أفرغ الثلاثيني الأردني ياسر قرباع حمولة شاحنته داخل الحدود السعودية في 6 مايو/ أيار 2020 ثم قفل عائداً إلى معبر العمري البري الذي يصل الأردن بالسعودية ومنها إلى دول الخليج. هناك، انضم إلى مئات السائقين المنتظرين أمام غرفة جُهِّزت على عجل لإجراء فحص كوفيد-19، عبر أخذ مسحات من أنوف القادمين إلى المملكة التي كانت مغلقة جواً وبحراً على العالم الخارجي منذ 16 مارس/ آذار 2020.
في انتظار النتيجة، افترش قرباع الرصيف على مدى يوميْن إلى جانب نحو 300 سائق أردني وغير أردني، بلا رقابة على احتكاكهم الجسدي. فحص قرباع جاء سالباً. لكنّه فوجئ بإلزامه مع سائر السائقين بحجر مؤسسي بدءاً من 8 مايو/ أيار الماضي في مدرسة الأمير فيصل العسكرية بمنطقة الأزرق، على بعد 49 كيلو متراً عن العمري. هذه المنشأة المغلقة اختيرت كمركز حجر مؤقت بموجب قرار رسمي صدر عشية سفر قرباع، إلى حين تجهيز كرفانات (غرف مسبقة الصنع) في ساحة داخل معبر العمري.
على أنّ التخبط في تنفيذ التعليمات والصرامة في حجز حرية السائقين وضعهم في دائرة الخطر، بسبب الاحتكاك العشوائي فيما بينهم، حسب ما تتبعت معدّة التحقيق من خلال ربط بصري رقمي مباشر مع سائقين على الحدود. ولم تتمكن من زيارة مركز الحدود المغلق (154 كيلو متراً جنوبي عمّان) وكذلك المدرسة العسكرية بسبب طبيعة الموقعيْن الأمنية/العسكرية ومخاطر التقاط العدوى.
ويوثق التحقيق سوء تطبيق الجهات الأمنية والصحية للائحة وشروط فحص، وإيواء وحجر السائقين، التي وُضعت في 10 مايو/ أيار 2020، بعد زيارة طاقم وزاري للمعبر. وتثبت اللقطات من الموقعيْن غياب التباعد البدني وتجاهل الشروط الوقائية أثناء إجراء فحص PCR ثم انتظار النتيجة لمدة يوميْن على الأقل، وفقاً لما وثقته مُعِدَّة التحقيق من خلال ربط بصري رقمي مباشر مع سائقين على الحدود.
تنص لائحة الشروط على انتظار السائقين في شاحناتهم، لكنّ العديد منهم يعملون وفق نظام المناولة، فيظلّون بلا مأوى على الحدود لحين عودة شاحناتهم من الأردن بعد إفراغ حمولتها. وتسمح هيئة تنظيم النقل البري للسائقين بالانتظار في الساحات لكن من دون تنظيم أو رقابة.
ويتقاطر عشرات المنتظرين على بابيْ مرفقيْن عاميْن وحيديْن وغير معقّميْن. يتكرّر هذا المشهد يومياً في العمري منذ أخضعت الحكومة السائقين القادمين إليها لفحص (كوفيد-19) في 15 أبريل/ نيسان الماضي، مقابل 45 ديناراً (64$) يدفعها السائق، لمختبر (MegaLab) الخاص.
وكان هذا المختبر قد افتتح فرعاً له هناك في 17 أبريل/ نيسان 2020 بموجب عقد مع وزارة الصحة، وفقاً لرد وزارة الصحة على طلب الحصول على المعلومات.
جاء قرار الفحص الإجباري كردّة فعل متأخرة 67 يوماً بعد تسجيل أول إصابة قادمة جواً في 2 مارس/ آذار 2020، ومرور 51 يوماً على إغلاق المعابر الجوية والبحرية عقب اكتشاف بؤرة وباء في قرية جحفية/ إربد شمالي البلاد في 13 مارس/ آذار الماضي؛ نتيجة حفل زفاف مخالف لتوصيات وزارة الصحة بمنع التجمهر. كما تأخرت الإجراءات الحكومية بشأن العمري 25 يوماً بعد الإعلان عن إصابتين لسائقي شاحنات في 14 أبريل/ نيسان ويومين على تفشّي بؤرة إصابات بعدما خرق أحد
السائقين في قرية الخناصري بالمفرق (عدد سكان المحافظة قرابة 61 ألف نسمة حتى نهاية عام 2019، وفق دائرة الإحصاءات العامة) شمال شرقي المملكة تعهده بالحجر الذاتي في منزله.
صعود مؤشر الإصابات نتيجة التأخر في ضبط المعبر البرّي حجز الأردن ضمن تصنيف عالي الخطورة، وفق المنهجية التي أعلنها المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات في التعامل مع الوباء، بعدما كان عدد الإصابات المسجلة داخل المملكة صفراً لأحد عشر يوماً متتالية؛ من 25 أبريل/ نيسان إلى 5 مايو/ أيار 2020. وبالتالي أطال تفجّر الوباء فترة الحجر الشامل، التي امتدت من 18 مارس/ آذار إلى 4 يونيو/ حزيران 2020، ما جعل المملكة تخسر 140 مليون دولار يومياً، وفق تصريحات صحفية لوزير المالية محمد العسعس في 8 مايو/ أيار الماضي. كما فقد عشرات الآلاف قوت يومهم، إلى جانب إعسار وإفلاس آلاف المؤسسات المتوسطة والصغيرة.
وهكذا أفضى التأخر شهرين قبل صدور قرار حجر السائقين، وعشوائية تطبيقه والإهمال في فرض إجراءات الوقاية والتباعد البدني إلى نتائج معاكسة للهدف، نتيجة حشر السائقين في المركز الحدودي وسط ظروف خطرة وغير صحيّة، كما يوثّق هذا التحقيق.
هذا المآل أدى إلى انتكاسة تمثّلت بتفاقم انتشار العدوى بعد ثبوت إصابة سائق شاحنة قرية الخناصري. من هناك، تفاقمت العدوى في عدّة أيام إلى 104 أشخاص في عدّة مدن، هي إربد، وجرش، والرمثا، والزرقاء، والمفرق. بحسب الناطق باسم اللجنة الوطنية للأوبئة د. نذير عبيدات.
تسجيل أول إصابة بكوفيد-19 في الأردن.
إغلاق المعابر البحرية مع مصر.
- بؤرة وباء 1: ثبوت إصابة شخصيْن أحدهما قدم من أميركا وآخر من إسبانيا، وشاركا في زفاف في إربد.
- البدء بحصر المخالطين لمصابي زفاف إربد.
- تعطيل جميع المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص في الأردن باستثناء قطاعات حيوية يحددها رئيس الوزراء.
- عدم مغادرة المنزل إلّا للضرورة القصوى.
- منع التنقل بين المحافظات.
- وقف طباعة الصحف الورقية.
- تعليق عمل وسائل النقل الجماعي.
- إغلاق المجمعات التجارية ما عدا الصيدليات ومراكز التموين.
- إعداد مخيمات حجر صحي على المنافذ البرية للأردنيين العائدين عبرها، مع التأكيد على الأردنيين الموجودين في الخارج البقاء في أماكنهم.
- إغلاق المطار والمعابر البحرية والبرية باستثناء معبر العمري البري النافذ إلى دول الخليج، وتطبيق نظام المناولة على معبريْ الكرامة مع العراق، وجابر مع سوريا.
إعلان تسجيل إصابتيْن لسائقيْ شاحنات على معبر العمري.
توفير مختبر طبي على العمري وإلزام السائقين بإجراء فحص PCR.
- بؤرة وباء 2: إعلان إصابة سائق شاحنة في قرية الخناصري بمحافظة المفرق.
- البدء بحصر مخالطي السائق في المفرق وإربد والرمثا والزرقاء وجرش.
قرار بحجر مؤسسي لسائقي الشاحنات في المدارس العسكرية بمنطقة الأزرق (49 كم عن الحدود) حتى تجهيز الكرفانات.
البدء باستخدام كرفانات فردية في ساحة العمري لحجر السائقين.
إنجاز ساحة المناولة بين الشاحنات في جمرك معبر العمري.
سوء الإدارة والتراخي ذاتهما، تسببا في انتكاسة جديدة بانفجار عدد الإصابات المسجّلة في الأردن بسبب سائقين ومخلّصين وموظفين عاملين في مركز حدود جابر الذي يربط الأردن بسوريا، وفقاً لما أعلنه رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز، عقب تسجيل أول إصابة محلية بمدينة إربد، في 7 أغسطس/ آب 2020، علماً أنّ هيئة تنظيم النقل البري طبقت نظام العمل بالمناولة في مركز جابر منذ فرض الحظر الشامل في مارس/ آذار الماضي، لكنّها لم تفرض الحجر المؤسسي على السائقين أو العاملين فيه.
"الحدود البرية في الوقت الحالي، بمثابة خاصرة رخوة للأردن"، كما جاء على لسان الناطق باسم اللجنة الوطنية للأوبئة د. نذير عبيدات خلال لقاء صحفي في 10 أغسطس/ آب، وصف فيه "الحدود البرية بأنّها نقاط ضعف ومصدر لمعظم الإصابات في المملكة".
"كان قرار الحجر مفاجئاً"، يقول قرباع الذي غادر بيته على نيّة العودة سريعاً، من دون أن يوفر لأسرته ما يلزمها استعداداً لغيبة طويلة. في الأثناء، كان السائقون يصلون تباعاً إلى مركز حدود العمري، بعد إفراغ حمولات شاحناتهم في السعودية؛ أكبر شريك تجاري للأردن.
القادمون الجدد لم يجدوا مأوى لهم بعد اكتظاظ المدرسة العسكرية بـ 320 سائقاً توزعوا على 24 غرفة كل منها تؤوي 13 سائقاً. من بين 200 سائق ظلّوا بلا مأوى، أمضى الأربعيني الأردني أبو فيصل ثمانية أيام في مركز حدود العمري -من 11 إلى 18 مايو/ أيار 2020- يبيت حيناً على الرصيف وحيناً آخر يلوذ إلى المسجد الوحيد في المعبر الحدودي، المزدحم بالسائقين.
وفي 17 مايو/ أيار الماضي، دشّنت إدارة العمري 200 كرفان فردي "مستقل"، بموجب كتاب صدر عشية ذلك اليوم عن المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات. إلّا أنّ القدرة الاستيعابية انخفضت إلى 194 كرفاناً، بعد تحويل ستة منها إلى مكاتب لعناصر الإقامة والحدود، وتقديم وجبات الطعام وحفظ أجهزة الفحص. وفي 12 يونيو/ حزيران، جهّز 47 كرفاناً إضافياً، ليرتفع العدد المخصّص لحجر السائقين إلى 241 وحدة، بحسب ردّ وزارة الصحة.
هذا العدد ليس كافياً مقارنة بأعداد السائقين القادمين يومياً؛ قرابة 300 سائق أردني، بحسب تحليل بيانات أجرته معدّة التحقيق. ذلك أنّ المعبر يستقبل 4200 سائق خلال أسبوعيْن، يُفرض على كل منهم الحجر داخل كرفانات فردية لمدّة 14 يوماً. وهكذا تمتلئ الكرفانات خلال يوم واحد ولن تكون خالية إلا بعد مرور 14 يوماً، بينما يتكدس 4000 سائق في الانتظار في منطقة المعبر. ويتضاعف هذا العدد بعد مرور أربعة أسابيع، ووثقت معدة التحقيق مشاهد تزاحم السائقين في العمري بأعداد هائلة، عبر مقاطع مصورة.
هذا الحال يجبر السائقين على الانتظار في الخلاء بين 8 و14 يوماً لحين شغور مكان لهم، بحسب ما تَكشّف من إفادات 15 سائقاً. ويجمع السائقون على أنّهم يجبرون على الانتظار من أسبوع إلى أسبوعيْن. وعندما يأتي دور السائق لشغل أحد الكرفانات، يلزم بدفع المبلغ المستحق عليه كاملاً قبل الإيواء وأثناء الانتظار، 10 دنانير (14 دولاراً) مقابل كل يوم إقامة، و20 ديناراً (28 دولاراً) تعرفة نقل. وحين سُئلوا عن صكّ الاستلام، أجاب السائقون أحمد الحايك، ومنذر الداود، وقرباع، وأبو فيصل، بأنّ السائقين لا يُعطَوْن صكّاً.
يضاف إلى ذلك 45 ديناراً (64 دولاراً) أجرة الفحص المخبري. ومنهم مَن يُنهي فترة حجره على الحدود من دون أن يأتي دوره للانتقال إلى الكرفانات، فيخضع لفحص تأكيدي ثانٍ، مقابل 45 ديناراً إضافية قبل أن يعود إلى منزله.
"حياتنا صارت رِجل في الشاحنة ورِجل في القبر"، يشكو السائق علي السخني الذي قضى 8 أيام على الحدود في مايو/ أيار الماضي قبل نقله للكرفانات، ثم بدأ العمل بنظام المناولة تجنباً لتكرار التجربة.
الضخ الإعلامي حول سائقي الشاحنات أسر هذه الشريحة ضمن صورة نمطية سلبية. السائق أحمد الحايك يقول بصوت متحشرج إنّ عائلات السائقين تتعرض "لنبذ مجتمعي" في الأحياء التي يقطنونها بسبب خوف الناس من التقاط العدوى. ويشرح في تسجيل صوتي كيف يتعرض طفله ذو التسع سنوات للطرد من بقالة الحيّ: "انت ابن سايق؟ لا تيجي تشتري بس يوصل أبوك".
في 21 يوليو/ تموز 2020 حاول سائق أردني الانتحار بتناول كمية كبيرة من الأدوية أمام مبنى التخليص في معبر العمري، عقب طرد قوات الأمن السائقين الذين لا يجدون مأوى لهم ولاذوا إلى مداخل المبنى هرباً من لهيب الشمس، في مساء اليوم التالي، توفي سائق دهساً داخل المركز الحدودي أثناء محاولته الفرار من الحجر الصحي المفروض على السائقين، وفق بيان الأمن العام. في المقابل يؤكد رفاقه لمعدّة التحقيق أنّه لم يرَ عائلته منذ مايو/ أيار المنصرم تجنباً لدخول الحجر الإلزامي وحفاظاً على استمرارية عمله. وحين تلقّى نبأ ولادة طفله حاول الفرار عبر الاختباء في جسم شاحنة مغادرة.
لكنّها انزلقت فوق جسده، ما أثار غضب مئات السائقين المحشورين على المعبر. وتدخلّت عناصر الأمن لتفريق الاحتجاجات بالهراوات، بحسب السائقين.
وحاول سائق ثالث الانتحار شنقاً في 23 يوليو/ تموز، احتجاجاً على إجراءات الحجر وإهمال السائقين، بحسب رواية الحايك الذي كان من بين السائقين الذين حاولوا ثنيه عن الانتحار.
تلك الوقائع، دفعت رئيس الحكومة الأردنية د. عمر الرزاز في 23 يوليو/ تموز 2020 إلى إعفاء سائقي الشاحنات على معبريْ العمري وجابر من تكاليف الفحص. بحسب الصفحة الرسمية لرئاسة الوزراء.
مُعِدَّة التحقيق تتبعت نقل الفوج الأول من السائقين في 9 مايو/ أيار 2020 إلى المدرسة العسكرية. هناك، وثّقت مخالفات صحية بالجملة وتجميع 14 سائقاً على الأقل داخل الغرفة الواحدة؛ بمعدل مترين مربعين لكل سائق. وشبّه سائقون حال المدرسة بـ "المكرهة الصحية". وأمضى بقية السائقين سبعة أيام في العراء بالمركز الحدودي حتى 17 مايو/ أيار الماضي، تاريخ حجر أول فوج داخل الكرفانات.
أما السائقون الذين يعملون وفق نظام المناولة منذ تجهيز الساحة المخصّصة لذلك في 18 يونيو/ حزيران 2020، فيُسمح لهم الانتظار في المعبر رغم عدم وجود مكان مخصّص للإيواء هناك، وفق رئيس مديرية نقل البضائع في هيئة تنظيم النقل البري علاء العبادي، وإفادات السائقين أحمد الحايك وسعيد أبو ميلاد وفرحان الجروان. يقدر عدد هذه الفئة بـ 220 سائقاً أردنياً وغير أردني مكلّفين بقيادة الشاحنات لتفريغها وإعادة تحميلها داخل المركز، وفق تقديرات هيئة تنظيم النقل البري.
ويخيّر السائقون بين النوم في المعبر وبين إيوائهم داخل المدرسة العسكرية وسط خطر المخالطة، وفق سائقي شاحنات، منهم منذر الداود الذي اختار الانتظار على المعبر. وكان الداود وصل العمري في 23 مايو/ أيار الماضي، ثمّ خضع لفحص كوفيد-19. بعد ذلك ظلّ خمسة أيام في شاحنته، قبل أن يسلّمها إلى سائق آخر لإفراغ حمولتها داخل الأردن. في الأثناء، لاذ الداود إلى المسجد أو راح يتجول في المعبر هرباً من استحقاق دفع أجرة الكرفان.
"أنا ما بقدر أدفع مبلغ للكرفان في كل مرة وأتقيد أربعة أسابيع، أنا معي براد وهذا موسمه للعمل"، يقول الداود مؤكداً أنّ حركة السائقين في منطقة المعبر غير مقيدة، ولا رقابة على التباعد الاجتماعي أو المخالطة بين السائقين.
فيما يوضح العبادي أنّ الحفاظ على التباعد من مسؤولية السائقين أنفسهم.
على الرغم من خطر انتقال العدوى براً و"تسلل" إصابات إلى مدن عدّة بسبب سائقي الشاحنات، فإنّ الحكومة لم تعلن، وفق رصد مُعِدَّة التحقيق للإيجازات الصحفية اليومية قبل الحجر المؤسسي، أيّ إجراءات وقائية تتصل بسائقي الشاحنات قبل 14 أبريل/ نيسان 2020، تاريخ إلزام السائقين بإجراء فحص PCR على المعبر.
جاء هذا التحرك المتأخر غداة إعلان إصابتيْن لسائقيْ شاحنات أردنييْن قادميْن من السعودية، (ثبتت إصابتاهما في 12 و13 نيسان 2020)، بحسب بيانات حصلت عليها معدّة التحقيق من وزارة الصحة. على وقع هذا التحول، طلبت وزارة الصحة من جميع السائقين الذين دخلوا البلاد قبل الفحص الإلزامي إجراء فحوص في المشافي المخصّصة حفاظاً على سلامتهم وأسرهم، حسبما جاء في الإيجاز الصحفي في 17 أبريل/ نيسان. آنذاك، خضع 1200 سائق أردني لفحص كوفيد-19 مجاناً في المستشفيات الحكومية، بحسب بيانات هيئة تنظيم النقل البري التي تحتفظ بسجلات حركتهم.
في 15 أبريل/ نيسان 2020، أعلن وزير الصحة سعد جابر رصد ثلاث إصابات لأبناء سائق شاحنة مصاب في إربد. وبعد ذلك بيومين، ثبتت إصابة سائق شاحنة كان قد دخل الأردن قبل إقرار الفحص على الحدود. وتوالى رصد الإصابات بين سائقي الشاحنات وانتقال العدوى لآخرين. ففي 22 أبريل/ نيسان، اكتشفت إصابتان بين أبناء سائق شاحنة. وفي 24 من الشهر نفسه، رُصِدَت حالتان مخالطتان لسائق شاحنة سبق وأُعلنت إصابته.
في المقابل، كانت أعداد الإصابات المسجّلة في السعودية تتضاعف يومياً بدءاً من 7 مايو/ أيار 2020، وفق تحديثات وزارة الصحة السعودية على موقعها الإلكتروني. وبالتزامن كان الأردن يسجّل بين إصابة وثماني إصابات يومياً في مركز العمري خلال فترة الرصد التي نفذّتها معدّة التحقيق على مدى 25 يوماً، بدءاً من 14 أبريل/ نيسان وحتى 8 مايو/ أيار 2020. وخلا المعبر الحدودي من حالات الإصابة في ثلاثة أيام فقط هي 16، و19 و28 نيسان.
تلك كانت مؤشرات على خطر انتشار العدوى عبر سائقي الشاحنات، وفقاً للباحث الإحصائي معتصم السعيدان، الذي ينتقد تأخر تدخّل وزارة الصحة. "كان عليها فحص سائقي الشاحنات وتكرار فحصهم، عوضاً عن أخذ عينات عشوائية، كونهم ينتقلون بحكم عملهم إلى السعودية، التي بدأ الفيروس ينتشر فيها بشكل متسارع في تلك الفترة".
قبل فرض الحجر المؤسسي في منتصف أبريل/ نيسان الماضي، ظلّ دخول السائقين يعتمد على نتيجة الفحص الحدودي على مدى 23 يوماً. فإن كانت النتيجة سلبية، يستكمل الأردني طريقه لتفريغ حمولة شاحنته داخل البلاد، وإن كانت إيجابية يُصطحب إلى العزل الصحّي في أحد المشافي المخصّصة لذلك. وهي مشفى حمزة الحكومي في عمان، على بعد (147) كم عن العمري، ومشفى الملك عبد الله المؤسس في إربد شمالي البلاد، ويبعد (181) كم عن المعبر. وفقاً لردّ وزارة الصحة. وفي حال ثبتت إصابة السائق غير الأردني فيُلزم بالعودة من حيث أتى، وفق د. عبيدات.
ورغم توصية منظمة الصحة العالمية بضرورة حجر المسافر ذاتياً لمدّة 14 يوماً حتى وإن كانت النتيجة سلبية، فإنّ وزارة الصحة الأردنية تجاهلت باب الخطر هذا في التعامل مع السائقين، بحسب إفادات 15 سائقاً أكدوا لمعدّة التحقيق أنّها لم تطلب منهم تكرار الفحص، خلال الفترة التي سبقت فرض الحظر المؤسسي. واكتفت الوزارة آنذاك بتعهد موقع من السائقين يلتزمون فيه بحجر أنفسهم ذاتياً، على أن يستأنفوا السفر بعد 14 يوماً.
يخشى السائق الأردني سعيد أبو ميلاد خطر العدوى عند خضوعه للإجراءات القانونية والصحّية في مركز العمري. ويشكو أبو ميلاد غياب إجراءات التباعد البدني أثناء الخضوع لفحص PCR الإلزامي، وكذلك خلال الانتظار قبل استلام النتيجة. ووثقت مُعِدَّة التحقيق مخالطة كثيفة بين السائقين المنتظرين لنتيجة الفحص أو نقلهم إلى الكرفانات، عبر الدخول في مقابلات مسجلة مع السائقين هناك باستخدام تقنية البث المباشر.
المخاوف ذاتها تسيطر على السائق الداود، خاصة بعد ثبوت إصابة سائقيْن كانا ينتظران على الحدود بالتزامن مع إجرائه الفحص هناك في 23 مايو/ أيار الماضي. "لم تفصل بيننا وبين هذين السائقين سوى بضع خطوات خلال تسليم نتائج الفحوص، لا أحد يكترث للسائقين وينظم الأمر، المسافات معدومة"، يقول الداود.
أما إجراءات أخذ المسحة، فهي "بحدّ ذاتها ناقلة للعدوى"، كما يصفها السائق الأردني أحمد الحايك، إذ تنفّذ داخل غرفة صغيرة بالقرب من مركز الجمارك في المعبر. يتزاحم السائقون -أردنيون وغير أردنيين- أمام هذه الغرفة المزودة بكرسي وحيد. داخل الغرفة يعمل فنّيا مختبر مكلّفان بجمع العينات، مع اثنين من العسكريين. يدخل السائق ليسلم جواز سفر ويدفع رسم الفحص، وعلى الرغم من كل ذلك، لا يبدّل الأطباء القفازات بعد أخذ المسحة من السائق، وفقاً لتجارب السائقين التي يوثقها التحقيق.
إجراءات الفحص على العمري تخالف إرشادات منظمة الصحة العالمية المتصلة بغرف الفحوص، التي يشترط أن تكون "جيدة التهوية، ومعقمة، وخالية من الفوضى، مع التزام الكوادر باستخدام المعطف المخصص بأكمام طويلة، وقفازات مناسبة تتغير بعد الاستعمال، وواقٍ للوجه ونظارة".
يتهم السائق الأردني فرحان الجروان وزارة الصحة بالتقصير في حمايتهم. ويتساءل: "لماذا لا تتكفل الحكومة بحمايتنا؟ بل تتعامل معنا على أنّنا المتسببون بنشر العدوى على الرغم من تخبطها في تنظيم الحجر".
وزارة الصحة الأردنية ترد من جهتها، بأنّها طبّقت الإجراءات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وفق قانون اللوائح الصحية الدولية، مشيرة إلى أنّ "توصيات المنظمة في تلك الفترة تضّمنت إجراء الفحص الحراري (يتمّ بواسطة جهاز يوجه للجبهة على بعد سنتميترات قليلة) لجميع القادمين إلى البلد براً، لكنّها لم توصِ بإخضاعهم لفحوص مخبرية أو حجرهم".
وتؤكد الوزارة أنّها "بادرت" لإقامة مختبر على الحدود بعد ظهور إصابات بين السائقين من دون انتظار توصية المنظمة الأممية. وتقرّ بأنّها "اكتشفت عدداً كبيراً من الإصابات التي تسجّل بين سائقي الشاحنات، ما دفعها إلى تطبيق الحجر الإلزامي على المعبر الحدودي"، بحسب ردّها المكتوب.
هيئة تنظيم النقل البري تسعى للنأي بذاتها عن تحمّل المسؤولية وتحيل هذه الصلاحيات إلى وزارة الصحّة وخلية الأزمات، التي تضم ممثلين عن وزارتيْ الصحّة والنقل. إذ تؤكد الناطق الإعلامي باسم الهيئة عبلة وشاح أنّ دور الهيئة تنظيمي ذو صلة بالنقل على الطرق، لافتة إلى أنّ الشأن الصحي منوط -في ظل تفعيل قانون الدفاع- باللجنة الوطنية للأوبئة، والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.
من جهتها، تؤكد لجنة الأوبئة على لسان الناطق باسمها أنّها أوصت بحجر هؤلاء السائقين منذ البداية، لكنّ صعوبات لوجستية أخّرت ذلك.
ورفض المركز الوطني لإدارة الأزمات الرد على سؤال عن طبيعة الصعوبات اللوجستية المؤدية إلى سوء تطبيق الحجر.
منظمة الصحّة العالمية (WHO) تؤكد في دليليْها بشأن (التأهب والاستعداد وإجراءات الاستجابة لكوفيد-19) أنّه لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع لإدارة الأزمة. ولذلك يجب على كل دولة تقييم مخاطرها والتنفيذ السريع للتدابير اللازمة على النطاق المناسب، للحد من انتقال كوفيد-19 والآثار الاقتصادية والعامة والاجتماعية المترتبة على ذلك، حسبما ورد في الدليليْن؛ أولهما صدر في 22 مارس/ آذار 2020 فيما صدر الثاني في 24 يونيو/ حزيران 2020.
وتطالب المنظمة جميع البلدان برفع مستوى استعدادها، وتنبّهها واستجابتها لتحديد الحالات الجديدة المصابة بكوفيد-19. يتطابق ما جاء في الدليليْن مع ما نصت عليه المادة (22) من قانون اللوائح الصحية الدولية لعام 2005، بأنّ "على السلطات المختصة اتخاذ ترتيبات فعالة لمواجهة الطوارئ بغية التصدي لأحداث الصحة العمومية غير المتوقعة".
أما التوصيات الصادرة عن المنظمة في 11 فبراير/ شباط 2020، بشأن الاعتبارات الرئيسية للعودة والحجر الصحي للمسافرين خلال انتشار كوفيد-19، فتؤكد أنّه يجوز للدولة بموجب المادة (31) من قانون اللوائح الصحية الدولية أن تخضع المسافرين للحجر الصحي إذا توقعت خطراً بنشر العدوى. كما يجب أن تتضمن البروتوكولات الطارئة دعماً للحجر الصحي، ما يلقي بالمسؤولية على خلية الأزمات التي تدير أزمة كورونا، والمخوّلة بموجب التوصيات، باتخاذ أيّ إجراء لازم للحيلولة دون انتشار الوباء.
تبين الإيجازات الصحفية بشأن كوفيد-19 الصادرة يومياً عن رئاسة الوزراء ووزارة الصحة في الأردن، استمرارية تسجيل حالات إصابة بين السائقين في معبر العمري بمعدل شبه يومي، ولغاية 25 يوليو/ تموز 2020 سُجلت 272 إصابة بين سائقي الشاحنات، منهم 120 أردنياً، و152 سائقاً غير أردني. لتشكل الإصابات المسجلة على العمري ما نسبته 25% من إجمالي عدد الإصابات في المملكة البالغة 1086 حالة حتى التاريخ ذاته.
فهل تحوّل العمري إلى بؤرة ناقلة للعدوى؟ سؤال يجيب عليه الباحث سعيدان: "هناك الكثير من المؤشرات على أنّ العمري تحوّل إلى بؤرة لنقل العدوى، نتيجة انعدام التباعد الاجتماعي وعدم مراعاة مستلزمات الوقاية، في ظل العدد المرتفع للسائقين الذين يعبرونه يومياً، أردنيين وغير أردنيين".
قاعدة بيانات تفاعلية توضح الإجراءات الاحترازية الرئيسية التي اتخذتها الحكومات العربية لمواجهة كوفيد-19، وأعداد الإصابات والوفيات بكورونا والمتعافين منها في الدول العربية. للاطّلاع اضغط/ي هنا.