سرقة وبيع مقبرة فرعونية للإله حورس بالصحراء الغربية..

4 نوفمبر 2013

– المهربون يرفضون تسليم مقبرة الإله حورس للدولة

– علماء أسبان بحثوا عن المقبرة 10 سنوات ومهربو الآثار توصلوا إليها بالجعارين والأحجار الكريمة

– أساتذة الآثار المصرية يؤكدون: تساوى أكثر من المبلغ المطلوب وتعود للعصر الفرعونى الحديث.. ويطالبون بتغليظ عقوبة تهريب الآثار للخيانة العظمى

اليوم السابع – “رسوم تخترق الجدران.. كلمات هيروغليفية لا نعرف معناها.. جعارين صغيرة وأوانى فخارية تحمل أحشاء مومياء منذ آلاف السنين.. درجات سلالم تصل لبوابة ضخمة يملأها التراب ومحفور عليها صور لرجل وامرأة .. والثمن 50 مليون دولار”..

هذه السطور تعبر ببساطة عن واقعة سرقة كبيرة كشف عنها “اليوم السابع”، حيث قادنا البحث، وتتبع خطوات مهربى الآثار، الذين يتربصون بمصر وآثارها، إلى عتبة عملية “نهب واتجار لمحتويات مقبرة كاملة بالواحات، بالصحراء الغربية، توصل إليها مهربو الآثار، عبر جعارين صغيرة، وأوانى فخارية تحمل أحشاء مومياء منذ آلاف السنين، وهو ما جعلنا على نعيش هذه المغامرة، التى شهدنا خلالها محاولة بيع المقبرة، نظير مبلغ 50 مليون دولار.

كنا على موعد، أمام درجات سلالم تصل لبوابة ضخمة يملأها التراب ومحفور عليها صور لرجل وامرأة كانت هذه هى بداية القصة، التى حضرها “اليوم السابع”، داخل إحدى المقابر الأثرية التى عثر عليها أحد المواطنين وبرفقته عددا من أصدقائه وبدأوا يسعون للاستيلاء عليها وعلى محتوياتها، وتفكيكها، وبيعها، مقابل حصولهم على خمسين مليون دولار وهو مبلغ زهيد إذا عرفت أن المقبرة التى تسكن قلب الواحات داخل الصحراء الغربية هى لأحد أبناء الإله حورس وهى أيضا أحد المقابر التى يبحث عنها فريق من العلماء الأسبان منذ 10 سنوات.

قبل الحديث عن رحلة “اليوم السابع” فى التوصل لسارقى المقبرة، علينا أن نتعرف أولا عن بداية اكتشاف المقبرة بالصدفة البحتة، بواسطة الشخص الذى يمتلك الأرض التى يوجد فيها هذا الكنز الأثرى، حيث وجد حجر كريم لونه كلون السماء الصافية، وكان ضوئه الشديد يشبه ضوء القمر يشع فى كل الاتجاهات اثناء الليل وسط أرضه التى يمتلكها بالواحات، وهو ما دفعه للبحث عن نوع الحجر فعرف أنه زمرد.

وقال له أحد المتخصصين بالبحث عن الآثار بطريقة غير شرعية إن هذا الحجر هو أحد الرموز التى كان الفراعنة يعتمدون عليها بوضعها أمام مقابرهم كعلامة بارزة لوجودها، وفى محاولة لإخفائها عن لصوص المقابر، الذين انتشروا وقت تشييد هذه المقابر فعليا، فى عهود أصحابها، وهى ما يعتمد عليها أيضا علماء الآثار أو من يعمل فى تجارتها غير الشرعية، فى بحثهم عن المقابر الفرعونية، إضافة إلى عثوره على أربعة جعارين كانت دليل آخر على وجود المقبرة و”الجعران” عبارة عن حشرة يقال عنها إنها تجلب الرزق ووضعها القدماء المصريين أمام مقابرهم لارتباطه بقرص الشمس.

وبمجرد التنقيب فى الأرض عثر الرجل بالصدفة على أربعة أوانى الفخارية وهى التى تحمل أحشاء الموتى من القلب والكبد والرئة والأمعاء، بعدها توصل المنقبون عن المقبرة إلى سلم يتصل ببوابة ضخمة وتحمل جدرانها نقوش فرعونية.

رحلة البحث عن مشترٍ

بدأ “اليوم السابع” رحلته للتوصل إلى المقبرة عن طريق أحد الأشخاص الذى عرفنا على صاحب الأرض، باعتبارنا وسطاء نعرف مشترى ثرى يقدر ثمن المقبرة ولكنه يحتاج إلى إثبات، مقابل أن نحصل على نسبة 10% من قيمة البيع والحصول على المشترى الحقيقى هو الأمر الأصعب وحتى أصعب من الوصول للمقبرة نفسها فالمشترى دائما لا يكشف عن نفسه إلا لحظة الاستلام .

ولإثبات الجدية قمنا بتصوير الحجر الكريم والأوانى الفخارية والجعارين لعرضها على أول وسيط للمشترى والذى يدعى “م.ع” تاجر موبيليات بمنطقة عزبة النخل أمام محطة المترو، وحاول م.ع بعدها الوصول لمعلومات عن المقبرة التى كانت بها تلك الجعارين، مؤكدا أن مكسبنا من بيع المقبرة من خلال البحث عن مشترٍ كبير سيكون خمسة ملايين دولار. 

ولاقناع بائع المقبرة طلبنا منه تصويرها بناء على طلب م .ع كدليل يمكن به إقناع المشترى بها، وكان تصوير المقبرة يخضع لعدة شروط غير قابلة للتغيير وهى أن يبدأ فيديو التصوير بصورة إحدى الجرائد والتى تحمل تاريخ يوم التصوير للتأكيد على أنها لم تباع من قبل وأن عثورها كان من وقت قريب، وكذلك تصوير عدد الدرجات التى نزلنا عليها لدخولها، ثم تصوير جانبى المقبرة من الأعلى للأسفل ببطء لتمكين الخبير من قراءة النقوش الفرعونية والتى تصف محتويات المقبرة، بعدها يقوم بتصوير البوابة بنفس الشكل وتصوير الكتابة التى تعلو البوابة بثلاثين سنتيمتر، حيث إنها تحمل اسم صاحب المقبرة .

الطريق إلى الواحات لتصوير المقبرة

رحلة غموض وخوف إلى الواحات، تطلب المزيد من الحرص والشك، تحسبا لكشف هويتنا، خاصة أن جميع الذين استضافونا هم من أصحاب المقبرة، وانتظروا حلول الليل للتمكن من التصوير وعند الليل ذهبنا مع أربعة من الرجال يتحدثون اللهجة البدوية، وهو ما جعل التعرف على مكان المقبرة أكثر صعوبة، حيث إن الطرق كلها متشابهة، وتحيطها الصحراء ولا علامات يمكن أن تدل على أى شىء، والظلام يكتنف الكون .

وصلنا لمكان المقبرة وازداد الخوف عند النزول، من هواجس ما يسمى بلعنة الفراعنة، خاصة مع الاقتراب من مدخل المقبرة، حيث نزلنا 33 درجة ثم بدأنا بالتصوير بداية من الممر الذى انتهى بنا إلى حجرة كبيرة، وبها عدد من المصاطب وقمنا بتصوير جانبى المقبرة كما هو مطلوب، كانت الأجواء العتيقة للحضارة الفرعونية تخيم على المقبرة المظلمة التى امتلأت جدرانها بالرسومات والنقوش، وهو ما جعل الخوف يختفى بداخلنا فأصبح الأمر متعة غريبة لمشاهدة موقع تلك المقبرة من الداخل ولكن انتقل الخوف لأصحاب المقبرة لشعورهم بطول الوقت الذى استغرقناه بالتصوير وقبل انتهاءنا منه قال حامل الكشاف التابع لصاحب المقبرة:”كافى كافى انتهت البطارية لازم نخرج”.

خرجنا من المقبرة وعدنا لمنزلهم مرة أخرى وبدأنا بالتحدث عن لعنة الفراعنة وأنها الأمر الوحيد الذى أدى لخوفنا وعما نعلمه من وجود حراسة الجن التى يضعها القدماء المصريين لحماية المقبرة من السرقة، وإننا شاهدنا البوابة مغلقة وعلى حد علمنا أنها تتطلب لوجود شيخ ليقوم بفتحها، الأمر الذى أثار ضحكهم، حيث إن الأمر فى نظرهم ليس به أى لعنات أو اعتقاد بوجودها.

تحدثنا معهم عن أسباب تدخل الشيوخ أو المشعوذين بالأمر إن لم تكن هناك لعنة، فقال لنا كبيرهم إن تدخل الشيوخ يكون لأسباب محدده وهى عدم وجود شواهد تدل على وجود مقبرة وقتها يأتى المشعوذ ويبدأ بالهمهمة للتأكيد على وجود المقبرة وأغلبهم يعتمد على النصب لابتزاز الطامعين.

وتابع الكبير المسئول عن محاولة بيع المقبرة: “فتح بوابتها لا يتطلب وجود شيوخ أو مشعوذين لكن يتطلب وجود خبراء يعلمون أسرار العواقب التى تأتى بمجرد فتح المقبرة فتلك المقابر مغلقة منذ آلاف السنين وأمر طبيعى أنها تحتوى على أشياء عفنة وجراثيم تصبح مميتة لمن يستنشق هوائها بعد تفاعلها مع المواد المستخدمة بالتحنيط”، مؤكدا أن البوابة لا تفتح إلا بعد إتمام عملية البيع واستلام المبلغ المطلوب بالكامل وفى حالة فتحها لن تباع على أنها مقبرة بالكامل وتباع قطع وهذا الأمر يستغرق الكثير من الوقت ويقلل من قيمتها الحقيقة .

طريقة فتح باب المقبرة

تطرق الحديث إلى طريقة فتح البوابة وعلى حد فهمنا للطريقة التى شرحها، يرتدى القائمون على فتح بوابات المقابر، ملابس متخصصة، عازلة لأجسادهم، عن أى ملوثات، ويرتدون كمامات للتنفس، مدهونة بالفازلين ويبدأ التنقيب اعلى البوابة بمنتهى الدقة لضمان عدم تسرب الهواء من الداخل وبعد الانتهاء من التنقيب يتم تثبيت خرطوم موصل بأوانى زجاجية، وبها مياه تصل لدرجة الغليان موضوع عليها بعض المواد الكيميائية، والتى رفض ذكر اسمها وعندما تتوقف المياه عن الغليان نعرف أن الهواء أصبح خالى من الجراثيم، ثم تفتح بوابة المقبرة وتترك مفتوحة يوم كامل بعدها دخولها بنفس الملابس المدهونة بالفازلين، ويصطحب هؤلاء “خيش مقطرن” يتم إلقاؤه داخل المقبرة وإشعال النيران به لضمان موت كل الآفات القاتلة التى تخترق أى مسام، بعدها تصبح محتويات المقبرة جاهزة للجمع لكن بطريقة معينة، حيث تجمع بنفس طريقة وضعها بالمقبرة كل على حدة، وتلك هى وظيفة الخبير الذى يشرف على فتح المقبرة، وهو وحده الذى يعلم تسلسل محتوياتها وارتباطها بعضها لبعض.

انتهت رحلتنا بالواحات وعدنا إلى القاهرة لتوصيل تلك الفيديوهات للمشترى لكنه طلب منا إعادة التصوير لوجود أخطاء به، مثل نوع الإضاءة وسرعة الانتقال بالصورة، فلم تكن الكتابات موضحة لمحتويات المقبرة، الأمر الذى زاد من صعوبة إتمام عليمة البيع، وأضاع منا استكمال جولتنا فى تصوير عملية تهريب الآثار .

وأبلغنا أصحاب المقبرة بما وصلنا اليه من نتائج مع المشترى وإن التصوير لم يكن بالجودة المطلوبة وإننا نحتاج للتصوير مرة أخرى ولكنهم رفضوا هذه المرة سفرنا إليهم بعدما تشككوا فى أمرنا .

وعلى الرغم من عدم استطاعتنا الوصول للمشترين، وتصوير عملية البيع، لكن لا يزال أصحاب المقبرة يبحثون عن المشترى الحقيقى حتى الآن، حيث إن أغلب من يتحدث فى هذه التجارة وسطاء طامعين فى الوصول للمشترى والوصول للنسبة التى تجعلهم أثرياء، لذلك تنتشر عمليات النصب والاحتيال حين يفقد الوسيط الأمل فى وجود المشترى الحقيقى ولم يجد أمامه سوى النصب للحصول على بعض الشىء مما كان يطمع فيه.

مقابر أبناء الإله حورس

سمعنا العديد من المعلومات عن مقابر أبناء الإله حورس فى جولتنا التى قضينها فى الواحات ومع من يرغبون فى بيع تلك المقبرة الأمر الذى دفعنا للبحث عن حقيقتها، وفقا لكتب الديانة المصرية القديمة، فالإله حورس ابن الإله “أووزويس” والإلهة “إيزيس” ولديه أربعة أبناء هم “قبحسنوف وحابى ودواموتف وأمستى”.

يرجع نسبهم كما ذكرتهم كتب الديانة المصرية القديمة، بالفصل 112 من كتاب الموتى أن والدهم كان الملك “حورخم” أو “حورس” ووظيفتهم هى حراسة أوانى الأحشاء الأربع، أثناء تحنيط الإله “أوزرويس”.

وكل منهم يحمل رأس تعبر عن مسئوليته عن أعضاء معينة فى جسم الإنسان، “قبحسنوف” كان برأس صقر وهو المسئول عن الأمعاء، و”حابى” برأس قرد ومسئول عن الرئتين، و”دواموتف” برأس ابن أوى ومسئول عن المعدة، “أمستى” برأس بشرية والمسئول عن الكبد. 

وتطورت أشكالهم فى عصر الدولة الحديثة بالتحديد من بداية الأسرة الثامنة عشر وإلى منتصف الأسرة التاسعة عشر، حيث كانوا فى عصور الدولة الوسطى لهم جميعا رؤوس بشرية أما فى عصر الدولة الحديثة فقد تغيرت اشكالهم ليصبح أحدهم على شكل صقر والآخر قرد والثالث إنسان والرابع برأس ابن “أوى” وبالفعل كانت الأوانى التى شهدناها داخل المقبرة تحمل هذه الأشكال الأربعة.

وكانت وسائل الإعلام المصرية والأسبانية قد تداولت العام الماضى وبالتحديد فى العاشر من يناير، أن فريق من علماء الآثار الأسبان جاءوا لمصر بحثا عن مقبرة الإله حورس وعلى رأسهم الباحث “خوسيه مانويل جالان” وأسموه بمشروع حورس، وحسب هذه الأنباء، فإن البعثة واصلوا البحث عن المقبرة منذ 10 سنوات وذكر فريق البحث الأسبانى إن القدماء المصرية قاموا بدفن جسما يمثل الإله حورس عام 2000 قبل الميلاد.

من ناحية أخرى، عرض “اليوم السابع” فيديو المقبرة على الدكتور “طارق سيد توفيق” الأستاذ بكلية الآثار قسم الآثار المصرية بجامعة القاهرة والذى قال “إن النقوش التى شاهدها بالفيديو بارزه وترجع إلى العصر الحديث وإن المقبرة تبدو حقيقة من واقع الرسم الوجود بها”.

وبسؤله عن المبلغ المطلوب نظير بيع محتويات المقبرة والذى يصل إلى 50 مليون دولار أكد أن قيمة المقبرة قد تتعدى هذا المبلغ بكثير وإن قيمتها الأصلية أكبر من المطلوب والآثار التى تباع بالقطع منها ما يصل لهذا المبلغ. 

ومن جانبه أكد الدكتور “عبد الحليم نور الدين” الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الأسبق، أنه لابد من إدراج بنود بالدستور تنص على تجريم الاتجار بالآثار وتجعل حد العقوبة يصل إلى الخيانة العظمى، حيث إن الاتجار بها يعد عبث بأملاك الدولة .

واستكمل نور الدين حديثة عن الاتجار بالمقابر قائلا “من الممكن سرقة قطعة أثرية لكن مقبرة بأكملها أمر يصعب عليا تصوره، خصوصاً إن هناك العديد من أعمال النصب والاحتيال التى تتم بشكل مطابق للآثار الحقيقة”، وأشار إلى مدى أهمية الكشف عن مرتكبى تلك الجرائم حتى وإن كانوا من المزورين حيث لا يمكن الكشف عن الصدق أو التزوير إلا من خلال الخبراء المتخصصين والأمر يتعلق بتاريخ بلادنا وليس بالاحتيال أو بالبيع فقط .

واتفق معه بالرأى “مختار الكسبانى” أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، حيث يقول “الاتجار بالآثار عبث بتاريخ البلاد ولكنها انتشرت بالسنوات الماضية والأمر يحمل العديد من عمليات النصب حتى وصل لخلق مستنسخات وبيعها للعرب على أنها قطع أثرية”.

يذكر أن عقوبة الاتجار بالآثار تم تقليلها فى ديسمبر لعام 2009 حيث كانت أول عقوبة على تجار الآثار هى الأشغال الشاقة المؤبدة من 25 أو 15 عاما والغرامة المالية بـ”100 أو 200″ ألف جنيه وأصبحت السجن والغرامة دون اشتراط مدة أو مبلغ معين وهو ما دفع الكسبانى للمطالبة بوضع بند بالدستور يجعلها تصل إلى حد الخيانة العظمى.

وفقا لبيانات وزاره الداخليه فى 2012 فإن:

– 5.697 هى عدد عمليات الحفر غير المشروعة بحثا عن الآثار منذ اندلاع الثورة بزيادة 100 مرة عن العام السابق 2011

– 1467 حالات الاتجار غير المشروع للآثار

– 130 حالة تهريب آثار للخارج

– 35 شخصا قتلوا فى حوادث لها علاقة بعمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار دفن منهم 10 أحياء بمدينة نجع حمادى فى مارس 2012 حينما انهارت عليهم الحفرة التى قاموا بحفرها كما قتل الآخرون فى نزاعات بين المجرمين أنفسهم عند تقاسم الموجودات.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *