الجبل الأســــــــود

أول الخيط

في جنوب القارة الأوروبية، اشتهرت جمهورية الجبل الأسود بكونها مركزًا لعمليات تهريب السجائر، وفقًا لتقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي الصادر عام ٢٠١٧، حتى إن النيابة الإيطالية وجَّهت للرجل الأقوى في مونتنجرو "ميلو ديوكانوفيتش" -الذي يحكم البلاد منذ عام 1991، متنقلًا بين منصبي الرئيس ورئيس الوزراء- اتهامات بالضلوع في عمليات تهريب سجائر، في الفترة بين 1994 و2002، لكن تعذَّرت محاسبته أمام القضاء الإيطالي، لحصانته كرئيس دولة.

بدأت رحلتنا من مصنع التبغ "دي.كيه.بي" في مدينة بودغوريتسا -عاصمة جمهورية الجبل الأسود- إذ حصلنا على علبة سجائر كليوباترا تحمل جميع التفاصيل، مثل التي تُنتَج في مصر، بما فيها عبارة صُنع في مصر، وكذلك رقم الخط الساخن للإقلاع عن التدخين، بالإضافة إلى لاصق كُتب عليه "خالصة الضرائب" الذي فرضته وزارة المالية المصرية عام 2012 لمنع التهرب من ضريبة المبيعات.

في مقابلة مع بعض عمّال المصنع، أكَّدوا أنهم يعملون في ورديات متتابعة، ينتجون خلالها أنواع سجائر تطلبها شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، بعد أن ذكرت لهم أن لديها رخصة قانونية لتصنيعها.

أكَّدت كشوف إنتاج المصنع خلال الفترة بين 2011 و 2013، أن المصنع بالفعل يقوم بعمليات إنتاج لصالح شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" لعلامات سجائر "مارس 20" التونسية، وسجائر "ريم" الجزائرية، وسجائر "رياضي" الليبية، لكن النصيب الأكبر من عمليات الإنتاج كان لصالح علب السجائر المصرية "كليوباترا" بنسختيها من العلب الكرتونية والورقية.

ومن خلال ٣ عقود استمرت عملية الإنتاج من عام 2010 حتى نهاية عام 2015.

19.11.2010

وُقِّع في 19 من نوفمبر 2010 ويسري لمدة عام، بين شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويمثّلها شخص يدعى "سيد علي"، ومصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويمثله مدير الجهة المسؤولة عن الإفلاس، ويدعى "فاسلين رايزفيتش"، إذ كان المصنع يعاني الإفلاس في ذلك الوقت. ينصّ العقد على إنتاج 3 ماركات من السجائر في المصنع لصالح شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، لكن لم تكن سجائر كليوباترا ضمن الأنواع المذكورة في العقد.

23.11.2012

وُقِّع في 23 من نوفمبر 2012، بتوقيع ممثل شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويدعى "رامي زياد"، وممثل مصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويدعى "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش"، وظهر أن المتعاقدين قد حذفوا –تحديدًا- أنواع السجائر التي يريدون إنتاجها، واستبدلوا بها عبارة "أي نوع سجائر تطلبه الشركة مع، ضرورة أن تقدم ترخيصًا بالإنتاج".

30.10.2013

وُقِّع في 30 من أكتوبر 2013 ويسري حتى نهاية ديسمبر 2015، بتوقيع ممثل شركة "ليبرتي.إف.زد.إي" ويدعى "سيد علي"، وممثل مصنع التبغ "دي.كيه.بي" ويدعى "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش"، وينصُّ بوضوح على زيادة حجم الإنتاج الشهري ليصل إلى 75 طُن سجائر من العلب الكرتون “Hard” و75 طن سجائر من العلب الورقية “Soft”، من أنواع السجائر التي تطلبها الشركة، مع ضرورة أن يكون لديها ترخيص بإنتاجها.

في ظل اهتمام جمارك الدول الأوروبية بمكافحة عمليات تهريب السجائر على مستوى العالم، وخاصة الجمارك البريطانية والفرنسية ومكتب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الغش التجاري (أولاف)، أرسلت الجمارك البريطانية للجمارك المصرية في مايو 2015، خطابًا يوضِّح حجم الإنتاج الشهري لسجائر كليوباترا داخل مصنع التبغ "دي.كيه.بي"، ما مكننا من حساب حجم الخسائر التي تعرَّضت لها القاهرة جرَّاء هذه العمليات.

إنتاج مصنع
“دي كيه بي”

100 مليون سيجارة

شهريًا

5 ملايين دولار

أرباح شهرية تقريبًا

2015-2012

أنتج أكثر من 240 مليون علبة سجائر تقريبًا

240 مليون دولار

قيمة ما أنتج وهُرب من سجائر كليوباترا خلال 4 سنوات تقريبًا

في مقابلته معنا، قال "سالوفولاجوب فوكاسنوفيتش" المدير التنفيذي السابق لمصنع التبغ "دي كيه بي"، أن المصنع لم يقم بأي عمل خاطئ، حيث أن شركة ليبرتي أظهرت لنا وثائق توضح تسجيلها لتلك العلامات في دولة أخرى، وبناء عليه تم إنتاج تلك السجائر داخل المصنع.

وطبقا لوثائق حصلنا عليها من موقع مكتب الملكية الفكرية في الجبل الأسود، قامت شركة ليبرتي في إبريل 2015، بتقديم طلب لتسجيل العلامات التجارية "كوين كليوباترا – كليوباترا جولدن كينج – كليوباترا كينج سايز" وبالفعل تم التسجيل في فبراير 2016، لتصبح مالكة لتلك العلامات بشكل قانوني في الجبل الأسود، لتقدم بعدها الشركة الشرقية "إيسترن كومباني"، طلب تسجيل علامة كليوباترا في أغسطس 2016، لكن الطلب رفض.

من جانبها أكَّدت الشركة الشرقية إيسترن كومباني -في ردها المكتوب على استفساراتنا مدعم بالوثائق- أنها لم تمنح ترخيصًا لشركة "ليبرتي إف زد إي" أو مصنع "دي كيه بي" لتصنيع سجائر كليوباترا، موضَّحة أنها طلبت من وزارة الخارجية المصرية التدخلَ، ومخاطبة الخارجية في جمهورية الجبل الأسود، لوقف عمليات الإنتاج غير الشرعية هناك، لكنها تجاهلت الرد على أسئلتنا حول تأخرها في تسجيل علامة كليوباترا هناك.

في يناير 2016 أفاد خطاب صادر من وزارة الخارجية المصرية إلى الشركة الشرقية للدخان، أن لقاء جمع أحد مسؤولي الخارجية مع سفير جمهورية الجبل الأسود غير المقيم لدى مصر، وأن الأخير أكد تلقّيهم مراسلات القاهرة لوقف عمليات الإنتاج منذ 2012، ومع ذلك فإنه يصعب على المسؤولين في بلاده إعطاء تفسيرات رسمية للجانب المصري، بسبب بعض التعقيدات والحسابات المتمثلة في احتمالية ملكية بعض مسؤولي الجبل الأسود أسهما في شركة إنتاج السجائر.

لكن احتمالية ملكية بعض مسؤولي الجبل الأسود أسهما في الشركة، أكَّدها خطاب آخر في نوفمبر 2018، صادر من الخارجية المصرية للجمارك المصرية، تضمَّن تأكيد مسؤولة ملف مصر بوزارة الخارجية بالجبل الأسود دراستهم الطلب المصري حاليا والتنسيق لحلّ الأزمة، مع التنويه بتعقيدات القضية وحساسيتها، بسبب ملكية بعض مسؤولي حكومة الجبل الأسود أسهما في تلك الشركة، ومطالبتهم مصر بعدم اتخاذ أي تدابير أو إجراءات بهذا الشأن.

رفض المسؤولون في جمهورية الجبل الأسود الكشف عمن يقف وراء شركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، لكننا حصلنا بعدها على مستندات من داخل برلمانهم، لمناقشات جرت في عام 2015 بخصوص الشراكة بين مصنع التبغ "دي.كيه.بي" وشركة "ليبرتي.إف.زد.إي"، ظهر فيها بوضوح وصف الشركة الأخيرة بعبارة "الشريك اليوناني".

فريق العمل
  • تحقيق

  • أحمد الشامي
  • بالتعاون مع

  • شبكة البلقان للتحقيقات الاستقصائية
  • شارك في التحقيق من الجبل الأسود

  • ماركو كوسيفيتش
  • إشراف تحريري

  • مصطفى المرصفاوي
  • إشراف عام

  • رنا الصباغ