ARIJ Logo

بزنس في مستشفيات يمنية

أول العلاج البتر

تحقيق: وجدي السالمي

13/10/2021

في صباح السابع من تموز/ يوليو 2017، خرجت دليلة محمد لجلب الماء من مكان يبعد 200 متر عن منزلها في قرية الشقب، في جبل صبر، جنوبي مدينة تعز الواقعة على مرتفعات اليمن الجنوبية. طريق العودة غيّر مجرى حياتها إلى الأبد. داست على لغم، فانفجر وتناثرت معه أحلامها.

معاناة دليلة (25 عاماً) من الحرب الدائرة في اليمن والمستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام أُضيفت إليها معاناة جديدة، بعد بتر رجليْها اليمنى جراء الانفجار واليسرى بسبب الإهمال. صراخها داخل غرفة العمليات لم يشفع لها: "أنا فتاة مقبلة على الزواج، لا تبتروا رجلي، ليس لديّ مَن يعينني".

على مدى عاميْن ونصف العام، وثّق هذا التحقيق قيام مستشفيات متعاقدة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ومقرّه الرياض، بعمليات بتر أعضاء لجرحى يمنيين، دون الحاجة إلى ذلك، في ظل غياب الرقابة على تلك المستشفيات، وفي مخالفة للعقود المبرمة بين المركز والمستشفيات.

يدفع المركز عن هذه العمليات 1200 دولار كحد أدنى و4000 دولار كحد أقصى، عن كل حالة تُعالَج. وتعاني المستشفيات أصلاً من ضعف الإمكانيات وغياب الكوادر المختصة لإجراء العمليات الجراحية بحسب مسح ميداني أجراه مُعِدُّ التحقيق، واعتمد فيه على وثائق رسمية.

وزادت حالات البتر من حالة واحدة عام 2015، قبل توقيع العقود المذكورة لتتخطى 230 حالة عام 2016 وتزيد عن 200 حالة عام 2017.

"ناس لا يخافون الله"، يقول والد دليلة، متحدثاً عن المستشفى الذي أجرى عملية البتر لابنته، ويضيف: "استُقدم طبيب أجنبي إلى المستشفى من أجل بتر أعضاء الناس، ومَن يدخل المستشفى تُبتر رجله من أجل الحصول على 4000 دولار، يدفعها مركز الملك سلمان للإغاثة عن كل حالة".

الألم نفسه عاشته آلاء عبد الفتاح (ثلاث سنوات). أصابتها قذيفة وهي في منزلها في حي الثورة في تعز، وبُترت رجلها اليسرى بلا داعٍ.

آلاء واحدة من 41 طفلاً/ة خضعوا لعمليات بتر أعضائهم في الفترة بين عاميْ 2016 و2018، مقارنة بحالة واحدة لطفل في العام 2015، قبل توقيع العقود، بحسب ما وثّقه التحقيق.

يقول والدها: "عارض مستشفى الصفوة وبشدة نقل آلاء إلى مستشفى آخر في المدينة، والممانعة لم تكن من أجل محاولة إنقاذ ابنتي، وإنّما لإجراء عملية البتر".

لكن ما هي الأسباب الرئيسية لتحويل جرحى الألغام والمقذوفات إلى غرفة في مستشفى لا تتعدى مساحتها 12 متراً مربعاً ليخرجوا منها وقد بُترت أطرافهم؟

يقول الدكتور مختار المليك، اختصاصي جراحة العظام والمفاصل والحوض، الذي عمل مع مستشفيات متعاقدة مع مركز الملك سلمان: "الخطة العلاجية لا بدّ أن تتضمن ما يحتاجه الجريح من عمليات جراحية، وفحوصات وصور أشعة تشخيصية. وهذه النقطة بالذات لعبت دوراً كبيراً في مسألة البتر، لأنّ المريض قد يحتاج -وفق الخطة العلاجية- لأكثر من عملية، والمستشفيات تلجأ إلى البتر للتخلص من التكاليف التي تُدفع للأطباء مقابل إجراء العمليات".

تصنيف حالات البتر حسب العمر والجنس

18 سنة وأكثر
أقل من 18 سنة

التصنيف حسب مكان البتر والأطراف المبتورة

اليدين
غير محدد
2
الرجلين
غير محدد
7
الرجلين ويد واحدة
45
أصابع من أطراف مختلفة
45
غير محددة وتوصيف غير واضح
81
الإجمالي
574

طبيب البتر

فيكتور كراشنيكوف Viktor Krasnikov طبيب أوكراني الجنسية، يوقّع مرة بصفة اختصاصي جراحة عامة، ومرة بصفة اختصاصي جراحة عظام، وأحياناً بصفة اختصاصي عظام على تقارير طبية صادرة عن مستشفى البريهي.

حاولنا معرفة تخصصه عبر التواصل مع مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة تعز الدكتور عبد الرحيم السامعي، فقال الأخير: "اطّلعت على مؤهلاته، والطبيب أكمل الكورسات ومُنح شهادة الطب العام والجراحة... لكنّ شهادة الاختصاص غير متوفرة".

كراشنيكوف أيضاً ليس لديه ترخيص مزاولة مهنة الطب من نقابة الأطباء في تعز، والمجلس الطبي في صنعاء، بحسب تأكيد مكتب الصحة والسكان في تعز. لكنّ ظروف الحرب في اليمن أتاحت له العمل هناك.

اطّلع مُعِدُّ التحقيق على 44 تقريراً طبياً من تقارير المبتورة أطرافهم موقعة من قبل كراشنيكوف الذي حوّلهم إلى البتر رغم عدم اختصاصه في جراحة العظام، حسبما أفاد مكتب الصحة والسكان.

من جانبها، نفت وزارة الصحة الأوكرانية صحة شهادة كراشنيكوف لأسباب أهمها أنّ الشهادة التي دققنا فيها ليست بنفس قالب الشهادات التي تصدرها الأكاديمية الطبية الوطنية للتعليم العالي Shupyk المنسوبة إليها شهادته، والعميد ورئيس القسم اللذان تحمل الشهادة اسميهما لا ينتميان إلى الجامعة، كما أنّ مواد الجامعة لم تتضمن التخصص المذكور في شهادته وهو تخصص عظام.

لم تنجح محاولات الوصول إلى الطبيب لأنّه غادر المدينة. وبعد أن واجه مُعِدُّ التحقيق محافظ محافظة تعز السابق أمين أحمد محمود والسلطات المحلية في المحافظة بما توصّل إليه حول الطبيب الأوكراني، قال المحافظ إنّه وجّه مكتب الصحة التابع لوزارة الصحة لمنع الطبيب من مغادرة المدينة. لكنّ الطبيب غادر المستشفى ومن غير المعروف مكان إقامته أو إذا كان قد غادر اليمن.

عمليات بتر وتدمير حياة المئات

وقّع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عام 2017 عقوداً موحَّدة مع مستشفيات البريهي، والصفوة، والروضة، لعلاج الجرحى. وبلغت قيمة تلك العقود للمستشفيات التي تمّ التجديد معها واستمرت حتى عام 2020 بحسب بيانات المركز ما يقارب 16.2 مليون دولار أمريكي، خلال الفترة بين نيسان/ أبريل 2017 حتى كانون الثاني/ يناير 2020، وذلك لعلاج 3200 جريح في تعز.

ويدفع المركز ما بين 600 و800 ألف دولار في العقد الواحد. ولكل حالة بحسب العقد 4000 دولار كحد أعلى و1200 دولار كحد أدنى.

وبحسب تقارير المركز، جرى دعم قطاع الصحة في اليمن خلال الفترة بين عاميْ 2015 و2018 بنحو 418 مليون دولار.

كيف اختيرت المستشفيات الثلاثة؟ وقّع المركز العقود مع المستشفيات بناء على تزكية وزارة الصحة اليمنية. ووُقّع العقد من قبل السلطة المحلية في المحافظة.

ينفي مدير عام مكتب الصحة في محافظة تعز الدكتور عبد الرحيم السامعي ذلك، ويقول: "ليس لمكتب الصحة أيّ علاقة بعملية اختيار المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان، ولم تتمّ العودة إلينا في عملية التعاقد مع هذه المستشفيات، وسيكون لنا رأي مختلف في عملية الاختيار لو كانت العقود تمرّ عبر المكتب"، مشيراً إلى أنّ "مستشفى البريهي غير مؤهل للتعاقد".

الرئيسة السابقة لـ "اللجنة الطبية لجرحى تعز" التابعة لوزارة الصحة، وهي لجنة شُكّلت عام 2017 لتقديم التمويل الحكومي اللازم للجرحى، الدكتورة إيلان عبد الحق، وهي تشغل أيضاً منصب وكيل محافظة تعز لشؤون الصحة، علّقت بأنّ "المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان غير مؤهَّلة لعلاج الجرحى".

ماذا يحدث داخل تلك المستشفيات؟

يصل المريض بجروح جراء لغم أو مقذوف. يستقبله طبيب عام ويُحوَّل إلى البتر دون الرجوع إلى اختصاصي عظام وتجميل وأوعية دموية، بحسب شهادات لجرحى وثّقها التحقيق.

قرار البتر بحسب الدكتور أبو ذر الجندي، عميد كلية الطب في جامعة تعز، ينبغي أن يكون قراراً جماعياً يشترك فيه فريق مكوّن من استشاري في الأوعية الدموية، واستشاري في العظام واستشاري في الأعصاب.

"رفضتُ البتر فلم يعودوا يستشيرونني"

أصبحت حالات البتر الوسيلة الأسهل لاختصار العلاج وتسريع خروج المريض من المستشفى، وبالتالي تحصيل الحدّ الأقصى (4000 دولار) عن كل حالة.

يؤكد جرّاح العظام مختار المليك الذي عمل في مستشفيات متعاقدة مع مركز الملك سلمان، قبل أن يوقف العمل معها، أنّه رفض عمليات بتر قرر المستشفى إجراءها. ويقول عن إحدى الحالات: "وصلتُ إلى غرفة العمليات وشاهدت الجريح، طلبتُ أن نعطي فرصة للمريض بعدم بتر رجله، إلّا أنّ إدارة المستشفى رفضت بحجة أنّ العظام متضررة".

حاول المليك تغيير موقفهم قائلاً: "أستطيع القيام بعمليات للعظام، بشرط أن يقوم جراح الأوعية الدموية بإجراء عملية للأوردة المتضررة". لكنّ إدارة المستشفى رفضت ذلك تماماً، وقالت إنّ الجريح يحتاج إلى عمليات عدة طيلة عام كامل ونحن في حرب، وقررت البتر.

يضيف المليك: "رفضتُ، وأخبرتهم أنّني هنا من أجل الإصلاح وليس البتر. وإذا كان قراركم البتر يمكنكم استدعاء طبيب آخر للبتر، وغادرت غرفة العمليات".

كيف نجا سهيل من البتر؟

في 27 تموز/ يوليو 2017، أُصيب سهيل النجاشي (18 عاماً) بطلقات نارية اخترقت مناطق متفرقة من جسده، وفي رحلة البحث عن علاج لساقه داخل مستشفيات تعز المتعاقدة مع مركز الملك سلمان، كان القرار هو البتر.

طيلة عام كامل، ظلّ سهيل يتردد على مستشفيات قررت بتر ساقه. رفض فكرة البتر، وانتقل إلى العاصمة المصرية للبحث عن حلّ آخر بعدما نصحه جراح العظام مختار المليك بعدم البتر.

وفي نيسان/ أبريل 2018، عاد الشاب إلى منزله في محافظة تعز سليماً يمشي على قدميه، ويتوعّد بمقاضاة المستشفيات التي أرادت بتر ساقه بعد تأكيد العديد من الأطباء من جراحي العظام والتجميل والأوعية الدموية فيها أنّ علاج ساقه هو البتر ولا شيء غيره.

وثّق مُعِدُّ التحقيق بعد جولات داخل المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان، والتواصل مع جرحى داخلها، أنّها ترفض استدعاء بعض الأطباء، بينهم جراح العظام مختار المليك. وأكدت الدكتورة إيلان عبد الحق أنّ المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان ترفض استدعاء المليك.

اعتراف حكومي

لم تكن هناك حاجة لإجراء معظم عمليات البتر التي أُجريَت في المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان، بحسب الدكتورة إيلان عبد الحق التي أشارت إلى أنّ عمليات البتر في مستشفيات تعز هي بغالبها لحالات لا تستدعي البتر. وأضافت: "يدخل الجريح المستشفى بجروح من الدرجة الأولى تحتاج إلى اختصاصيين للتعامل معها، ولكنّ الكادر الموجود في المستشفيات هو من المتدربين أو الخريجين، وبدلاً من معالجته يضيف إلى إصابته".

من جانبه، قال بليغ غالب، رئيس فريق الرقابة في "مؤسسة اسكوب للرقابة والتقييم والتنمية"، وهي مؤسسة مموّلة من مركز الملك سلمان، إنّ المستشفيات تفتقر للأطباء المختصين في جراحة الأوعية الدموية. وكانت الحالات التي تصل لا تحتمل التأخير لأنّها إنقاذ حياة وكان لا بدّ من القيام بتدخل سريع لإنقاذ الجريح.

ردّ مركز الملك سلمان أنّ دور المركز: " يقتصر على تمويل العلاج ضمن خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن؛ للتخفيف من معاناة الشعب اليمني الشقيق، وهو ليس مخوّلاً بالتدخل في الآراء الطبية، وليس جهة رقابية على تلك المستشفيات، وليست له علاقة باختيار الكوادر الطبية التابعة لها، وإنّما تعود متابعة ذلك لوزارة الصحة العامة والسكان اليمنية، أمّا بشأن شركة اسكوب، فقد استمر العمل معها حتى نهاية العقد".

الهروب من البتر

قرّر صلاح ثابت إسماعيل (28 عاماً) الهروب من قرار بتر رجله اليسرى الذي أوصى به كلٌّ من مستشفى الصفوة ومستشفى البريهي المتعاقدان مع مركز الملك سلمان.

وقال: "المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان قررت بتر رِجلي دون أيّ محاولة علاجية أخرى"، وأضاف: "تعالجتُ على نفقتي لكي أستطيع المشي على قدميْ".

انتقل صلاح إلى مستشفى تعز، وهو مستشفى غير متعاقد مع مركز الملك سلمان، وهناك أُجريت له تحاليل وفحوصات أكدت عدم حاجته للبتر.

يقول جراح العظام والطبيب الأوزبكي عبد الملك يولدا شف، المعالج لحالة صلاح: "لم نفكر ولو للحظة في بتر رجل صلاح، كان النبض في القدم موجوداً والرِجل دافئة، وحركة المفصل موجودة والأعصاب سليمة والأوعية الدموية أيضاً سليمة، وأصابع قدمه تتحرك"، ويتابع: "إصابة صلاح كانت عبارة عن جرح متفجر وتمّ التعامل معه على هذا الأساس، ولا يوجد ما يستدعي البتر، ولم يدخل في تفكيرنا أن نبتر الرِجل. لا توجد أيّ نسبة في حالته تستدعي البتر".

في ردّه على ما ورد عن مستشفى الصفوة، يقول استشاري الجراحة العامة ومدير عام المستشفى، الدكتور عبد الكافي شمسان، وهو أيضاً أستاذ مساعد في كلية الطب في جامعة تعز، إنّ مستشفى الصفوة "يتعامل بشفافية" و"الكادر الذي يعمل فيه هو كادر طبي متميز".

وعن الحالات التي ذُكرت في التقرير، يشير إلى أنّ "المريض أو الجريح سوف يبحث عن أسباب كثيرة عندما تكون النتائج غير مرضية له وهذه طبيعة البشر"، مضيفاً: "المستشفى مفتوح وبإمكانكم أن تحضروا لجنة خبراء من الأطباء الذين يعملون في أوقات الحروب ليطّلعوا على الملفات وعلى وضع الجرحى عند الإصابة وعلى طبيعة الإصابة وأعداد الجرحى الذين كانوا يصلون إلى الطوارئ وكيف كانت النتائج بشكل عام".

إحصائيات معقدة

في اليمن، لا توجد إحصائيات دقيقة توثق عدد المبتورة أطرافهم خلال الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات. مُعِدُّ التحقيق زار المستشفيات العامة والخاصة في محافظة تعز، بغرض الحصول على بيانات وإحصائيات المبتورة أطرافهم، لكنّ إدارة الإحصاء في هيئة مستشفى الثورة الحكومي في تعز، التي تُعنى بجمع البيانات من المستشفيات الحكومية والخاصة، أفادت بعدم وجود سجلات لهؤلاء، ووعد رئيس الهيئة بإعداد سجلات بذلك.

مؤسسة "اسكوب"، رفضت تزويدنا بأيّ إحصائيات تتعلق بالمبتورة أطرافهم. وقال المدير التنفيذي للمركز الدكتور إيهاب القرشي إنّه لا يستطيع تحديد الإحصائيات لأنّها معلومات لا يمكن التصريح بها.

حصلنا على سجلات للجرحى، بينها لبعض المبتورة أطرافهم، من اللجنة الطبية للجرحى، وبيانات أخرى من مركز صناعة الأطراف الاصطناعية، لكنّ هذه البيانات غير مكتملة، لأنّ بعض المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان لم تتجاوب مع اللجنة، ورفضت تسليم بيانات الجرحى.

تساهل مع المستشفيات

دعت إيلان عبد الحق في تموز/ يوليو 2017 قادة الألوية العسكرية وقادة المحاور التابعين للحكومة الشرعية في تعز للاجتماع والتوقيع على محضر يمنع إحالة الجرحى إلى أيّ من المستشفيات المتعاقدة مع مركز الملك سلمان. وقالت إنّها تلقت رسالة من مندوب وزارة الصحة اليمنية في مركز الملك سلمان، حسين الغانمي جاء فيها: "وصلني بلاغ أنّك تجمعين توقيعات لإلغاء العقد مع المستشفيات الخاصة، بدلاً من إعطائنا الإثباتات التي تؤكد ضعف أداء المستشفيات وعدم توفر الإمكانيات فيها".

وفي 25 تموز/ يوليو 2018، رفع محافظ تعز رسالة إلى المشرف العام في مركز الملك سلمان الدكتور عبد الله الربيعة، تطلب إيقاف التعاقد مع مستشفى البريهي التخصصي في تعز "نتيجة الشكوى المتكررة من الجرحى، وكثرة الأخطاء الطبية، وعدم جاهزية المستشفى لعلاج الجرحى من حيث الكادر والتجهيزات"، وفق المذكرة التي حصلنا عليها.

من جانبه، أرسل وزير الصحة والسكان السابق، ناصر باعوم، رسالة إلى مركز الملك سلمان في نفس اليوم طلب فيها استمرار التعاقد مع مستشفى البريهي.

وثائق المراسلات

مستشفيات غير مؤهلة

تنصّ المادتان (12) و(14) من العقد الموقع بين مركز الملك سلمان والمستشفيات على "توفير جميع الأجهزة الطبية والتشخيصية والعلاجية والأدوية والمستلزمات الطبية لعلاج الحالات، وتوفير جميع التخصصات الأساسية لحالات الجرحى إما بالتعاقد الدائم أو التعاقد المؤقت، أو من خلال استشارة طبية، شريطة تواجد أطباء على مدار الساعة مع الطاقم الفني والإمكانيات من أجهزة وأدوية".

أجرى مُعِدُّ التحقيق مسحاً ميدانياً لتلك المستشفيات، تضمّن دراسة فنية للتأكد من مطابقة المنشآت الصحية لمعايير مكتب الصحة، غير أنّ مستشفى البريهي ومستشفى الروضة رفضا التعاون مع الفريق في عملية المسح.

وأظهرت نتائج المسح الميداني أنّ المستشفيات عبارة عن مبانٍ سكنية لم تصمَّم كمستشفيات طبية، تخالف الشروط الفنية والهندسية المنصوص عليها في القانون اليمني رقم (60) لسنة 1999.

وتنصّ المادتان (18) و(22) من اللائحة التنفيذية للقانون نفسه، في 15 فقرة متتابعة، على الشروط الفنية والهندسية، بدءاً من تصميم المباني كمستشفى وانتهاء بلون الجدران.

"اسكوب" والرقابة على المستشفيات

مؤسسة "اسكوب" للرقابة والتقييم والتنمية الاجتماعية هي مؤسسة أهلية تأسست في العاصمة السعودية الرياض عام 2016 من قبل علي بن عبد المحسن الفليج، سعودي الجنسية، وعدد من اليمنيين بينهم الدكتور إيهاب القرشي الذي تولى منصب رئيس المؤسسة ومديرها التنفيذي، قبل أن يقدّم استقالته في حزيران/ يونيو 2018.

وطبقاً للمؤسسة، تعاقد معها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في حزيران/ يونيو 2016، لتقوم بالرقابة على المشاريع الإغاثية والإنسانية المدعومة منه في اليمن، ومراقبة علاج الجرحى اليمنيين في مستشفيات القطاع الخاص في محافظات تعز وعدن وسيئون.
يقول القرشي إنّ من أكبر الصعوبات التي واجهت عمله "اعتراض مركز الملك سلمان على تنفيذ المؤسسة أعمال الرقابة والتقييم في مجموعة مستشفيات البريهي الخاصة في تعز، خاصة على العقود التي أبرمها المركز مع المستشفى في آذار/ مارس 2018". ولم يرد المركز على طلب للتعليق.

طلبنا من القرشي نسخاً من نتائج عملية الرقابة والشفافية والتقييم التي نفّذها المركز في محافظة تعز، إلّا أنّه رفض تزويدنا بها، قائلاً إنّ "التقارير ليست للنشر".

وأقرّت مؤسسة "اسكوب" بأنّ مستشفى البريهي في محافظة تعز يرفض التجاوب مع الفريق المراقِب التابع لها، وبأنّه تسبب بمشكلة بين المؤسسة من جهة وبين مركز الملك سلمان من جهة ثانية، إذ أوقف الأخير عمل "اسكوب" كجهة مراقبة على مستشفى البريهي في تعز في العقود الأخيرة الموقعة مع المؤسسة.

وتبقى دليلة حالة من مئات الحالات التي سرق الإهمال جزءاً من جسدها قبل أن يغيّر طريقة حياتها إلى الأبد.