خبايا فصل 1500 معلم في الضفة بعد الانقسام

12 مارس 2013

رام الله – الرسالة نت – في عام 2008 وبعد وضعها مولودها بأيام، تلقت السيدة “ت. م” إحدى المعلمات القاطنات في الضفة الغربية والتي تعينت في سلك التعليم عام 2006، كتاب فصل موقع من وزيرة التربية والتعليم في حكومة فياض لميس العلمي بدلا من كتاب تهنئة، يشير نصه: “بناء على تعليمات الجهات المختصة فقد تقرر إيقافك عن عملك”.

 تقول ” ت. م” إن سبب فصلها من العمل كان بعد مسح أمني أجراه جهازا المخابرات العامة والأمن الوقائي في الضفة الغربية ربطتها نتائجه بحركة حماس، وهو ما تنفيه المعلمة المفصولة جملة وتفصيلا، واصفة تلك الاتهامات بـ”الكيدية” التي أحالت إجازة أمومتها إلى إجازة مفتوحة.

لدى كاتب التحقيق نسخة عن كتاب الفصل الذي يؤكد ان القرار جاء بناء على مسح أمني، يسمى “السلامة الامنية”، اجراه الجهازان الأمنيان سالفا الذكر رغم ان القانون لا يخولهما التدخل في التعيينات الحكومية.

وبعد بحث معمق قام به كاتب التحقيق لمعرفة أي صلات بين هذه السيدة وحركة حماس، فقد تبين له عضوية احد اقاربها بحركة حماس واستشهاده في الانتفاضة الثانية أي قبل حوالي خمس سنوات من الانقسام.

تضيف “ت. م” في تعليقها على هذه الجزئية: “كنت مقيمة خارج الاراضي الفلسطينية، وقدمت الى الضفة الغربية لأول مرة بعد الزواج وكان قريبي قد استشهد قبل ذلك ولم اره طوال حياتي، وحين راجعت الجهات الأمنية لمعرفة أسباب فصلي من العمل اخبروني ان انتماءه لحماس هو السبب الرئيسي في فصلي”.

المعلمة ” ت. م” التي فصلت اثناء اجازة امومتها، هي واحدة من حوالي 1500 موظف فصلوا او استثنوا من الوظائف في وزارة التربية والتعليم في الضفة، عدا عن مئات اخرين في وزارات ومؤسسات حكومية مختلفة، بسبب توصيات امنية اصدرها جهازا المخابرات والوقائي الأمنيان في الضفة الغربية بحسب وثائق حصل عليها معد التحقيق، اضافة الى معلومات مصدرها مراكز حقوقية تابعت هذا الملف.

هؤلاء الموظفون عين معظمهم بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006، لكن وكنتيجة للانقسام السياسي والإداري بين الضفة الغربية الخاضعة لسلطة فتح وقطاع غزة الخاضع لسلطة حماس، فصلت وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربية مئات الموظفين بناء على قرارات امنية مدعومة من مستويات سياسية، شكل اهمها مجلس الوزراء الذي كان يرأسه وما زال حتى تاريخ اعداد هذا التحقيق الدكتور سلام فياض ، عبر قرارات صدرت في هذا الشأن.

وتعد وزارة التربية والتعليم احدى كبريات مؤسسات السلطة الفلسطينية المدنية بحسب البيانات الرسمية، بما يزيد عن ( 66 ألف) موظف بين معلم وإداري، وبميزانية سنوية تزيد عن ملياري شيكل (600 مليون دولار امريكي).

وبحسب حسابات مفصلة في متن التحقيق، ستصل تعويضات المعلمين المفصولين- في حال تراجعت السلطات في الضفة عن قرارها بالكامل وأعادتهم لعملهم- لأكثر من 63 مليون دولار ستتحملها ميزانية السلطة الفلسطينية التي لا تزيد موازنتها عن 3.7 مليار دولار، مع عجز يزيد عن مليار دولار.

يستند جوهر هذا التحقيق الى دلائل ومعلومات تشير الى تدخل ساسة واجهزة أمن بشكل مباشر وغير مباشر في تعيين الموظفين في وزارة التربية والتعليم وفصلهم عبر سن قرارات سرية وغير مدعمة قانونيا، بل ذهاب هذه الأجهزة الى أبعد من ذلك بالتدخل في سير العمل القضائي، عبر تأخير بت القضاء في التظلمات المقدمة من هؤلاء المعلمين المفصولين من وزارة التربية والتعليم على خلفية تطبيق قرار المسح الامني عليهم الى ما يزيد عن اربعة اعوام.

المادتان رقم (24،18) من قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 وتعديلاته، تحصران شروط التعيين بالتالي : أن يكون فلسطينياً أو عربياً، قد أكمل السنة الثامنة عشرة من عمره، خالياً من الأمراض والعاهات البدنية والعقلية التي تمنعه من القيام بأعمال الوظيفة التي سيعين فيها بموجب قرار من المرجع الطبي المختص، متمتعاً بحقوقه المدنية غير محكوم عليه من محكمة فلسطينية مختصة بجناية أو بجنحة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يرد إليه اعتباره، ولم تشترط إجراء الفحص الأمني على المتقدمين للوظيفة العمومية.

ورغم أن القانون لا ينص على شرط السلامة الأمنية ذاك، إلا أنه كان معمولا به منذ فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات واستمر في عهد الرئيس الحالي محمود عباس وبقرارات استثنائية من رئاسة السلطة لضبط التوظيف في مؤسساتها واجهزتها بناء على شروط امنية.

وبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة اصدر رئيس الوزراء اسماعيل هنية في تاريخ (2/5/2006) قرارا يحمل الرقم (8/5/10) يلغي العمل بشرط السلامة الامنية، وتشير مواد القرار بأحقية التقدم لشغل الوظائف الحكومية استنادا الى قانون الخدمة المدنية ومواده المنصوص عليها في المادة (24،18)، مع الغاء كل ما يتعارض معها فألغي القرار منذ ذلك اليوم، لكن حكومة فتح برئاسة سلام فياض أعادت العمل به عام (2007) بعيد الانقسام كما يبين التحقيق.

تناقض ردود أجهزة الأمن

محاولاتنا التحدث مع الاجهزة الامنية بشأن المسح الامني واسباب فصل ” ت. م” لم تلق تجاوبا نتيجة قرار يمنع عناصرها التحدث للإعلام في هذه القضية حسبما أفادوا حاليا، لكننا عثرنا على تصريح منشور على صفحة وكالة معا المحلية في تشرين الاول/ اكتوبر 2010، للناطق باسم الاجهزة الامنية عدنان الضميري جاء فيه: “ان السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية لا تتعامل مع اي مواطن بناء على انتمائه السياسي، مشيرا الى ان القانون لا يعاقب على خلفية الانتماء السياسي”.

الا أن تصريحاً لمسؤول أمني آخر يناقض في جوهره ما يقوله الضميري. ففي مقابلة أجراها تلفزيون وطن مع المقدم صهيب دغلس احد ضباط جهاز المخابرات الفلسطينية في نهاية نيسان/ ابريل 2011، ولدى سؤاله عن موضوع المحاسبة على الانتماء السياسي والمسح الامني، قال : “يوجد هناك مسح امني وظيفي، وهو ضرورة من ضرورات العمل في الواقع الموجود حاليا، والذي فرضه (الانقلاب)” مشيرا الى حسم حماس العسكري لقطاع غزة منتصف عام 2007 .

قرار موجود.. لكنه مفقود !

تبين لكاتب التحقيق بعد البحث ان قرارات فصل هؤلاء الموظفين استندت الى كتاب صدر في الجلسة 18 لمجلس الوزراء في رام الله المنعقد برئاسة السيد سلام فياض في تاريخ 3/9/2007، والموقع من رئيس ديوان فياض السيد سعدي الكرنز ويحمل رقم (1/ع م و/2115) المؤرخ بتاريخ 9/9/2007، والذي نص على ” اعتبار اجراء الفحص الامني جزء من عملية التعيين، وان ديوان الموظفين العام هو المسؤول عن عملية التعيين وعليه ان يجري اتصالاته مع الاجهزة الامنية بهذا الخصوص”.

لكن لدى تنقيبنا في القرارات الصادرة عن مجلس وزراء رام الله في تلك الجلسة، لم نجد اي اشارة لنص قرار رسمي موقع من سلام فياض بمحتوى الكتاب المذكور أعلاه، مما يشير بعدم وجود هذا القرار اساسا في ارشيف مجلس الوزراء.

أمانة مجلس الوزراء في رام الله ترفض طلب “العدل العليا” تزويدها بنسخة عن الكتاب بدعوى “سرية جلسات المجلس”

خبير القانون الاداري الفلسطيني المحامي غاندي الربعي، وهو ابرز من تولوا الدفاع في قضية المعلمين المفصولين، يرى في الأمر “تعديا واضحا على مبادئ القانون الاساسي وقانون مجلس الوزراء الذي ينص على عدم قانونية اصدار قرارات غير معلنة او سرية في حال كان القرار سريا، كما يمثل تعديا من اجهزة الامن على قانونها الذي يحصر عملها بالضبطية القضائية، مما يظهر عجزا كبيرا في الالتزام بالقانون من كلا الطرفين بفصل الموظفين بناء على كتب غير مكتملة الالية القانونية، صادرة من مجلس الوزراء وتنفذها الاجهزة الامنية وديوان شؤون الموظفين، وهما غير ذي اختصاص في جميع الحالات التي حدث فيها هذا النوع من الفصل”.

يزيد من الغموض الذي يلف كتاب رئاسة الوزراء سالف الذكر والخاص بتنفيذ شرط السلامة الامنية، ما اشار اليه تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان من “ان محكمة العدل العليا ممثلة برئيسها في حينه، وهو ذاته الرئيس السابق لمجلس القضاء القاضي عيسى ابو شرار، قد طلبت في كتاب وجه الى رئاسة الوزراء بتزويدها بنسخة عن هذا الكتاب، لكن امين عام مجلس الوزراء في حينه السيد سعدي الكرنز أجاب بكتاب رسمي للمحكمة جاء في نصه “نعلمكم بأسفنا الشديد لعدم تمكننا من تزويد محكمة العدل العليا الموقرة بصورة عن محضر الجلسة المذكورة، وذلك لسرية مداولات محاضر جلسات مجلس الوزراء وفقا للنظام الداخلي للمجلس”.

الربعي: الأجهزة الأمنية ومجلس الوزراء عاجزان عن الالتزام بفصل الموظفين بناء على كتب غير مكتملة الآلية القانونية

يعلق التقرير الحقوقي سالف الذكر والمنشور عام 2010، على رد ديوان الرئاسة بالقول: “ان هذا الرد يعتبر مؤشرا على عدم رغبة السلطة التنفيذية في التعاون مع القضاء وصولا للعدالة، خصوصا ان هدف المحكمة كان الاطلاع على مضمون قرار مجلس الوزراء المتعلق بجعل السلامة الامنية شرطا من شروط التعيين الذي فصل بسببه المئات من الموظفين، كما ترى فيه مخالفة للقانون الاساسي المعدل للعام 2003، الذي اكد في مادته (30/2) على حظر النص في القوانين على تحصين اي قرار او عمل اداري من رقابة القضاء، اضافة إلى ان امتناع مجلس الوزراء عن نشر القرار الخاص بالسلامة الامنية يعد انتهاكا لحق المواطن في الحصول على المعلومات”.

أمين عام مجلس الوزراء في رام الله السيد صلاح عليان رد على موضوع عدم تسليم امانة المجلس عام 2008 لمحاضر الجلسات بناء على قرار المحكمة بقوله: “إن استخراج محاضر الجلسات وتسليمها لأي جهة كانت بمن فيها الوزراء والنواب والقضاة، يجب ان تكون مقرونة بموافقة رئيس الوزراء شخصيا، مضيفا انه متأكد من ان فياض لم يرفض تسليم المحاضر ولم يخالف القانون، وليس هناك اي تفسير لعدم تسليم المحاضر من قبل امانة المجلس حينها نظرا للمدة الطويلة المرتبطة بهذا الحادث”.

الوزيرة تخضع لأجهزة الأمن

لاحقا، وخلال مراجعتنا للوثائق والمراسلات الصادرة من وزارة التربية والمتعلقة باسباب فصل هؤلاء الموظفين، أشارت كتب موقعة من وزيرة التربية والتعليم في رام الله لميس العلمي الى ان السبب يرجع لعدم تنسيب الجهات الامنية وتحديدا جهازي الوقائي والمخابرات بالتعيين، وظهر ذلك جليا في الكتابين المؤرخين بتاريخ 22/7/2011 .

قانون الجهازين الامنيين (المخابرات والوقائي) رقم 11 لسنة 2007، ورقم 17 لسنة 2005، يحصر مهامهما بموجب المواد رقم 12،9،8،7،6 في العمل على حماية الأمن الداخلي الفلسطيني، وممارسة المهام بموجب صفة الضبطية القضائية، والالتزام بالحقوق والحريات المنصوص عليها في القانون وعدم تعديها، ولم نعثر في قانون الجهازين الأمنيين على ما يشير الى تمتعهما بصلاحيات التدخل في تنسيب الموظفين أو عدم تنسيبهم للعمل في الوزارات المختلفة.

رد العلمي على السؤال حول اسباب توقيعها قرارات الفصل خلافا للقوانين، وبناء على كتب مرسلة من ديوان الموظفين تستند لتوصيات لأجهزة الامنية، كان التالي: “تلقت الوزارة من ديوان الموظفين العام كتبا تشير فيها الى امكانية توظيف موظف ما وفصل آخر استنادا الى توصية أمنية، مما جعل الوزارة تأخذ قرارتها بالتوظيف والفصل بناء على هذه الكتب التزاما بقرار مجلس الوزراء الخاص بالسلامة الأمنية الذي صدر عام 2007 ” لكن الوزيرة اعترفت بأنها “انتبهت أخيرا بناء على قرار المحكمة العليا الصادر لاحقا لصالح مجموعة من المعلمين المفصولين، بأن ديوان الموظفين العام ليس من صلاحياته التدخل في التعيين والفصل، وان الصلاحيات والمسؤول وحده عنها هو الوزير ولا احد غيره”. ومع ذلك فان انتباهها المتأخر لم يترجم الى تراجعها فورا عن جميع قرارات الفصل التي وقعتها بنفسها.

وزراء يجهلون صلاحياتهم

الرئيس السابق لمجلس القضاء الاعلى السيد عيسى ابو شرار، وفي معرض تعليقه على رد الوزيرة العلمي اشار بوضوح الى ان “جهل الوزراء بصلاحياتهم كما حدث في حالة المعلمين المفصولين من وزارة التربية والتعليم تعد مصيبة اكبر من مصيبة تطبيق الوزارات لقرارات ديوان الموظفين المستند لتوصيات الاجهزة الامنية، لافتا الى ان ديوان الموظفين مارس صلاحيات التعيين والفصل خارج نطاقه القانوني الزمني، متعديا بذلك على الصلاحيات المشرعة في القانون الاساسي للوزارات والوزراء”.

” ج. و” هو احد الذين شملهم قرار المسح الامني وادى لفصله عن العمل بسبب ما سماه “ظلم المسح الامني وتهمة الانتماء السياسي”، مبينا انه وغيره مورست عليهم ضغوط متعددة من قبل الاجهزة الامنية تركز معظمها على اشتراط التعاون مع هذه الاجهزة والعمل معها مقابل العودة لوظائفهم بحسب اقوالهم، وهو ما جوبه برفض تام من المفصولين لاستحالة الجمع بين التعليم والعمل الامني، كما قال.

أبو شرار: ديوان الموظفين مارس صلاحيات الفصل والتعيين خارج نطاقه القانوني الزمني

اما سنوات الفصل الاربع الصعبة التي عاشها “ج. و” ككثير من المعلمين المفصولين الذين عملوا ليؤمنوا لقمة العيش لأبنائهم كباعة متجولين وعمال بناء او موظفين في وظائف لا تناسب شهاداتهم العلمية التي تعبوا من اجلها، فقد كانت سببا وجيها لدفعهم ليرفعوا ملفاتهم للقضاء لينظر فيها.

وخلال تجربتهم مع القضاء انقسم هؤلاء المعلمون الى ثلاثة اقسام، اولهم من تقدم بشكاوى عبر مؤسسات ومراكز حقوقية، وبلغ عددهم ما بين 600 الى 800 موظف، ومن تقدم بدعاوى عبر محامين خاصين، وقد زاد عددهم عن 200 حالة، ام الباقون فلم يتقدم اي منهم بأية دعوى لقناعتهم بعدم جدوى الموضوع نظرا لبعده السياسي، او لعجزهم عن دفع تكاليف الاتعاب القانونية التي تقارب 200  دولار امريكي لكل منهم.

وبحسب رصد أجراه معد التحقيق للموظفين الذين رفعوا قضايا احتجاج على قرارات الفصل، تبين ان القضاء لم يبت الا في 14 حالة من اصل مئات الحالات التي قُدمت على امتداد 4 سنوات منذ عام 2008 وحتى عام 2012؛ فضلا عن ذلك، بين الرصد ان الحالات التي حكم فيها القضاء بعودة هؤلاء المفصولين لعملهم، لم يعودوا الا بعد مماطلة شديدة استمرت قرابة شهر ونصف الشهر، وبعد ضغوط شديدة على مجلس الوزراء شملت اعتصامات واضراب عن الطعام امام اسواره، كالإضراب الشهير للمعلم احمد وهدان عند بوابة المجلس للمطالبة بتنفيذ القرار.

هذه الاحتجاجات جاءت عقب ما تلقوه من ردود على تأخر عودتهم لأعمالهم تلخصت في ان السبب هو قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الصادر في 24/8/2012، والذي ينص على “وقف كافة الترقيات والتعيينات حتى إشعار آخر”، حسب ما صرح به السيد صلاح عليان، الذي أشار الى أن قرار رئيس السلطة هو السبب الأساس في تأخر توظيفهم، وهو ما صرحت به لميس العلمي لوسائل الاعلام بعد صدور قرار عباس.

وقد جاء في حديث الوزيرة “ان عودة الموظفين ستأخذ فترة عامين الى ثلاثة اعوام ولن يعودوا سريعا، بسبب وضع السلطة المالي المتأزم وقرار الرئيس، اضافة الى ان الوزارة اساسا لم تتسلم حتى الان قرار محكمة العدل العليا القاضي بعودة هؤلاء المعلمين لتبدأ في اي اجراء يتعلق بهم”، إلا أن خبراء قانونيين التقاهم كاتب التحقيق أكدوا ان المعلمين المفصولين لم يعودوا مفصولين اساسا، ويلزم عودتهم مباشرة لعملهم كأنهم لم يفصلوا منه بناء على قرار المحكمة القاضي بعودتهم”.

العلمي: نتخذ قراراتنا بالتوظيف والفصل استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الخاص بالسلامة الأمنية

تصريحات الوزيرة العلمي تغيرت لاحقا بعد تواصل الضغوط التي مارسها المعلمون المفصولون وانضمام عدد من منظمات المجتمع المدني لهم، لتعلن العلمي بعدها “ان الوزارة ستعيد من تم فصلهم جميعا استنادا الى قرار محكمة العدل العليا بأسرع وقت واقرب فرصة “، وقد عاد عدد منهم بسبب هذه الضغوط وما زال مئات اخرون في انتظار شملهم بهذا القرار.

ويقول الخبير القانوني ابراهيم البرغوثي مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء “مساواة”، كتعليق على تأخر البت في قضية المعلمين المفصولين لما يقرب من اربع سنوات، ” ان تأخر حل القضية ليس له اي عذر قانوني اطلاقا، بل ان استغراق وقت التقاضي فيها لما يزيد عن اربعة اعوام يدخل في اطار نكران العدالة، وهو مخالف لاحد اهم مبادئ القانون الذي ينص على تمكين المواطن من اللجوء للقضاء بغية الوصول للعدالة بأسرع وقت، مشيرا الى ان العدالة المتأخرة تساوي تماما انكار العدالة”.

وكما يشير نص المادة (106) من القانون الاساسي المعدل بشأن تطبيق قرارات المحاكم الى ان “الأحكام القضائية واجبة التحقيق، والامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو جريمة يعاقب عليها بالحبس والعزل من الوظيفة إذا كان المتهم موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة، وللمحكوم له الحق في رفع الدعوى مباشرة إلى المحكمة المختصة، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً كاملاً له”.

الأمن يضغط على القضاء

مصدر رفيع في السلك القضائي، رفض الكشف عن اسمه، اكد ان الأسباب التي أخرت البت في هذه القضايا على مدار السنوات الأربع الماضية تعود الى تعرض القضاة لضغوط من جهات متعددة بعضها سياسي وبعضها امني، كما ان بعض هذه الضغوط جاء من داخل السلك القضائي، كما أقر بذلك رئيس مجلس القضاء الاعلى السابق السيد عيسى ابو شرار الذي تحدث عن محاولات كافحها كثيرا للضغط عليه شخصيا وعلى بعض القضاة اثناء فترة رئاسته للمجلس التي انتهت عام 2009، مشيرا في ذات الوقت الى وجود “علاقات خاصة بين عدد من القضاة وبعض السياسيين ورجال الامن، وهو ما لا يستطيع وقفه او رفضه”، واصفاً هذه العلاقات “بالشخصية في مجملها”.

مصدر رفيع اخر في السلطة الفلسطينية فضل عدم ذكر اسمه قال: “إن سبب التأخر في البت فيها كان بسبب ضغوط الانقسام”، وحين سؤاله عن معنى “ضغوط الانقسام” ومن كان يمارس هذه الضغوط ويفرض سلطته فوق القانون، فكان عدم الرد هو رده على هذه النقطة “نظرا لحساسيتها الشديدة” بحسب وصفه.

اما استطلاعات النزاهة القضائية التي نفذها مجلس القضاء الاعلى بنفسه بإشراف من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (USAID) عام 2009، وهو نفس العام الذي شهد احد اكبر موجات الفصل الجماعي، فقد كشفت ان 49٪ من القضاة المستطلعين يقرون بتعرضهم لضغوط من قبل اعضاء اعلى منهم في مجلس القضاء، في حين اقر 36٪ من العينة لتعرضهم لضغوط من قبل سياسيين، كما كشف الاستطلاع ان 62٪ من المحامين يعتقدون بتعرض القضاة لضغوطات من قبل الساسة ورجال الامن.

اما مركز “مساواة” وهو احد المراكز المعنية باستقلال اجهزة القضاء، فقد بين في استطلاع نشره عام 2012، ان 54% من القضاة المستطلعين يؤكدون تدخل أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية في عملهم، كما بين ان 86٪ من القضاة يتجاوبون مع هذه الضغوط.

بدوره، عمد معدو التحقيق لتوزيع استبانة على عينة ضمت 150 مواطنا، شملت شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية للوقوف على آرائهم في استقلالية القضاء، اعرب 63٪ من المستطلعة آراؤهم عن قناعتهم بان القضاء “مرتهن لأجهزة السلطة التنفيذية وافرادها من ساسة ورجال امن عبر الضغوط التي يمارسونها على القضاة ومجلسهم”، فيما اكد 77٪ من العينة ان ضغوط السياسيين واجهزة الامن تحرف مسار العدالة وتقلب الحقائق لصالح متنفذين من الطرفين.

تعطيل أجهزة الأمن لقرارات المحاكم

وبعملية حسابية بسيطة، وبحسب بيانات عدد الموظفين المفصولين الذين بلغوا حوالي 1500 موظف وتتكون اسرهم في المتوسط من 4 افراد، نجد ان ما يقارب 8000 شخص قد حرموا من حقوقهم التي كفلها القانون لهم خلال فترة العمل في مرافق السلطة الفلسطينية، اضافة للامتيازات الحكومية المختلفة كالتأمينات والرعاية الصحية.

وبالأخذ في عين الاعتبار ان راتب المعلم في المتوسط هو 2500 شيكل ( 600 دولار)، فستضطر السلطة الفلسطينية حين البت في القضية لصالح المعلمين وبحسب نص المادة (32) من القانون الاساسي المعدل، الى دفع تعويضات لقاء فصلهم تعسفيا بحسب قانون الخدمة المدنية الفلسطيني يصل اجماليها الذي ستتكلفه خزينة السلطة الى ما يزيد عن 250 مليون شيكل ( 63 مليون دولار)، تشكل 150 مليون شيكل منها (38 مليون دولار) مستحقات عن فترة الفصل غير القانوني، وتعويضات بقيمة 99 مليون شيكل (25 مليون دولار) عن الاضرار الناتجة عن الفصل، بمعدل يقارب 165 الف شيكل ( 42 الف دولار ) لكل موظف مفصول، اضافة الى مليون شيكل ( 250 الف دولار ) تمثل تكاليف القضايا المرفوعة .

دور رئيس السلطة

ما زال جزء كبير ممن شملتهم قضية المعلمين المفصولين يراوحون أماكنهم، بعد ان كانوا طرفا في واحدة من ابرز القضايا التي أثرت في حياة أكثر من 8000 شخص بصورة مباشرة.

خبير القانون ومدير مركز “مساواة” ابراهيم البرغوثي يعلق بالقول: “ان متابعة هذه القضية تقع على كاهل الرئيس الفلسطيني، لأن الثابت من الناحية القانونية أن قرارات فصل الموظفين مخالفة للقانون وتصنف على أنها خطأ مهني جسيم”.

ويضيف الخبير القانوني غاندي الربعي ان رئيس السلطة مدعو “للاضطلاع بما يفرضه القانون من مسؤولية بحسب نص القانون الاساسي المعدل بمواده (76،75،74)، بالمحاسبة والتدخل في اي قرار قد يسبب ضررا يصدر عن السلطة التنفيذية واعضائها، ويحمل اعضاءها مسؤولية اهمال ذلك مجتمعين ومنفردين بصفاتهم الشخصية والمعنوية، عدا عن وجوب التزام السلطة الفلسطينية بتنفيذ القرار بأسرع وقت واعادة المعلمين المفصولين ودفع جميع ما يترتب من تعويضات لهم جراء فصلهم، بناء على قرار المحكمة الصادر بحقهم”.

هذا التحقيق أعد بدعم من “شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عريية (أريج)” وبإشراف الزميلين عبد الله السعافين وعماد رواشدة.


تعليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *