة التي حصلت عليها ذلك.

نماذج كمامات مزيفة في الأسواق

حاولنا إجراء مقابلة مع مدير الأبحاث الاقتصادية في وزارة التجارة، حسام الدين التويتي، لسؤاله حول عمليات الرقابة فيما يخص احترام المواصفات في صناعة الكمامات والأسعار التي حددتها الدولة، لكنّه أجابنا بشكل خاطف أنّ هذه ليست من مهام وزارته وأنّ كل ما يتعلق بهذا الموضوع هو من مشمولات وزارة الصحة. حاولنا أيضاً إجراء مقابلة مع أحد المسؤولين على ملف الكمامات من وزارة الصحة لكنّنا لم نتلقَّ رداً على طلبنا.

قاعدة بيانات تفاعلية توضح الإجراءات الاحترازية الرئيسية التي اتخذتها الحكومات العربية لمواجهة كوفيد-19، وأعداد الإصابات والوفيات بكورونا والمتعافين منها في الدول العربية. للاطّلاع اضغط/ي هنا.

corona-img corona-img