مستودعات الوقود «السرية».. «قنابل» على وشك الانفجار

3 أبريل 2013

تقرير خبري

 الحاج «زين»، مواطن حول الدور الأرضى بمنزله إلى مخزن للبنزين والسولار، يبدأ يومه فى الثالثة صباحاً وينهيه عند منتصف الليل.. يخرج بسيارته فارغة ويعود بها إلى مخازنه قبل بزوغ الفجر وهى مليئة بالسولار والبنزين «المدعم» ليبدأ البيع للمواطنين.

يفتح الحاج «زين» مخازنه طوال النهار، أمام الأهالى «العملاء» فى قرية «منية سندوب»، التابعة لمركز المنصورة، حيث يصطفون لشراء السولار والبنزين «٨٠»، فى سهولة ويسر، وكأن مصر لا تشهد أزمة خانقة فى هذا الوقود الحيوى للنقل والزراعة.

على مدار ثلاثة أيام، رصدت «المصرى اليوم»، الحاج «زين»، وهو يبيع المواد البترولية المدعمة للمواطنين، ولاحظنا أنه يخرج فى جنح الظلام ويعود قبل أن تشرق الشمس بشاحنته محملة بتلك المنتجات البترولية التى حصل عليها من إحدى محطات الوقود من «سندوب» أو من بلدة «دكرنس» المجاورة، ثم يبدأ بيعه للجمهور فى مخالفة للقانون الذى يحظر بيع الوقود خارج محطات تموين السيارات.

يقول «محمود. أ»، عن جاره: «الحاج زين، بدأ تلك التجارة بمحل صغير يبيع فيه البنزين لـ(التوك توك) فى القرية، ثم توسعت تجارته مع تفاقم أزمة الوقود، ليحول الدور الأرضى كله فى منزله إلى (مخزن) لبيع السولار والبنزين للجمهور».

منذ أن تفجرت أزمة السولار، خاصة فى أنحاء مصر قبل نحو العام، انتشرت مخازن السولار «غير القانونية»، على غرار مخزن الحاج «زين»، فى أنحاء قرى محافظة الدقهلية، البالغ عدد سكانها حوالى ٦ ملايين نسمة، حيث يباع السولار والبنزين «٨٠»، بأسعار أعلى كثيراً من السعر المدعم المعروض فى محطات الوقود، وتصطف السيارات فى طوابير تمتد مئات الأمتار لساعات طويلة، تشهد معارك حامية تصل إلى استخدام الأسلحة النارية.

تنشر الصحف يومياً أخباراً عن وقوع اشتباكات بين المواطنين فى محطات بيع الوقود، ويحصل أصحاب هذه المخازن على السولار والبنزين عن طريق شرائه من تلك المحطات، ويبلغ سعر لتر البنزين «٨٠» الرسمى المدعوم «٩٠ قرشاً»، بينما يبيعه الحاج «زين» بسعر السوق السوداء «١٥٠ قرشاً»، أما السولار فيبلغ سعره الرسمى «١١٠ قروش»، فى حين يتراوح سعره فى السوق السوداء بين «٢.٥ و٣.٢٥» جنيه.

وفى تجربة لشراء البنزين «٨٠» فى جراكن، كان الأمر يسيراً، رغم أن القانون يحظر بيع المواد البترولية المدعمة خارج محطات الوقود المرخصة، كما يحظر القراران الوزاريان ١٠٢ و١٠٣ لسنة ٢٠١١ بيعها فى جراكن أو عبوات، حيث يقتصر البيع على تموين السيارات فى المحطات الخاصة بذلك.

وقفت «كاتبة» ذلك التحقيق، فى طابور من المواطنين، يحملون الجراكن ويزاحمون السيارات فى محطة للوقود بمدينة المنصورة، ومقابل السماح بملء «الجركن»، يدفع المواطن خمسة جنيهات للبلطجية، ثم يدفع ٢٥ جنيها للمحطة مقابل ٢٠ لتراً قيمتها الرسمية ١٨ جنيهاً.. لا يختلف الأمر عند ماكينة بيع السولار، بحسب ما حدث معنا، والروايات المتطابقة التى جمعتها «المصرى اليوم»، من آخرين، اصطفوا بالطابور نفسه، حيث يستغرق الوقوف فى الطابور ما بين ساعة وساعتين حسب الزحام.

وأمام محطة الوقود تلك، حول أحد المواطنين مدخل منزله إلى مخزن لجراكن البنزين والسولار، حيث يبدأ البيع بعد انتهاء حصة المحطة. قنابل موقوتة داخل الكتلة السكنية

ما يزيد الأمور سوءاً، أن تلك المخازن تقع عادة فى شوارع ضيقة داخل القرى، ويصعب دخول سيارات الحريق والإسعاف إليها، مما قد يتسبب فى مزيد من الخسائر فى الأرواح والممتلكات.

ويحذر العميد أسامة شعبان، مدير الدفاع المدنى بالمحافظة، من انتشار أماكن بيع الوقود غير القانونية وسط المبانى السكنية قائلاً: «هذه المخازن قنابل موقوتة تهدد حياة آلاف المواطنين»، مشدداً على أن المحافظة، شهدت بالفعل حوادث «انفجار» لتلك المخازن التى لا تراعى أى معايير للسلامة والأمن، حيث قُتل فى حادثة واحدة فقط، نهاية شهر يناير الماضى، بقرية كوم الدربى، ستة أشخاص حرقاً، بينهم أربعة أطفال، وأصيب ١١ شخصاً بحروق مختلفة، واختناق، إضافة إلى احتراق وانهيار خمسة منازل.

يضيف «شعبان»، أنه وقع حادث آخر الشهر الجارى، بعزبة أم السيد، بقرية دميانة، حيث اشتعلت النيران فى منزل أسفله مخزن، وأثبتت التحقيقات أنه كان يضم أربعة أطنان من الوقود، وامتدت النيران إلى عدة منازل، انهار أحدها وتصدع اثنان آخران، فيما أصيب خلالها ١٤ شخصاً بحروق، وفى العام الماضى سجل الدفاع المدنى ست حوادث مماثلة.

مخزن الحاج «زين»، مثال على ذلك، فهو قائم فى شارع ضيق بقرية سندوب، وتصطف فى المخزن البراميل والجراكن المليئة عن آخرها بالسولار، مما ينبئ بكارثة وشيكة إذا اتصل هذا الوقود بأى مصدر مشتعل مثل عقب سيجارة، أو حتى إذا ارتفعت درجة الحرارة وتعرض لأشعة الشمس.

أما مخزن «هانى.س.ع»، الذى اقتحمته الشرطة هذا الأسبوع لمصادرة ما فيه من وقود مدعم، فيقع فى شارع رئيسى بقرية البدالة، بمركز المنصورة، حيث يوجد قرب بوابة المخزن «برميلان» من السولار، مثبت بهما صنبوران، وأسفلهما «قمع» ومكيال حجمه لتر للبيع للجمهور. فى شهر نوفمبر الماضى، أصدر وزير التضامن والعدالة الاجتماعية السابق، جودة عبدالخالق، قراراً يحظر بيع البنزين «٨٠» والسولار فى جراكن أو زجاجات، وقصر بيعهما فى محطات تموين السيارات مباشرة، وذلك للحد من الاتجار فى المواد البترولية التى يخصص لها مليارات الجنيهات من الدعم بالموازنة العامة، وكان وزير البترول أسامة كمال، أوضح فى تصريحات صحفية هذا الشهر، أن حجم الدعم للبنزين بكل أنواعه فى موازنة الدولة يبلغ ٢٠ مليار جنيه سنوياً، والدعم للسولار ٥٥ ملياراً.

لكن يبدو أنه سيتعذر منع بيع الوقود فى جراكن، فالمزارعون مثلا يستخدمون الجراكن فى شراء احتياجاتهم من السولار اللازم لتشغيل آلات الحصاد. ويؤكد محمد نعمان، وكيل وزارة التموين بالمحافظة، ذلك الأمر قائلاً: «لا يمكن منع بيع السولار للفلاحين فى جراكن لأنه لا يمكن نقل معدات الرى وآلات الحصاد إلى محطات الوقود لتموينها»، موضحاً أن حصة المحافظة من السولار ارتفعت قبل ثلاثة أشهر إلى ١.٧ مليون لتر من حوالى مليون لتر لمواجهة الأزمة، ومن بين الاقتراحات المطروحة لتيسير حصول المزارعين على السولار أو البنزين «٨٠» توزيع «كوبونات» على الجمعيات الزراعية بالتنسيق مع مديرية التموين.

ومما يفاقم من تحدى «مخالفة القانون»، عدم توافر عدد كافٍ من مفتشى التموين، لنشرهم حسبما يقول «نعمان»، حيث يشير إلى أنه لم يتم تعيين أى مفتش تموين بمديرية الدقهلية منذ عام ١٩٨٦، وعدد كبير منهم أصبح قريباً من سن المعاش، إضافة إلى أنه لا توجد شرطة تحمى مفتش التموين من التعدى عليه بالمحطات.

ويرى المعنيون بتنفيذ القانون، أنه يجب الاهتمام بتشديد التشريعات كى يتسنى التصدى لتلك الظاهرة. حيث يقول العميد أسامة فرحات، مدير مباحث التموين بالدقهلية: «نضبط يومياً مخازن غير قانونية تبيع البنزين ٨٠ والسولار فى القرى، لكن أصحابها يعودون لمزاولة نشاطهم مرة ثانية لأن العقوبات غير رادعة»، ويؤكد أنه فى الشهرين الماضيين فقط تم ضبط حوالى ٢٠ مخزناً غير قانونى للبنزين والسولار، بمختلف قرى المحافظة.

ويشكو العميد «فرحات»، عدم صرامة القانون، قائلاً: إن القانون ينص على عقوبة الحبس من سنة إلى ٥ سنوات أو الغرامة من ٣٠٠ جنيه إلى ألف جنيه، أو العقوبتين معاً، لكن «القانون لا يسمح لى بالقبض على صاحب المخزن، أو تاجر السوق السوداء، حيث يقوم فقط بتحرير محضر وعمل قضية، ويدفع صاحب المخزن فرق الدعم للكمية المضبوطة لديه ثم تستمر القضية بالمحاكم ويكتفى القاضى عادة بالغرامة».

فيما يقول محامون، إن مثل هذه القضايا قد تستمر بضع سنوات، وتنتهى فى كثير من الأحيان بالبراءة بسبب ثغرات فى إجراءات الضبط.

حيث ينص القانون على ضرورة الحصول مسبقاً على إذن من النيابة لاقتحام محل مغلق، كما أكد محمد حفنى، مدير النيابة بالمنصورة، أنه «لا يجوز لجهات الضبط مداهمة أى منزل أو منشأة أو محل مغلق إلا بعد استصدار إذن من النيابة العامة وفق الدستور، وأنه فى حالة مخالفة ذلك يتم الدفع ببطلان إجراءات الضبط أمام النيابة أو المحكمة ويقضى ببراءة المتهم».

كما يوضح العميد «فرحات»، ذلك الوضع على أرض الواقع قائلاً: «نضبط يومياً مخازن غير قانونية تبيع البنزين ٨٠ والسولار فى القرى، لكن أصحابها يعودون لمزاولة نشاطهم مرة ثانية لأن العقوبات غير رادعة».

ويتجلى ذلك فى قيام «هانى.س.ع»، بإعادة فتح مخزنه ومزاولة تجارته فى الوقود المدعم بعد ساعات من مداهمته، أما الحاج «زين» فإما أنه كان حسن الحظ، وأغلق محاله قبل وصول الشرطة، أو أن أحداً ما قام بتنبيهه بالحملة مسبقا.

«تم إعداد هذا التقرير الإخبارى بدعم شبكة (أريج)، إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، ضمن برنامج تدعيم الإعلام لتغطية قضايا الإدارة العامة فى المحافظات».


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *