ARIJ Logo

كل شيء تمّ اختياره بعناية. سريرٌ صغيرٌ ورضاعاتٌ وفرشاةُ شعرٍ حريرية. كذلك ملابس وردية ليوم الولادة وفستان أبيض لحفل الأسبوع. وحدها الصغيرة "ماسة" لم تكن مستعدة لمغادرة المستشفى. فقد باتت عارية حبيسة صندوق زجاجي في إحدى الحاضنات لتلتقط أنفاسها.

7 أيام قضتها ماسة، وأطرافها موصولة بأسلاك الأجهزة الطبية، وأنبوب يخترق أنفها. فور ولادتها تنقلت الصغيرة من جهاز التنفس الاصطناعي، إلى الأكسجين الأنفي، ثمّ الأكسجين بالحاضنة، وأُجريَت لها صورة شعاعية للقلب، بالإضافة لفحوص وتحاليل يومية وحقن وجرعات مكثفة من الأدوية، إلى أن استطاعت رئتاها التنفس بصورة طبيعية.

ماسة ووالدتها عليا، كانتا "ضحيتيْن" لولادة قيصرية غير ضرورية، من أبرز تبعاتها عجز حديثي الولادة عن التنفس بصورة تلقائية، وحاجة بعضهم لدخول حاضنة، ما يرتب مخاطر وتكاليف صحية ومادية كبيرة.

وبحسب استبيان قامت به معدّة التحقيق شمل 6500 أمّ مصرية، لتغطية الفترة الزمنية من عام 2014 وحتى عام 2020، وهي الفترة التي لا تغطيها المسوح الصحية الرسمية، تشهد مصر تصاعداً كبيراً وغير مبرر طبياً في معدّل الولادات القيصرية، حيث وضعت 8 من كلّ 10 سيدات قيصرياً، وهو ما يفوق المعدّلات الرسمية التي رصدها المسح الصحي الأخير عام 2014، وبلغت نسبة الولادات القيصرية فيه 50% (5 من كلّ 10 سيدات).

تطوّر معدّلات الولادة القيصرية في مصر 1995-2014

النسبة المئوية

السنوات

المصدر : المسح السكاني الصحي

تحتل مصر المرتبة الرابعة عالمياً في عدد الولادات القيصرية بحسب منظّمة الصحة العالمية. كذلك أظهر الاستبيان أنّ نصف الأطفال المولودين قيصرياً عانوا من مضاعفات بعد الولادة، واحتاج طفل من كلّ 5 لحاضنة، وتعرّضت واحدة من كلّ 5 أمهات لمضاعفات صحية.

نسب الولادة القيصرية في العالم

30%<

29.9% - 25

24.9% - 20

19.9% - 15

14.9% - 10

14.9% - 10

5% >

لم ترغب عليا بإجراء القيصرية، فقد خططت لولادة طبيعية تعلم أنّها الأفضل لها ولطفلتها، خاصّة أنّ حملها مستقر، ووضعية الجنين في الحوض تساعده على شقّ طريقه للخروج. وخلافاً لأخريات كانت تخاف شقّ بطنها أكثر من آلام المخاض.

ولكن الطبيب كانت له رغبة أخرى. تتذكر عليا، كيف فزعت مما قاله طبيبها: "لو مولدتيش قيصري إنت المسؤولة عن سلامة البيبي، ولو مات برضو هنفتح بطنك عشان نخرجه"، لم يذكر الطبيب سبباً طبياً لتضع عليا طفلتها قيصرياً، رغم بقاء أسبوعين على موعد اكتمال حملها، وتأكيداته الدائمة أنّ طفلتها في وضع الولادة الطبيعية.

من قرّر القيصرية؟

84% الطبيب
16% الأم

فور ولادتها، عانت ماسة، من عدم قدرتها على التنفس بصورة طبيعية، وتحوّل لون جسدها إلى الأزرق. كان الوضع حرجاً واحتاجت الصغيرة لحاضنة فوراً، ورغم ذلك كان حظّها أفضل قليلاً من حظوظ 25% من الأطفال الذين شاركت أمهاتهم في الاستبيان وعثروا على حاضناتهم بصعوبة، فلم تلجأ أسرتها للبحث والانتظار ساعات طويلة كانت لتهدد سلامتها، وقرروا دخول حاضنة المستشفى الخاص حيث ولدت وإن كانت التكلفة تفوق استعداداتهم.

وتختلف تكلفة الحاضنات بحسب الجهة التي توفّرها، فهناك حاضنات خيرية مجانية، وأخرى خيرية بتكلفة قليلة. والحاضنات الحكومية هي الأقلّ كلفة بعد المجانية، ولكنّها الأصعب توفراً أيضاً، وهو ما اضطر أُسَرَ 4 من كل 5 مواليد احتاجوا حاضنات للجوء إلى حاضنات خاصة، ولكنّهم في المقابل تحمّلوا تكلفة مادية عالية.

ماذا يحدث للمواليد بعد القيصرية؟

50
طفل ولدوا قيصرياً
عانوا من مضاعفات
baby icon
حاضنات خاصة
baby icon
حاضنات حكومية
1
baby icon
2
baby icon
3
baby icon
4
baby icon
5
baby icon
6
baby icon
7
baby icon
8
baby icon
9
baby icon
10
baby icon
11
baby icon
12
baby icon
13
baby icon
14
baby icon
15
baby icon
16
baby icon
17
baby icon
18
baby icon
19
baby icon
20
baby icon
21
baby icon
22
baby icon
23
baby icon
24
baby icon
25
baby icon
26
baby icon
27
baby icon
28
baby icon
29
baby icon
30
baby icon
31
baby icon
32
baby icon
33
baby icon
34
baby icon
35
baby icon
36
baby icon
37
baby icon
38
baby icon
39
baby icon
40
baby icon
41
baby icon
42
baby icon
43
baby icon
44
baby icon
45
baby icon
46
baby icon
47
baby icon
48
baby icon
49
baby icon
50
baby icon
1
baby icon
2
baby icon
3
baby icon
4
baby icon
5
baby icon
6
baby icon
7
baby icon
8
baby icon
9
baby icon
10
baby icon
11
baby icon
12
baby icon
13
baby icon
14
baby icon
15
baby icon
16
baby icon
17
baby icon
18
baby icon
19
baby icon
20
baby icon
21
baby icon
22
baby icon
23
baby icon
24
baby icon
25
baby icon
1
baby icon
2
baby icon
3
baby icon
4
baby icon
5
baby icon
6
baby icon
7
baby icon
8
baby icon
2
baby icon
1
baby icon

النسبة هي 20% وهذه عيّنة تمثيلية

وفي شباط/ فبراير 2020، تقدّم النائب بالدورة البرلمانية السابقة فايز بركات، بطلب إحاطة لوزيرة الصحة، للمطالبة بضبط العمليات القيصرية غير الضرورية باعتبارها السبب في نقص الحاضنات، مطالباً بتعديل تشريعي يُلزم الأطباء قبل إجراء العمليات القيصرية بتحرير تقرير طبي يوضح الأسباب التي تجبرهم على اللّجوء للقيصرية، وعرضه على لجنة مختصة قبل البدء بالجراحة. أكّد بركات، أنّ زيادة معدلات الولادات القيصرية تقابلها زيادة في حاجة المواليد للحاضنات، خاصة أنّ نسبة كبيرة من المولودين قيصرياً يتمّ توليدهم في موعد مبكر، وتبدأ عندها معاناة الأسرة في البحث عن الحاضنات المتاحة، خاصة مع ندرة تلك الحكومية وارتفاع تكلفة الخاصة.

65 % من الحاضنات الخيرية توفرت بصعوبة

52 % من الحاضنات الحكومية توفرت بصعوبة

18 % من الحاضنات الخاصة توفرت بصعوبة

وتقول الطبيبة رباب علي، أخصائية الأطفال وحديثي الولادة، إنّ "الولادة الطبيعية تساعد في تقوية قلب الجنين وتنشيط رئتيه لتأهيله للخروج من الرحم والتنفس بصورة طبيعية، وهو تنبيه لا يحظى به المولودون قيصرياً"، مؤكدة أنّ "الأخيرين أكثر عرضة للمشكلات التنفسية والحاجة لدخول الحاضنة".

وتحذّر علي، من طريقة نقل المواليد من العيادات والمستشفيات إلى الحاضنات، قائلة إنّ "نقل الطفل دون تجهيزات طبية مناسبة قد يعرّضه لنقص الأكسجين الذي قد يسبب مضاعفات للقلب، وقد يعرّض الطفل للإصابة بإعاقات ذهنية وحركية أو تشنجات". وأشارت إلى أنّ الحالات الأسوأ التي تصل للحاضنة التي تعمل بها تأتي عادة من العيادات والمستشفيات الخاصة التي لا تتوفر بها حاضنات.

بعد رحلة مرهقة، وصلت ماسة لفراشها الوردي في منزل والديها، وجسدها الصغير ملوّن بكدمات وتجمّعات دموية في مواضع حقنها وسحب عينات تحاليلها، فضلاً عن فاتورة حاضنة كلفتهم 1100 جنيه (نحو 70 دولاراً) عن الليلة الواحدة، بالإضافة لتكلفة الأدوية والتحاليل والأشعة.

كم تكلفة الحاضنة اليومية؟

بين 500 جنيه و2000 جنيه

أقلّ من 500 جنيه

أكثر من 2000 جنيه

كم يبقى الطفل في الحاضنة؟

بين 3 أيام و5 أيام

أقل من 2 أيام

أكثر من 5 أيام

اعترفت وزارة الصحة، بوجود زيادة هائلة في الولادات القيصرية وما تسببه من مخاطر على صحّة الأمهات والمواليد، حيث شاركت الوزارة في دراسة لمجلس السكّان، ومنظّمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، نشرت في عام 2018 بعنوان "الولادات القيصرية في مصر: الاتجاهات والممارسات والتصوّرات والتكلفة". وكتب وزير الصحة في ذلك الوقت أحمد عماد الدين، في مقدمتها: "تمثل الزيادة الهائلة في استخدام العمليات القيصرية التي شهدتها مصر خلال العقد الماضي تحدّياً لأنّها تشكّل خطراً على صحّة الأمهات والأطفال حديثي الولادة".

تتبعت دراسة منشورة في المجلة المصرية لطبّ المستشفيات حالات الولادة في مستشفى بنها التعليمي، وبلغت 1500 حالة خلال 6 أشهر من عام 2018، وكشفت أنّ 65% من الولادات كانت قيصرية، وأنّ 20% من المولودين قيصرياً تعرّضوا لمضاعفات استدعت وضعهم بالحاضنات، وكان نصفهم مصاباً بالضائقة التنفسية، تليها الإصابة بشفط العقي (تعرف مادة العقي بأنّها أول براز ينتجه الرضيع ويتكون من مواد تمّ هضمها خلال تواجده في رحم أمه)، وتعفّن الدم، واليرقان الوليدي المعروف بالصفار. وتراوحت مدّة بقاء المواليد في الحاضنات بين 3 ساعات و12 يوماً، فيما سُجِّلَت وفاة 10 أطفال.

نسب الولادات القيصرية في مصر

icon

مرّر المؤشر على المحافظة لمشاهدة النسب

20% الوادي الجديد
100% 0%

مروة ماهر: " كانت أسوأ تجربة في حياتي... عمر طفلي الآن سبعة أشهر وجرحي ما زال مفتوحاً".

كان طبيبها المتابع يؤكد أنّ لديها فرصة كبيرة للولادة الطبيعية، وهيأت نفسها لذلك، ولكنّها اضطرّت لاحقاً للمتابعة مع طبيبة أخرى أصرّت على توليدها قيصرياً في الأسبوع الـ 36 من حملها دون مبرّر طبي. أصيبت مروة، بنزيف حادّ استمر لأكثر من خمسين يوماً، أدّى إلى نقص كريات الدم الحمراء، وإصابتها بفقر الدم، بالإضافة لمشكلات في حركة الأمعاء منعتها من الإخراج لمدة 20 يوماً، ما تسبب في إصابتها بمبادئ تسمم، كما بقي جرحها مفتوحاً وملتهباً يُخرج إفرازات صديدية تعالجها حتى الآن.

هل تعرّضتِ لمضاعفات بعد الولادة القيصرية؟

نعم

لا

وفقاً للدراسة المنشورة في المجلة المصرية لطبّ المستشفيات، تعرّضت 19% من الأمهات اللاتي وضعن قيصرياً لمضاعفات أثناء الولادة، أبرزها إصابة الشريان الرحمي بنسبة 10%، ويليها النزيف، والالتصاقات، واستئصال الرحم، وإصابة المثانة أو الأمعاء. كما تعرّضت 10% لمضاعفات بعد الولادة، وكانت الحمى الأكثر شيوعاً، تليها الجروح والنزف.

وتقول مروة: "في بداية حملي بحثت كثيراً عن طبيب لا يعتمد الولادة القيصرية دون سبب، وأكثر من طبيب كان يردّ بأنّ ليس لديه وقت للطبيعي"، وتتابع: "(طبيبتي) رفضت أن تقوم بمحاولة توليدي طبيعياً رغم طلبي، هي قررت القيصرية وكلّ من وضعن يوم ولادتي وحتى خروجي من المستشفى ولدن قيصرياً". ويشير المسح الصحي إلى أنّ من بين كل 10 سيدات وضعن بمستشفى خاص 7 منهنّ وضعن قيصرياً.

وبالرغم من وجود زيادة ملحوظة في الولادات القيصرية في المستشفيات العامة، إلّا أنّ دراسة مجلس السكّان، وصفت الزيادة في المستشفيات الخاصة بـ "الأكثر دراماتيكية"، مشيرة إلى أنّ الإفراط في استخدام القيصرية يمثل عبئاً مالياً على النساء وأسرهن والنظام الصحي، وأنّ الولادات القيصرية في عام 2014 كلّفت أكثر من 900 مليون جنيه مصري. وقال 45% من الأطباء المشاركين في الدراسة، إنّهم يفضلون القيصرية، لأنّها تمكنهم من السيطرة على وقتهم.

العلاقة بين نوع المستشفى ونسب الولادة القيصرية

أمّا مروة، التي لم تستطع الاحتفال بقدوم بكرها ووقع عبء الاعتناء بها وبصغيرها على والدتها وزوجها لأكثر من شهر ونصف، ثمّ اضطرت لترك عملها، بسبب وضعها الصحي، فتعتقد أنّ اختيار الأطباء للقيصرية هدفه الربح، حيث كلّفت ولادتها 10 آلاف جنيه مصري، بدلاً من 4 آلاف في حالة الولادة الطبيعية. وتقول إنّ "تكلفة القيصرية أكثر من ضعف تكلفة الطبيعية، وربع ساعة ينتهي عمل الدكتور بدلاً من الانتظار يوماً كاملاً قرب حالة واحدة".

تكلفة الولادة القيصرية

بين 5 آلاف جنيه و10 آلاف جنيه

أكثر من 10 آلاف جنيه

أقلّ من 5 آلاف جنيه

أشارت منظّمة الصحة العالمية، في دراسة حديثة نُشِرَت في حزيران/ يونيو من العام الجاري، إلى استمرار معدّلات العمليات القيصرية في الارتفاع على مستوى العالم، حيث تمثل الآن 21% من جميع الولادات في العالم، متوقعة ارتفاع النسبة إلى 29% بحلول عام 2030.

أجرت شيماء (30 سنة) فحصاً بأشعة 4D قبيل ولادتها، وأكّد طبيب الأشعة، أنّ الجنين في وضع الولادة الطبيعية. وحينما عادت لطبيبتها المتابعة قالت إنّها ستولّدها قيصرياً، وإنّ الجنين ليس في وضع الولادة الطبيعية. جاء قرار الطبيبة ملبياً رغبة الأم الخائفة من آلام الطلق، وهي واحدة من 16% من الأمهات اللاتي شاركن في الاستبيان ووضعن بعملية قيصرية باختيارهن، ولكن رغم ذلك أبلغت طبيبتها باستعدادها للولادة الطبيعية فيما لو كانت أفضل لها ولطفلها.

بعد زوال أثر البنج النصفي، تملكت شيماء آلام شديدة، ولكن أوجعها أكثر وجودُ جرح قطعي برأس طفلها آدم

"كان جرح مشرط من أذنه اليمنى لأذنه اليسرى، وكان ينزف دماً من فمه... كان الوضع مرعباً، وكسروا فرحتي بابني".

هل تعرّض المولود لمضاعفات بعد القيصرية؟

نعم

لا

هل أخبرك الطبيب باحتمال تعرّض طفلك لمضاعفات؟

لا

74.4%

نعم

25.6%

تُركت شيماء، بلا متابعة طبّية بعد الولادة، واضطرت لدفع مبلغ من المال لواحدة من الممرضات مقابل منحها مسكناً لتخفيف شعورها بالألم الشديد، وتورّمت ساقها في اليوم التالي للولادة، وأخبرتها الطبيبة أنّ هذه واحدة من مضاعفات البنج النصفي. كشفت دراسة مجلس السكان، أنّ 6 فقط من كلّ 100 سيدة تمّ إخبارهنّ بمخاطر الولادة القيصرية، وهو ما يعني غياب الموافقة المستنيرة، وأضافت الدراسة أنّه "كان واضحاً في روايات النساء الافتقار الصارخ للمعرفة بمخاطر القيصرية، وعند سؤالهنّ عمّا إذا كان الأطباء يزوّدون النساء بمعلومات عن المخاطر الصحية وعيوب القيصرية، ذكرت النساء أنّ الأطبّاء امتنعوا عن إبلاغهنّ".

هل أخبرك الطبيب باحتمال تعرّضك لمضاعفات بعد القيصرية؟

قال طبيب الأطفال لأسرة شيماء، إنّ الطفل كان في وضع الولادة الطبيعية، لذلك جُرِحَ رأسه أثناء القيصرية، ولكنّه طمأنهم بأنّ الجرح سطحي وسيشفى مع الوقت، ووصف علاجاً لنزيف الفم. تعافى آدم بالفعل، ولكن بعد عامين من الولادة، ترى شيماء أنّه كان يجدر بطبيبتها توجيهها لما هو أفضل لها ولطفلها، وأنّ قرار توليدها قيصرياً كان بهدف الربح المادي، وبلا داعٍ طبي، وسبّب لها ولطفلها أذى نفسياً وجسدياً بلا مبرّر.

تصف ندى (29 سنة)، تجربتها مع ولادتها الأولى القيصرية، بـ "الصادمة"، خصوصاً أنّها تعرّضت لتوجيه أكثر من طبيب خاص لتضع قيصرياً دون داعٍ، وهو ما اضطرّها لتغيير طبيبها المتابع أكثر من مرة.

قالت أغلب المشاركات بدراسة مجلس السكّان، إنّهنّ يتابعن حملهنّ في عيادات ومستشفيات خاصة، لاعتقادهنّ أنّ الأطباء الخاصين أكثر خبرة ولديهم معدّات حديثة، مثل الموجات فوق الصوتية، ويقدمون المزيد من المعلومات، وأنّهم أكثر انتباهاً لمخاوفهنّ واهتماماتهنّ. ومع ذلك عند سؤالهنّ عن نصيحة الولادة التي يتلقينها، اتفقت النساء في الغالب على أنّ الأطباء في المستشفيات الحكومية يشجعونهنّ على الولادة المهبلية (الطبيعية)، بينما يفضل أغلب الأطباء في القطاع الخاص القيصرية.

أسباب ارتفاع معدلات الولادات القيصرية برأي الأطباء

مع اقتراب موعد ولادتها، تعرّضت ندى، للتوجيه مجدداً لتضع في الأسبوع الـ 37، وهو ما رفضته وأصرّت على استكمال فترة حملها. تقول ندى إنّ "تحديد موعد الولادة القيصرية، بناءً على مواعيد الطبيب أو اختيار تاريخ مميز للولادة أو غيره من الأسباب غير الطبية، مخاطرة غير ضرورية". اضطرّت ندى في النهاية للوضع قيصرياً، ولكن على الأقل ليس مبكراً.

وتؤكد طبيبة الأطفال رباب علي أنّ المشكلة الأكبر في التوليد القيصري غير الضروري هي تحديد بعض الأطباء موعداً مبكراً للولادة في الأسبوع 37 أو 38 أو قبل ذلك دون داعٍ طبي. بينما يمكن للأم التي تلد للمرة الأولى الانتظار حتى الأسبوع 42 ما دام حملها مستقراً، وهو ما يتسبب في زيادة خطر تعرّض الطفل والأم لمشكلات صحية دون داعٍ.

تشير علي، إلى أنّ الأطفال المولودين قيصرياً في الأسابيع الأولى من الشهر التاسع يكونون أكثر عرضة للإصابة بالصفراء الفسيولوجية أيضاً، لعدم اكتمال نمو الكبد، وأنّ العمر الرحمي للطفل أي عدد أسابيع الحمل ووزنه من العوامل المهمة في تحديد حاجة طفل الصفراء للحاضنة من عدمه. وضعت ندى، طفلتها الثانية بولادة طبيعية بعد قيصريتها الأولى، ولكنّها واجهت صعوبة استمرت حتى الشهر التاسع في الوصول لطبيب يوافق على توليدها طبيعياً، كما اضطرّت لإخفاء رغبتها تلك عن أسرتها وأصدقائها لتجنّب الضغط الاجتماعي.

قرار الأطباء لنوع الولادة مع قيصرية سابقة

قيصرية غالباً

حسب الحالة

قيصرية

طبيعية تحت الإشراف

المصدر : الولادات القيصرية في مصر: الاتجاهات والممارسات والتصورات والتكلفة

وبالفعل تفاجأ المحيطون بندى، فالشائع أنّ من وضعت قيصرياً مرة تضع كلّ أطفالها قيصرياً، وهو ما دفعها لتدشين صفحة باسم "طبيعية بعد قيصرية" عبر موقع فيس بوك ويوتيوب وانستاجرام لتوعية الأمهات بمميزات الولادة الطبيعية وإمكانية حدوثها بعد القيصرية.

يشير المسح الصحي لارتباط تصاعد معدّلات الولادة القيصرية بتصاعد المستوى التعليمي والمادي للأمهات، بالإضافة لارتباطه بزيادة معدّلات الحصول على متابعة للحمل، والحصول على مساعدة طبية أثناء الولادة، فضلاً عن ارتباطه بمكان الإقامة. وكانت النسبة الأكبر للولادات القيصرية هي 77% من الولادات بمحافظة بور سعيد في العام 2014.

العلاقة بين المتابعة الطبية والقيصرية

النسبة المئوية

السنوات

وأشار نصف الأطباء المشاركين في دراسة مجلس السكّان، وجميعهم من العاملين في مستشفيات حكومية إلى أنّ المسؤولين في مستشفياتهم يعقدون اجتماعات دورية لمناقشة الولادات، وأنّ مستشفياتهم تتلقى تدقيقات طبية أو زيارات إشرافية من جهات رفيعة المستوى، أمّا المستشفيات الخاصة -التي تُجرى فيها النسبة الأكبر من القيصريات- فلا تتلقى أيّة زيارات إشرافية روتينية من أيّ جهة

ويحمّل النائب السابق فايز بركات، وزارة الصحة ونقابة الأطباء (على التوالي) المسؤولية عن تصاعد نسب القيصريات غير المبررة والمخاطر التي تتعرض لها الأمهات والأطفال، لأنّهما الجهتان المختصتان بمتابعة الأطباء، مشيراً إلى أنّ بعض الأطباء يتعجّلون في إجراء القيصرية لأهداف ربحية. ويقول بركات بخصوص ما تمّ بشأن طلبه البرلماني، لإلزام الأطباء بتحرير تقرير طبي يُعرَض على لجنة مختصة قبل الشروع بالقيصرية: "ولا حاجة، مفيش حاجة تمّت". وقد حاولت معدّة التحقيق التواصل مراراً مع المتحدّث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مجاهد، ثمّ مع طارق توفيق، نائب وزير الصحة لشؤون السكّان من دون أيّ جواب.

وعندما توجّهت إلى نقابة الأطباء للوقوف على إجراءات النقابة مع الأطباء الذين يقومون بولادات قيصرية غير مبررة طبياً، أجابها الدكتور أسامة عبد الحي، أمين عام النقابة ورئيس لجنة آداب المهنة بأنّه "لم يتقدّم أيّ مواطن بشكوى للنقابة بسبب القيصريات غير المبررة طبياً"، ملقياً باللائمة على النساء أنفسهنّ: "إحنا عندنا مأساة لأن ساعات (أحيانا) الولادة القيصرية بتكون بطلب السيدة نفسها".

أمّا عن مسؤولية الأطباء في تقديم تقرير طبيّ يوضح سبب اللجوء للقيصرية وعرضه على لجنة مختصّة قبل إجرائها، والمطالبة بتعديل تشريعي بهذا الخصوص، فقال عبد الحي إنّه "يُفترض أن يكون التقرير الخاص بسبب القيصرية موجوداً في تذكرة المريضة بالفعل، ولكن غير متأكد من القواعد المتّبعة في أقسام النساء".

واليوم، شُفِيَ آدم من جرح رأسه، وتجتهد والدة ماسة لإزالة آثار حقن تشبه الحروق عن جلد ابنتها، تدعو ندى الحوامل للولادة الطبيعية بعد القيصرية، وتحاول مروة علاج جرح قيصريتها المفتوح، بينما يواصل مشرط القيصرية غير المبررة طبياً تهديد مئات الآلاف من الأمهات والمواليد سنوياً.