ARIJ Logo

"تونس" ضحية تجّار "أبقراط"

النشاط الخاص التكميلي.. وجهة قسرية على حساب آلام المرضى وجيوبهم

راقية السالمي

50
دينار تونسي للعلاج التكميلي عشرة أضعاف التعرفة الرسمية
650
دينار شهريا معدل دخل الفرد في تونس

تواطؤ مستتر بين أطباء وممرضين في المستشفيات العمومية

راقية السالمي (وات) – "ضعف قلبي وعمري ليس حمل بهدلة وذهاب وإياب" بهذه الكلمات ردّت الستينية "تونس" على الممرضة التي استبدلت موعد مراجعتها بعيد الأجل بآخر قريب مقابل 50 دينارا نظير علاجها في النشاط التكميلي الخاص في المستشفى العمومي.

ترحيل مراجعات المرضى من مسار العلاج الحكومي إلى النشاط التكميلي الموازي يتكرر مع آلاف المرضى الذين يضطرون لدفع بدل علاج يلامس تعرفة القطاع الخاص، في بلد لا يتجاوز معدل دخل الفرد فيه 650 دينارا شهريا (285 دولارا)، على وقع تواطؤ بين أطباء، ممرضين وأعوان (موظفي صحة) ، حسبما يوثق هذا التحقيق.



أذعنت المسنّة "تونس" مستبشرةً بعد أن خُيّرت بين الدفع وألم الانتظار في الزحام وتصدّع أذنيها من أصوات المرضى الغاضبين بقاعات الانتظار. وهكذا دفعت مبلغاً يوازي عشرة أضعاف تعرفة العلاج المنخفضة في المسار العادي (4.5 – 10 دنانير) كي لا تنتظر ثلاثة أشهر أخرى تتكبّد فوقها 150 ديناراً مقابل سيارة أجرة من إحدى قرى مدينة تالة الجبلية/ ولاية القصرين، (250 كلم) وسط غرب البلاد (53 تعرفة سفر + 35 دولار كشفية مضاعفة). تبعت السيدة "تونس" الممرض الذي دسّ بيدها ورقة كتب عليها حروفا لم تفهمها، ثم سلّمت الإيصال إلى ممرضة المراجعات الخاصّة لتدوين موعد قريب، بعد أن قبضت الممرضة منها 50 دينارا، ما يعادل مصروف أسبوع كامل لعائلة هذه القروية التي تعتاش من تربية الدواجن والماشية. ليتبين أنها الأحرف الأولى لاسم الممرض كوسيط يقدّمها لاحقا للحصول على عمولته، طبقا لاتفاق ضمني مسبق بين الطرفين؛ أطباء وممرضين.



يندرج عمل الأطباء خارج الدوام الرسمي ضمن أمر (قرار) رقم 1634/ عام 1995 سمحت وزارة الصحة بموجبه بعمل إضافي خارج الدوام الرسمي لأساتذة الطب الجامعيين والأساتذة المحاضرين المبرزين في المستشفيات العمومية بأقدمية خمس سنوات على الأقل. يتيح القرار لهذه الفئة ممارسة نشاط تكميلي (خاص) لمدة سنة قابلة للتجديد بطلب منهم وموافقة وزير الصحة، مقابل خصم 47 % من المداخيل المتحصلة؛ 30 % منها لفائدة المستشفى، حيث يعمل الطبيب المستفيد و17 % نظير استخدام التجهيزات الطبّية. كما يسمح بممارسة هذا النشاط لحصتين مسائيتين أسبوعياً مقابل بدل مالي لكل مريض يقدَّر معدله بـ 50 ديناراً طبقا للتعرفة المعتمدة في مجال الاختصاص، على أن توثّق في سجل إدارة المؤسسة الطبية وفق آخر تعديل للائحة عمادة الأطباء في يناير/ كانون الثاني 2019 . يبلغ متوسط زيارة الطبيب المختص في القطاع العام 35 ديناراً (12 دولارا) مقابل 70 دينارا (24 دولارا) للخاص .

لائحة أجور أطباء الاختصاص



وتتبعت معدّة التحقيق حالات خرق اقترفها عشرات الأطباء لقانون العلاج التكميلي مقابل تعرفة جائرة، في محاباة لمرضى ميسوري الحال دون أن يسجلوا أعداد المراجعين أو يقروا بدخلهم الإضافي الناجم عن هذا الترتيب. كما رصدت مخالفات بعدم تجديد رخص مزاولة المهنة لدى وزير الصحة، و إهمال أطباء لمهمتهم في الإشراف وتدريب طلاب الطب في المستشفيات الجامعية.

القرار الرسمي الذي يسمح بالعلاج التكميلي
3,2
مليون يستفيدون من المستشفيات الجامعية
285
ألف عائلة تستفيد من بطاقة العلاج المجاني

كيف عملنا؟

على مدى تسعة أشهر، رصدت معدة التحقيق خمسة مستشفيات جامعية في العاصمة تونس: الرابطة، شارل نيكول، البشير حمزة، مركز التوليد وطب الرضيع فضلا عن معهد الهادي الرايس لأمراض العيون. يستفيد من هذه المستشفيات نحو ثلاثة ملايين و200 ألف مواطن من متوسطي الدخل، فيما تستفيد 285 ألف عائلة معوزة من بطاقة العلاج المجاني، حسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية.


رافقت معدّة التحقيق 15 حالة مرضية - أصدقاء وأقارب راجعوا العيادات العمومية- واستندت إلى شهادات 20 مريضا عانوا في قاعات الانتظار. ووثقّت أيضا اضطرار مرضى لرشوة ممرضين مقابل تسريع علاجهم من العيادات العامّة الى أطباء منتفعين من النشاط التكميلي الخاص ضمن ما يشبه شبكة سمسرة داخلية في كل مركز.

2500
دينار المعدل اليومي لممارسة هذا النشاط

واستنادا إلى عينة من مائة مريض أُعدت خصيصا لهذا التحقيق، أقر 90 منهم بأن معدل المعاملات المالية ذات الصلة بهذا النشاط تصل إلى 2500 دينار (840 دولارا) لكل طبيب مقابل معالجة 50 مريضا خارج السجل الرسمي. إذ يتسلم الممرض/ة رسوم العلاج مباشرةً عوضا عن إيداعها بالخزنة، ودون أن يسجّل الدخل في دفتر خاص للمتابعة أو تقديم وصل للمريض عما دفعه. يشكّل ذلك مخالفة لمضمون الفصل 11 من قرار النشاط التكميلي، الذي ينص بوضوح على تسجيل وإيداع الأجور بالخزينة مقابل إيصال يُسلّم بدل استلامها.

بين النظري والفعلي: شبكات منفعة متبادلة

بحسب الأنظمة، يوجّه مرضى إلى أطباء الاختصاص بناءً على تحويل من زميل في الطب العام المباشر في المستوصف، المستشفى المحلي أو الجهوي. ثم يحدّد موعد مراجعة بعيد المدى قد يمتد حتى تسعة أشهر، ما يدفع بالمرضى لقبول عروض شبكات سمسرة تستدرجهم صوب مسارٍ موازٍ.

راقبت معدّة التحقيق تفاصيل ما يجري: في التاسعة صباحا وما إن تغلق نوافذ التسجيل؛ يشرع العون (موظف صحة) في توزيع ملفات المرضى على الأطباء المباشرين، لتعم جلبة احتجاجات على حرمان البعض من التسجيل وبالتالي حق المراجعة. في تلك الأثناء يتهامس وسطاء الشبكات - المؤلفة من أعوان وممرضين - بذريعة إيجاد حل لمن يذعن لمقترح تغيير المسار العلاجي من القطاع العام نحو النشاط التكميلي الخاص.

ذات التسلسل ترويه المريضة ليلى ( 43 سنة)، التي تفاجأت حين سألت إحدى الممرضات عن مختص بأمراض النساء، بأن تجاوبت معها بمهاتفة طبيب جاء مرتديا بزتّه البيضاء. "حجز لي موعدا فوريا لدى رئيس قسم النساء والتوليد بمركز التوليد وطب الولدان بتونس".

الجامعة العامة للصحة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل والنقابة الأساسية بمستشفى الرابطة في العاصمة تقرّان بانتشار شبكات تضم ممرضين، أطباء وأعوان في مختلف الأقسام. ويتفق الكاتب العام للجامعة العامّة للصحة عثمان الجلولي مع نظيره في النقابة الأساسية عبد الفتاح العياري حول قيام هؤلاء ب "اصطياد" مرضى وإسهامهم في تدمير قطاع الصحة العمومية وسط غياب الرقابة.

عبد الفتاح العياري

من جانبه، يشكو كاتب عام نقابة أطباء الاختصاص في الممارسة الحرّة فوزي الشرفي من أن هذا النشاط يؤثر سلبا على أطباء القطاع الخاص بسبب هذه "المنافسة غير الشريفة"، إلى جانب استغلال تجهيزات وكفاءة القطاع العام دون مقابل.

استغلال طلاب كلية الطب

الانشغال بالنشاط التكميلي يحرم طلاب طب من التعليم العملي في المستشفيات الجامعية قبل تخرجهم، إذ ينشغل الأساتذة عنهم بالحالات المرضية المدفوعة، فيما تفوض لهم مهمات علاجية لحالات تتطلب إشراف اختصاصي.

في المستشفيات الخمس التي ركز عليها التحقيق، اشتكى خمسة طلاب مقيمون انشغال أساتذتهم عن تدريبهم. يقول أحد الطلبة الذي رفض الإفصاح عن هويته: "نعالج يوميا 30 حالة في حين نفتقد للتدريب والإحاطة والاستشارة بسبب انشغال الأساتذة الاستشفائيين بممارسة النشاط التكميلي". ويتابع قائلا:" عوض مشاركتنا الأساتذة المشرفين في تشخيص الأمراض ووصف العلاج، توكل لنا المهمة العلاجية برمتها؛ ما يحرمنا من إشرافهم وتوجيههم حتى في بعض الاختصاصات الجراحية الدقيقة التي تستوجب الاستشارة من الأساتذة".

الجلولي وعبد الفتاح دعما شهادات الطلاب و أفادا بأن أطباء ممارسين لهذا النشاط تخلّوا عن واجباتهم الأصلية في علاج مرضى المنظومة العمومية، الإشراف على البحوث والدراسات الطبية وتدريب الأطباء المقيمين. يتسبّب ذلك في تراكم الملفات، تباعد المواعيد والإضرار بمستوى التكوين (التدريب) الطبي وشبه الطبي، وكذلك بجودة خدمات المنظومة الصحية وقدرتها على تلبية متطلبات روادها.

مخالفات بعيداً عن الرقابة

في الوقت الذي ينتظر مريض المسار العمومي مع ألمه لعدّة أشهر حتى توفّر سرير يستقبله، توسط طبيب لإدخال مريض سرطان يعالج من خلال النشاط التكميلي إلى غرفة "مميزة" داخل المستشفى الجامعي "شارل نيكول"، بحسب المريض الذي تحفّظ على ذكر اسمه خشية أن يتأثر مسار علاجه.

قابلت معدة التحقيق المراجعات سلمى وفاطمة وخديجة (أسماء حقيقية) أثناء انتظارهن داخل عيادة أمراض النساء والتوليد بمستشفى "وسيلة بورقيبة". جميع السيدات أكدن أنهن يراجعن صباحا طوال أيام الأسبوع بمكتب الطبيب الخاص، ويتم تشجيعهن لوضع مواليدهن أو إجراء العمليات القيصرية بالمصحّات الخاصة. وبذلك يكون الطبيب قد خالف مقتضيات الفصلين 8 و9 من الأمر (القرار) رقم 1634 الذي يجبر الطبيب الأستاذ على ممارسة النشاط التكميلي في الحصص المسائية فقط؛ بما لا يتجاوز حصتين أسبوعيا.

الفصل الثامن من نص القرار الرسمي

اتّجار بالمرضى

أثبتت نتائج دراسة بعنوان: "مدركات الفساد في قطاع الصحة في تونس" قامت بها المدارس الكبرى في الاتصال بالتعاون مع مبادرة "الشراكة الشرق أوسطية" التابعة لسفارة الولايات المتحدة بتونس، أن الأساتذة المبرزين انهمكوا في النشاط التكميلي الخاص على حساب العلاج في القطاع العام الذي أمسى أحد آليات تحويل وجهة المرضى من القطاع العام إلى القطاع الخاص.

الدراسة التي نشرت باللغة الفرنسية يوم 30 أبريل/ نيسان 2019 أكدت وجود "شبكة منظمة للإتجار بالمرضى" يحدد في إطارها موظفو القطاع الصحي المرضى الأيسر حالا وتحويل وجهاتهم للنشاط التكميلي نحو أطباء يتعاملون معهم مع وعود بعلاج أفضل لدى مختصين ذاع صيتهم وبأفضل النتائج. وفي بعض الحالات، يسعون لإقناعهم بترك العلاج في المستشفى العام والاتجاه للخاص.

كما أثبتت الدراسة حسب شهادة مهنيين وشركاء في القطاع الصحي أن بعض المرضى يقضون أسابيع داخل المستشفيات بانتظار إجراء عمليات جراحية يتم تأجيلها قصدا لدفعهم لإجرائها داخل المصحة الخاصة.

بالتزامن حصلت معدة التحقيق حصريا على تقرير غير منشور وضع عام 2018 للتفقدية الطبية بوزارة الصحة؛ وهي أعلى هيكل رقابي على النشاط الطبي، يفيد التقرير بأن 60 % من الأطباء المرخص لهم بممارسة النشاط التكميلي لم يجدّدوا رخصهم السنوية، ما يعني أنهم يمارسون هذا النشاط بشكل غير قانوني في ظل ضعف الرقابة وعجز بعض هياكل الدولة على إنفاذ القانون ومعاقبة المخالفين.

60%
من العينة يمارسون هذا النشاط خارج الأيام المرخص بها
63%
لم يجددوا الرخصة السنوية
55%
من المرضى يراجعون دون المرور بالعيادات داخل المستشفى

مخالفة قسم أبقراط

يفيد تقرير عملية المراقبة التي أنجزتها التفقدية الطبية بأن 48 % من الأساتذة المبرزين في الطب يمارسون النشاط التكميلي بوضعيات غير نظامية، ويسيئون تطبيق الأمر 1634، في خرق ل "قسم أبقراط" وقواعده الأخلاقية.

التقرير الذي اعتمد على عينة عشوائية من 95 طبيبا محاضرا في 10 مستشفيات حكومية و 15 مصحة خاصة، أثبت أن 60% من العينة يمارسون هذا النشاط خارج الأيام المرخص بها و63% لم يجددوا الرخصة السنوية، كما بيّن أن 55 % من المرضى يراجعون دون المرور بالعيادات داخل المستشفى مع استحالة متابعة مداخيل الأطباء الحقيقية لعدم اعتماد سجل موحد، وبذلك يخالفون الفصل رقم 12 من الأمر عدد 1634 الذي يجبر الطبيب على إبرام اتفاقية مع المؤسسة الطبية المنتسب إليها من أجل استغلال تجهيزاتها للقيام بالبحوث المرتبطة بتلك العيادات، إذ لم تبرم ثمان مستشفيات - خمسة في تونس، واحد في سوسة واثنان في صفاقس - أي اتفاقية بحسب ما أفادت به التفقدية.

عدد الأطباء

تونس الكبرى
سوسة
صقاقس
المستنير

النقابي عبد الفتاح العياري يوضح أن الأوضاع غير النظامية تتسبب بخسارة المستشفى العام للعائد المالي والذي لم تقم وزارة الصحة بتقدير قيمته بعد.

يعلل ستة أطباء من ممارسي النشاط التكميلي - رفضوا الإفصاح عن هوياتهم- مخالفاتهم بالبيروقراطية في المستشفيات، الإجراءات الإدارية المعقدة إلى جانب عدم وجود مكتب لتسجيل العيادات الخاصة وسجل مواز وكذلك جهاز رقابي لضبط عدد العيادات وتوقيت عملها.

يُجمع الأطباء أيضاً على أنهم لا يحصلون على مستحقاتهم المالية من الزيارات التكميلية لفترات تتجاوز الستة أشهر، في الوقت الذي تنفي المؤسسات الاستشفائية تعطل صرف مستحقاتهم في الآجال المنصوص عليها.

وتفيد إحصائيات وزارة الصحة بأنها منحت 343 طبيباً برتبة أستاذ مبرز حق ممارسة هذا النشاط عام 2018، أي 30 % من 1183 طبيبا جامعيا وطبيبا يعملون بـ 34 مؤسسة استشفائية جامعية في 11 ولاية تونسية.

مدير عام التفقدية الطبية السابق بوزارة الصحة طه زين العابدين الذي أشرف على عملية التفقد يقول إن بعض الأطباء قاموا بتسوية أوضاعهم مع انطلاق حملة التفقد؛ إذ لم يكونوا قد أبرموا اتفاقيات باستغلال التجهيزات، ويرى زين العابدين أن عمليات التقييم السنوية لم تكن كافية للحد من التجاوزات، وأن الوضع يحتاج لمراقبة دورية مكثفة مع إنفاذ القانون.

على إثر هذا التفقد، أقرت التفقدية حزمة عقوبات ذات طابع إداري بحق المخالفين والمؤسسات الاستشفائية الخاصة وبعض مديري المستشفيات العمومية، حسبما يؤكد. على أن معدة التحقيق لم تستطع الحصول عليها رغم تقدمها بحق الحصول على المعلومة، وجاء الرد إنشائياً وفضفاضاً.

من جهتها، توضح المديرة العامة للصحة السابقة نبيهة البورصالي فلفول أن العقوبات تتراوح بين سحب الترخيص والتجريد من الصفة الوظيفية والإيقاف المؤقت عن العمل، إلا أنها رفضت تقديم أي إحصائيات دقيقة بشأن إجمالي التجاوزات والإجراءات العقابية. ولم يرصد التحقيق إلا حالة واحدة في عام 2016 تمثلت بتجريد رئيس قسم من صفته لمدة محددة ثم عاد لمباشرة عمله.

نبيهة البورصالي

وفي الرد الوحيد الذي ظفرت به معدة التحقيق من المديرة العامة لمركز التوليد وطب الرضيع حياة ثابت - المُقالة من منصبها بعد فاجعة وفاة الرضع*- أنكرت جميع المخالفات التي وثقها التحقيق و شهادات العيان ونتائج دراسات عمليات المراقبة للقطاع الصحي، وأصرت على أن 6 أساتذة محاضرين ورؤساء أقسام من بين 50 طبيباً داخل المركز يمارسون النشاط التكميلي ويستقبلون في إطاره المريضات وفقا للأمر المنظم له، وأن معدل الفحوصات لا يتجاوز 20 حالة، خلافا لما أثبتناه سابقا (من 50 إلى 60 مريضا).

حياة ثابت


معوقات

أمام هذه التجاوزات التي يذهب ضحيتها آلاف المرضى، تتوالى دعوات وزراء صحة منذ 2011 لوضع حد لهذا النشاط برمته ومراجعته، ومن هؤلاء عبد اللطيف المكي وسعيد العايدي.

تقدمت الكاتبة العامة لنقابة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة الاستشفائيين الجامعيين حبيبة الميزوني وكاتب عام نقابة أطباء الاختصاص والممارسة الخاصة فوزي الشرفي بمقترحات تمثلت بمراجعة نظام أجور أطباء الصحة العامين المقدرة ب3 آلاف دينار لتصل إلى( 15حتى 20 ألف دينار)؛ ليتلاءم مع مكانتهم العلمية ويشجعهم على الاستقرار في القطاع العام دون اللجوء للنشاط التكميلي أو حتى الهجرة. وأيد هذه الاقتراحات وزراء الصحة السابقين عبد اللطيف المكي وسعيد العايدي وعماد الحمامي الذين رفضوا فكرة إلغاء النشاط الخاص التكميلي كونه سيؤثر سلبا على خدمات القطاع العام.

سعيد العايدي

مُتّنت مطالبات تصويب الأوضاع بدعوة رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء منير يوسف مقني إلى مراجعةً القرار 1634 بما يتلاءم ومتطلبات القطاعين العام والخاص ويراعي مصالح المريض والطبيب الممارس في القطاع العام أو بصفة حرة. تبنى هذه المطالبة وزير الصحة المستقيل عبد الرؤوف الشريف الذي تعهد بتطبيق القانون على جميع المخالفين، بيد أنه لم يستلم تقرير التفقدية الذي يرصد مخالفات النشاط التكميلي حتى تاريخ استقالته في آذار/ مارس 2019 على إثر "فاجعة وفاة الرضّع"*، بعد ثلاثة أشهر على تعيينه.

* وفاة 15 رضيعا بمركز التوليد وطب الرضيع في مستشفى الرابطة الحكومي يومي 8،7 مارس / آذار 2019، ما دفع وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف إلى الاستقالة. كما أقيل ثلاثة مديرين عامين للصحة على صلة بتلك الفاجعة.



ولم تتمكن معدة التحقيق من محاورة خليفته بالإنابة سنية بالشيخ بسبب تأجيل مواعيد المقابلة المبرمجة لأربع مرات بدعوى انشغالها بين وزارتي الصحة وشؤون الشباب والرياضة، حسب المكلف بالإعلام بديوان الوزيرة شكري النفطي.

لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في مجلس الشعب ليست معنية بهذه الأنشطة المخالفة لأن تنظيمها أتى بـ "أمر" وليس بـ "قانون" وبذلك فإن التدقيق فيه تظل من مسؤوليات الحكومة، حسب ما أكده رئيس اللجنة النائب الدكتور سهيل العلويني.

في الأثناء تتواصل معاناة آلاف المرضى الذين يقعون ضحية شبكات سمسرة ومستفيدين من غفلة وزارة الصحة وضعف الأجهزة الراقبية الحكومية.