ARIJ Logo
Syria map

معقمات قاتلة في الأسواق المصرية

رحلة البحث عن كحول معقم مضمون

تحقيق: عزة مغازي
28/12/2020

من شارع الجامع الأحمر "نهاية ميدان العتبة" باتجاه شارع رمسيس في وسط القاهرة، تتفرع أزقة ضيقة، اصطفت المحال التجارية على جانبيها.

ما أن تدلف بقدمك حتى يلتقط أنفك رائحة كريهة صادرة عن عبوات تمّ تجميعها وتفريغها من أدوية منتهية الصلاحية لإعادة استخدامها في تعبئة الكحول المفترض استخدامه للتعقيم ضد فيروس كورونا "كوفيد 19".

على أحد جانبي محل صغير، اصطفت أكياس بلاستيكية مليئة بالعبوات القديمة، وفي مقدمة المحل وقف رجل في عقده الخامس أشيب الشعر، وأمامه "بانيو" يكسوه الصدأ، تعوم في مياهه القذرة عبوات من الفنيك، وهي مادة قاتلة تستخدم في القضاء على الحشرات، وتطهير بعض أرضيات المصانع والمستشفيات. يتوسط المحل الصغير، برميل ضخم تسبح في مياهه القاتمة عبوات فارغة، تنتظر تجفيفها بقطع قماش أكثر اتساخاً لإعادة استخدامها في تعبئة الكحول.

يُشير الرجل الخمسيني بيده إلى العبوات قائلاً: "هي صالحة لتعبئة الكحول بعد غسلها جيداً. سعر القارورة الفارغة 4 جنيهات".

ومع ذروة انتشار فيروس كورونا المستجد في موجته الأولى، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن ضرورة استخدام "الكحول الإيثيلي" كمطهر للأيدي والأسطح للوقاية من العدوى، فبدأ التهافت على استهلاك المعقمات بكافة أحجامها وأشكالها.

كغيري من المصريين، وأنا أم لطفلة لم تبلغ العام؛ أصابني الخوف وبدأت البحث عن وسيلة للحماية والوقاية، كما بدأت التزود بالمنظفات والكلور وفقاً للتعليمات، وبقي العنصر الأكثر استخداماً "الكحول المعقم".

كنت أعتقد أنّ الأمر بسيط. توجهت إلى الصيدلية أطلب زجاجة كحول بتركيز 70%، فأجابني الصيدلاني بتهكم: "لو لقيتي هاتيلي. مصر كلها معندهاش سيرة غير الكحول"؛ كان ذلك في 10 آذار/ مارس الماضي.

خرجت وأنا على ثقة أنّي سأجد طلبي لدى معارفي من الصيادلة لأبدأ رحلة البحث المضني عن قارورة كحول لا تقل نسبة تركيزها عن 70%، وكانت معها بداية هذا التحقيق الذي سيكشف غشاً مزدوجاً؛ أولاً على مستوى المواد المعقمة نفسها التي يتمّ خلطها بالماء بحيث تنخفض نسب الكحول فيها إلى ما دون الـ 70% وهي النسبة الضرورية للحماية من كوفيد-19، وثانياً على مستوى القوارير المعبّأة يدوياً من دون مراعاة أدنى شروط الصحة والنظافة.

زجاجات مغشوشة

في تلك الشوارع الضيقة، زحام شديد وعمال منهمكون بنقل عبوات "مغسولة" في أكياس بيضاء وتوزيعها على المحلات ثمّ بيعها لتجار انتشروا في الشوارع يفاوضون على الأسعار والأحجام؛ فهناك عبوات بسعة 50 مل، وأخرى 100 مل، و150 مل، تتراوح أسعارها بين 5 و10 جنيهات أي أقل من دولار واحد.

ويُعاد استخدام تلك العبوات في تعبئة الكحول المخفف الذي لم يعد يقتصر بيعه على الصيدليات، بل أصبح يباع في السوبر ماركت ومحال المنظفات والعطور، وعلى الأرصفة.

عاينت مُعِدَّة التحقيق، عشرات المحال الممتدة في الشارع نفسه، لترصد صنفين من العبوات المُعَدَّة للتعبئة اليدوية. الأولى قديمة ومستخدمة، تُغسل لبيعها كتلك المذكورة سابقاً، وأخرى جديدة غير مستخدمة ومستوردة من الصين، ويصل سعر الأخيرة من فئة 100 مل إلى 15 جنيهاً بحسب تجار شارع الجامع الأحمر وكلوت بك.

المشهد هنا أشبه بمزاد علني، حيث يقف بائعو العبوات على كرسي مرتفع فيما يتزاحم التجار حولهم ويتسابقون للحصول على 100 عبوة بعدما كانوا قادرين على شراء 500 قبل وقت وجيز. فمع الإقبال الشديد على العبوات بدأ الاحتكار ورفع الأسعار وقرر البعض ألا يبيع أكثر من مئة عبوة دفعة واحدة كيلا تنفد البضاعة سريعاً، ولتحقيق مكاسب أكبر إذا ما ارتفعت الأسعار.

اللافت أنّ سعر العبوة البلاستيكية وشكلها، يتطابق مع سعر وشكل علب الكحول (المخفف ليصل تركيزه 70%) المرخّصة التي تُباع بالصيدليات بـ 5 جنيهات وبغطاء رشاش.

لكن من أين تأتي هذه القوارير؟ ربما من جمع النفايات. توجهنا سريعاً بالسؤال إلى رئيس نقابة الزبالين شحاتة مقدس، الذي نفى ذلك نفياً قاطعاً مؤكداً أنّ "كل ما يتمّ جمعه من عبوات بلاستيكية من القمامة يتمّ تكسيره ثمّ صهره، ليدخل في خطوط غسيل ويصبح كالخرز، وهي مادة يُعاد تصنيعها (في مصانع إعادة تدوير البلاستيك في القاهرة) على درجة 3000 مئوية". فبقي السؤال معلقاً، لنعود إلى البحث في المواد التي تتمّ تعبئتها فيها.

خلال 3 ساعات قضيناها بين شارع كلوت بك والجامع الأحمر، علمنا أنّ السائل الذي يُعبَّأ داخل هذه القوارير يُباع في "شارع الجيش" الموازي.

corona-img corona-img

كحول مغشوش

الوضع في شارع الجيش لا يختلف عن العتبة. هنا أيضاً محالّ صغيرة تراصت لبيع الكيماويات، ويصل سعر الجركن الواحد (العبوة) إلى 3 آلاف جنيه، وهي عبوات بيضاء أو زرقاء لا تحمل أيّ بيانات أو ماركة مسجلة، لكنّ البائع يقول إنّ تركيز الكحول فيها 76%.

وجدنا زجاجة بسعة لتر من شركة معروفة نسبياً تُدعى "العالمية" كُتِبَ عليها أنّ تركيز الكحول فيها 95% وتُباع في الشركة بـ 25 جنيهاً، لكنّ سعرها هنا وصل إلى ألف جنيه.

سألنا أحد التجار عن إمكانية شراء كميات من تلك الزجاجات المُعبَّأة، فأخذنا إلى غرفة في منزل متهالك يطل على الشارع الرئيسي لباب الشعرية. في غرفة بلا تهوية، وجدنا شابين في العشرينيات يقومان بخلط برميل من مياه الصنبور (نحو 250 لتراً) مع 20 لتراً من الكحول لتعبئة ثلاثة آلاف عبّوة، يتراوح سعر الواحدة منها بين 15 و20 جنيهاً.

في الشارع نفسه، محل يبيع كل أنواع المنظفات والمطهرات المقلّدة لشركات كبيرة وعالمية. نفس العبوات التي رصدناها في شارع كلوت بك تُباع هنا على أنّها المنتج الأصلي لشركة ديتول، إذ يصعب تمييزها من حيث الشكل والتغليف، ووضعت تسعيرة واضحة أعلى الرف هي 40 جنيهاً للعبوة الصغيرة.

استشاري التحاليل الطبية وصاحب إحدى شركات المواد الكيماوية الدكتور مصعب داوود يقول إنّ "ما يباع في الأسواق ويروج له على مواقع التواصل، هو مجرد قوارير شفافة من سعة 100 مل بلا اسم شركة مصنعة ولا أيّ معلومات، غطاؤها ليس مضغوطاً أو محكمَ الإغلاق كما هو الحال في عبوات الكحول المعروفة".

ويضيف داوود أنّ "غالبية هذا الكحول يتمّ مزجها مع الماء، ويمكن قياس ذلك باختبار بسيط عبر رشه على اليد وملاحظة أنّه لا يتبخر، كما أنّ رائحته مختلفة عن رائحة الكحول المعروفة ولا يشتعل بسهولة، ناهيك عن أنّ العبوة مجهولة المصدر".

bottle

وفقًا للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإنّ الكحول الإيثيلي هو غاز شفاف عديم اللون يُعرف بالسبيرتو الأبيض، يتمّ تصنيعه من تخمير العنب، وقصب السكر، والتفاح، ويُسمح باستخدامه آدمياً، ويُستخدم بتركيز يتراوح بين 60 و95 في المئة في تعقيم اليد والقضاء على البكتيريا والفيروسات، والقضاء على فيروس كورونا، كما يُستخدم في تطهير الجروح، وتعقيم الأسطح والأرضيات، وتتمثل آثاره الجانبية في احمرار وحروق بسيطة عند استخدامه على الجلد. وتحدد منظمة الصحة العالمية النسبة المثالية بـ 70 في المئة (إضافة) كما تضع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اشتراطات وقياسات لمدى صلاحية معقمات الأيدي والكحول الإيثيلي.

corona-img corona-img

تحليل مخبري

قامت مُعِدَّة التحقيق بشراء 4 عينات عشوائية من الكحول والمطهرات المطروحة في الأسواق، لتحليلها بمصلحة الكيمياء وهي الجهة الحكومية المنوط بها تحليل الكحول. قمنا بتسليم تلك العبوات إلى معمل مصلحة الكيمياء يوم 22 نيسان/ أبريل الماضي للكشف عما تحتويه.

كشفت نتيجة التحليل -التي حصلنا عليها في اليوم التالي مباشرة- أنّ العينة تحتوي على "كحول الميثانول"، وحصلنا على تقرير رسمي من المصلحة بذلك.

qoute icon

وعلّق رئيس مصلحة الكيمياء المهندس مجدي فهمي، قائلاً إنّ المصلحة تستقبل يومياً 500 عينة كحول للكشف عنها من الجهات الرقابية، مؤكداً أنّ 100 عينة من ضمن الـ 500 تكون مغشوشة، ويتمّ إرسال نتائج التحاليل للجهات الرقابية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

رئيس مصلحة الكيمياء المهندس مجدي فهمي

ورفض فهمي توضيح ما إذا كانت هذه العيّنات المغشوشة تتبع شركات حكومية أو خاصة معلّلاً ذلك بأنّها "أسرار الجهات الرقابية"، مشيراً إلى أنّ هناك 8 فروع تتبع المصلحة على مستوى الجمهورية للكشف عن السلع ومعرفة إذا كانت مطابقة للمواصفات والجودة أم لا.

شركات إنتاج الكحول الحكومية

هناك جهات حكومية، تُنتج وتوزع الكحول الإيثيلي أولها، شركة التقطير والكيماويات التابعة لمصنع السكر والصناعات التكاملية بالحوامدية جنوبي محافظة الجيزة، وأبو قرقاص بمحافظة المنيا جنوبي مصر وهي فرع لمصنع السكر بالصعيد، إضافة إلى شركات أخرى تقتصر على التوزيع.

ويبلغ إنتاج مصنعيْ شركة التقطير اليومي 300 ألف لتر نقي، مقسمة بين مصنعيْ تقطير الحوامدية وأبو قرقاص بصعيد مصر، وكانت جميع هذه المنتجات تُباع في منافذ شركة السكر البالغ عددها 200 منفذ. وبعد أزمة كورونا، أرسلت الشركة مقترحاً لوزارة الصحة المصرية يفيد بإنتاج كحول مخفف بتركيزات 72% وأرسلت عيّنات لوزارة الصحة لنيل الموافقة على طرحه في الأسواق، ولم يبتّ في الاقتراح المقدم حتى الآن بحسب تصريحات رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية محمد عبد الرحيم.

corona-img corona-img
bottle

ينتج مصنع السكر بالحوامدية -وهو إحدى شركات قطاع الأعمال ويتبع حالياً لوزارة التموين- حوالي 300 مليون لتر سنوياً من الكحول النقي، يتمّ تصديرها إلى الدول الأوروبية والعربية خاصة وأنّه المصنع الحكومي الوحيد بالشرق الأوسط لإنتاج الكحول من مولاس القصب.

المصدر: الموقع الرسمي للشركة.

corona-img corona-img

أما الجهة الحكومية الثانية المنوط بها التوزيع فهي الشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، وهي إحدى شركات قطاع الأعمال العام التابعة لوزارة قطاع الأعمال. وتقوم 5 شركات تابعة للشركة القابضة بتوزيع الكحول الإيثيلي وهي "النيل للأدوية والصناعات الكيماوية، وممفيس للأدوية والصناعات الكيماوية، والشركة العربية للأدوية والصناعات الكيماوية، وشركة النصر للكيماويات الدوائية، وشركة الجمهورية للأدوية"، بحسب الموقع الرسمي للشركة.

وبحسب بيان صادر عن وزارة قطاع الأعمال العام، يبلغ إنتاج الشركات من المطهرات 4 أطنان يومياً من الكحول بتركيز 70%، منها 75 ألف عبوة من سعة 110-200 مل للاستخدام الشخصي، بالإضافة إلى 20 ألف عبوة من سعة 1 لتر.

وفي نيسان/ أبريل، الماضي، حين اشتدت أزمة فيروس كورونا، اتفقت نقابة صيادلة الإسكندرية مع شركة التقطير بالحوامدية على توفير 40 عبوة من سعة 1 لتر، وذلك بعد تقديم إخطار ضريبي.

bottle

أبرز أصناف الكحول في مصر هي:

كحول إيثيلي: مصرّح به للاستخدام البشري كمطهّر بعد تخفيفه إلى نسبة 70% ويدخل في صناعة المشروبات الكحولية.

كحول ميثانول: غير مصرّح به إلّا في الصناعات الكيماوية، ولا يصلح للاستخدام الآدمي لاحتوائه على مادة سامة قد تسبب أضراراً بالغة تصل إلى العمى أو سرطان الجلد.

كحول الايزوبروبانول: يتمّ استيراده بكميات قليلة للأغراض البحثية داخل كليات العلوم بالجامعات المصرية ولبعض صناعات مستحضرات التجميل.

وفقاً لتصريحات رئيس شركة السكر، ورئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة، ومسؤولة شركة الجمهورية والقابضة أثناء إجراء التحقيق.

رئيس لجنة تصنيع الدواء بنقابة الصيادلة الدكتور محفوظ رمزي، وهو أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة الدواء باتحاد الغرف التجارية، أكّد أنّ

qoute icon

%50 من الكحول بالسوق مغشوش"

وهو ما رصده "من خلال شكاوى الصيادلة بالإضافة إلى متابعته من خلال مضبوطات حماية المستهلك". وشرح رمزي أنّه حاول أكثر من مرة شراء كحول لكنّه كان يقوم باختباره عن طريق اللهب، وهي طريقة أخرى لكشف الفاعلية.

وأرجع رمزي ما يجري إلى أنّ "شركة السكر" المنتجة للكحول الإيثيلي باعت كميات ضخمة للتجار الذين قاموا بغشه وإضافة مياه إليه لكسب أرباح ضخمة بالإضافة إلى نوع آخر من الغش وهو إضافة كحول الميثانول السام وبيعه للجمهور. ولم تتخذ النقابة أيّ إجراء "لأنّها ليست جهة رقابية على التجار" على ما قال.

وحدد قانون الصيدلة رقم (127) لسنة 1955 وتعديلاته، كمية الكحول من تركيز 95%، وكمية الكحول العادي، التي يجوز تخزينها داخل الصيدلية بـ 50 لتراً من كل نوع.

ووفقاً للمادة (63) من القانون، فإنّ الكحول والمطهرات تُعدّ من المواد الدستورية التي يجوز للصيدلية تعبئتها وتجهيزها بالصيدلية مع لصق البيانات الاسترشادية اللازمة على العبوة وتسجيلها بدفتر التركيبات؛ ما يُعطي للصيدلاني الحق في تحضيرها بنفسه داخل الصيدلية.

لذا توجهنا إلى رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف الذي أكد أنّ "متوسط سعر لتر الكحول حالياً يتراوح بين 60 و65 جنيهاً" لافتاً إلى أنّه "من حق الصيدلي شراء الكحول من أيّ شركة توزيع مثل شركة الجمهورية أو النصر أو غيرهما".

ويرى عوف، أنّ الصيدلية هي المنفذ الرسمي الوحيد لبيع الكحول، لأنّ الصيدلاني ملزم بتقديم فواتير شراء الكحول التي توضح جهة الشراء والأسعار للتفتيش الصيدلي التابع لوزارة الصحة المصرية، وأيّ غش سيعرضه لغرامة تتراوح بين 20 و50 ألف جنيه وعقوبة بالحبس لا تقلّ عن سنة.

ولكن، في مكاتب المستلزمات الطبية بشارع القصر العيني في وسط القاهرة، -أحد أهم شوارع العاصمة لتمركز مكاتب وشركات المستلزمات الطبية- وجدنا بعض أنواع الكحول غير المعروفة، معبأةً بطريقة بدائية، تحمل لاصقاً أبيض يُستخدم لتضميد الجروح مكتوب عليه بقلم حبر "كحول تركيز 70%".

بسؤال أحد العاملين عن مصدر العلبة أكد أنّها "معبّأة في شركات مستلزمات الأدوات الطبية لأنّهم استطاعوا منذ بداية الأزمة الحصول على كميات كبيرة من الكحول".

ويشرح الصيدلاني علي أحمد صاحب صيدلية بمنطقة أكتوبر أنّ "معظم الصيادلة امتنعوا عن بيع الكحول في الفترة الأخيرة بسبب نقصه من الموردين المعتمدين المضمونين مثل شركة الجمهورية والنصر، إذ استنفدت الكميات مع بداية الأزمة".

وأضاف: "أصبحنا عرضة للنصب من قبل التجار الذين استحوذوا على الكميات المتبقية في السوق حتى وصل سعر اللتر إلى ألف جنيه في بعض الأحيان".

ولفت أحمد إلى أنّ المصدر الوحيد المضمون حالياً هو شركة السكر والصناعات التكاملية "ولكنّ هناك ازدحاماً شديداً والكحول غير متوفر لصيادلة المحافظات والأقاليم، وقد ينتظر الصيدلاني 48 ساعة أمام الشركة كما حدث الفترة الماضية ليحصل على 40 لتراً فقط بتكلفة تتعدى 2000 جنيه بعد إضافة أسعار النقل والتوصيل، لذلك امتنع البعض عن البيع وتُرِكت السوق للتجار والمحلات الكبرى".

وأوضح أحمد أنّ "الشركات رفعت سعر التوريد فيما كثفت الأجهزة الرقابية التفتيش على الصيدليات على الرغم من أنّها الجهة الوحيدة التي تمسك دفاتر وفواتير وتجاهلوا محلات بيع العطور والمنظفات التي سيطرت تماماً علي البيع وأصبح الصيدلاني هو المتهم بالجشع".

من جهته، يرى الصيدلاني هاني سامح، أحد الناشطين في المجال الصيدلي، أنّ الكحول في الأسواق مغشوش ولا يتعدى تركيزه نسبة 30%، مشيراً إلى أنّهم اكتشفوا الأمر بعد شكوى عدد كبير من الصيادلة، الذين اشتروا كميات من الكحول من بعض التجار.

وكان التفتيش الصيدلي بمحافظة البحر الأحمر، أعلن يوم 14 مارس/ آذار الماضي على صفحته الرسمية أنّه تمّ ضبط 2393 عبوة كحول معبأة مخلوطة بمادة التنر السامة، في إحدى المحلات الكبرى لبيع المنظفات وذلك بعد تقديم شكوى من أحد المواطنين.

ويقول، إنّ شكوى الصيادلة كشفت أنّ الكحول مغشوش وتمّ خلطه بمياه بنسبة أعلى من المقرر حسب المواصفات القياسية المصرية، أو أنّه يحتوي على كحول من نوع "الميثانول" السام، ويستعين به التجار لرخص ثمنه، إذ لا يتعدى سعر اللتر الواحد منه 8 جنيهات.

ويوضح الصيدلي هاني سامح، أنّ الكحول الإيثيلي يُستخرج من تخمير القصب والعنب، مقارنة بكحول الميثانول السام المستخرج من الخشب، موضحاً أنّه يمكن التفرقة بينهما عن طريق إشعال النار في جزء من الكحول، وهي التجربة الأكثر شيوعاً. ويُتابع، أنّ الكحول الإيثيلي يتميز بـكون لهبه "برتقالياً هادئاً"، أم الميثانول فهو ذو لهب "شفاف".

ردّ الجهات الرقابية

تحدثنا إلى رئيس "شركة السكر" الحكومية، المهندس محمد عبد الرحيم، الذي قال إنّ "حجم إنتاج الكحول الإيثيلي يبلغ 300 ألف لتر يومياً توزع على شركات تصنيع الدواء ومستحضرات التجميل ومصنع الشبراويشي للعطور، وشركات أخرى تستخدم الكحول في أغراض صناعة الدواء"، مؤكداً أنّ أولوية التوزيع تُعطى للعملاء القدامى فقط، تجنباً لبيع الكحول للتجار وغشّه.

وأشار عبد الرحيم إلى أنّه يتمّ تصنيع الكحول من "مولاس القصب" وهو أنقى أنواع الكحول ونسبته لا تقل عن 95%، مشيراً إلى أنّ "المواد المغشوشة المنتشرة في السوق سببها جشع التجار ورغبتهم في تحقيق مكاسب باهظة" لذلك أصدر تعليمات بعدم بيع الكحول إلّا لشركات الدواء أو الشركات التي تقدم سجلها الصناعي الذي يفيد أنّها تستخدمه لأغراض محددة.

وعلى الرغم من تأكيد عبد الرحيم، أنّ المصنع لا يُنتج سوى الكحول الإيثيلي، إلّا أنّنا علمنا أنّ مصنع كيماويات الحوامدية التابع لشكر السكر والصناعات التكاملية يُنتج مذيبات وأحباراً تُستخدم كمطهرات، بحسب دراسة للمهندس حسن كامل حسن، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أسيك الصادرة في 2012.

ويُعلق عبد الرحيم قائلاً إنّه "يمكن لأيّ عميل شراء الأحبار والمذيبات ثمّ بيعها للجمهور على أنّها كحول إيثانول نقي، هذه مسؤولية الجهات الرقابية ومباحث التموين، ونحن كمصنع لا دخل لنا في غشّه أو الرقابة عليه بمجرد خروجه من باب الشركة".

كما يقول اللواء راضي عبد المعطي، رئيس جهاز حماية المستهلك السابق، إنّ الجهاز قام بالتعاون مع التموين بـ "حملات للسيطرة على السوق، خاصة بعد وصول معلومات حول غش الكحول، وتمّ ضبط مصنع بمنطقة قليوب بمحافظة القليوبية ومصنع بمحافظة بني سويف"، كما "تمّ إغلاق مصنع آخر لإنتاج المنظفات والمطهرات بدون ترخيص، وضبط ما بداخله من عبوات الجل وكميات كبيرة من مواد خام من نفس المطهرات وعبوات فارغة مُعدّة للتعبئة".

ويُضيف، أنّه من خلال الحملات التي شنها الجهاز، تمّ ضبط مخزن بمدينة العاشر من رمضان به 3 أطنان من كحول الميثانول لبيعه على أنّه إثيلي، بحسب أقوال المتهمين في تحقيقات جهاز حماية المستهلك. ويناشد عبد المعطي المواطنين "بالإبلاغ عن أيّ كحول أو مواد مطهرة مغشوشة من خلال الخط الساخن 19588".

وأشار إلى أنّ "هناك تنسيقاً على مدار الساعة بين الجهاز ومفتشي التموين لضبط السوق وتحرير محاضر للمخالفين انطلاقاً من شكاوى المواطنين"، بالاعتماد على "شك المواطن في رائحة الكحول أو وجود عكارة بالقارورة".

وأصدر الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء القرار رقم (17) لسنة 2020 الذي حصلنا على نسخة منه ويقضي "بتغليظ عقوبة غش الكحول والمطهرات وهي الحبس لمدة عام، ودفع غرامة قدرها مليون جنيه عوضاً عن 10 آلاف جنيه كما كان معمولاً به حتى يوم 16 نيسان/ أبريل الماضي".

وشدد القرار على تحديد تسعيرة جبرية للكحول، وهى 55 جنيهاً للكحول النقي، و35 جنيهاً لتركيز 70%.

اتصلنا مرة أخرى برئيس شركة السكر بعد أسبوع من صدور قرار رئيس مجلس الوزراء لمعرفة مدى تطبيق القرار الذي كان من المفترض أن يبدأ بعد إعلانه بثلاثة أيام ونشره بالجريدة الرسمية، إلّا أنّه أكد أنّه "لم يتسلم أيّ قرار بشكل رسمي، وأنّه ملتزم بالتسعيرة القديمة حتى يتمّ تغيير قيمة الضرائب". وذلك حتى نشر التحقيق.

قاعدة بيانات تفاعلية توضح الإجراءات الاحترازية الرئيسية التي اتخذتها الحكومات العربية لمواجهة كوفيد-19، وأعداد الإصابات والوفيات بكورونا والمتعافين منها في الدول العربية. للاطّلاع اضغط/ي هنا.

corona-img corona-img corona-img corona-img