الفقر يدفع الشباب الى بيع كلاهم لتجار وسماسرة الأعضاء البشرية في الساحة الهاشمية نظير 5 آلاف دينار!

14 سبتمبر 2008

تحقيق: محمد العرسان،عطاف الروضان

في قاع المدينة، بعيدا عن الرقابة، يجول سماسرة و”تجار” في أثر ضحايا جدد دفعهم العوز إلى بيع كلاهم في دول مجاورة مقابل حفنة دنانير قبل أن يقضّوا بقية حياتهم على قارعة الطريق وقد خسروا المال والصحة معا.

ثغرات قانونية

“سوق سوداء” لا يحمل مفاتيحها إلا من له مصلحة في البيع أو الشراء- في ظل ضعف نصوص في قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان والاتجار بالأعضاء البشرية، التي لا تغلظ العقوبة على المتدخل في الشراء أو البيع خاصة السمسار، أو تحدده بشكل واضح ،الأمر الذي يسهّل إفلات المشتري.

. فمع أن قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان يجرم فعل البيع في الفقرة “ج” من مادته الرابعة: “لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي او بقصد الربح”، فالمشرع هنا لم يشدد عقوبة أحد الأطراف الأساسيين في هذا الفعل، ألا وهو السمسار، إذ يكتفي بتكييف فعله الجرمي بالمحرض أو المتدخل بالاستناد إلى نصوص قانون العقوبات الساري. وهذا الوضع يثير انتقادات المحامين ورجال القانون.

يقول مدعي عام عمان حسن العبداللات: “الأصل توصيف الفعل الجرمي في هذا القانون وتغليظ العقوبة عليه مما يساهم بالحد من هذه الظاهرة بتشديد العقوبات عليها”.

كشفت وزارة الصحة عن 81 حالة تتعلق ببيع كلى في الثلاث سنوات الأخيرة على نحو مخالف للقانون، الذي يحصر نقل الأعضاء بالتبرع ضمن شروط قانونية تستند إلى فتوى شرعية.

لكن الأرقام قد تكون أكثر من ذلك. إذ يقول رئيس الجمعية الأردنية لأمراض الكلى د. محمد غنيمات إن عدد الأشخاص الذين قاموا ببيع كلاهم في الخارج خلال العام الماضي يتراوح بين 100 و120 شخصاً مات منهم 35 ضحية.

على أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، إذ يشير غنيمات إلى أن الرقم المعلن رسميا يغطي عدد الأشخاص الذين تم ضبطهم فقط.

قضائياً، سجلت المحاكم قضايا لبيع الأعضاء “الكلى” بدءا من العام 2004، وهو العام الذي بدء فيه أرشفة القضايا إلكترونياً. رصدت ثلاث قضايا بين عامي 2006/2007 وحتى الثالث من آب أغسطس 2008. سجلت 11 قضية في العام 2005.

من بين القضايا التي بتت فيها المحاكم المختصة منذ عام 2005، ست قضايا جرم فيها أظناء خالفوا قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان الذي يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو الغرامة أو كلتا العقوبتين. آخر تلك القضايا ردت لعدم الاختصاص في حزيران 2008،

وتكشف سجلات المحاكم أن الذين تلقوا احكاماً بين ثلاثة شهور إلى سنة- استناداً إلى المادة عشرة من قانون الانتفاع بجسم الإنسان- هم البائعون المتضررون، واثنان فقط من المتدخلين حكمت عليهم المحكمة. أما البقية فلم تكشف التحقيقات هويتهم.

كل المتورطين ذكور عاطلون عن العمل، باستثناء أطراف قضية واحدة عام 2005 كان المتهم الرئيسي فيها سيدة ثلاثينية حكمت بالحبس لمدة أربعة أشهر لأنها باعت كليتها بخلاف القانون.

وفي قضية أخرى عام 2007 أدين شاب وحكم عليه بالحبس شهر فيما تلقى “المتدخلون” في عملية البيع ثلاثة أشهر لكل منهم. شاب آخر أدين عام 2006 وحكم عليه بالحبس لمدة شهر فقط، فيما حكم على آخر بالسجن ثلاثة شهور عام 2005. كذلك حكم على شاب عام 2007 بالسجن ثمانية شهور، دائما بحسب سجلات المحاكم.

آخر تلك القضايا 2005/2006 شهدت الحكم على شاب لمدة سنة.

غالبية المحكومين كانوا في العشرينيات وبداية الثلاثينيات من العمر.

التناقض بين الأرقام الرسمية يعود إلى التخوف من اللجوء إلى القضاء وبالتالي إحجام الضحية/المتورط عن تقديم شكوى أو تسجيل قضية لغياب النص القانوني المتصل بمعاقبة المحرض أو السمسار. هذا الأمر يجعل متابعة الأرقام منوط بالمصادر المتاحة لكل جهة. بحسب مصادر في الإدعاء العام وقانونيين.

وزير الصحة السابق سعد خرابشة يشير إلى إحصائية تصنيفية للجنة العليا لزراعة الأعضاء. تفيد الإحصائية بأن أكثر العمليات تجرى خارج الأردن، 67.9 % في العراق، ومصر 13.5%. غالبية من باعوا كلاهم يقيمون في محافظة البلقاء لا سيما حوض البقعة- الذي يضم أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين يقطنه زهاء 120 ألف نسمة. بائعوا الكلى من الشباب الذكور؛ 55% منهم تقل اعمارهم عن (31) سنة, 46.9 % منهم متزوجون كما أن 60 %، منهم أنهى المرحلة الاعدادية و 43.2 % من أسر فقيرة فقرا مطلقا. معظم البائعين ليس لهم قيود جرمية.

جميع البائعين- بحسب الإحصائية ذاتها- سافروا طوعا لاسيما إلى مصر، العراق والباكستان. مصر بالتحديد أضحت سوقاً جاذبة لمثل هذه العمليات بعد تعذر إجرائها في العراق عقب سقوط بغداد عام 2003 بحسب مصادر متطابقة في وزارة الصحة وفي الادعاء العام فضلت عدم ذكر اسمائها. قبل عام 2000، كانت عمليات زراعة الكلى لأردنيين في ‘مستشفى الخيال’ الخاص وهو متخصص في الكلى ببغداد، بحسب المصادر ذاتها.

من جهته يقول مدير عام المركز الوطني للطب الشرعي مقرر اللجنة العليا لزراعة الأعضاء الدكتور مؤمن الحديدي ” أن بيع الشباب للكلى يتم خارج الأردن و القوانين الأردنية تحظر وتحت طائلة المسؤولية عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية” . هؤلاء يعملون على أساس الحصول على عمولة ويستهدفون الفقراء لإقناعهم ببيع كلاهم ويسهلون سفرهم خارج البلاد لدولة ثالثة حيث تجرى العمليات، حسب ما قال الحديدي.

بحسب التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان، فكّكت أجهزة الأمن العام في آذار عام 2005، شبكة وصفت بأنها تتاجر بالأعضاء البشرية (الكلى) وتوريدها إلى مصر. خليجيون وليبيون يشترون الكلى بأسعار عالية.

ويوضح الدكتور محمود حرز اللّه طبيب شرعي في المركز الوطني للطب الشرعي في الأردن الذي يعاين استئصال الكلية ” يتم تحويل هذه الحالات إلينا لإثبات واقعة استئصال الكلى ولكن الأمر الغريب أن الغالبية الساحقة من الحالات التي نعاينها تكون لشباب تقدم الواحد منهم بشكوى تجاه “سمسار” لبيع الكلى قام بالتحايل عليه وأخباره بأنه سيؤمن له عملاً في العراق وهناك يتم تنويمه وانتزاع إحدى كليتيه”.

تحدث عدد ممن باعوا كلاهم لعمان نت، عبر وسيط، في الساحة الهاشمية في وسط البلد عن معاناتهم منذ البيع

نهاية رجل باع كليته

جميل (42 عاما) اتخذ من إحدى زوايا الساحة مكانا له لا يفارقه أبدا، نحيل الجسم متوسط الطول، كان فيما مضى قوي البنية فهو عامل بناء ، أما اليوم فهو عاطل عن العمل بعد أن باع كليته بسبب الفقر قبل سنتين.

لم يتقدم جميل ورفاقه بشكاوى للجهات الأمنية المختصة “لأنهم يعرفون سلفاً أن ما قاموا به قد يدخلهم السجن”.

يقول جميل: “تعرفت بالصدفة في الساحة الهاشمية على شاب عرض اصطحابي لمصر لبيع كليتي مقابل خمسة آلاف دينار”. كانت في حينها مبلغاً كبيرا من المال بل كما وصفه “حلماً كبيراً” أما الآن فهي في حكم النسيان.

يتابع جميل” أقنعني ذلك الشاب أن بيع كلية واحدة لن يؤثر على صحتي وقال: ما رأيك أن تحصل على مبلغ خمسة آلاف دينار لتبني مستقبلك مقابل بيع كليتك لشخص مريض؟! وذهبت معه لكنني اليوم لا استطيع أن ابذل اقل مجهود”.

وتكفّل السماسرة بمبالغ السفر والإقامة في مصر ، يتابع جميل “تم الدفع نقداً أخذت جزءاً من المبلغ عند مطابقة الفحوصات بيني وبين الشخص المصري في المستشفى حيث أجريت الفحوص والجزء الآخر بعد الشخص المصري الذي كان ممداً على سرير وأنا على سرير آخر بجانبه”.

يتساءل جميل “لماذا اشتكي عليهم. لا يوجد قانون يعاقبهم إنهم معروفون ويتجولون دائما في الساحة الهاشمية؟”

مع العلم أن القانون يبيح لهولاء المتضررين المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابهم نتيجة نقص القدرة الجسدية التي نشأت عن بيع أعضاء الجسم استناداً إلى أحكام القانون المدني الأردني ويمكن مقاضاة هؤلاء الأشخاص من قبل المتضررين ومطالبتهم بالتعويض المادي والمعنوي حتى ولو كان بيع المتضرر لكليته تم بموافقته.

الفخ

رداد متورط آخر ، تقاضى كما جميل عشرة ألاف دينار مقابل كل كليته. يشرح كيف وقع في فخ السماسرة “في البداية اخبرني جار لنا يدعى عمر انه يريد الذهاب لبغداد لشراء الملابس وعرض علي مشاركته لكني رفضت لأني لا املك النقود فقال لي أنا سأجلب لك النقود عن طريق بيع كليتي التي لن تضر صحيا وعرفني على شخص تاجر كلى يدعى أبو فراس وهو شخص عراقي” .

مازال نعيم يعاني صحيا حتى هذا اليوم ” حاليا اعني بشده أصبح عندي ربط مثانة بولية لا استطيع الجلوس القرفصاء، أوهموني أن التخلص من كليتي أمر لصالحي، وسيزيد من قدرتي الجنسية “.

اما خالد الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره لم يكن يعتقد ان بيع إحدى كليتيه سيؤثر على وضعه الصحي ” فهو شاب وجسمه قوي” على حد قوله، تعرف على سماسرة الكلى بنفس الطريقه التي تعرف بها نعيم و رداد عليهم فهم أصدقاء، ذهب الى مصر وأجرى عملية مقابل 4 آلاف دينار أردني لم يتبقى منها شيء.

والآن يعاني خالد من تبعات بيع كليته اليسرى من أهمها الفشل الكلوي، هذه العوارض بدأت تظهر عليه بعد 4 أشهر من عودته من مصر، ومن أهمها هبوط في معدل وصول الدم الى الكلية، وهبوط متكرر لضغط الدم و نقص في كمية الأملاح في الجسم و انسداد مفاجئ في تصريف البول هذا الوضع الصحي الجديد لخالد استهلك معظم النقود التي حصل عليها من بيع كليته، وفوق كل ذلك هو مهدد بقصور كلوي قد يؤدي بحياته.

رأي الشرع

يحرم الدين إسلامي بيع الكلية مقابل بدل مادي ويعتبره أمرا محرما ” حسب مدير المركز الثقافي الإسلامي احمد العوايشة الذي أكد في نفس الوقت جواز التبرع بالكلية لإنقاذ نفس أخرى شريطة أن لا يؤدي هذا الأمر لتهلكة النفس وان يوجد عضو بديل عن العضو المتبرع فيه”.

رأي الطب

يفند الطب مزاعم زيادة القدرة الجنسية فلا أساس علمي لها، بحسب اختصاصي جراحة المسالك البولية والكلى طلال طهبوبن الذي يؤكد “لا يجوز إجراء أي عملية من هذا النوع دون التأكد من سلامة كل الظروف حولها ” نظراً لإجراء العملية في ظروف غير صحية واستخدام أدوات قد تكون غير معقمة، ولا يتم معرفة التاريخ المرضي للمريض كما هو العادة في العمليات القانونية، لنعرف إذا ما كان المريض يعاني من أمراض قد تؤثر سلبياً على صحة المريض كالسكري أو الضغط أو هبوط بالقلب، وأخرى معدية تنتقل إلى متلقي الكلية من المريض كالتهاب الكبد الوبائي أو الايدز دون أن نعلم، وقد تحدث مضاعفات سلبية على المريض أثناء العملية أو حتى بعد انتهائها بدءً من لالتهابات الطفيفة حتى الوفاة”.

ولكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع العيش بكلية واحدة، بحسب الدكتور طهبوب ففي حالة كانت ظروف نقل الكلية طبيعية وبإشراف طبي رسمي فالأمر طبيعي، فالكلية الواحدة تقوم بوظائفها بقدرة 50%، وفي حال التبرع بواحدة فالأخرى مؤهلة للقيام بوظيفة الكليتين معاً، وفي حالة العكس فإنه قد تظهر التهابات مزمنة أو حصوة في الكلية تكلف المريض المتبرع حياته في بعض الأحيان”.

و وصل عدد وصل عدد مرضى الفشل الكلوي في الأردن حسب إحصائيات الجمعية الأردنية لمرضى الكلى إلى 2600 مصاب يزدادون كل عام بنحو 330 مريضا، يعالجون بواسطة 562 جهازا لغسيل الكلى ويكلفون الدولة زهاء 34 مليون دينار.

وتبلغ حاجة الأردن للكلى تصل إلى 200 كلية سنويا حسب رئيس المركز الوطني للطب الشرعي لدكتور مؤمن الحديدي الذي يرى انه يمكن توفيرها من المتبرعين الذين يسقطون صرعى حوادث السير، أو المتوفين دماغيا من خلال أهاليهم. لكن تعدد المرجعيات وعدم وضوح العلاقة فيما بينها وعدم وجود قاعدة بيانات مشتركة تعيق تنفيذ برنامج تشجيع زراعة الأعضاء وخاصة الكلى.

عضو لجنة متابعة مرضى الكلى ورئيس جمعية مرضى الكلى الأردنية يقول: “منذ إجراء أول عملية زراعة كلى بالأردن قبل 37 عاما، لم يتم زراعة كلى من متبرع غريب. فغالبية المتبرعين هم من أقرباء الدم أو من المتوفين دماغيا جراء الحوادث”.

أين المشكلة؟

النيابة العامة التي تملك الحق العام في تطبيق نصوص القانون غالباً تعجز عن إثبات قيام المتبرع بقبض الثمن من المريض، وهو الشرط الوحيد الذي ربط القانون بينه وبين إيقاع العقوبة، إذ يستطيع المتبرع إخفاء علاقته مع المريض المستفيد وبالتالي استحالة إثباتها، مما يساهم في تفجير المشكلة وتمادي العصابات المستفيدة من هذه الثغرة.

لماذا تباع الأعضاء؟!

اشترك ممن تحدثنا معهم بالقول “بعت كليتي مقابل حاجة مادية “.

وفي حال استمرار الوضع الاقتصادي المتردي والبطالة بين الشباب وتراجع القيم الأخلاقية والثقافية في المجتمع، يخشى أن تتحول مشكلة بيع الكلى إلى ظاهرة بالتأكيد، والمطلوب حسب جهات قانونية وطبية وأمنية تعديل التشريعات وحملات توعية إعلامية بمخاطر هذه المشكلة.

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) www.arij.net وبإشراف الزميل سعد حتر.