مخلفات 4 مصانع في الدقهلية تنهش أجساد المواطنين

14 أغسطس 2014

تحقيق استقصائي

 الشروق  على السطح، يبدو مشهد الحياة طبيعيًا للمزارعين في قرى مركز المنصورة التابع لمحافظة الدقهلية، ثالث أكبر المحافظات من حيث الإنتاج الزراعي، حيث تسهم بـ 8.3% من مساحات مصر الخضراء، لكن تحت أرض زراعاتها تجرى مياه ملوثة تسمم في طريقها المحاصيل وأكباد المصريين.

تصدّر محافظة الدقهلية داخليًا نسبة كبيرة من محاصيلها إلى المحافظات المجاورة وصولا إلى الجيزة والقاهرة، وينتج فلاحو المنصورة البالغ عددهم 414 ألفًا و762 نسمة الغذاء في 55 قرية.

توارى بعضهم عن أعين الأجهزة الرقابية باستخدام مئات المضخات المخفية بين الأشجار، والمربوطة بمصرف صناعي، تتدفق إليه مخلّفات أربعة مصانع حكومية أقيمت قبل نصف قرن بين أحياء هذه القرى. ويسحب الفلاحون مياها ملوثة من مصرف (المنصور المستجد) لزراعة خضراوات وفواكه، في خرق لقرار حكومي (2002) بحصر مياه الصرف الصحي «المعالجة» في سقى أشجار زينة (خشبية وتجميلية).

قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة رقم 603 لسنة 2002 منع استخدام مياه الصرف المعالج وغير المعالج فى رى الزراعات التقليدية، وحصر استخدامها فى رى الأشجار الخشبية وأشجار الزينة.

تلقى المصانع مخلفاتها فى المصرف بدون معالجة منذ تسع سنوات، فى خرق لقانون البيئة الصادر عام 1994 والمعدل عام 2005، والذي تصل عقوبة المخالفين فيه إلى سحب رخصة المصنع.

قرار وزير الزراعة رقم 1083 لسنة 2009 والقاضي بالإزالة الفورية للزراعات الغذائية المروية على مياه الصرف الصحي المعالج واستخدام القوة الجبرية في التنفيذ وذلك على نفقة المخالفين.

وبموجب قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، والمعدل عام 2005 يحظر على جميع المنشآت تصريف سوائل غير معالجة من شأنها إحداث تلوث فى الشواطئ المصرية، ويعد كل يوم من استمرار التصريف المحظور، مخالفة منفصلة (..) وعلى الجهة الإدارية المختصة المحددة إجراء تحليل دوري في معاملها لعينات المخلفات السائلة المعالجة وإخطار الجهات الإدارية المختصة بنتيجة التحليل. وفى حال المخالفة يمنح صاحب الشأن مهلة مدتها شهر واحد لمعالجة المخلفات لتصبح مطابقة للمواصفات والمعايير المحددة. فإذا لم تتم المعالجة خلال المهلة المشار إليها أو ثبت من التحليل خلالها إن استمرار الصرف من شأنه إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة المائية، يوقف التصريف بالطريق الإدارى ويسحب الترخيص الصادر للمنشأة.

ويخرق الفلاحون أيضًا قرارا لوزير الزراعة (2009) يحظر سقى «الزراعات الغذائية» بمياه صرف صحي أو مخلفات صناعية «معالجة»، ويأمر بإزالة المزروعات فورًا «باستخدام القوة الجبرية على نفقة المخالفين».

تتجمع ملوثات المصانع في المصرف الذي يخترق 17.500 فدان بطول 23.15 كيلومتر، وفقًا لما تظهره خرائط الإدارة المركزية للموارد المائية التابعة لوزارة الري.

رغم ذلك لم تحرر وزارة الزراعة أي مخالفة بحق أى فلاّح، رغم أنها مسئولة عن تطبيق القرار.

كما رصد معد التحقيق تقصيرا لدى إدارتي الري والزراعة، اللتين تحصران جولات الرقابة بساعات الدوام الرسمي. وتوصل أيضًا إلى أن العقوبات الواردة فى قانون البيئة لا تردع المصانع التى تتملص من المخالفات و«تتحدّى منفذّي القانون»، وسط ضعف رقابة وزارتي البيئة والزراعة.

رئيس الإدارة المركزية لإقليم شرق الدلتا (بجهاز شئون البيئة) الدكتور هشام محمد ربيع يؤكد أن جهازه «يتعامل ويتفاعل مع قضايا البيئة بحزم شديد، بالتفتيش على جميع مصانع شرق الدلتا، ليتم تحرير محاضر لجميع المصانع المخالفة».

ويقول د. ربيع إن الجهاز يتابع «المصانع الأربعة التى تصرف ملوثاتها نحو مصرف المنصورة»، مؤكدا تحرير تقارير فنية بحق مصانع «النيل الزراعى، الزيوت والصابون، الغزل والنسيج، كما يتم تنفيذ حملات تفتيش ورقابة دورية على تلك المصانع للتأكد من توفيق أوضاعهم».

ويؤكد د. ربيع أن مصنع الراتنجات عاد إلى العمل، ليتم التفتيش عليه فيما بعد ويثبت مخالفاتة البيئية مرة أخرى. وطلب من المصنع مجددا معالجة بيولوجية وكيميائية للملوثات مع استمرار حملات الرقابة الدورية عليه.

«الرى» و«الزراعة» قاصرتان

مسئول فى الإدارة المركزية للرى والموارد المائية، فضّل عدم الإفصاح عن هويته بسبب حساسية عمله، يبرر عدم وجود محاضر للفلاحين أو أى إجراءات ضدهم، «لأنهم يعمدون إلى الرى فجرًا وخارج أوقات العمل الرسمى لموظفى الرى».

ويشرح المسئول: «تجرى عملية سحب المياه والسقاية سرًا، ومن ثم إخفاء ماتورات نقل المياه. كما أن الإدارة «لا تحرر مخالفات بحق مزارعين إلا بعد أن يتقدم مواطنون بشكوى إلى مديرية الزراعة، ومن ثم تحوّل مديرية الزراعة الشكوى إلى الإدارة المركزية للرى والموارد المائية».

ويرى المسئول ذاته أنه «لا يوجد بديل للرى عن المصرف كون الأراضى فى نهايات الترع، وهى مشكلة عامة فى مصر ولا تستطيع الدولة تحمل عبء شق الترع فى المرحلة الحالية نظرًا للتكلفة العالية».

ولا يطلب الفلاح ترخيصا برفع المياه «لأننا سنرفض الطلب، بما أنها مياه صرف، وليست للرى. إلا أن الفلاحين يصرون على المخالفة بالرى من تلك المياه».

الزراعة: لا شكاوى

من جانبه، يقول أحمد الطواشى المهندس فى قسم الإرشاد الزراعى بمديرية الزراعة بالدقهلية: «غالبًا لا يأتى الفلاح أو المواطن لتقديم شكوى بسبب الجيرة أو علاقات المزارعين ببعضهم».

استخدام المياه الملوثة جعل تربة الأراضى المجاورة للمصرف المفترض أن يصفّى المياه الداخلة إليه بعد خروجها من المصنع معالجة غير صالحة للزراعة، وفق ما أثبتته فحوص نفذها كاتب التحقيق، بعد جولات ميدانية فى هذه القرى على مدى 13 شهرًا.

ويشرح أطباء اختصاص بأن تلوث المياه المستمر يرفع احتمالات الإصابة بالفشل الكلوى وأمراض الجهاز الهضمى بين أهالى الدقهلية المقدر عددهم بأكثر من خمسة ملايين نسمة، 5.5 % من سكان مصر المقدر ب 90 مليون نسمة. وتشكّل الزراعة عماد حياة 10 % من سكان هذه المحافظة.

جهاز شئون البيئة بالدقهلية العامل بقرار رئاسى منذ 1997 حرّر 17 مخالفة بيئة بحق المصانع مجتمعة بين عامى 2004 و2013، تتراوح بين صرف ملوثات تضر المياه والإضرار بالتربة والإنسان.

خلال جولات فى محيط المصرف، بصحبة أحد موظفى قسم الإرشاد الزراعى بالدقهلية، وثّق معد التحقيق بالصور قيام فلاحين بالرى من مياه المصرف مباشرة. وعاين أيضا شرب قطعان من الماشية من مياه المصرف مباشرة، ورعيها على زراعات تسقى منه أيضا.

إثباتات مخبرية

تحاليل مخبرية ل32 عينة التقطها معد التحقيق بمساعدة متخصصين من المصرف الرئيسى وشبكة التصريف أثبتت تلوث المياه بعناصر كيميائية وترسبات تضرب صحة الإنسان.

الدكتور زيدان شهاب الشال من مركز البحوث الزراعية قسم البساتين يعلق على نتائج العينات (الصادرة عن المركز بإيصال رقم 884 بتاريخ 7/12/2013) بأن «رى المنتجات الزراعية خضراوات وفاكهة بمياه صرف معالجة يحمل مخاطر كبيرة على الصحة». فارتفاع تلك العناصر فى المياه والتربة يسبب أمراضا، ذلك أن النيكل والكوبالت والزئبق والرصاص والمنجنيز تؤثر على المخ والأعصاب والكلى وتسبب أمراضا سرطانية فى الدم. كما يؤثر الكوبالت على الغدد الدرقية والزئبق والكادميوم على الكلى.

وعن نتائج العينات المتماثلة، يخلص د. الشال إلى نتيجتين: «هذه المياه غير صالحة إطلاقا لرى الأراضى، والتربة أصبحت غير صالحة للزراعة ويجب معالجتها ما يجعل المياه تؤثر على بناء التربة، ومحتواها من العناصر الثقيلة المضرة». هذه المعادلة «تؤثر على النبات والحيوان الذى يستخدم أعلاف تلك الأراضى، ومنتجاته، ومن ثم صحة الإنسان وتسبب ضررًا بالغًا للمستهلكين».

ويذهب د. الشال إلى التحذير من ضرر مستقبلى لمخزون المياه الجوفية: «هناك مناطق محرومة من مياه الشرب، تستخدم طرمبات حبشية لرفع المياه من أجل الشرب، وتختلط الملوثات بالمياه الجوفية، لعدم قدرة النبات والتربة على امتصاص المواد الثقيلة، فيصاب مستخدموها بالأمراض. كما تضر بالمياه الجوفية بسبب تغيّر مناسيب طبقات الأرض».

الدكتور السعيد لطفى الباحث فى مركز البحوث الزراعية قسم البساتين يؤكد أيضا «احتواء عينات التربة على نسب مرتفعة من العناصر الثقيلة، التى تتراكم فى التربة ليمتصها النبات. وبمرور الوقت يحدث تسمم للنباتات ولن تنجح الزراعة فى تلك التربة».

رئيس الاتحاد النوعى للبيئة محمد الشناوى يضيف أن «عينة المياه المرسلة إلى جامعة المنصورة الصادرة بتاريخ 7/11/2013 تحوى 2.7 % فورمالدهيد، وهى نسبة مرتفعة لمادة مسرطنة بشكل مباشر.

وأثبتت التحاليل أيضا أن الأس الهيدروجينى بلغ ph 7.65 ملجم / لتر وهو غير مطابق للنسبة المقررة وهى 8.4 ملجم / لتر وcod 225 ملجم / لتر وهو كمية الأوكسجين المستهلكة كيميائيا، من النسب العالية التى تسبب الأمراض» والحد الأقصى المسموح بة هو 50 ملجم / لتر وفقا لقانون البيئة.

التقاط العينات وفحصها

أجرى معد التحقيق 32 نوعا من التحاليل لعينات من مياه المصرف، وماسورة الصرف النهائية على المصرف لكل من مصنعى الراتنجات، والغزل والنسيج، لاشتراك المصنعين فى خط سير الصرف. سحبت عينات أخرى من الأراضى الزراعية المجاورة للمصرف، على يد متخصصين. وتم توثيق عملية سحب تلك العينات بحيادية وتماثلية (عدة قطع طينية من أراض مختلفة وعينات من عدة مناطق حول المصرف يتم خلطها ببعضها وكذلك بالنسبة لعينة المياه من المصرف).

أرسلت ثلاثة أنواع من التحاليل؛ عينة مياه من ماسورة الصرف إلى وحدة التحاليل الدقيقة بكلية العلوم فى جامعة المنصورة، كما أرسلت العينات المتماثلة من التربة الزراعية ومياه المصرف إلى معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة.

وتم إرسال جميع التحاليل على عينات التربة والمياه التى يتم الرى بها، وعددها 29 نوعا من التحاليل إلى معهد بحوث الأراضى والمياه والدراسات التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى (حكومي(

تظهر النتائج ارتفاع نسب العناصر الثقيلة فى عينات التربة والماء، عن الحدود المقررة حيث تبلغ نسب النحاس فى عينة التربة 565 ويفترض أن لا تتجاوز 400 p.p.m)) (جزء فى المليون) والحديد 30.93 p.p.m) ويفترض الا يكون موجودًا بهذه النسبة المرتفعة والزنك 5.47 p.p.m)) والمنجنيز 4.42 (p.p.m) والكادميوم 008.( p.p.m) والرصاص 2.134 p.p.m)) ومن المفترض الا يزيد على 840 (p.p.m) والنيكل 43. p.p.m)) والكوبالت 032. p.p.m) وهى من النسب المرتفعة.(

كما تظهر النتائج اختفاء عناصر كان من المفترض أن تكون متوفرة كالموليبدنم وأيضا ارتفاع (درجة الحموضة والقاعدية) إلى 9.3(p.p.m) الذى تبدأ نسبة خطورته بعد ال8 ونسبة الكلور 5.3 (p.p.m) كما يلاحظ ارتفاع نسب النحاس، الحديد والزنك عن الحدود المقررة فى المياه وزيادة الأملاح الكلية الذائبة إلى 8.8 p.p.m)) والكلوريد إلى 9 (p.p.m) والكبريتات إلى 6 p.p.m))والصوديوم إلى 7.8 p.p.m)) أيضًا فى عينة المياه.

مزارعون يعترفون

يقول ش. أ. (52 عاما) بأرض السكة الحديد التابعة لجمعية شاوة الزراعية: «لا منفذ لى سوى الرى من مياه المصرف». هذا المزارع مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائى (سى).

المزارع م.خ. (50 عامًا) فى قرية الجالية بالطولات يقر بأنه يروى زراعاته من مياه المصرف عبر قناة حفرها حتى ينقذ زراعته من البوار. وفى أحد المواسم ندرت المياه بنهاية الترعة فزرع النوسانى برسيما من مياه المصرف لتأكل منه الحيوانات.

الحكومة تعرف.. ولا تتحرك

تحاليل حكومية حصل عليها كاتب التحقيق من مكتب صحة سندوب وجهاز شئون البيئة، ترصد غياب أى معالجة فى المصانع للمخلفات الناتجة عنها. بل إن العينات التى أخذت من المصانع لا تقترب من الحد الأقصى وليس الأدنى فقط المنصوص عليه فى قانونى البيئة والرى، الذى ينص على عدم صرف أى ملوثات فى المجارى المائية بدون معالجة.

بحسب نتائج التحليل، فإن أخطر العينات كانت تلك التى أخذت من مصنع الراتنجات والصناعات الكيماوية.

مصنع الراتنجات

تأسس مصنع الراتنجات عام 1962 لتصنيع مواد كيميائية صمغية وفورمالين وكيميائيات الكبس والحقن، فورم يوريا، نوفولاك.

حصل معد التحقيق على مستندات نتائج تحاليل لعينات من مياه صرف مصنع الراتنجات أجراها معمل البيئة الحكومى ومعمل صحة سندوب، وأظهرت أن مخلفات المصنع لم تخضع إلى أى معالجة، فى مخالفة لقانون البيئة.

 يصرف مصنع الراتنجات الملوثات منذ عدة سنوات، وفقا لتحاليل أجريت على عينات متفاوتة حصل عليها معد التحقيق، تعود للفترة بين عامى 2007 و2009 من المعمل الكيماوى (معمل البيئة الحكومي) الذى ذكر أن العينات غير مطابقة لقانون البيئة. وهو ما أثبتته العينات التى حلّلها جهاز شؤون البيئة بكود العينة رقم 354/2012. الذى أظهر ارتفاعا فى تركيز مادة الفينول السامة، والعينة 253/2012 التى أظهرت أنها غير مطابقة. هذا ما أثبتته أيضا العينات ذوات الأرقام 336 وحتى 355/2012 والعينة الخاصة من مكتب صحة سندوب وتحمل رقم 344 والصادرة فى 20 ديسمبر 2009 وأظهرت عدم مطابقة العينة للمواصفات المصرح عنها بالقانون الخاص بالبيئة فى جميع مؤشراتها.

كما يفيد تقرير الطب الوقائى رقم 358/2010 بأن «العينة غير مطابقة لقانون الرى والخاصة بمقاييس التلوث لارتفاع نسب التلوث بالمياه.

يعلّق محمد الشناوى رئيس الاتحاد النوعى للبيئة فى الدقهلية (مؤسسة مجتمع مدني) على نتائج تقرير الطب الوقائى بالقول: «كل المواد الموجودة فى عينات المياه، مركبات سامة للحياة البيولوجية، مسرطنة وتؤدى لقتل الكائنات الحية».

معد التحقيق تمكن أخيرا من دخول مصنع الراتنجات ومقابلة عضو مجلس الإدارة كلاشى نارين أجروال (مستثمر هندي).

أجروال يؤكد أن مواصفات المياه الخارجة من مصنعه «مطابقة للمواصفات وفق عدة تحاليل بجامعتى المنصورة وعين شمس». ويشتكى من تعرض مصنعه «للتضييق عليه كونه مستثمرا أجنبيا».

المنصورة للزيوت والصابون

تقارير حصل عليها معد التحقيق، حول مصنع المنصورة للزيوت والصابون والجلسرين بسندوب الذى أنشئ عام 1964 لا تختلف كثيرا عن الراتنجات. إذ إن كمية الصرف 1200 م3 يوميا وفقا للمحاضر المحررة.

أظهرت العينات الخاصة بالتقرير الفنى لمصنع المنصورة الصادر من جهاز شئون البيئة بتاريخ 26 نوفمبر 2012 بكود عينة رقم 460/2012 أن «العينة غير مطابقة للحد الأقصى المسموح فى القانون، وذلك لارتفاع نسب الملوثات الناتجة عن الصرف تركيز الأكسجين الكيميائى المستهلك، الأكسجين الحيوى الممتص والمواد الصلبة الذائبة والعالقة».

وأورد التقرير: «يتسبب وجود هذه المواد فى مياه الصرف غير المعالجة فى زيادة ترسيبات الحمأة كما أن غالبيتها مواد صلبة وعضوية وتحتوى على جراثيم وفيروسات سامة، تتسبب بارتفاع معدل الوفيات فى الأحياء المائية والفطريات وازدياد نمو بعض النباتات المائية غير المرغوب فيها».

المهندس عبدالمعطى مشرف رئيس قطاع مصنع سندوب التابع لشركة مصر للزيوت والصابون يرد على هذه النتائج: «إن وجد أى توجيه أو مخالفة بيئة يتم إصلاحها وحل هذه المشكلة فورا بدليل أن آخر عينة تم أخدها فى 28-5-2014 كانت مطابقة للمواصفات».

ويضيف سامى محمد يوسف صالح الكيميائى الخاص بوحدة المعالجة إنها «تعمل بكفاءة»، معتبرا أن «الأخطاء التى يتم اكتشافها تكون واردة إذا ظهر عطل مفاجئ وخلل بوحدة المعالجة أثناء عمل عينة تحليل من البيئة، ويتم إصلاحها بعد ذلك».

الغزل والنسيج

تأسس مصنع الغزل والنسيج فى منطقة سندوب فى العام 1963 وينتج المواد القطنية والنسيج. فى عام 2012 حرّرت الإدارة المركزية للرى والموارد المائية محضر رقم 62/2012 ضد مصنع الغزل والنسيج لمخالفته قانون البيئة، ذلك أن كمية الصرف غير المعالج وقت تشغيل المصبغة تصل إلى 300 م3 يوميا.

برر المحضر المخالفة جراء الملوثات التى يصرفها المصنع، بدون معالجة، وتشمل مخلفاتة؛ معادن ثقيلة كالنحاس، الكادميوم، الكروم، النيكل والقصدير.

على ذلك ترد المهندسة لمياء منصور مسئولة السلامة والصحة المهنية والبيئة بمصنع الغزل والنسيج. وتقول منصور إن مشكلة المصنع تكمن فى «عدم وجود محطات معالجة لضعف الإمكانيات» على غرار جميع مصانع مصر. «لجأنا منذ عام إلى وقف الصرف الصناعى وأخذه للمعالجة فى شركات متخصصة»، حسبما تضيف، مطالبة الدولة «بدعم المصانع وإنشاء وحدات معالجة».

النيل للتصنيع الزراعى

تأسس مصنع النيل للتصنيع الزراعى عام 1982 فى طريق أجا سندوب لتصنيع الخضراوات والفواكه المجمدة والعصائر، بالإضافة إلى المنتجات المخللة.

تكشف المستندات الخاصة بمصنع النيل للتصنيع الزراعى بأجا، أن الإدارة المركزية للرى والموارد المائية حررت بحقه مخالفة لمد ماسورة صرف على المصرف، إضافة لمخالفة أخرى لقانون الرى، لصرفه مخلّفات غير معالجة فى المصرف كما جاء بالتقرير الفنى الخاص بجهاز شئون البيئة فى 9 ديسمبر 2012 بكود عينة رقم 467/ 2012. وكان الغرض منها التفتيش، حيث أن كمية الصرف من 600 إلى 650 م3 يوميا.

جاءت النتيجة غير مطابقة للمواصفات وللحد الأقصى المسموح به فى القانون، جراء ارتفاع تركيز الأكسجين الكيميائى المستهلك والأكسجين الحيوى الممتص والمواد الصلبة الذائبة والمواد الصلبة العالقة. ولها أضرار فادحة كما هى مخلفات مصنع المراتنجات.

رغم تكرار المحاولات، فشل معد التحقيق فى دخول مصنع أجا بحجة «عدم وجود مسئولين للحديث معنا».

أخطار صحية

يؤكد محمد العدل الباحث بقسم الطب الشرعى والسموم الإكلينيكية بكلية الطب فى جامعة المنصورة أن «التركيزات العالية من العناصر والمعادن الثقيلة فى البيئة لها خطورة على الكائنات الحية لتراكم هذه العناصر داخل أجسادها ما يؤدى لاختلال وظائفها الحيوية، وعند انتقالها كسلاسل غذائية للإنسان، تصبح قادرة على التدخل فى نمو الخلايا والجهاز الهضمي».

يعلّق العدل بعد اطّلاعه على أنواع الملوثات التى تنتجها المصانع: «يحدث التسمم بالمعادن الثقيلة، عندما تدخل إلى جسم الإنسان كمركب بيوكيميائى، وكتسمم تراكمى وعندما تدخل أيضا للجسم بتركيزات منخفضة على مدى فترة زمنية طويلة، ما يؤدى إلى الإصابة بالأمراض، وهو ذات الضرر حينما تدخل الجسم عن طريق مغلوط بتركيز عالٍ».

يأتى يوم جديد تدق الساعة الخامسة فجرا، يواصل فيه المزارعون رى أراضيهم خلسة من تلك المياه المضرة، لينتظروا حصد محصولهم لينتقل إلى المستهلك، وسط تقاعس من المسئولين واستخفافهم بصحة المواطنين.

تم إعداد هذا التحقيق الاستقصائى بدعم من شبكة “أريج” إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية www.arij.net ضمن برنامج تدعيم الإعلام لتغطية قضايا الإدارة العامة فى المحافظات.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *