..حبر على ورق

ملايين الأحكام القضائية دون تنفيذ في مصر
ملايين الأحكام القضائية دون تنفيذ في مصر
تحقيق : منير العربي
الثلاثاء 15/1/2019
"ظلم بيّن" هكذا يصف عبدالكريم مصطفى، المقيم بمدينة الغردقة، شعوره بعد مضي سبع سنوات دون أن تنجح مباحث تنفيذ الأحكام في الوصول لخصمه الذي أدين بحكم حبس نهائي مدته ثلاث سنوات بعد إصداره شيكا بدون رصيد. يتحسر عبدالكريم على حقه الضائع، وعلى حكم الحبس الذي سقط بعدما ظل حبيس الأدراج دون تنفيذ، ويقول "خدت حكم من القضاء ولا له قيمة بقرش".
تصدر محاكم الجنح والجنايات في مصر، مئات الآلاف من أحكام الحبس سنويًا، وتخطر أقسام الشرطة بالأحكام لتنفيذها. لكن تمر أشهر وسنوات، ويبقى أكثر من نصف الأحكام بلا تنفيذ، بحسب تقرير للأمن العام وإحصاءات للمركز القومي للبحوث الجنائية، مما يؤدي إلى ضياع حقوق ثبتت بأحكام القضاء بحسب محامين وأشخاص صدرت لصالحهم أحكام.
يتطوع بعض المجني عليهم لإرشاد الشرطة إلى أماكن خصومهم المحكوم عليهم لكن دون جدوى. وجه بعض من صدرت لصالحهم الأحكام إنذارات رسمية عبر قلم المحضرين لأقسام شرطة لدفعها للتحرك دون فائدة. تمر السنوات، وتضيع الحقوق، وتصبح الأحكام حبرا على ورق.
يروي عبد الكريم مصطفى، أن خصمه حسن (المحكوم عليه) كتب له شيكا بقيمة 150 ألف جنيه ضمن عملية بيع سيارة. "جاء موعد صرف الشيك، ملقيتش رصيد، فقدمت الشيك للقضاء عشان آخذ حقي بالقانون".
اعتقد مصطفى أن عقوبة السجن ثلاث سنوات التي قررتها محكمة جنح مستأنف الزاوية (شمال القاهرة) بجلسة ديسمبر 2010 في القضية المقيدة برقم 4161 / 2010 ستنفذ بلا محالة، وأن لكل جريمة عقاب، ومصير مرتكبها السجن.
لكن السنوات مرت دون تنفيذ. ويقول "خدت حكم من القضاء ولا له قيمة بقرش، الراجل ساكن في بيت معروف يخص عائلته، الداخلية نايمة سبع سنين مفيش إفادة عن المحكوم عليه." وتساءل "الداخلية بجبروتها مش قادرة تجيب واحد عليه حكم حبس 3 سنين؟ ذنبي إيه تهمل الداخلية القبض عليه؟"
إسقاط العقوبة بموجب القانون
وعن مصير الحكم الصادر لصالح عبد الكريم ، قال موظف مكتب جدول جنح الزاوية الحمراء، بمحكمة شمال القاهرة، إن وكيل المحكوم عليه تقدم بطلب لإسقاط العقوبة، بعد مرور 5 سنوات دون ضبطه، وعليه قررت النيابة العامة في 4 أبريل 2016 سقوط العقوبة عن المحكوم عليه بمضي المدة".
ويقضي قانون الإجراءات الجنائية بسقوط العقوبة الصادرة بحكم جزئي في الجنح بعد مضي ثلاث سنوات على الحكم دون تنفيذ، وتسقط العقوبة الصادرة بحكم نهائي بعد خمس سنوات على الحكم دون تنفيذ.
قانون الاجراءات الجنائية
المادة 15 :
تنقضي الدعوى الجنائية فى مواد الجنايات لمضى عشر سنين من يوم وقوع الجريمة وفى مواد الجنح بمضي ثلاث سنين وفى مواد المخالفات بمضي سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
المادة 528:
من صدر بحقه حكم نهائي أو باتّْ، (في الجنح) ولم تضبطه سلطات التنفيذ (الداخلية) خلال 5 سنوات من تاريخ الحكم، تسقط عنه العقوبة.
قبل سقوط العقوبة توجه محمد رجب محامي المجني عليه إلى وحدة مباحث تنفيذ الأحكام، بقسم شرطة الزاوية الحمراء، عدة مرات، للسؤال عن سبب تأخر ضبط المحكوم عليه لتنفيذ العقوبة، وكان الرد دائما أن "المحكوم عليه غير موجود بالعنوان المذكور".
تصريح صحفي للواء سعد زغلول
صرح اللواء سعد زغلول، مدير الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام، لـصحيفة المصري اليوم في سبتمبر عام 2011 بأن "جميع المحاكم الجزئية، والمستأنفة، والجنايات، تخطر مديريات الأمن بالأحكام عن طريق النيابات المختصة مرفق بها صورة من الأحكام لتنفيذها. (لينك الحوار)
يقول المحامي "تطوعت بصورة ودية بالذهاب برفقة أحد أفراد مباحث القسم ويدعى (فيصل) عشان أرشده عن عنوان سكن المحكوم عليه، وبعد رؤيته لمنزل المحكوم عليه قال (بكره بالليل تكون معايا قوة وهنجيبه) مرت شهور وعدة سنوات ولم يقبض عليه". وأضاف "قبل موعد سقوط العقوبة في نهاية 2015 بشهر كنت بروح القسم كل يوم، أذكرهم بقرب موعد سقوط العقوبة على المحكوم عليه".
وأضاف "تنوعت مبررات أفراد مكتب وحدة تنفيذ الأحكام بين: ضابط المباحث مجاش، أو أنه في مأمورية، أو مفيش قوة كافية، أو مفيش عربية ننزل بيها، أو المنطقة دي شعبية ومينفعش ننزل.. بكره عدي علينا."
تقول د. سلوى جميل المحاضر في كلية الحقوق بجامعة حلوان إن أوراق القضية تتضمن عنوان محل إقامة المحكوم عليه "وإذا ادعت الداخلية ممثلة في قسم الزاوية عدم وجوده في العنوان المذكور، يتعين عليها التحري عن أماكن تواجده."
كيف يعمل مكتب تنفيذ الأحكام؟
تضمن القرار الصادر سنة 1949 إنشاء مكاتب التنفيذ بالأقسام والنماذج المستعملة في تنفيذ الأحكام والأجهزة الكتابية المعاونة، وكذلك وسائل المتابعة والمراقبة لأعمال التنفيذ.
مكتب تنفيذ الأحكام موجود بكل قسم ومركز شرطة . المهام: ضبط الهاربين من الأحكام.
من يصدر الأوامر: مأمور القسم، رئيس مباحث القسم، رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية الأمن. الرقابة على أعمال التنفيذ:-
- أولا:- تحرير كشف شهري بمعرفة مكتب التنفيذ بالقسم أو المركز وعرضه على نائب المأمور، ويتضمن:-

1- الأحكام الباقية من الشهر الماضي
2- الأحكام الواردة في بحر الشهر
3- ما نفذ في بحر الشهر
4- الأحكام المتبقية بحلول نهاية الشهر وعلى نائب المأمور أن يبحث أسباب التأخير وما إذا كان يوجد إهمال من عدمه ويرسل هذا الكشف مع النتيجة للنيابة أو المديرية.
- ثانيا:- تحرير كشف تفصيلي من ثلاث نسخ بمعرفة مكتب تنفيذ الأحكام لتسجل أسماء المحكوم عليهم المضبوطين خلال الشهر وأرقام القضايا ورقم الافادة التى أرسلت مع المحكوم عليه للنيابة وتقوم النيابة بمراجعة هذه الكشوف وتحتفظ بصورة منها.
ثالثا:- تقوم مكاتب التنفيذ بالمديرية بإعداد كشوف للمتهمين والمحكوم عليهم الهاربين.
نسب تنفيذ أحكام الحبس المستأنف في المحافظات المصرية
يمكنك استعراض بيانات تنفيذ الاجكام من خلال الضغط على أسماء المحافظات
100% 0%
خريطة توضح توزيع نسب القضايا التي لم تنفذ خلال خمس سنين
لم يكن سقوط حكم عبد الكريم الحالة الوحيدة، بل يكشف التقرير السنوي لوزارة الداخلية لعام 2013 سقوط 20 ألفا و921 حكما قضائيا بالحبس، وذلك بمضي المدة. لم يحدد التقرير نوع الأحكام (جنح، جنايات) أو تاريخ صدورها ولا أسباب عدم ضبط المحكوم عليهم مع مرور السنين ما نتج عنه سقوط الأحكام. وفيما عدا تقرير عام 2013، لم تتضمن التقارير السنوية الأخرى للوزارة حصراً مماثلا لمجموع الأحكام الساقطة.
يقول المحامي محمد زارع، رئيس منظمة الإصلاح الجنائي، نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، إن "الرقم ضخم جدًا وكارثي، ويعني إهدار نحو 21 ألف حكم قضائي، وبالتالي سقوط العقوبة عن أشخاص أدانهم القضاء ... يشكلون خطورة على أمن المجتمع".
ويضيف أن "الأحكام تسقط بمضي المدة، كل يوم، والداخلية لا تعلن أسباب سقوطها، ولا تخضع للمساءلة. لم نسمع مطلقًا عن مساءلة ضابط بقسم شرطة، عن مسؤوليته في عدم تنفيذ حكم".
ويرى أستاذ القانون بجامعة القاهرة رأفت فودة، أن الدولة يجب أن تتحمل تعويض الضحايا، عن الأحكام الصادرة لصالحهم التي سقطت بمضي المدة، لأنه نتاج إهمال وزارة الداخلية في تنفيذها.
وحسب مجلد العدالة (المرحلة الثالثة من 2010 الى 2015) الصادر عن المركز القومي للبحوث الجنائية، أظهرت الإحصاءات 25 مليونا و834197 حكم حبس لم تنفذ خلال الفترة من 2011 الى 2015 عبارة عن 21 مليونا و663801 حبس جزئي، و3 ملايين و843653 حبس مستأنف،و 326743 في الجنايات.
وبلغت الأحكام المنفذة 14 مليون و190747 حكم حبس خلال الفترة من 2011 إلى 2015 وتشمل 11 مليون و578525 حبس جزئي، 2 مليون و402225 حبس مستأنف ، و 209997 في الجنايات.
جدول الأحكام المنفذة وغير المنفذة
استعرض البيانات حسب نوع الأحكام
  • 21,6
      مليون حكم
  • لــم يـتم تنفيــذه في 5 سنــوات
  • 65%
  • نسبة الأحكام غير المنفذة خلال 5 سنوات
يقول د. فودة إن نسبة الأحكام المنفذة وفقا لما ورد في التقرير "تتراوح بين 35% و39% من إجمالي الأحكام الصادرة وهذا يدل على أن العدالة غير ناجزة، والحقوق لا تصل إلى مستحقيها.. من الطبيعي، في دولة القانون، أن يكون معدل التنفيذ 100%.
وثق هذا التحقيق على مدى عام عدم ضبط أقسام شرطية في القاهرة والجيزة ثلاثة محكوم عليهم في قضايا مختلفة ثبت وجودهم على قوائم المطلوبين على ذمة تنفيذ أحكام، رغم تقديم معلومات عن مقر عملهم وسكنهم وتذكير بضرورة تقديمهم للنيابة العامة.
المحكوم عليه موظف قطاع عام
في 10 إبريل 2017، تواجد (عادل.ع.ا)، في مقر عمله كأمين مخزن في هيئة الرقابة الصناعية في حي مدينة نصر بالقاهرة رغم الحكم بحبسه ستة أشهر في القضية رقم 10415/2016 جنح المرج في جلسة مايو 2016 عن تهمة تبديد مبلغ مالي تسلمه من المجني عليه عادل عبد الوهاب زميله في الهيئة بموجب إيصال أمانة .
و عن سبب عدم ضبط المحكوم عليه رغم مرور نحو عام على الحكم، قال موظف مكتب تنفيذ الأحكام في قسم شرطة المرج إن الحكم وتفاصيله مدونة في دفتر حصر أحكام الجنح لكنه لم يجب عن سبب عدم التنفيذ. ورحب بأن يرشدهم الصادر لصالحه الحكم إلى مكان المحكوم عليه .
و لدى تقديم عنوان محل عمل الشخص المطلوب في مدينة نصر، كان رد الموظف "مدينة نصر مش تبعنا، وحرر خطاب ضبط وإحضار للمحكوم عليه مدوناً به رقم القضية وتفاصيلها موجها إلى مأمور قسم شرطة مدينة نصر ثان نص على أنه "برجاء التكليف بضبط المحكوم عليه وإرساله إلينا بصحبة الحرس لعرضه على النيابة".
تنص المادة 100 من الدستور على أن "تصدر الأحكام باسم الشعب، وتكفل الدولة وسائل تنفيذها، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها، من جانب الموظفين المختصين، جريمة يعاقب عليها القانون.
يقول زارع رئيس منظمة الإصلاح الجنائي "لم يحدد القانون أي مبرر يتيح لقسم الشرطة أو أي جهة حكومية عدم تنفيذ حكم قضائي، وهناك وحدة تنفيذ أحكام بكل قسم منوط بها تنفيذ الأحكام، فضلا عن دور قطاع التفتيش والرقابة في مراقبة آليات تنفيذ الأحكام بالأقسام والتأكد من جدية مبررات عدم تنفيذها.
وأضاف أنه يحق للمجني عليه تحريك دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية لتقاعسها عن تنفيذ الحكم أيضا وتعويضه عما لحق به من أضرار.
ولدى سؤال عشرة محامين حصلوا على أحكام لم يمكنهم تنفيذها إن كانوا لجأوا إلى رفع دعوى ضد وزارة الداخلية ، نفوا جميعا اتخاذ هذه الخطوة. وأرجع خمسة منهم السبب إلى عدم إمكانية الحصول على دليل يثبت امتناع الشرطة عن تنفيذ الحكم.
المادة 123 قانون العقوبات
يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة.
ويعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمدًا عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضى ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا فى اختصاص الموظف.
تسلم قسم ثان مدينة نصر أمر الضبط في أول يونيو 2017 وعنوان محل عمل المحكوم عليه ومواعيد حضوره وانصرافه، وقيد موظف مكتب تنفيذ الأحكام الأمر برقم 35 (سايرة) وقال إنه سيتم عرض الأمر على رئيس مباحث القسم والتواصل هاتفيا.
يقول المجنى عليه عادل عبد الوهاب عن زميله في العمل الصادر بحقه الحكم "لك أن تتخيل الضرر المعنوي والنفسي عليا، المحكوم عليه بشوفه كل يوم في الشغل داخل خارج، فلوسي راحت، حكم المحكمة حبر على ورق".
بعد نحو ستة أشهر، لدى سؤال قسم مدينة نصر ثان في 25 ديسمبر 2017 عن سبب عدم تنفيذ أمر الضبط والإحضار منذ يونيو 2017 ، قال أمين الشرطة المسؤول إنه لا يمكنه الدخول إلى المصلحة الحكومية للقبض على المحكوم عليه.
يشدد اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، على ضرورة مناقشة ضابط المباحث، لصاحب البلاغ، بشأن المعلومات التي يقدمها، وكذلك عمل التحريات اللازمة حولها، والتأكد من بيانات القضية، والعنوان المسجل على الحاسب الآلي، وأخيرا ضبط المحكوم عليه، خلال أسبوع على الأكثر، من تاريخ الإبلاغ.
تقول الدكتور سلوى جميل، إن أغلب المحكوم عليهم غيابيا، ولاسيما في الجنح، لا يشغلون بالهم بالطعن على الأحكام، لعلمهم بتقاعس الشرطة عن ضبطهم، منتظرين مرور سنوات قليلة، لسقوط العقوبة.
إعلان عبر مُحضر
وفي حالة أخرى، تحقق محامي المجني عليه (زينهم عبد الحميد) من عنوان المحكوم عليه خصم موكله وأرشد قسم شرطة الطالبية إلى محل سكنه وعمله عدة مرات، وواظب المحامي على مدى شهور على زيارة القسم ومكتب مباحث تنفيذ الأحكام وتذكيرهم بصدور حكم حبس شهرين ضد (فرج. م. س) على ذمة القضية رقم 360 لسنة 2015 محكمة جنح العمرانية في جلسة يوليو 2015 لتحريره شيكا بدون رصيد.
بعد نحو 18 شهرا لجأ نبيل عبد الجواد محامي المجني عليه إلى إعلان (المحكوم عليه مخاطباً مع مأمور قسم الطالبية، ورئيس مباحث القسم، ورئيس وحدة تنفيذ الأحكام بمديرية أمن الجيزة) عبر قلم محضري محكمة الجيزة الابتدائية بأنه "في تاريخ 9 يوليو 2015 أصدرت محكمة جنح الطالبية الحكم في الجنحة رقم 360 لسنة 2015 بتأييد حكم محكمة أول درجة بسجنه شهرين، وأن المعلن إليه (المحكوم عليه) الأول مازال حرا طليقا.. ولم يتم تنفيذ الحكم عليه".
تضمن الإعلان المحكوم عليه لمطالبته بأن يسلم نفسه أو أن يطعن على العقوبة وكان "الغرض من إعلان المعلن إليه الثاني والثالث اتخاذ اللازم نحو سرعة تنفيذ الحكم الصادر والمرفق صورته، وبناء عليه أنا المحضر سالف الذكر قد انتقلت إلى حيث أعلنت المعلن إليهم وسلمتهم الإعلان المرفق بصورة من الحكم".
يضيف نبيل عبد الجواد أن الحكم الصادر منتصف 2015 لم ينفذ رغم زيارة القسم مرات للإرشاد عن المحكوم عليه وتذكيرهم بالحكم، "مرور الوقت دون ضبطه يشعر المجني عليه بالحسرة لأن الحكم صار مجرد حبر على ورق"
تواجد المحكوم عليه في ورشة يملكها في شارع الزريبة بمنطقة الكونيسة بالجيزة رغم إبلاغ محامي المجني عليه القسم منذ شهور . و لدى سؤال مكتب تنفيذ الأحكام بقسم الطالبية يومي 8 و9 يونيو/حزيران 2017 عن سبب تأخر ضبط المحكوم عليه نحو عامين ، اخنلف الرد في المرتين لكن النتيجة كانت واحدة.
في المرة الأولى، تم التأكد من بيانات القضية والمحكوم عليه عبر جهاز الحاسب الآلي، بالدور الأخير بالقسم.
ولدى اطلاع معاون المباحث على البيانات التي تؤكد وجود المحكوم عليه في محل عمله، رد الضابط "مفيش حد دلوقتي ينزل معاك".
في اليوم التالي، بعد التحقق من استمرار تواجد المحكوم عليه بالعنوان المبلغ عنه لم يسمح أمين الشرطة المسؤول عن مكتب رئيس المباحث بالدخول لاطلاع رئيس المباحث على ورقة بها بيانات القضية والمحكوم عليه . ورد قائلا "سيبها على الله".
يقول المحامي عبد الجواد "رحت قسم الطالبية في ديسمبر اللي فات وسألت عن الحكم وقالوا حاضر هنجيب المحكوم عليه وطلبت مقابلة رئيس مباحث القسم لعرض الأمر عليه وكالعادة مشغول وتركت القسم مثل المرات السابقة دون جدوى".
وبعد ثلاث سنوات دون تنفيذ الحكم، قبل المجني عليه التصالح مع خصمه.
مراسلات إلكترونية دون فائدة
وفي حالة أخرى، لجأ المجني عليه (عابدين أدهم عابدين) إلى بوابة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء مرتين. وفي ديسمبر 2016 تقدم بشكوى حملت رقم 710453 /2016 موجهة إلى رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية. ذكر عابدين في شكواه أن خصمه المحكوم عليه في قضية إيصال أمانة يستغل علاقاته بمركز شرطة يوسف الصديق في محافظة الفيوم مما أدى إلى عدم تنفيذ الحكم رقم 7321 لسنة 2016.
كان عابدين لجأ إلى القضاء للحصول على أمواله، وقدم إيصال أمانة لديه مستحقا على (رشوان.ع. ب) الذي قررت محكمة جنح يوسف الصديق حبسه 3 سنوات مع الشغل بجلسة 2 فبراير 2015، تخلف المحكوم عليه عن موعد الطعن القانوني.
راسل عابدين كلا من مدير أمن الفيوم، وزارة الداخلية، رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بالوزارة في سبتمبر 2015 عبر البريد المصري، "يرجوهم التكرم بعد الاطلاع على الحكم بصدور أمر لمركز شرطة يوسف بسرعة تنفيذ الحكم ويؤكد أن المحكوم عليه مقيم بمنزله ولم يغادره". لم يجد ذلك نفعا.
وفي 28 يونيو الماضي، نظرت دائرة جنح مستأنف أبشواي المعارضة الاستئنافية للجنحة، وحكمت بسجن (رشوان.ع. ب) سنة مع الشغل، بحضور محاميه. لم يحضر رشوان وبقي حرا طليقا نتيجة عدم تنفيذ الحكم.
المحكوم عليه أمين شرطة
شكا وليد كامل المحامي قسم شرطة البساتين إلى وزارة الداخلية في 23 فبراير 2017 وحملت الشكوى رقم 575، وتضمنت تجاهل وحدة تنفيذ الأحكام بقسم (البساتين) ضبط (ثابت.أ.ع) وهو أمين شرطة يعمل بالقسم وإرساله بصحبة الحرس إلى قسم شرطة مصر القديمة لعرضه على النيابة العامة.
أدانت محكمة جنح مصر القديمة ثابت في جلسة 5 مايو 2016 بالحبس عام بتهمة التبديد وخيانة الأمانة في القضية رقم 4325/2015 ، لم يتلق كامل محامي المجني عليه أي رد على شكواه للداخلية.
لجأ المحامي حسب قوله إلى استخراج أمر ضبط وإحضار موجه من قسم شرطة مصر القديمة إلى مأمور قسم شرطة البساتين مدون به رقم القضية ويفيد بضبط المحكوم عليه لكن لم يغير الحال.
ولدى مرافقة محامي المجني عليه إلى قسم شرطة البساتين في مايو /أيار 2017 للسؤال عن تأخر ضبط أمين الشرطة الذي يعمل بالقسم وتسليمه للنيابة العامة، دافع معاون مباحث القسم عن المحكوم عليه وشكك في القيمة المالية لإيصال الأمانة موضوع الحكم وحاول التوصل لاتفاق بأن يحصل المجني عليه على مبلغ مالي يقل عن المسجل بالدعوى القضائية نظير أن يتنازل عن الدعوى. وحين أخبره المحامي أن المجني عليه يريد أمواله المسجلة بالدعوى كاملة قال الضابط "دا ربا واستنكر الزيارات المتكررة للقسم والسؤال عن تسليم المحكوم عليه إلى النيابة العامة بقوله "الراجل اتفضح"
يقول المحامي ’’ ليس لدي سلطة لضبط المحكوم عليه لينفذ الحكم، لماذا ينتظر القسم منذ مايو 2016؟ ماذا أقول للمجني عليه؟ طالما لم ينفذ الحكم لماذا نلجأ للتقاضي؟’’ يضيف وليد كامل المحامي ’’ موكلي (المجني عليه) اختار في ديسمبر 2017 أن يحصل على 18 ألف جنيه من المحكوم عليه نظير التصالح بدلاً من سنوات أخرى قد ينتظرها لتنفيذ حكم المحكمة والذي قضى بحبس المحكوم عليه عام وإلزامه برد قيمة إيصال الأمانة 26 ألف جنيه.
رد وزارة الداخلية
قال مصدر أمني بوزارة الداخلية إن وزير الداخلية يشدد على ملاحقة الهاربين وإنه لا توجد موانع لعملية ضبط المتهم سوى الموت أو الهروب خارج مصر حيث يتم العمل على استعادته بالتنسيق بين مكاتب تنفيذ الأحكام والانتربول. وأضاف أن المحكوم عليهم يستخدمون طرقا للهروب مثل تزوير البطاقة الشخصية وفي هذه الحالة يتم ضبطهم عبر أكمنة الشرطة من خلال الكشف عن صحيفتهم الجنائية. لكنه لم يقدم أرقاما.
وأضاف أن العقوبة تسقط بعد مرور خمس سنوات في الجنح و20 سنة في الجنايات وفي أحكام الإعدام شرط وجود المتهم داخل البلاد لكن في حالة وجوده خارج البلاد يوقف التقادم.
وأشار إلى أن الوزارة تمكنت خلال السنوات الأربع الماضية من تنفيذ 34 مليونا و135 ألفا و33 حكما قضائيا لكنه لم يذكر إجمالي عدد الأحكام الصادرة. وقال إن معدلات التنفيذ ارتفعت خلال تلك السنوات الأربع بنسبة 143 في المئة عن الأعوام السابقة. لكنه لم يحدد فترة سابقة للمقارنة.
ورغم الأرقام المقدمة من الوزارة، فما زال عدم تنفيذ الأحكام سببا لشكاوى وضياع حقوق. ويحتفظ عبد الكريم بشيك آخر قيمته نحو 150 ألف جنيه، ويقول "معايا شيك آخر بدون رصيد ضد خصمي ولن أقدمه للمحكمة لتفصل في حقي، مفيش داعي اروح اتكلف مصاريف تقاضي ووقت وفي الآخر آخد حقي على ورقة بلا قيمة".
أنجز هذا التحقيق بدعم من "شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) وبإشراف الزميل عماد عمر.
الصحفي :
منير العربي , صحفي مصري .