رجال حول الرئيس 1: شبـكة عبد الكـــــــــــــــــــــــريم

5 أبريل 2016

ثلاثة حزم من العقوبات الأمريكية لم تستطع كشف كامل أعضاء الشبكة بسبب الاختباء في الأوف شور
• ماهي سلسلة الروابط التجارية التي تكشف علاقة الشبكة بدائرة الأسد الضيقة من رجال الأعمال؟
• التحقيق يكشف كيف يستخدم رجال الأعمال السوريون المعاقبون أولادهم وعائلاتهم للتهرب من العقوبات
• شركات سويسرية وتركية وهولندية وإماراتية وسورية عملت ضمن شبكة زورت الفواتير وتلاعبت بالوثائق لدعم الأسد

تحقيق: نزار الغزالي

العربي الجديد: هل يمكن أن تتوه حتى السلطات الأمريكية في اكتشاف الشركات المخبأة في مايسمى شركات “الأوف شور”، أو ما يطلق عليها الملاذات الآمنة والجنّات الضريبية، حيث تسجل الشركات بسرية تامة، وتخفي مالكيها في جزر وسلطات تعتاش على رسوم تسجيل هذا النوع من الشركات.
شركات تنطلق من جزر كالعذراء البريطانية وسيشل وبنما وآيل مان ومارشال آيلاند وسانت كيس وليخنشتاين وقبرص وجبل طارق وبرمودا وغيرها، لتمارس أعمالها من مختلف أنحاء العالم علناً وتدخل في مشاريع واستثمارات، لكن من ورائها يختفي كالأشباح مسؤولون أو رجال أعمال أو تجار مخدرات وأسلحة وغيرهم.

حتى السلطات الأمريكية بكل أجهزتها الأمنية وأذرعها الإلكترونية الممتدة هنا وهناك، يمكن أن تضيع في متاهات مثل هذه الشركات ومالكيها الذين يطورون أساليب عملهم الخفي باستمرار عبر محامين وشركات قانونية مهمتها “التجنب الضريبي” أو “التهرب الضريبي” أو “تبييض الأموال”، بطرق تبدو للعيان قانونية.
كيف عجزت السلطات الأمريكية عن كشف حقيقة مالكي وفروع بعض الشركات التي عاقبتها وأدرجتها على اللائحة السوداء، وماهو الدور الذي لعبته أكبر شركة عالمية كبرى متخصصة في تسجيل شركات الاوف شور في اخفاء هذه الشركات ومالكيها، في الوقت الذي كانت فيه السلطات الامريكية تتعقبها؟

في الشهر السابع من العام 2014 أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن كشف أول ثلاثة شركات مرتبطة ضمن شبكة من شركات ورجال أعمال متهمين بتقديم الدعم النفطي والتكنولوجي للحملة العسكرية التي يقودها النظام السوري ضد “الشعب السوري” بحسب البيان الرسمي لوزارة الخزانة.
الشبكة تكونت من شركات وسفن انطلقت من سورية، وعملت في الإمارات العربية المتحدة وسويسرا وتركيا وهولندا ويعد أبرز لاعبيها شركة سورية تسمى “عبد الكريم جروب”.
زورت هذه الشبكة- بحسب الخزانة الأمريكية-عقوداً وبيانات للشحن واستخدمت سفناً وغيرت وجهات سيرها، واختفت ثم ظهرت على الرادار لتتهرب من الرقابة على العقوبات المفروضة على مؤسسات سورية من الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا وكندا، ولتقدم الدعم النفطي والمعدات للنظام السوري وآلته العسكرية، بما فيها تموين الطائرات والسفن التابعة للنظام السوري بحسب قرارات العقوبات الأمريكية.

وبهذا الكشف أعلنت (إدارة الأصول الأجنبية) المسؤولة عن العقوبات في وزاة الخزانة الأمريكية والتي تسمى “أوفاك OFAC ” فرض العقوبات على هذه الشبكة وشركاتها، فأدرجت على اللائحة السوداء أولاً شركة: : Pangates International Corporation Ltd، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، لكن القرار الأمريكي لم يتعرف على مالك هذه الشركة حتى أواخر العام 2014، فأدرج مدير الشركة ومالكها “وائل عبد الكريم” (41) عاماً (وهو فلسطيني سوري الجنسية) على لائحة العقوبات وأضاف شركة أخرى تتبع له ضمن الشبكة تدعى: MAXIMA . كما شمل قرار العقوبات مساهمي هذه المجموعة وشركائها، ومنهم: أحمد برقاوي ( 31) عاماً (وهو فلسطيني سوري الجنسية)، إضافة إلى الشركات ورجال الأعمال المتورطين من الجنسية السويسرية والهولندية.

عالم الملاذات الآمنة
لكن هل كشفت السلطات الأمريكية حقاً كل أفراد هذه الشبكة ومساهمي شركاتها؟.
الجواب “لا”. ففي آذار مارس من العام الماضي 2015، أي بعد قرار العقوبات الأمريكية الثاني بنحو ثلاثة أشهر، اكتشفت السلطات الأمريكية مزيداً من المتورطين في هذه الشبكة، وهم ستة شركات وأربعة رجال أعمال أتراك ونحو عشرة سفن مسجلة في بنما وسيراليون، إضافة لمؤسسات حكومية سورية كشركة النفط وشركة الموانئ.
لكن الاكتشاف الجديد في الحزمة الثالثة من العقوبات ضد “شبكة عبد الكريم” هو أنّ السلطات الأمريكية بدأت تكتشف مايسمى شركات “الأوف شور” أو “الملاذات الآمنة” التي تعمل ضمن مجموعة عبد الكريم من خلال شركات أوف شور صممت لهذه الغاية، بحيث لايُكشف أسماء أصحابها لغايات قد يستفاد منها للتهرب الضريبي أو التهرب من المسؤولية.

وقد تمكنت السلطات الأمريكية من ربط مجموعة عبد الكريم بشركات خفية كان منها: The Eagles LLC وهي شركة مقرها سورية، وشركة Morgan Additives Manufacturing Co في المنطقة الحرة بجبل علي في دبي ومسجلة في جزرسيشل، وهي إحدى الملاذات العالمية للشركات المخفية “أوف شور”. ويرى المدير الحالي لهذه الشركة ياسر برازي في جوابه عن تساؤلات معد التحقيق أنّ قرار إدارج الشركة ضمن العقوبات الأمريكية “استند إلى أساس خاطئ، فالشركة غير مملكوكة حالياً ولاتدار من وائل عبد الكريم”. بينما بررت وزارة الخزانة الأمريكية عند فرض قرار العقوبات أنّ الشركة كانت مملوكة وتدار من قبل وائل عبد الكريم المعاقب أمريكياً.

استطاعت السلطات الأمريكية كشف شركة مخفية في الملاذات الآمنة ترتبط بمجموعة عبد الكريم تسمى “ملينيوم شيبينغ”. وهي شركة نقل بحري تعمل في تركيا، لكنها مسجلة في بنما والتي هي إحدى أشهر الملاذات الآمنة للشركات الخفية في العالم.

الدائرة الاقتصادية للأسد

يجيب هذا التحقيق الإستقصائي أيضاً عن الأسئلة التالية: هل عرفت السلطات الأمريكية حقاً كل أسماء الشركات التابعة لمجموعة عبد الكريم وأسماء مالكيها؟ ولماذا اكتشفت بعضهم ولم تكتشف البعض الآخر؟ ومن هو الشريك الخفي المتصل مباشرة بالنظام السوري، والذي لم تستطع تحقيقات الخزانة الأمريكية اكتشافه وربطه بمجموعة عبد الكريم؟
كانت الشركة التي كشفت الوثائق الأمريكية أنها كانت الوسيط للنقل البحري لنقل الشحنات لمرفأ بانياس، هي شركة لبنانية تأسست بداية العام 2013 ومسجلة ضمن نظام الأوف شور في لبنان واسمها EBLA TRADE SERVICES S.A.L.

السلطات الأمريكية عاقبت الشركة وضعتها على اللائحة السوداء، غير أنّها لم تعلم من هم مالكوها الأخفياء، وهو الأمر الذي أنقذهم من العقوبة الأمريكية. وبالرغم من أن المرسوم الاشتراعي رقم 2083 لعام 2009 والخاص بتأسيس شركات الأوف شور في لبنان، لاينص على سرية أسماء مالكي الشركات، إلاّ أن موقع السجل التجاري اللبناني الإلكتروني، لايتيح في طرق البحث المتاحة الكشف عن هذه الشركات بسهولة، ولايتيح أي نص قانوني في لبنان إمكانية الحصول على نسخة ورقية من السجل التجاري لشركة، مالم يكن الطالب من أصحاب العلاقة. إلاّ أن معد التحقيق استطاع الحصول عى السجل التجاري للشركة، ليكتشف ثلاثة عشر اسماً من السوريين واللبنانيين المساهمين ومفوضي التوقيع في الشركة على رأسهم اثنين من أبناء رجل الأعمال السوري المعاقب أمريكياً وأوروبياً محمد حمشو، حيث ظهرت أسماء ابنيه (أحمد صابر) و(عمرو) في سجلات هذه الشركة، كما يساهم معهما في الشركة أبناء رجل الأعمال اللبناني ذو الاصل السوري محمد هاشم الصوفي . وللمفارقة كان الصوفي من أسس جمعية أهلية عام 2006 في لبنان، تعنى بالترويج لـ”محاربة الفساد”.

محمد حمشو أحد رجال الرئيس وينتمي للدائرة الاقتصادية الضيقة للأسد؛ فهو شريك رامي مخلوف، الذراع الاقتصادية لنظام الاسد في شركة “شام القابضة”. كانت قد طالته العقوبات الأمريكية والأوروبية منذ منتصف العام 2011 وصفته بأنه من الداعمين والمرتبطين بالرئيس الأسد وشقيقه ماهر، غير أن محكمة الاستئناف الأوروبية برأته ورفعت العقوبات عنه في تشرين الثاني نوفمبر العام 2014 لعدم كفاية الأدلة. لكن وبعد أقل من أربعه اشهر على رفعها قدمت بريطانيا قدمت أدلة جديدة وأعاد الاتحاد الأوروبي فرض العقوبات ضد حمشو. وكشف قرار العقوبات الجديد عن امبراطورية حمشو المالية والاقتصادية التي تتضمن شركات اتصالات وتكنولوجيا وسياحة وعقارات.

الاختباء وراء الأبناء
وهكذا يمكن رسم خارطة العلاقات بوضوح بين نظام الأسد ومجموعة عبد الكريم عبر محمد حمشو الذي استخدم أبناءه كواجهة، ليختفي خلفهم اتقاء لقرار العقوبات الأوروبية والأمريكية. لكن مرة أخرى، هل استطاعت السلطات الامريكية كشف كل شركات ومساهمي مجموعة عبد الكريم نفسها، وخاصة في سجلات الأوف شور الخفية؟
الوثائق التي حصل عليها معد التحقيق من تسريبات وثائق أكبر شركة عالمية لتسجيل شركات الاوف شور”موساك فونسيكا” عبر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائين ICIJ وصحيفة SZ الألمانية (سوددوينشه تسايتونغ) من خلال شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، تكشف شركات ومالكين آخرين لم يكونوا في الوثائق التي حصلت عليها السلطات الأمريكية أثناء تعقبها لمجموعة عبد الكريم. وساهمت هذه الشركة العالمية في عدم كشف مساهمين ومديرين لمجموعة الشركات التي تتبع لمجموعة عبد الكريم وشبكتها. على رأس المختفين عن قرار العقوبات مؤسس المجموعة ورئيس مجلس إدارتها “جمال عبد الكريم”، وهو فلسطيني سوري يحمل جوازات سفر سورية وأمريكية وجواز سفر من جمهورية سانت كيس الكاريبية التي تمنح مؤسسي شركات الأوف شور جوازات سفر”. وقد منحت هذه الجزيرة جواز السفر لجمال وولده وائل المعاقب أمريكياً نظراً لاستثماراتهم في هذه الجزيرة. وحصل معد التحقيق على نسخ من جوازات السفر هذه.

بحسب الوثائق التي حصلنا عليها، يظهر اسم جمال عبد الكريم المولود في حيفا 1943العام والمقيم في دمشق، إضافة لكونه المساهم الرئيسي في مجموعة عبد الكريم والمعروفة في سورية باسم “عبد الكريم للتجارة” بحسب سجلاتها على موقع غرفة الصناعة في دمشق.هو أيضاً مساهم رئيسي في شركة (مورغان) التي عاقبتها الولايات المتحدة الامريكية. لكن اسمه لم يظهر في العقوبات نظراً لاختفاء اسمه في سجلات الشركة المسجلة في جزيرة “سيشل” في المحيط الهندي والتي هي إحدى ملاذات الأوف شور.

اسم جمال عبد الكريم مايزال يظهر على موقع (الاتحاد العربي للصناعات الهندسية) كعضو لمجلس الإدارة. وكان أحد أعماله ضمن مجموعته “عبد الكريم للتجارة” حتى بداية الأزمة السورية، هي عمله وكيلاً لشركة (فوكس) الألمانية لزيوت السيارات، وقد ُسجل أيضاً رسمياً وفقاً لوثيقة حصل عليها معد التحقيق من سجلات وزارة الاقتصاد السورية وكيلاً لشركتين هما: BOLD ROCCHI SRL الإيطالية للمحركات، وشركة T.W. TECHNOLOGY CORP الأمريكية للمعدات والآلات.
ولم يردنا رد حول أسئلة وجهناها عبر شبكة إعلاميون من أجل صحافة أستقصائية عربية (أريج) لوزارة الخزانة الامريكية حول نظام العقوبات المتعلق بهؤلاء الأشخاص. بينما علق مكتب إدارة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة على أسئلة وجهتها ICIJ، بأنها تبذل كل الجهود “لمعاقبة مخالفي العقوبات ومنتهكيها سواء كانوا أفراداً أم شركات”.

في ظلال “الأوف شور”

وعلى غرار جمال عبد الكريم، لم تكتشف السلطات الأمريكية أسماء بقية أفراد العائلة المساهمة في الشركات التابعة لمجموعة عبد الكريم، ما أتاح لهم العمل بحرية في ظلال الأوف شور. ففي الوثائق التي حصل عليها معد التحقيق يظهر محمد فادي عبد الكريم مساهماً في شركة مورغان المسجلة في سيشل، والتي تحمل اسم “مورغان ميدل ايست”، ويشترك في ملكيتها مع جمال ووائل عبد الكريم.
بينما يختفي اسم عدنان ابراهيم عبد الكريم المقيم في الأردن كمساهم في شركة (بان جيتس) المعاقبة دون اكتشاف اسم هذا المساهم من قبل السلطات الأمريكية، نظراً لأن دخوله كمساهم في هذه الشركة تم عام 2013 بوثيقة منفصلة عن سجل الشركة أضيفت لملفها لاحقاً. وحصل معد التحقيق على نسخة منها. كما يختفي اسم آخر في ملفات هذه الشركة، وهو مواطن سوري فلسطيني يدعى نسيم برقاوي (42) عاماً. لم تكتشف سلطات العقوبات اسمه في حين اكتشفت شقيقه أحمد برقاوي، كما لم تكشف اسم رجل الأعمال السوري عبدالله زينة (51) سنة، وهو مساهم ومدير في هذه الشركة خلال فترة فرض العقوبات ضدها من قبل السلطات الأمريكية.

وفي حين تكشف الوثائق أسماء بعض الشركاء أو المديرين ضمن شركات تنتمي لمجموعة عبد الكريم، منهم: رجل الأعمال الإماراتي سليمان خميس رشيد علي (26) عاماً، و آخر فلسطيني يدعي ياسر محمود برازي (33) عاماً، وهو المدير الحالي في شركة (مورغان) التي طالتها العقوبات الأمريكية، غير أنهما لم يكونا ضمن اللائحة الأمريكية للمعاقبين ضمن مساهمي ومديري الشركة.

تفتخر مكاتب القانون المتخصصة بمساعدة الراغبين بالتسجيل في شركات “الاوف شور”، بتقديم مواصفات مناطق “الملاذات الآمنة” التي يساعدون زبائنهم على إخفاء أموالهم وشركاتهم فيها. ويمكن بكبسة واحدة على الانترنت، الاطلاع على التنافس الكبير في الترويج بين المحامين ومكاتب القانون والشركات المتخصصة في تسجيلات الاوف شور، وتنافسهم حول تقديم الميزات الأفضل وهي “السرية”، و”انعدام الضرائب”.

وبرغم إعلان الشركات والمكاتب القانونية المتخصصة في تسجيل شركات الاوف شور ومنها (Mossack Fonseca)، أنها تلتزم بالمعايير العالمية والقانون الدولي، وأنها على استعداد لوقف التعامل مع أية شركة أو شخص يعاقب من قبل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو أمريكا، ورغم هذه الشركة ( ) لديها دائرة مهمة تسمىَ “دائرة الامتثال” أي الخضوع للقوانين، حيث يعمل في هذه الدائرة محامون وقانونيون مهمتهم متابعة مايحصل قانونياً مع الزبائن في أي مكان من العالم، ويقترحون وقف التعامل مع من تثبت عليه الجرائم أو الاحتيال أو يعاقب اقتصادياً، تثبت الوثائق التي حصلنا عليها وتشمل مراسلات دائرة (الامتثال) أن الشركة كانت تتابع وتهتم بقرارات العقوبات الصادرة ضد زبائنها، لكنها لاتلتزم بقرار العقوبات بشكل منتظم، فهي لم تستجب لقرار العقوبات ضد رامي مخلوف والذي صدر عام 2008 من قبل السلطات الأمريكية. لكنها التزمت وأوقف إدارة بعض شركاته ضمن وجبة العقوبات التي طالته بعد عام 2011، ولم تلتزم ( موساك ) بالعقوبات التي فرضت لأكثر من عام من قبل الاتحاد الأوروبي ضد رجل الأعمال السوري القريب من الأسد سليمان معروف.
ومن خلال اطلاع معد التحقيق على أحدث الوثائق المتاحة من مراسلات شركة (موساك) في عام 2015، فإنّ الوثائق تكشف أنّها لم تفكر في وقف التعامل مع مجموعة عبد الكريم وشركاتها أو مساهميها الذين طالتهم العقوبات الأمريكية.
كانت شركة (موساك) واثقة من قدرتها على إخفاء الشركات والمساهمين حتى عن السلطات الأمريكية حين تشاء، ولذا فإنّ العقوبات الأمريكية لم تكتشف كامل شبكة الشركات المخفية لـ (مجموعة عبد الكريم)، فهي لم تكتشف شركة JAKOC Petroleum Limited المملوكة بحسب الوثائق التي حصنا عليها من جمال ووائل وفادي ووفيقة عبد الكريم بعد تأسيسها العام 2011 في جزيرة سيشل. كما لم تظهر للسلطات الأمريكية شركة Vectra international trading والتي يشترك فيها ويديرها عدنان عبد الكريم وأحمد برقاوي “المعاقب أمريكياً” منذ عام 2014.

عملت هذه الشبكة على إيجاد ملاذات وشركاء بأسماء خفية، بعد أن ضيقت العقوبات الدولية على مجموعة عبد الكريم عقب إغلاق فروع لهذه الشركات في دبي والشارقة وخاصة (بان جيتش انترناشيونال) في أعقاب صدور العقوبات الامريكية.
كما وضع الشركاء المعاقبون في شبكة المجموعة أسماء أبنائهم مثل أولاد محمد حمشو، والأبناء الآخرين لجمال عبد الكريم وأقاربه مثل فادي وعدنان للإنابه عنهم.

تغييرات مابعد العقوبات
شملت التغييرات بعض المساهمين والمدراء في مجموعة عبد الكريم، بحسب اقترابهم من قرار العقوبات وفقاً لمايلي:
-16 نيسان أبريل 2012 تعيين وائل عبد الكريم مديراً للشركة، وأحمد برقاوي مديراً لفرع الشركة في جبل علي في دبي.
-11 حزيران يونيو 2013 وائل يحيل بعض الأسهم لشقيقه فادي.
-4 تشرين الثاني نوفمبر 2014 انتخاب وائل عبد الكريم رئيساً للشركة واستقالة أحمد برقاوي وتعيين شقيقه نسيم بدلاً عنه في إدارة فرع جبل علي.
-17 كانون الأول ديسمبر 2014: فرض العقوبات الأمريكية ضد وائل عبد الكريم وأحمد برقاوي.
-30 كانون الاول ديسمبر 2014: استقالة وائل عبد الكريم من منصبه كمدير للشركة.
-30 كانون الاول ديسمبر 2014: اضافة مساهم جديد هو الإماراتي سليمان رشيد خميس العلي وتعيينه مديراً ثم رئيساً للشركة.
-30 كانون الاول ديسمبر 2014: وائل وفادي عبد الكريم يحولان أسهمها البالغة مليون سهم في الشركة للمستثمر الاماراتي.
-25 شباط فبراير 2015 أي بعد شهرين على تعيينه واستلامه الاسهم استقال الإماراتي سليمان العلي وعين بدلاً منه ياسر محمود برازي.
-25 شباط فبراير 2015 استقالة نسيم برقاوي من إدارة فرع جبل علي، وتولي ياسر برازي بدلاً منه.
وبعد كل هذه التغييرات يبقى اسم الوالد جمال عبد الكريم غير ظاهر في هذه القرارت، برغم ظهور اسمه في مؤسسي الشركة وامتلاكه 150 ألف سهم فيها.

التعاون مع آل مخلوف
ما تكشفه أيضاً وثائق سجلات شركات مجموعة عبد الكريم الخفية في الأوف شوور، هو تعامل هذه المجموعة في حساباتها البنكية مع بنك (سورية الدولي الإسلامي)، وهو البنك الذي يساهم فيه إيهاب مخلوف شقيق رامي مخلوف وابن خال الرئيس الأسد. وإيهاب معاقب أوروبياً منذ عام 2011 كحال شقيقه ووالده. وبالرغم من استقالته من مجلس إدارة البنك إثر العقوبات، إلاّ أنّه مازال من كبار المساهمين فيه.
بنك (سورية الدولي الإسلامي) نفسه تعرض في عام 2012 للعقوبات الأمريكية. واتهمه الاتحاد الأوروبي بأنه يعمل “كواجهة تسهل عمليات احتيال يمارسها (المصرف التجاري السوري) في الخارج للإفلات من العقوبات”. والمصرف التجاري هو مصرف الحكومة السورية الأكبر والذي تخترق من خلاله العقوبات المفروضة على النظام.

غير أن محكمة الاتحاد الأوروبي ألغت العقوبات المفروضة ضد بنك (سورية الدولي الإسلامي) في منتصف عام 2014 بعد دفاع البنك أنّه لايتعامل مع شركات تخترق العقوبات، في الوقت الذي كان فيه هذا البنك هو البنك المعتمد عام 2013 لشركة (بان جيتس) التابعة لمجموعة عبد الكريم، أي إبّان فترة عقوبة البنك وإبان دفاعه عن نفسه أمام المحكمة الأوروبية.

عقوبات
دفعت العقوبات الدولية لتغييرات بين مساهمي ومديري الشركات المعاقبه. ويتضح في مثال من شركة (مورغان) أنّ من شملته العقوبات استقال من منصبه علناً ليترك المجال لوالده كما فعل وائل عبد الكريم، او يترك المجال لشقيقه كما فعل أحمد برقاوي.

لم تجب مجموعة عبد الكريم على أسئلة معد التحقيق والتي وجهت عبر شبكة (أريج)، غير أنّ مدير شركة مورغان التي ارتبطت بالمجموعة أجابت على لسان مديرها ياسر برازي، بأن شركة مورغان تأسست في سيشل بتاريخ 19 نيسان ابريل 2012، بينما تشير وثائق حصل عليها معد التحقيق إلى أن الشركة موجودة بإدارة وائل عبد الكريم منذ عام 2011.
وينفي برازي أن يكون للشركة مورغان سيشل أية نشاطات تجارية أو حسابات بنكية. ويحدد أن الشركة وحتى تاريخ فرض العقوبات على مديريها وائل عبد الكريم وأحمد برقاوي في في 17 كانون الثاني ديسمبر 2014 كانت قيد “التأسيس” ولم تمارس أي نشاط تجاري. ولكنه لا يوضح كيف يمكن أن تكون شركة قد تأسست وافتتحت فرعاً في دبي، دون أن تمارس عملاً طيلة نحو خمس سنوات.

تناقضات شركة مورغان

ويوضح: “كان وائل عبد الكريم مؤسساً لشركة مورغان سيشل بنسبة 60% من أسهمها، لكنه بعد سنة تقريباً من هذا العمل في هذا المنصب بدء الانفصال عن الشركة مع أحمد برقاوي”. بحسب المدير الحالي ياسر برازي، بينما تشير الوثائق إلى أنّ وائل عبد الكريم وأحمد برقاوي كانا ضمن إدارة الشركة وفروعها منذ العام 2011، وحتى نهاية العام 2014، مايعني أنهما أدرا أعمالها نحو أربع سنوات، وخلال فترة عمل شركاتهما التي عوقبت بسبب انتهاك العقوبات الدولية.
استقال برقاوي قبيل فرض العقوبات ضده بأيام، واستقال وائل عبد الكريم بعد صدور قرار العقوبات بإسبوعين تقريباً. وباع “وائل عبد الكريم أسهمه في الشركة، وتخلى عن الإدارة لمستثمر جديد بحسب المدير الحالي برازي ولم يعد له أية صلة بالشركة منذ بداية 2015”. ويضيف برازي: “كانت الشركة تخطط لبدء النشاط التجاري بتاريخ 8 آب اغسطس 2015، لكن للأسف فرضت العقوبات الأمريكية ضد الشركة قبل خمسة أيام من موعد بدئها بالإنتاج أي في 3 آب أغسطس 2015”.
ويؤكد برازي أنّه إضافة إلى أن مورغان لم تمارس أي نشاط تجاري حتى اليوم، فإنّ “الحكومة الإماراتية حظرت علينا ممارسة أي نشاط تجاري مع سورية بشكل عام، ومنعتنا من ممارسة أية نشاطات تجارية مع شركات معاقبة أوروبياً أو أمريكياً”.
ويؤكد برازي أن العقوبات الأمريكية طالت شركة مورغان بذريعة ملكيتها أو وقوعها بشكل مباشر أو غير مباشر تحت إدارة أشخاص معاقبين من قبل أمريكا، بينما “لايمتلك اي من الأشخاص المعاقبين أمريكياً مثل وائل عبد الكريم وأحمد برقاوي أي أسهم أو سيطرة على شركة مورغان وهي لاتتبع لمجموعة عبد الكريم حالياً”.
طبعاً يحتاج هذا الجزء من التبرير مزيداً من الاقناع، لأن الوثائق التي بحوزتنا تؤكد ملكية الوالد جمال عبد الكريم الذي يرأس مجموعة عبد الكريم أسهماً في مورغان ميدل إيست، دون توفر أية وثيقة تثبت خروجه منها.
ويؤكد برازي أن شركة مورغان أرسلت مبرراتها وأدلتها مطالبة برفع العقوبات ضدها، وأبرز الوثائق التي قدمناها لسلطات OFAC المسؤولة عن العقوبات، وثيقة تثبت أنّ وائل عبد الكريم لم تعد له علاقة بالشركة لا من ناحية الملكية أو الإدارة.

نص قرارا العقوبات الأمريكية ضد شبكة “عبد الكريم” كما أسماها القرار، على دور هذه الشركة في التعاون مع شركاء عابرين للحدود لايعترفون بالموقف السياسي لحكوماتهم ولا يجمعهم سوى المال. شركات خفية عملت مع رجال الرئيس في تقديم النفط والدعم للآلة العسكرية وللطيران التابع للحكومة السورية في الحرب “ضد الشعب السوري” كما سماها القرار الامريكي. فلامانع لدى مختصي خرق العقوبات من شبكات في سويسرا وهولندا وتركيا وملاذات الأوف شور من التعاون في سبيل استمرار استعار الحرب وتغذيتها بالوقود، مادام المال يقول كلمته.

أنجز هذا التحقيق بدعم واشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)

———————————–


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *