قانون حق الحصول على المعلومات: الجزء الثاني

23 نوفمبر 2010

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على إقراره،5%من الصحفيين استخدموا قانون ضمان حق الحصول على المعلومة.

الحكومة تلوم الصحافة لعزوفها عن استخدام القانون وخبراء يقولون “القانون لم يخلق للصحفيين.

كشف استطلاع للرأي أجرته العرب اليوم أن 95%من الصحفيين لم يستخدموا قانون “ضمان حق الحصول على المعلومة أثناء تأدية عملهم. و أظهر الاستطلاع، الذي شمل 130 صحفيا من مختلف الوسائل الإعلامية وأشرف على إعداد أسئلته واختيار العينة مدير وحدة الاستطلاعات في مركز الدراسات الإستراتيجية سابقا الدكتور محمد المصري، أن 49% (ما يقرب من نصف المستطلعين) لا يستخدمون القانون لاعتقادهم بوجود “وسائل أخرى أكثر فاعلية في الوصول إلى المعلومة، فيما يحجم21% (نحو خُمس هذا العدد) عن استخدامه نتيجة “مماطلة المؤسسات في الاستجابة لطالب المعلومة”، وبرر ثلاثة أعشار العينة عدم استخدامهم القانون “بالجمود في إجراءاته وبنوده”.

عزوف الصحفيين عن القانون وهم أكثر الفئات تعاملا مع المعلومات بدا جليا منذ السنة الأولى لإقراره؛ إذ تشير أرقام دراسة أعدها مركز الأردن الجديد للدراسات عام 2009 إلى أن حوالي 42 % من الصحفيين لا يعرفون ما هو قانون ضمان حق الحصول على المعلومة .

تلكؤ الحكومة في التعامل مع القانون، وعدم وجود رغبة حقيقية لديها في تسهيل انسياب المعلومة للمواطنين، يعتبران السبب الرئيسي في إحجام الصحفيين عن استخدام القانون بحسب ما توصل إليه الجزء الأول في التحقيق .

اليوم تكشف العرب اليوم أسبابا أخرى أدت إلى الشلل التام في تفعيل القانون رغم مرور ثلاث سنوات على إقراره في بلد يفاخر بأنه أول من اقر مثل هذا القانون في العالم العربي.

الحكومة ترمي الكرة في ملعب الصحفيين

قصور الحكومة في تفعيل قانون ضمان حق الحصول على المعلومة، لم يحل دون تحميلها المسؤولية في ذلك للصحفيين. لعل أبرز الأمثلة على ذلك هو تصريح رئيس الوزراء الأسبق نادر الذهبي في الأيام الأولى من شهر اكتوبر عام للعام الماضي؛ إذ قال الرئيس في حينه:” للأسف حتى هذا اليوم لم يتقدم أي مواطن أو أي صحافي عبر القنوات الرسمية بطلب الحصول على معلومة”.

غاب عن علم الذهبي وقتذاك أن اثنين من الصحفيين على الأقل تقدما بطلبات حصول على المعلومة قبل تصريحه بأشهر؛ فالكاتبة والصحفية رنا الصباغ قدمتا طلبا للحصول على المعلومة لمفوض المعلومات قبل نحو ستة أشهر من تصريح الذهبي، مطلع شهر نيسان من نفس العام، بغية “الإطلاع على نسخة من العقد المبرم بين الحكومة والمعهد الأردني للإعلام لقاء استئجار مبنى المجلس الأعلى للإعلام لصالح المعهد. وكانت أنباء تسربت بأن المعهد استأجر المبنى لقاء مبلغ رمزي ” حسب الصباغ، التي لم تحصل على رد حتى الان .

أما كاتبة التحقيق فتوجهت بطلب حصول على المعلومة، قبل تصريح الذهبي المشار إليه سالفا بنحو عام كامل، من دائرة قاضي القضاة يتعلق بأوضاع المحاكم الشرعية، لتتم الاستجابة للطلب بعد أسبوعين على تقديمه .

فهد الفانك رئيس مجلس إدارة صحيفة الرأي المقربة من الجهات الرسمية يتوافق رأيه في مقال له نشر في تموز الماضي ، مع رئيس الوزراء الأسبق. يعتقد الرجل ” أن الصحفيين يشكون في الأردن من صعوبة الحصول على المعلومات بسبب كسلهم، يكفي القول أنه حتى الآن لم يتقدم صحفي بطلب معلومات وفق القانون والإجراءات المنصوص عليها”.

في الواقع لا توجد آلية حكومية لرصد عدد المقدمين بطلبات الحصول على المعلومات سواء من قبل الصحفيين أو غيرهم بحسب مفوض المعلومات مأمون التلهوني؛ فمجلس المعلومات “يقوم فقط بإحصاء عدد الشكاوى المقدمة من طالبي المعلومة بعد امتناع المؤسسات عن تزويدهم بالمعلومات، والتي بلغت ستاً في ثلاث سنوات. و يستدرك التلهوني بالقول إن القانون ” لم يختبر بجدية من قبل الصحفيين بصفتهم الأكثر تعاملا مع المعلومات (…) فكيف يطالبوننا بتعديل شيء لم يجربوه؟!!”.

إلا ان القانون لم يحظ بالترويج بين العامة؛ فالحكومة عقدت أربع ورشات عمل فقط للتوعية بالقانون، ثلاث منها 2008 و واحدة عام 2010 ضمت ما يقرب من 100 مشارك فقط يتوزعون بين صحفيين، عاملين في الوزارات وقانونيين. كما اشتمل الترويج حملة أعلانية لمدة ثلاث أشهر،على شكل إعلانات مدفوعة الأجر في وسائل الإعلام المحلية الرسمية والخاصة .

مصدر مقرب من مجلس المعلومات أكد أن الحكومة ” لم تخصص ميزانية خاصة لترويج القانون، وإنما اقتطعتها من ميزانية وزارة الثقافة وأن المبلغ لم يتجاوز ال 50 الف دينار ، علما أن الصفحة الواحدة للإعلان الحكومي في الصحف اليومية الأكثر انتشارا يتجاوز 2800 دينار .

القانون لا يصلح للصحفيين

لا يرغب الصحفي السابق في راديو عمان نت محمد الخطيب تكرار تجربته مع قانون ضمان حق الحصول على المعلومة؛ بعد أن أمضى أربعة أشهر محاولا الوصول الى معلومة من البنك المركزي عبر استخدام القانون، لكن الخطيب لم يحصل على شيء، فيما أسدل الستار برفض البنك التجاوب معه.

تلك المدد الزمنية للحصول على المعلومة و التي نص عليها في المواد 9-17 “غير منطقية ولا يستطيع صحفي يتطلب عملة سرعة في تناقل الأنباء التعامل معها ” كما ترى دكتورة الإعلام في جامعة اليرموك مها الخصاونة .

و بحسب تلك المواد فإن على المؤسسة الالتزام بالرد على طالب المعلومة خلال 30 يوما. أما إن أراد الطعن في قرار المؤسسة، فعليه الانتظار لنحو شهرين أن تظلم لمحكمة العدل العليا، وشهر إن قدم شكوى لمجلس المعلومات صاحب القرارات غير الملزمة بالنسبة للحكومة.

الصحفيون مسؤولون عن فشل القانون

لم يكن قانون ضمان حق الحصول على المعلومة ثمرة مثابرة مؤسسات إعلامية أو حقوقية شعرت بالحاجة الماسة لوجود قانون يحمي حقها يتدفق وفير للمعلومات حسب ما رصد في التحقيق.

و في استرجاع لميلاد فكرة القانون يكشف الرئيس السابق للمجلس الأعلى للإعلام المنحل إبراهيم عز الدين . “عن رغبة تولدت آنذاك لدى مطبخ صنع القرار في الأردن بسن قانون معلومات يحسن صورة البلاد في مجال حرية التعبير” . ليكون القانون صنيعة حكومية بمباركة خجولة من خبراء لم يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.

نقيب الصحفيين الأسبق طارق المومني أكد أنه كان حاضرا أثناء إعداد القانون كممثل عن الصحفيين، وأن القائمين عليه استعانوا خلال صياغته بأكثر من ثمانين قانون لدول مختلفة في العالم، بيد انه لم ينكر الحاجة الماسة “لتعديل بعض بنود القانون ليكون أكثر ملائمة للصحفيين”.

رغم هذا الاعتراف بالحاجة لتعدل القانون إلا أن نقابة الصحفيين لم تقدم لائحة مطالب إلى الحكومة توصي بذلك رغم مرور ثلاث سنوات على إقرار القانون، و في الذاكرة لائحة المطالب التي قدمها الائتلاف النسوي في الأردن تمكن بموجبها من تعديل نحو خمس مواد إشكالية في قانون الأحول الشخصية .

فتور النقابة في هذا السياق يجد تبريره لدى نائب نقيب الصحفيين حكمت المومني “بالانشغال في إعداد مسودة قانوني نقابة الصحفيين والمطبوعات والنشر، لافتا ان العمل على تعديل قانون ضمان حق الحصول على المعلومة سيجري في وقت قريب” .

وانعكست هذه الحالة على الصحفيين انفسهم، لعدم إلمامهم واهتمامهم بتفعيل القانون، كما تبين نتائج التوزيع الأولى للاستطلاع الذي أجري صالح التحقيق؛ إذ لم يستخدمه سوى 30 % فقط، من عينة عشوائية شملت 130 صحفي كان من بينهم رؤساء تحرير.

لكن المفاجئة كانت لدى محاولة كاتبة التحقيق توثيق كل حالة أجابت باستخدامها القانون على حده؛ إذ تبين أن جميع المستطلعين لم يستخدموا القانون بشكل صحيح باستثناء ستة منهم. السبب يكمن وراء سوء الفهم الحاصل ومرده عدم تفريق المستطلعين بين تقديم طلب لمؤسسة ما تبعا للإجراءات المرعية في القانون، وبين تقديم كتاب رسمي للمؤسسة أو طلب المعلومة من خلال الهاتف .

المؤسسات الإعلامية كافة كما وجد التحقيق، لم تقدم على استخدام قانون حق الحصول على المعلومة بصفتها المؤسسية كأداة ضغط على الحكومة وكوسيلة لاختبار القانون. المحاولات الصحفية، كان منبعها رغبات فردية لبعض الصحفيين .

شركاء أخرون في المسؤولية

ليس الصحفييون وحدهم من يجهل تفاصيل القانون؛ مجلس النواب هو الآخر لم يكن على” قدر كاف من الإلمام والمعرفة بالقوانين والتشريعات الإعلامية خلال مناقشته ، و هو ما ساهم في خروجه من البرلمان بالصيغة الحالية غير المقبولة “وفقا لرأي المحامي المختص بقضايا النشر محمد قطيشات.

السير الذاتية لأعضاء للجنتي الحريات والقانونية، المسؤولتين عن مراجعة القانون قبل عرضه على باقي أعضاء البرلمان، تكشف عن غياب الخبرة في مجال التشريعات الإعلامية وحرية المعلومات كما تبين للعرب اليوم ،إذ تتوزع خبرات نواب اللجنتين بين العمل في الحقل الأكاديمي ووظائف الدولة البيرقراطية ،وحتى المحامين منهم انحصرت خبراتهم في القوانين التجارية المتنوعة .

عزوف الصحفيين عن توظيف قانون حق الحصول على المعلومة معطوفا على هشاشة الأخير و عدم إلزاميته كما بين التحقيق، يجعل من العمل الصحفي في جوانبه الإخبارية و التحليلية أشبه بلعبة تركيب الصور المتناثرة”البزل” كما يصف الكاتب و المحلل السياسي محمد أبو رمان. لعبة لا تستند على أرضية صلبة من التيقن، و تبقى رهينة لتخمينات الصحفي الواقف بباب المصدر آملا أن يجود هذا بما يستحق الكتابة.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *