سنة أولى تلوث..

14 أكتوبر 2018

دورات المياه مراكز للأمراض والأوبئة في مدارس مصرية

تحقيق: آيات خيري

تصوير: رمضان إبراهيم

جريدة الصباح– عانى طالب المرحلة الإبتدائية إسلام أحمد من نزلات معوية متكررة وقيء وإسهال خلال الفصل الدراسي الثاني لعام 2017-2018. أبلغ الطبيب الأم أن السبب إما تناول وجبات غير ملائمة للأطفال وإما الملامسة المباشرة لأسطح غير نظيفة خاصة في دورات المياه. تنبهت الأم إلى أنها سمعت شكاوى مماثلة من أولياء أمور آخرين من جيرانها من حدوث أعراض مشابهة لأبنائهم رغم حرصهم على النظافة المنزلية.

زارت والدة إسلام، وهي ربة منزل، مدرسة طفلها في منطقة إمبابة التابعة لمحافظة الجيزة لتجد دورات مياه متسخة تنتشر بها الفضلات يميناً ويساراً، خالية من المنظفات وأدوات تطهير اليدين تماماَ. وبعد الحديث مع إدارة المدرسة وعدوها بأن يهتموا بصورة أكبر بنظافة تلك الحمامات. لكن طفلها أبلغها أن الوضع لم يتحسن وإنما باتت الإدارة تمنع الأطفال من استعمال دورات المياه لتجنب ظهور حالات مرضية جديدة.

ويوثق هذا التحقيق معاناة تلاميذ من أمراض المعدة والمغص والاسهال وغيرها بسبب تردي وضع دورات مياه مدارس إبتدائية حكومية في ثلاث محافظات، وهي القاهرة والجيزة والقليوبية، والتي تمتد عبر حدودها القاهرة الكبرى أكبر تجمع سكاني حضري في أفريقيا والشرق الأوسط.

ويصل عدد تلاميذ هذه المرحلة في المحافظات الثلاث إلى 2.4 مليون تلميذ، موزعين على 2.3 ألف مدرسة، وفقاً للإحصاء الصادر عن وزارة التربية والتعليم لعام 2017-2018 .

عدد طلاب المدارس في المحافظات الثلاث:
أفاد الإحصاء الصادر عن وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2017- 2018 بأن:
عدد طلاب المدارس الحكومية  في محافظة القاهرة 1476933 ،، طلاب الابتدائي فقط 767388
عدد طلاب المدارس الحكومية في  محافظة الجيزة 1585381 ،، طلاب الابتدائي فقط 928191
عدد طلاب المدارس الحكومية في محافظة القليوبية  1167268 ،، طلاب الابتدائي فقط 634570

يتفاقم الوضع وسط ضعف المخصصات المالية والرقابة من جانب وزارة التعليم فضلا عن بيروقراطية حكومية تعرقل إجراءات الصيانة.

معاناة إسلام ليست حالة فريدة بين أطفال المدارس في مصر. وتقول والدة الطالب يوسف علاء إن ابنها يصاب عادة بإسهال متكرر مع بداية العام الدراسي. وأضافت “طوال الأجازة الصيفية ابني بخير ولا يشكو من المغص إطلاقاً لأننا نهتم بنظافة المنزل، وتبدأ أعراض المغص والاسهال عليه بمجرد بدء العام الدراسي.”

وسمعت الأم شكاوى مشابهة من أولياء أمور زملاء لطفلها في مدرسته في إمبابة. وشكا أولياء الأمور لإدارة المدرسة من عدم نظافة دورات المياه. وكان الرد وعودا بتشديد المراقبة على مراعاة النظافة حفاظاً على صحة الأبناء.

إلا أن الوعود كانت مجرد كلمات بدون أفعال.

كشف التحقيق قلة عدد عمال النظافة، وضعف رواتبهم، وبيروقراطية تعرقل إجراءات صيانة التالف من صنابير ومواسير دورات المياه مما يعرض التلاميذ  لأمراض منها التيفود والسالمونيلا والدوسنتاريا الأميبية وفيروسات الجهاز الهضمي والأمراض البكتيرية بحسب أطباء.

وقال مديرو مدارس إن وزارة التربية والتعليم تعتمد على تبرعات الأهالي لإصلاح دورات المياه، وشراء أدوات التنظيف لأن المرصود في الموازنة السنوية لا يكفي.

وبحسب إحصاءات رسمية حصلت عليها معدة التحقيق، يتم تحصيل مبلغ 85 جنيها (4 دولارات) تقريباً سنوياً من كل طالب وطالبة، بإجمالي 204 ملايين جنيه  (11 مليون دولار) في المحافظات الثلاث، في المرحلة الإبتدائية كمصروفات دراسية ينفق منها على الأنشطة الفنية، والثقافية، والرياضية، والتكنولوجية وصيانة المباني التي تشمل أيضاً صيانة دورات المياه بحسب قرار وزاري صدر عام 2017 .

معدة التحقيق زارت 20 مدرسة في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، لمقارنة الوضع مع معايير التقرير الصادر عن الأمم المتحدة في اليوم العالمي لدورات المياه ومدى تطبيقها في هذه المدارس.

وكشف تحليل البيانات أن 50% من الصنابير في دورات المياه في هذه المدارس معطلة، ولا توجد في أي منها مناشف قماش أو ورق، أو مستلزمات تنظيف من صابون أو سائل تنظيف اليدين. وتحتوي 10% فقط على أدوات تنظيف للمراحيض مثل الفرشاة والمساحة، و25% من هذه الحمامات تستوطن بها حشرات.

وتبين أن 25% من دورات المياه بالمدارس بها تسرّب مياه نتيجة كسر بـالمواسير، ويوجد في 65% من المراحيض صناديق للتخلص من القمامة، في حين تنتشر قاذورات في كل المراحيض بالمدارس محل البحث، بالإضافة إلى خلوها جميعا من لافتات لإرشاد الطلاب للاستخدام السليم لدورات المياه.

سبب الأزمة

خلال رحلة الرصد الميداني تبينت معدة التحقيق وجود عامل نظافة أو اثنين على أقصى تقدير في كل مدرسة من المدارس العشرين. وتعود قلة أعداد العمال إلى العبء الزائد للعمل وضعف مرتباتهم بحسب عاملة بمدرسة بمنطقة السلام التعليمية بالقاهرة رفضت الإفصاح عن هويتها، وهي العاملة الوحيدة بالمدرسة المسؤولة عن أربعة فصول رياض أطفال بها 200 طفل. عقد عمل هذه العاملة الذي حصلنا على نسخة منه غير مدون به أي راتب، وتتقاضى 740 جنيها (نحو 41 دولارا) في حين يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 1200 جنيه (نحو 68 دولارا) وفقاً للقانون رقم 63 لسنة 2014. ورغم مرور ست سنوات على تاريخ عقد العمل، لم يتم تثبيت العاملة رغم قرار مجلس الوزراء رقم 641 لسنة 2012 الذي يعطي العمالة المؤقتة حق التثبيت في وظيفة دائمة بعد ثلاث سنوات من التعيين.

وافقتها الرأي عاملة أخرى رفضت نشر اسمها أيضا وقالت إنها تعمل في مدرسة إبتدائية ومسؤولة هي وزميلة لها عن أربعة طوابق بها ثلاثة آلاف طالب. وقالت إن المدرسة بها مراحيض كثيرة لكن لا توجد بها مياه، وتضطر إلى الاعتماد على مياه مخزنة للتنظيف قدر الإمكان.

أزمة العمال

(ك .ش)، مسؤول بإحدى الإدارات التعليمية بمحافظة الجيزة، قال مشترطا عدم نشر اسمه، إن إدارته، التي طلب أيضا عدم نشر اسمها، بها 90 عاملا مؤقتا مر على تعاقدهم نحو أربع سنوات، ويطالبون بالتثبيت.

حقوق الطفل
تقول المادة 7 مكرر بالقانون المصري للطفل إنه (لكل طفل الحق فى الحصول على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية وعلاج الأمراض، وتتخذ الدولة كافة التدابير لضمان تمتع جميع الأطفال بأعلى مستوى ممكن من الصحة، وتكفل الدولة تزويد الوالدين والطفل وجميع قطاعات المجتمع بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل، كما تكفل الدولة للطفل، فى جميع المجالات، حقه فى بيئة صالحة وصحية ونظيفة، واتخاذ جميع التدابير الفعالة لإلغاء الممارسات الضارة بصحته)

وأضاف أن المصروفات الدراسية التي يدفعها الطلاب في بداية العام يُصرف منها على مناح كثيرة، موضحة بالقرار الوزاري رقم 387 الصادر عام 2017، الذي ينص على أن (يقسم المبلغ الذي يدفعه كل طالب في المرحلة الإبتدائية كرسوم دراسية وفقاً لعدد من البنود، منها الأنشطة بأنواعها المختلفة، وصيانة المباني، وغيرها من البنود).

ولفت إلى أنه لا يوجد مبلغ بعينه مخصص للعمال المؤقتين، الذين لم يتم توفيق أوضاعهم، ويتم تدبير رواتبهم أيضا من المبالغ الخاصة بمجموعات التقوية، وذلك وفقاً للقرار الوزاري رقم 53 الصادر في 2016، الخاص بالمجموعات، وينص على أنه (يحق لإدارة المدرسة أن تخرج جزءا من أموال المجموعات المدرسية للعمال المعاونين في عملية تحصيل المجموعات الدراسية).

ويدفع الطلبة الراغبون في تحسين مستواهم الدراسي 35 جنيها للمادة الواحدة في مجموعات التقوية بالمدارس كوسيلة للحد من الدروس الخصوصية. وقال المسؤول إن تقنين وضع عمال النظافة يجب أن يحدث بعد 3 سنوات من التعاقد حسب القرار الوزاري.

وأشار إلى أن وزارة المالية تخصص مبلغا لأعمال الصيانة البسيطة بالمدارس، ويتراوح بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف جنيه لكل مدرسة في العام وفقاً لعدد الطلاب والفصول يسمى سلفة لا مركزية.

روتين قاتل

في ظل هذا الوضع يشارك أولياء أمور في الجهد لحل أزمة دورات المياه غير الآدمية بالمدارس. وقال (م .ع) مدير مدرسة ابتدائية بمحافظة الجيزة، أنه يلجأ إلى تحميل بعض أولياء الأمور تكاليف تصليح التالف في المدرسة، بل يساهم بعضهم بنفسه في العمل. وعلى سبيل المثال فولي الأمر الذي يعمل سباكا يقوم بإصلاح صنابير المدرسة المعطلة، وذلك بشكل تطوعي من باب التبرع.

وأضاف مدير المدرسة أنه في حال طلبه رسميًا من الإدارة أن تُصلح الصنبور المعطل؛ سيدخل في دوامة إجراءات روتينية معقدة تستغرق مدة طويلة. حيث سيكون عليه أن يُحضر 3 عروض أسعار من السباكين المعنيين بالأمر، ثم يتم عمل مناقصة ومحضر فتح مظاريف، وبعده محضر فحص وترسية، يعقبه مذكرة يوقع عليها 7 موظفين، وعند شراء أو تصليح الصنبور يتم عمل محضر اتمام اعمال، وإحضار فاتورة يوقع عليها 5 موظفين،وذلك لأن الصنابير تقع تحت بند العُهَد وممتلكات دولة، لذلك فإن الإعتماد على أولياء الأمور في هذه الحالة هو الحل الأمثل والأسرع لحل المشكلة.

وقال إنه رغم القرار الوزاري رقم 387 الصادر لعام 2017، والذي ينص على وجود بند لصيانة المباني بقيمة جنيه ونصف من كل طالب، يتم خصمها من إجمالي مصروفاته التي يدفعها سنويًا، إلا أن عدد تلاميذ مدرسته يبلغ 1600 تلميذ، أي أن اجمالي المبلغ المحصل منهم لصيانة المباني؛ لا يزيد عن 2400 جنيه سنويًا، وهو مبلغ شامل لصيانة جميع مباني المدرسة، وليس فقط دورات المياه. وبالطبع لا يكفي على الإطلاق بالنظر إلى أن أجر السباك فقط عن العمل لثلاث ساعات مثلا لا يقل عن 300 جنيه. وقدر ناظر مدرسة بالجيزة تكلفة شراء أدوات تنظيف ومنظفات ومناشف لدورة المياه بألف جنيه شهريا.

وقال جميع مديري المدارس الذين جرت مقابلتهم ضمن التحقيق إنهم يعتمدون في أعمال الصيانة على السلفة اللامركزية أو تبرعات الأهالي تجنبا للتعطل بسبب الروتين.

أضرار صحية

تقول سامية محمد* مسؤولة الصحة المدرسية في مدرسة ابتدائية في محافظة الجيزة إنه على مدار اليوم الدراسي يتردد على العيادة المدرسية طلاب يشكون من المغص، مع ارتفاع في درجات الحرارة حيث تعطيهم العلاج اللازم.

وأوضحت انه في الحالات التي تعاني من احتقان حاد في المسالك البولية تتصل بأهل الطفل لاصطحابه لأقرب مستشفى لمزيد من المتابعة. وتقول إنه لفت نظرها خلال التواصل حرص أولياء الأمور على سلامة طعام أبنائهم وعلى النظافة في المنزل.

المعيار العالمي للأمم المتحدة للاستخدام الآمن لدورات المياه
وفقاً لما ورد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2016، في اليوم العالمي لدورات المياه الموافق 19 نوفمبر، وفي الصفحات من (5 – 8)، فإن الاستخدام الآمن لدورات المياه يتطلب أربع خطوات، يأتي على رأسها (التخلص الآمن من البراز)، والتأكد من أنه في المرحاض، ثم النظافة الشخصية، واستخدام ورق الحمام، وأداة التنظيف؛ الشطافة مثلًا، للتنظيف الشخصي، يلي ذلك تنظيف المرحاض والمحافظة عليه، وغسل اليدين،والتأكد من تنظيفهما بالماء النظيف والصابون، وتجفيفهما جيداً بواسطة محارم نظيفة.وأوضح البرنامج أن جراما واحد من البراز، يحوي أكثر من 10 ملايين فيروس، ومليون بكتيريا، وألف من الأكياس الطفيلية، و100 بويضة طفيلية، وبالتالي فإن التخلص غير الآمن من البراز يعرض حياة الإنسان وصحته للخطر.

ويقول (محمد عز العرب) أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي، إن الأطفال يمكن أن يصابوا بعدة أمراض جراء تعاملهم المباشر مع أسطح غير نظيفة، منها الأمراض البكتيرية، السالمونيلا، التيفود سواء بصورته المزمنة أو الحادة في شكل نزلة معوية، بالإضافة للأمراض الطفيلية مثل الأميبا، والدوسنتاريا الأميبية، والديدان بأنواعها، بالإضافات لفيروسات الجهاز الهضمي، والأعراض المصاحبة لها مثل الإسهال، ولابد من تخصيص حصص لتوضيح طرق الوقاية من هذه الأمراض. ولابد من توعية الأطفال بضرورة تنظيف أيديهم قبل الأكل وبعده، كذلك بعد الإنتهاء من استخدام دورات المياه، وقص الأظافر، وعدم استخدام الأماكن غير النظيفة.

تأخر التحصيل الدراسي

(عبد الحفيظ طايل) رئيس مركز الحق في التعليم، وهو منظمة حقوقية تأسست عام 2006 وتدافع عن الحق في التعليم، أكد أن البيئة غير النظيفة في المدارس تؤثر سلبًا على تحصيل الطالب الدراسي، بل تجعله رافضا للعملية التعليمية من الأساس، حيث تعتاد عينه القبح، ويتعامل مع المدرسين بشكل سلبي، ومع زملائه بشكل عنيف دون فهم السبب، وذلك على خلفية حالة القبح التي فُرِضَت عليه منذ الصغر.

وأوضح أن هناك شروطا ومعايير اتفق العالم على ضرورة وجودها بالمدرسة، حتى تساعد الطفل على التحصيل والنمو بشكل عام، خاصة لمن هم تحت سن الثمانية عشر. فلابد من مراعاة ما يسمى “بالمصلحة الفضلى للأطفال”، وأن تكون المدرسة صديقة للطفل، إلا أن هذا لا يحدث على أرض الواقع، مع بقاء المدرسة غير نظيفة، ومليئة بالأتربة، وذات مراحيض رديئة.

وقال طايل إن مركزه ينظم ثلاث دورات شهريا على مستوى الجمهورية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم للتوعية بأمور منها النظافة والبيئة الآمنة في المدارس مع حث العاملين والتلاميذ على الحفاظ على نظافة الحمامات كأحد الأمور التي تتفق مع الفطرة السليمة والتوجيهات الدينية مذكرا بالحديث النبوي “النظافة من الإيمان”.

تواصلت معدة التحقيق مع المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة على مدى شهرين لمواجهة الوزارة بما وصل له التحقيق لكنه لم يرد على الاسئلة ولم يحدد موعدا للقاء مسؤول مختص بالوزارة.

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” www.arij.net وبإشراف الزميلين عماد عمر وحمد العثمان.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *