"قراميط" الشرقية تتغذى على الجيف وتباع للناس

9 مارس 2015

الوطن – رائحة نتنة تهب تجاهك، عندما تتجول بين مزارع تربية أسماك القرموط في منطقة العباسة بمحافظة الشرقية. ريش طيور، وجثث حيوانات تتناثر وسط مياه، لونها أخضر داكن تشبه مياه المستنقعات.

 شاحنة محملة ببراميل زرقاء تحتوي أحشاء دواجن، تقف إلى جانب حوض أسماك القرموط في إحدى هذه المزارع. على الفور يفرغ عامل المزرعة محتويات البراميل في حوض أسماك.

خلال ثوان، تتجمع الأسماك وتتسارع لالتهام “وجبة دسمة”، في مشهد تقشعر له الأبدان؛ من شدّة الانقضاض عليها تجرها إلى منتصف الحوض.

على جوانب مزرعة الأسماك، تتراص أكوام السبلة (روث الدواجن)، وما تبقى من (شكائر) عبوات بلاستيكية مليئة بطيور نافقة، إلى جانب براميل بلاستيكية تحوي مخلفات محلات بيع اللحوم “المجازر”، ومصانع المرتديللا “اللانشون”.

تلك المشاهد التقطها مُعدا التحقيق، وتتبعا مسار نقل الجيف والروث؛ لتغدو طعام أسماك القرموط (المعروف علميا باسم سمكة القط) في مزارع سمكية منتشرة بمحافظة الشرقية.

وينتج أصحاب مزارع آلاف الأطنان من القرموط المغذى على جيف حيوانات، وأحشاء دجاج مستغلين ضعف الرقابة والعقوبة المنصوص عليها في قانون (124 لسنة 1983) الخاص بصيد الأسماك، والأحياء المائية، وتنظيم المزارع. إذ تنص المادة 60 على: “أن من يخالف القانون يتعرض لعقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وغرامة لا تزيد على 10 آلاف جنيه (1400 دولار)، أو إحدى هاتين العقوبتين”.

ورغم صدور 1200 مخالفة بحق أصحاب مزارع عام 2012، فإن أغلبيتها لم تحرر بشأنها محاضر، بحسب الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بالمحافظة.

وأجرى معدا التحقيق تحاليل مخبرية لـ3 عينات من أسماك القراميط من مزارع متعددة غير مرخصة. وأثبتت التحاليل وجود طفيليات وبكتيريا من بينها أنواع سميّة مثل: الأسبرجلس والديدان الشريطية، التي تصيب الإنسان بأمراض خطرة.

 وتقدر إدارة الثروة السمكية بمديرية الزراعة في محافظة الشرقية البالغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة وجود 11630 مزرعة أسماك غير مرخصة، مقابل 8 مزارع فقط مرخصة، 4 منها حكومية، و4 أهلية.

إنتاج المزارع التي تستخدم الجيف في التغذية يباع بسعر يتراوح بين 8 و10 جنيهات (1 و1.5 دولار) للكيلوجرام، في حين يباع ذات الصنف من السمك الذي يتغذى على الأعلاف المصرح بها بين  12 و15 جنيها (دولارين) للكيلوجرام.

ولا يقتصر بيع الأسماك “المسمنة” على الجيف في أسواق الشرقية، بل تصدّر إلى مختلف محافظات مصر فضلا عن بيعها معلبة على أنها أسماك تونة.

تتطلب إقامة هذه المزارع السمكية موافقة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التي تشترط عدم صلاحية الأرض للزراعة، وعدم الاعتماد على مياه النيل وفروعه في تغذية أحواض المزرعة .

وتصل مساحة الحوض الواحد بالمزرعة السمكية نحو متر مربع، تتخللها ممرّات بعرض ثلاثة أمتار لتنقل السيارات المحملة بطعام الأسماك.

في عام 2012، كشفت لجنة رقابية شكلها محافظ الشرقية أن مستأجر مزرعة مرخصة تعود للمعمل المركزي لبحوث الثروة السمكية بالعباسة يستخدم جيف كلاب، ودجاج، وحمير في تغذية سمك قرموط يربيه في مياه الصرف الصحي. وتبين أن تلك المزرعة التي تضم حوضين مساحتهما 10 أفدنة كانت مؤجرة مرتين؛ لمواطن أجرها بدوره “من الباطن” للشخص المخالف.

ورغم إقرار مسؤولي الهيئة بتغذية “القرموط” على جيف حيوانات، وطيور نافقة في المزارع السمكية، وإقرار البائعين بعرضها، وشهادات مواطنين، يصر المسؤولون بمديرية الصحة – وهي الجهة الرقابية المنوط بها حماية المستهلك من الأغذية التالفة – على أنهم لم يشاهدوا مثل هذه الأسماك معروضة في الأسواق.

ويؤكد عاملون في صناعة تربية الأسماك أن غالبية القرموط تتغذى على الجيف، وتباع في الأسواق، حيث لا يفرق المواطن بينها وبين الأسماك المطابقة للمواصفات.

تبرير أصحاب مزارع

منصور المغازي صاحب إحدى مزارع القراميط غير المرخصة بمنطقة أبو حماد يقر بـ”إطعام القراميط أي شيء نافق”، لافتا إلى أن السمك يقتات على “أي شيء نافق مثل: دجاج أو حمار أو كلب، وأي حيوان يموت نضعه غذاء لسمك القرموط”.

تقع مزرعة المغازي وسط 25 مزرعة أخرى غير مرخصة، غالبيتها تستخدم ذات البرنامج الغذائي، حسبما يوثق معدا التحقيق بالصوت والصورة.

المغازي يبرر لجوءه لهذا النظام الغذائي بارتفاع أسعار أعلاف الأسماك، إذ يتراوح سعر الطن من أربعة إلى 5 آلاف جنيه (720 دولارا). وتأكل أسماك القراميط من العلف 5 أمثال الأسماك العادية كالبلطي أو البوري، حسبما يقول، موضحا أن إطعامه الجيف يجعله “يتضخم في وقت قصير وبتكلفة أقل”.

“دا بروتين عشان القرموط يكبر حجمه”، هكذا يبرر محمد أبو اسماعيل، وهو صاحب مزرعة أخرى غير مرخصة مخالفة للقانون.

على أن الطبيب البيطري بمديرية الطب البيطري بالشرقية بركات محمد علي يؤكد أن: “استخدام أصحاب بعض المزارع للجيف في تغذية الأسماك يعد مخالفا، وأنها ليس نوعا من أنواع البروتين كما يتوهم بعضهم، وينتج عنها  سموم في أنسجة القراميط نتيجة عملية التحول الغذائي لهذه النوافق”.

أبو إسماعيل يقول: إنه يشتري مرتين أسبوعيا ثلاثة براميل (حوالي طن) من الأحشاء بسعر 200 جنيه (29 دولارا)، و150 جنيها (21 دولارا) لبرميل الدجاج النافق (300 كيلوجرام تقريبا).

حجم الظاهرة

منطقة الشرقية التابعة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية – جهة الرقابة الوحيدة على المزارع – لا تمتلك إحصاءات بإنتاج أسماك القرموط، غير أن دراسة عن إنتاج القراميط أعدها المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد بالإسكندرية، تفيد بأن هذه الأسماك شكلت 4.4 % (31.9 ألف طن سنويا) من إجمالي الناتج السمكي في مصر وقت إعداد الدراسة عام 2007. وقدر انتاج مصر من الأسماك بجميع أنواعها عام 2013 بـ 1.4 مليون طن، وفقا لأحدث تقرير صادر عن الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية.

وتفيد الدراسة بأن إنتاج أسماك القرموط كان يشكّل 7 % من إجمالي إنتاج المزارع، يليها الإنتاج من البحيرات بنسبة 3 %، ثم النيل وفروعه بنسبة 2 %. ويتم التعامل مع الأسماك في السوق بالفحص الظاهري. لكن غالبية البائعين لا يستطيعون التفرقة بين الأسماك التي تتغذى على الجيفة، وتلك التي تتغذى على أعلاف رسمية، بحسب بائعين ليس لديهم محال ثابتة في السوق.

مشاهدات وتوثيق

راقب معدا التحقيق عملية رمي الجيف في حوضي القرموط بمزرعة أسماك غير مرخصة بمنطقة الحسينية. وفي يوم الحصاد نقل تاجر الأسماك التي تغذت على الجيف إلى نقاط بيع بالجملة؛ لتنتقل بعدها إلى بطون المستهلكين.

وبعد ترتيب مع وسطاء، تتبع معدا التحقيق الشاحنة الخارجة من المزرعة صباح 6 سبتمبر/ أيلول 2014، بعد تعبئة الأسماك، وتجهيزها في صناديق بلاستيكية حمراء وزرقاء. في البدء، وصلت إلى سوق الأسماك في أبو حماد، حيث تم إنزال 10 صناديق لتجار أسماك. ثم توجهت للمنطقة الصناعية القديمة، حيث توجد حلقة السمك بالزقازيق، والتي يرد اليها أصحاب محلات الأسماك، والباعة والمواطنون؛ لشراء الأسماك بالجملة. وهناك أنزلت بقية الشحنة البالغة 42 صندوقا من أسماك القراميط.

رحلة جمع مخلفات “المجازر”

تبلورت فكرة هذا التحقيق الاستقصائي عندما شاهد أحد معدي التحقيق في شهر مارس/ آذار 2014 نحو 3 شاحنات صغيرة محملة ببراميل وشكائر بلاستيكية، وتصدر عنها روائح كريهة تزكم أنوف المارة.

الشاحنات تمضي على طريق الزقازيق – أبو حماد باتجاه منطقة العباسة. وبسؤال السائق عن وجهته، أجاب إنها دواجن نافقة، وأحشاء يجمعونها لتذهب إلى مزارع القراميط بمنطقتي أبو حماد والعباسة، مؤكدا أن “كل شاحنة تحمل تصريحا من مكتب البيئة لجمع تلك المخلفات”، في حين ينفي مدير مكتب البيئة أمين يوسف صدور أي تصريح بهذا الشأن عن مكتبه.

عبد المنعم السيد، وهو سائق شاحنة صغيرة، يقول: إن الشاحنة التي يعمل عليها تعود لأحد الأشخاص في الشرقية، والذي يملك 4 شاحنات أخرى تستخدم جميعها في نقل الدجاج النافق من مزارع الدجاج، ومخلفات المجازر إلى مزارع الأسماك.

يضيف السيد :”بجمعها ببلاش وصاحب المجزر، أو المحل أو مزرعة الدجاج بيدينا بقشيش”، مؤكدا أن الشاحنات تفرغ حمولتها في مزارع أسماك القراميط.

أين الرقابة؟

بدا مدير مكتب البيئة بالمحافظة متوترا لدى إجابته عن استفسارات معدي التحقيق حول منح المكتب تصاريح لنقل مخلفات المجازر، ومزارع الدجاج. وكان يغير كلامه كل دقيقة. بداية قال: إن تلك التصاريح “مزيفة”، ثم استنتج “أن أصحاب الشاحنات يستخرجونها مقابل رشوة لموظفين بالمكاتب الفرعية للبيئة في المدن التابعة لمحافظة الشرقية”. ثم نفى صدور هذه التصاريح من مكاتب البيئة، مؤكدا انه يتم استخراجها من الوحدة المحلية التي تتبعها الشاحنة (إطار-3).

ويؤكد يوسف “صعوبة ضبط تلك الشاحنات على أي حال، أو عمل محاضر شرطية لها؛ لأنها تسير ليلا بعد انتهاء العمل الرسمي لموظفي الحكومة”.

يتناقض ذلك مع حقيقة أن معدي التحقيق تتبعا الشاحنات الثلاث المحملة بمخلفات الدجاج صباحا، وفي حدود الساعة الواحدة بعد الظهر في أيام مختلفة (أي قبل انتهاء الدوام الرسمي بساعتين تقريبا).

بعد تلك المقابلة، استقل أحد معدي التحقيق شاحنة صباح العاشر من مايو/ أيار الماضي، في أثناء جمعها مخلفات من مجازر، ودجاج نافق، ثم توجها إلى إحدى مزارع الأسماك بمنطقة العباسة، وهناك، أفرغ عامل في المزرعة محتويات البراميل في الأحواض السمكية.

  الخبير في شؤون الإدارة المحلية هشام الشريف يناقض تصريح مدير مكتب البيئة، مؤكدا أن دور المكتب بالمحافظات “رقابي ولديه مفتشون يتمتعون بالضبطية القضائية لمكافحة الغش، وفساد الأغذية وتلوث البيئة”. وهذا “يتيح لهم ضبط المخالفات مثل سيارات جمع الدجاج النافق، ومخلفات المجازر، والمصانع في أي وقت من الليل أو النهار، ولا يرتبطون بمواعيد العمل الرسمية”، حسبما يشرح.

بكتيريا وفطريات

يؤكد أستاذ صحة الأسماك بالمعمل المركزي لبحوث الثروة السمكية بمنطقة العباسة الدكتور رفعت محمد علي، أن تغذية أسماك القراميط بالجيف يصيبها ببكتريا وفطريات، تنتقل إلى الإنسان، وتشكل خطرا على صحته.

ويضيف إن أسماك القراميط تعمل عائلا وسيطا لمسببات الأمراض، ونقلها إلى الإنسان بعد تغذيتها على الحيوانات والدواجن النافقة بسبب أمراض وفيروسات متعددة.

الدكتور عصام عامر، وكيل وزارة الصحة بمحافظة الشرقية، أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أن نتائج التحاليل المبدئية حول واقعة تسمم 63 من أهالي قرية الزهراء التابعة لمدينة الزقازيق أثبتت أنه نجم عن تناول “أسماك”، لكنه لم يوضح نوع الأسماك.

لا توجد مواصفات قياسية للقراميط الحية، ولكن هناك مواصفات للأسماك المصنعة مثل الفيليه، والأسماك المجمدة.

تنصل من المسؤولية

تحليل 3 عينات لأسماك قرموط حصل عليها معدا التحقيق من 3 مزارع وفق تعليمات المعمل الحكومي، أثبت احتواء ثلاثتها على بكتيريا وطفيليات، وفطريات تنتج سموما من نوع الاسبراجلس والديدان الشريطية. (إطار)

بعد الاتفاق مسبقا مع إدارة المعمل، أجرت مجموعة من باحثي المعمل تحاليل بكتيرية وطفيلية، وتحليل للمعدة تحت إشراف رئيس قسم التحاليل. وتم تحليل العينتين 2 و3 معا؛ خفضا للتكاليف.

لكن بعد ظهور نتيجة التحليل، رفضت مديرة مركز التحاليل الحكومي التوقيع عليها وتوثيقها. لكن معدا التحقيق استطاعا الحصول على النتيجة بأوراق لا تحمل شعار المركز الرسمي، لكنهما سجلا بكاميرا سرية ما قدمه مدير قسم التحاليل بالمركز، ونائبة مدير المركز من تبريرات لعدم تقديم النتيجة بشكل رسمي في تقرير مكتوب، ومعتمد بخاتم المركز.

الدكتور محمد مجدي محمود ناصف أستاذ الصحة العامة وطب الصحة المهنية والبيئية بكلية الطب/ جامعة الزقازيق يعلق على نتائج التحليل بالقول:”إن الفطريات الموجودة في الأسماك يمكن أن تصيب من يأكلها بعدوى فطرية، والتهابات شديدة في القناة التنفسية مصحوبة بضيق في التنفس”.

ويوضح الدكتور محمود حماد، زميل التغذية الإكلينيكية بالمعهد القومي للتغذية، خطورة نتائج التحليل، قائلا: “هذه الميكروبات والطفيليات أو الديدان لا تؤثر بشكل مباشر في الأسماك ذاتها، إلا انها تنتقل إلى من يتناولها، وتسبب له العديد من المخاطر الصحية”.

ويفصّل هذه المخاطر بأنها تشمل اضطرابات معوية، وبطء النمو لدى الأطفال والانيميا، مضيفا: “بعض البكتيريا التي اكتشفها التحليل مثل الايروموناس والسيدوموناس تسبب النزلات المعوية، والتهاب عضلة القلب”.

أما الديدان الشريطية في العينات “فكان طولها ستة أمتار أي طول الأمعاء الدقيقة”، بحسب الدكتور حماد، الذي حذر من أن هذه الديدان “تصيب الإنسان بأمراض سوء التغذية التي تظهر بصورة فقر الدم، والشعور بالضعف والهزال”. كما أنها: “تهدد الأطفال بالتقزيم ونقص المناعة، وقد تؤدي لنتائج أخطر مثل انسداد اجزاء من الامعاء، واضطراب عملية التمثيل الغذائي”.

ويشدّد حماد على: “أن أسماك القرموط تعمل بمثابة عائل للفيروس، أو الميكروب الذي تسبب في نفوق الحيوان”.

وثائق حكومية” جيف لتغذية القراميط

أصدر محافظ الشرقية السابق حسن النجار قرار 16240 لسنة 2012 بتشكيل لجنة برئاسة مدير إدارة شؤون البيئة بالمحافظة وعضوية مندوب عن مديريات الطب البيطري والصحة، والزراعة وشرطة البيئة وشرطة المسطحات المائية. وكُلفت اللجنة بمعاينة المزارع السمكية لمعرفة مدى مطابقتها للشروط البيئية والصحية.

وانتهت اللجنة بعد معاينة 1856 مزرعة إلى تحرير 1200 محضر للمزارع المخالفة، وتضمنت المخالفات استخدام حيوانات نافقة في تغذية الأسماك.

احشء ومخلفات مجازر داخل حوض مزرعة قراميط

احشاء ومخلفات تلقى داخل حوض مزرعة قراميط

وتفيد اللجنة في تقريرها النهائي أن عددا من المزارع تستخدم “نوافق الدواجن والكلاب والحمير ومخلفات المجازر ومياه الصرف الصحي وهذا يسبب خطرا على البيئة والصحة العامة للموطنين”.

لكن مدير منطقة الشرقية بالهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية محمود فرج الله يؤكد أن المخالفات لم تصحّح، وبقي الوضع على ما هو عليه، مرجعا ذلك إلى قصور تشريعي، ومقترحا تغليظ العقوبة على المخالفين لتكون رادعة.

كما علم معدا التحقيق من عدة مسؤولين أنه لم يتم تحرير محاضر قبل هذه اللجنة ولا بعدها، لأن المسؤولين يخشون التعرض للأذى من جانب العاملين في المزارع السمكية.

تضارب في التصريحات

فرج الله -مدير الجهة الرقابية على المزارع السمكية -يقر بما جاء في التقرير من أن عديد مزارع أسماك قراميط تعتمد في تغذيتها على الدجاج النافق ومخلفات المجازر. لكنه يؤكد أن دور الهيئة “يقتصر على تحرير المحاضر للمزارع التي ترصد فيها المخالفات”.

ومن شروط استصدار رخصة مزرعة سمكية أن تكون الأرض المقام عليها المزرعة غير مخصصة للزراعة وأن يتم ريها من مياه الصرف الزراعي وليس من مياه النيل، حسبما يوضح. وبعد ذلك تقوم الهيئة بالإشراف على عملية التغذية.

خالد فوزي مدير عام الشؤون الوقائية بمديرية الصحة بالشرقية – الجهة الرقابية المسؤولة عن رصد الأسماك المريضة بالأسواق- يصر من جانبه على نفي التجاوزات، قائلا” “لم أشاهد مثل هذه الأسماك من قبل في السوق”، رغم أن معدي التحقيق واجهاه بتوثيق فيديو وصور وتحاليل وتسجيلات لبائعين يقرّون بالمخالفات.

قراميط على شكل تونة

تنتشر أسماك القرموط المعلبة على أنها علب تونة في ريف مصر الفقير، ولدى الباعة بالمناطق الشعبية.

يقول أحمد مندو -أحد الباعة أمام محطة مترو المرج الجديدة-إنه يبيع علبة التونة ب 2.5 جنيه، لافتا إلى أن هذا الصنف “يشهد إقبالا شديدا لانخفاض سعره مقارنة بالأنواع الأخرى” (التونة المستوردة تراوح بين 9-12 جنيها). لكنه يؤكد: “لا أعلم شيئا عن صناعتها ولا من أين تأتي” إذ يحضرها إليه أحد مندوبي المبيعات بسعر 1.5 جنيه.

تاجر الأسماك يرفض الإفصاح عن اسمه يقول من جانبه: “بعد ما نشتري إنتاج المزرعة من صاحبها بصنف الأحجام والكبير بوديه يتصنع تونة”.

ويضيف أنه يقوم ببيع أسماك القراميط التي يتعدى وزنها الكيلو ونصف بسعر 9 جنيهات (1.5 دولار تقريبا) للكيلو لمصانع تعليب التونة غير المرخصة في المرج ومنطقة السلام بشمال القاهرة ومعظمها قائم داخل بيوت عشوائية.

اشترى معدا التحقيق ثلاث علب تونة منتجة من هذه المصانع وعرضاها على د. محمد العراقي -أستاذ التغذية بمركز بحوث الثروة السمكية بالعباسة – للتحقق من محتواها. بعد أن فتح د. العراقي العلب أكد أنها ليست مصنعه من أسماك التونة. “يظهر هذا بوضوح من وجود بقايا أشواك عظمية تشتهر بها أسماك القراميط”، حسبما يشرح، علاوة على أن جميع العلب لأسماك مفتتة لأن مصانع بير السلم لا تستطيع تصنيع القراميط إلا بهذه الصورة. ويلفت إلى أن “لونها داكن ورائحتها زفرة جدا”.

البيانات المدونة على العبوة تحمل تفاصيل مجهولة. إذ حاول معدا التحقيق الاتصال بأرقام الهواتف ولكن إما أن يكون الرقم غير صحيح أو غير موجود بالخدمة أو يعطي رنينا دون إجابة.

بائعو الأسماك

يقول البائع أحمد أبو غالي في حلقة السمك بمدينة بلبيس: “أعمل في هذه المهنة منذ 30 سنة، لكني لا أبيع أسماك القراميط لقلّة الإقبال”.

ويؤكد أبو غالي أن مركبة تأتي إلى منطقته “بتلم مخلفات تنظيف الدواجن وتعطيها لأصحاب المزارع السمكية التي يستخدمونها كعلف لأسماك القراميط”.

محمد جمال عطا الله، بائع أسماك قراميط منذ 25 عاما بنفس المنطقة يقول: “أبيع القراميط التي تتربى في مياه نظيفة، ولا أبيع القراميط التي تتغذي على اللحوم النافقة ومخلفات المجازر ويكون لونها أحمر داكن مائل للسواد”.

تقزز الأهالي

تقول أم الخير إبراهيم إسماعيل (56 سنة) من الزقازيق: “عندنا عقدة من أسماك القراميط لمعرفتنا بأنها تتغذى على جيفة الحيوانات”.

ويضيف الموظف على المعاش سعيد وهبة “نرى بعض الناس يقبلون على شراء هذه الأسماك لرخص سعرها لكنهم قد يضطرون إلى دفع عشرات أضعاف هذا السعر على علاج الأمراض التي تصيب من يتناولها”.

أما المزارع حسين حسان، فيقول إنه يقبل على شراء أسماك القراميط لأنها رخيصة الثمن، وهو يحتاج إلى ثلاثة كيلوجرامات كي تكفي عائلته المؤلفة من ثمانية أفراد.

مع أنه يعرف أن البائعين يجلبون أسماك القراميط من الترع والمصارف يشتري حسان هذه السلعة “لأنه لا يستطيع شراء أسماك مرتفعة الثمن”.

الحل في التشريع أولا

يؤكد محمود عناني المحامي بالنقض أن ضعف القانون 124 لسنة 1983 هو السبب في انتشار مزارع الأسماك المخالفة فالقانون لا يتضمن أي عقوبات.

ويضيف أن المادة 65 من القانون نفسه ذكرت الأضرار ولم تنص على أي عقوبة، علاوة على أن المادة 48 التي تحظر استخدام المياه العذبة في تغذية المزارع تساعد على تربية أسماك فاسدة.

يشدد طرف آخر في العملية الرقابية، وهو العربي أبو طالب، رئيس اتحاد مفتشي التموين، على القصور التشريعي في حماية المستهلك. ويؤكد أن القوانين التي يستند إليها مفتش التموين في عمله “متقادمة ولا تتماشى مع حجم ونوعية الغش التجاري الموجود حاليا”، في إشارة إلى قانون مراقبة المواد الغذائية رقم 4 ويرجع إلى سنة 1942 وشؤون التموين رقم 95 لسنة 1945 وقمع الغش والتدليس رقم 158 لسنة 1960.

يؤكد أبو طالب أن أعداد بائعي أسماك القرموط كبير جدا في الأسواق اليومية والأسبوعية إلى جانب المحلات المرخصة. لكن مفتش التموين لا يستطيع أن يحرر محضرا ضد الباعة في السوق “لعدم وجود عنوان ثابت لهم”.

ويؤكد أن غالبية المحاضر التي حُررت لبائعي أسماك القرموط بسبب عدم صلاحية الأسماك للاستهلاك الآدمي قد حُفظت بسبب كثرة الثغرات، ومن ذلك أن يقدم البائع فواتير تثبت أنه اشترى الأسماك من شخص آخر لا يعرفه.

يتضح من هذا القصور التشريعي وضعف الرقابة أن المواطنين -بخاصة أصحاب الدخول المنخفضة – سيواصلون تناول قراميط تتغذى على الجيفة إلى أن تغلظ العقوبة على المخالفين.

أعد هذا التحقيق الاستقصائي بدعم شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) ضمن برنامج تدعيم الاعلام لتغطية قضايا الإدارة العامة في المحافظات.


تعليقاتكم

رد واحد على “"قراميط" الشرقية تتغذى على الجيف وتباع للناس”

  1. يقول Sang:

    I think what you said made a great deal of sense. But, what about this? suppose you composed a catchier post title? I mean, I don’t wish to tell you how to run your blog, however what if you added something that makes people want more? I mean BLOG_TITLE is kinda vanilla. You might peek at Yahoo’s home page and see how they create news titles to grab viewers to open the links. You might try adding a video or a picture or two to get readers excited about what you’ve written. Just my opinion, it would make your blog a little livelier.|

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *